الله منقذى وقوتى
لإمام المغنين. لعبد الرب داود الذى كلم الرب بكلام هذا النشيد فى اليوم الذى أنقذه فيه الرب من أيدى كل أعدائه ومن يد شاول فقال :
” أحبك يا رب يا قوتى .. ” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : داود كما نجد فى عنوان هذا المزمور.
- متى قيل : هناك رأيان :
أ – يذكر فى عنوان هذا المزمور أن داود قاله فى اليوم الذى أنقذه الله فيه من أعدائه. ويقصد باليوم نهاية المتاعب التى واجهها داود من شاول وأعداء كثيرين، مثل يشبى بنوب (2صم21: 15-17)، فهذه الفترة فى نظره، كأنها يوم واحد، وقبل الآلام من أجل الله. الذى خلصه، وهو فى فرح ويشكر الله على إنقاذه له، أى أن داود كتبه فى نهاية حياته، وهذا هو الرأى الأرجح.
ب- أما الرأى الآخر فهو أن داود لم يكتب هذا المزمور فى أواخر حياته، إنما كتبه بعد تملكه على كل مملكة بنى إسرائيل، حيث كانت حروب شاول مازالت واضحة فى ذهنه، وقبل أن يتعرض لسقطة الزنا والقتل؛ لأنه يتكلم كثيراً عن بره وكماله، أى كان لم يبلغ الأربعين من عمره.
- هذا المزمور بنصه تقريباً موجود فى (2صم22). ومن هذا يتضح أنه قيل فى أواخر حياته، أى بعد تملكه بحوالى ثلاثين عاماً.
- يلقب داود نفسه فى مقدمة هذا المزمور بأنه عبد الرب، وهذا يبين اتضاعه وافتخاره أنه منتسب إلى الله ومتكل عليه.
- هذا المزمور من المزامير المسيانية، إذ يتكلم بنبوات كثيرة عن المسيح.
- اقتبس بولس الرسول من هذا المزمور مرتين هما (رو15: 9؛ عب2: 13).
- إنقاذ الله لداود من أعدائه يرمز لانتصار المسيح على الشيطان بالصليب وقيامته، ثم ملكه إلى الأبد.
- يناسب هذا المزمور كل من يجاهد فى حياته الروحية، فيقويه ويثبت رجاءه فى النصرة.
- فى الترجمة السبعينية نجد فى عنوان المزمور إلى التمام ويقصد بها :
أ – تمام إنقاذ داود من أعدائه وراحته كملك.
ب – نبوة عن إتمام الخلاص على الصليب.
ج – نبوة عن قبول الأمم، أى تقديم الفداء للبشرية لكل العالم.
- كلم داود الرب بهذا النشيد، كما يظهر فى عنوان المزمور، ولم يقل سبح، أو رنم، فقد قاله دون آلات موسيقية، ويبدو أن ذلك لتقدمه فى السن، فلم يردد المزمور بنغمات، أو موسيقى.
- هذا المزمور غير موجود بالأجبية.
(1) الله صخرتى (ع1-6):
ع1: 1- احبك يا رب يا قوتي.
- يظهر مدى تعلق داود بالله ومحبته له.
- تظهر اتضاع داود واعترافه بضعفه، فمصدر قوته الوحيد هو الله، وهو يثق فى الله ويطمئن ما دام الله معه، فلا يخاف من أمور مقبلة، إذ فى الله كمال القوة.
- تظهر هذه الآية أيضاً العلاقة الشخصية والدالة بين داود والله فى قوله “يا قوتى” وتتأكد هذه العلاقة فى آيات المزمور التالية.
ع2: 2- الرب صخرتي و حصني و منقذي الهي صخرتي به احتمي ترسي و قرن خلاصي وملجاي.
- يعبر داود عن قوة الله المساندة له، فيشبه الله بالصخرة وينسبها لنفسه؛ لأنه يشعر بأبوة الله له، فالله صخرته وإن كان الله صخرته، فمن يقدر عليه. والصخرة تمثل الثبات، فداود يفتخر بالله مصدر ثباته.
- الله أيضاً حصن يحمى داود، فلا يستطيع أحد من الأعداء أن يؤذيه، مهما أحاطوا به، مثل شاول الذى طارده بجيوش كبيرة مرات كثيرة وهو يشعر أن الله حصنه، أى منحه حماية دائمة لا تنتهى. وهو يشير إلى قوة خلاص المسيح، المقدم على الصليب الذى يخلص ويحمى أولاده على الدوام.
- إن أخطأ داود وابتعد عن الله ولو قليلاً وخرج خارج الحصن، فالله يتحنن عليه وينقذه، بل إن الأعداء وضعوا له فخاخاً كثيرة والله أنقذه منها جميعاً.
- يعبر داود أيضاً عن حماية الله له بأن الله هو ترسه. والترس آلة حربية دفاعية يحتمى بها الجندى من سهام العدو، كما يحتمى داود وكل إنسان روحى من سهام الشياطين بالله.
- إن الخلاص الذى ناله داود ويحيا به هو خلاص قوى يشبهه بالقرن؛ لأن القرن هو أقوى جزء فى الحيوان ويستطيع أن ينطح به أعداءه. وداود قادر أن يقهر أعداءه بقوة الله، فيهاجمهم وينتصر عليهم. والقرن أيضاً يستخدم كبوق لإعلان الحرب، فهو يرمز لإعلان الخلاص والنصرة على الشيطان.
- يؤكد داود رعاية الله له فى أنه إن تعرض لأية هجمات من الأعداء لا ينزعج، بل يسرع إلى الله ملجأه ويستريح فيه.
ع3: 3- ادعوا الرب الحميد فاتخلص من اعدائي.
- إن كان الله هو كل شئ بالنسبة لداود، أى مخلصه وقوته وصخرته وحصنه ومنقذه وملجأه، فهو بالحقيقة يستحق الشكر والتسبيح الدائم.
- إن حمد داود الدائم يفيض عليه مراحم الله، فيظل يحميه من أعدائه. فداود يحب الله ويتمتع بشكره، إذ أن هدفه تمجيد الله وحينئذ تظهر أبوة الله فى حماية متزايدة لداود.
ع4، 5: 4- اكتنفتني حبال الموت وسيول الهلاك افزعتني. 5- حبال الهاوية حاقت بي اشراك الموت انتشبت بي.
اكتنفتنى : أحاطت بى واحتضنتنى.
حاقت بى : أحاطت بى.
أشراك : فخاخ.
انتشبت : انغرست، وتطلق مخالب الوحوش عندما تمسك بالفريسة.
- تعرض داود للموت مرات كثيرة من أعدائه، فيعبر عن خطورة حالته، فيشبه الموت برجل قوى قد هجم عليه وربطه بحبال، أحاطت بجسده لتعتصره ولكنه مازال حياً.
- إن أخذنا هذه الآيات كنبوات عن المسيح، فقد اختبر كل هذا على الصليب وفى القبر.
- فى الترجمة السبعينية نجد “مخاض، أو أمخاض الموت اكتنفنى” أى أن داود دخل فى آلام من أعدائه تشبه آلام المرأة عندما تلد، ولكنه إذ صرخ إلى الله خرج بقوة أعظم وإيمان ثابت.
- سيول الهلاك أفزعتنى تشير إلى الأفكار الكثيرة جداً التى هجمت على داود كسيول لترهبه وتفزعه، إذ أشرف على الموت على يد أعدائه ولكنه صبر واحتمل، فحفظه الله وأخرجه من ضيقه. وهذه الآية نفسها يكررها داود فى (مز116: 3).
- شعر داود وهو يواجه الموت على يد أعدائه كأن الهاوية أحاطت به واحتضنته وربطته كحبال، ولكنه دعى الرب فأنقذه كما قال فى (ع6).
- فى مواجهة الأعداء شعر داود أن الموت يشبه مجموعة من الفخاخ قد انغرست فى لحمه وسقط فيها ولا يستطيع الخروج منها، ولم يكن أمامه إلا الله؛ لينقذه منها، فصلى إليه، فنجاه من هذا الخطر العظيم.
- يصف داود صعوبة حالته وهو يواجه الموت؛ ليظهر مدى عظمة الله الذى أنقذه منه.
ع6: 6- في ضيقي دعوت الرب و إلى الهي صرخت فسمع من هيكله صوتي و صراخي قدامه دخل أذنيه.
- أمام هذه الضيقة العنيفة التى كاد أن يموت فيها داود، لم يكن أمامه إلا أن يلتجئ إلى الله مخلصه ويصلى إليه، بل صرخ من أعماقه؛ لينقذه الله. وهذا يبين إيمان داود بالله، إذ ليس له ملجأ فى الضيقة إلا هو.
- إطمأن داود إلى أن الله سمع صلاته وصراخه إليه.
وهيكل الله هو مكان سكناه والمقصود هو :
أ – السماء حيث يسكن الله.
ب – قدس الأقداس فى خيمة الاجتماع حيث تابوت عهد الله.
والخلاصة أن الله اهتم بصلاة داود واستجاب له. وهذا يبين محبة الله ورعايته لأولاده، خاصة فى الضيقة.
- دخول صراخ داود إلى أذنى الله معناه استيعاب الله واهتمامه بضيقة داود ابنه، فالله يهتم باحتياجات أولاده، ولا يسمعها كمعلومات فقط، بل يعيها فى قلبه، ويشعر بأولاده وينهض لينقذهم من كل متاعبهم.
اطمئن فإن إلهك يحبك وينظر إلى كل احتياجاتك ويسرع إلى إجابة صلواتك، لينقذك من كل ضيقاتك. اطمئن مهما طالت التجربة، فالله بجوارك ليحفظك ويخلصك منها، بل يحولها لخيرك.
(2) الله قاهر الأعداء (ع7-15):
ع7: 7- فارتجت الارض و ارتعشت اسس الجبال ارتعدت و ارتجت لانه غضب.
- استجابة الله ظهرت فى تحركه لنجدة ابنه داود، وعندما تحرك الله شعر داود بأن الأرض تهتز بشدة، وأقوى ما فيها وهو الجبال أخذت ترتعش من أجل غضب الله على الأشرار. فالطبيعة خافت الله، ولكن للأسف الإنسان الشرير يظل منغمساً فى شره حتى يلاقى هلاكه، كما فعل شاول.
- هذا الاضطراب حدث فى مملكة الشياطين، عندما تجسد المسيح وبشر بخلاصه فى العالم، ثم رفع على الصليب، إذ كان إبليس يعرف أن المسيح قادر أن يقيده. كل هذا رآه داود بروح النبوة، فكتبه فى هذه الآية. لذا فكما قلنا أن هذا المزمور من المزامير المسيانية.
- هذا الاضطراب يحدث أيضاً فى نهاية الأيام، عندما يقترب يوم الدينونة ويظهر غضب الله على الأشرار.
ع8: 8- صعد دخان من انفه و نار من فمه اكلت جمر اشتعلت منه.
- ظهور الدخان هو مقدمة تعلن أن هناك ناراً آتية، أو نار فى الداخل، مظهرها الخارجى هو الدخان، فغضب الله هو النار وارتجاج الأرض هو الدخان، أو النار هى الدينونة الكاملة، والغضب هو الضيقات التى تحل بالأشرار؛ حتى يتوبوا.
- إن النار الخارجة من فم الله هى كلماته التى تدين الأشرار وتحكم عليهم بالهلاك.
- الحجر الذى أُشعل من النار الإلهية يرمز للرسل الذين كرزوا فى المسكونة كلها، فطهروا بالنار قلوب المؤمنين واجتذبوهم للمسيح، وأدانوا الأشرار الذين رفضوا الإيمان.
- الله يمتحنا بالنار فى هذه الحياة من خلال الضيقات؛ لنتوب، ولكن إن رفضنا التوبة تنتظرنا نار العذاب الأبدى.
ع9: 9- طأطأ السماوات و نزل و ضباب تحت رجليه.
طأطأ : أخفض وأنزل.
- إن شر الأشرار ومهاجمتهم للأبرار أثار غضب الله، ولكن من أجل حنانه لم يهلكهم فى الحال، بل أطال أناته إلى يوم الدينونة. وعلى العكس تنازل من مجده السماوى وتجسد ليفدينا، ويظهر لنا كيف ينبغى للإنسان أن يعيش من خلال حياته على الأرض.
- تنزل السماء إلى الأرض من خلال تجسد المسيح ليجعل السماء والأرض واحداً فى شخصه، ويرفع أولاده الذين يحيون على الأرض إلى السماء، فيصيروا ملائكة أرضيين، أو سمائيين يحيون على الأرض؛ حتى يعودوا إلى مكانهم الطبيعى فى السماء ويحيوا فيها إلى الأبد.
- إن رجلى الله تشبيه له بالإنسان، فهو يرمز لتجسده ومحبته وحنانه على الإنسان، كما تقول تسبحة يوم الإثنين أن الله غُلب من تحننه وأرسل لنا ذراعه العالية؛ أى تجسد المسيح.
- إن الضباب الذى تحت رجليه يرمز لحضرته، كما ظهر فى أماكن كثيرة فى الكتاب المقدس عند ظهورات الله، سواء فى العهد القديم، أو الجديد. والضباب يشير إلى أن أسرار الله لا يمكن لبشر إدراكها، بل هو يعلن لنا ما نحتمل أن ندركه. والضباب يعلن عظمته وجلاله. والضباب أيضاً يرمز لأولاد الله القديسين المحيطين به على الأرض فى كنيسته المقدسة.
ع10: 10- ركب على كروب و طار و هف على أجنحة الرياح.
- تحرك الله ونزوله من السماء كان محوطاً بملائكته، فطار من السماء ونزل إلى الأرض. وهو وإن كان فى منظره إنسان ولكنه فى نفس الوقت الله كلى المعرفة، لذا يقول “ركب على كاروب” ورتبة الكاروبيم، أو الشاروبيم، هم المملوؤن أعيناً، أى معرفة.
- ركوب الله على كاروب وطيرانه يرمز أيضاً إلى صعوده، بعد أن أكمل فداءه للبشرية.
- الرياح التى هفَّ عليها الله ترمز لأرواح أولاده القديسين، الذين حل عليهم بروحه القدوس فى يوم الخمسين، وعندما أكملوا جهادهم على الأرض رفعهم بروحه إلى السماء، وهو يهف عليهم بروحه ويظللهم بحبه.
- يظهر إيمان داود فى كلامه عن الله، ليس فقط بأنه استجاب له وهزَّ أساسات الأرض، أى الأشرار، مهما بدوا أقوياء وثابتين، بل نزل بحبه إلى الأرض؛ ليقبض على الشيطان ويقيده بصليبه، فداود يشعر أن الله سيعمل كل شئ لإنقاذه، فيقترب إليه ويخلصه من كل الأشرار.
ع11: 11- جعل الظلمة ستره حوله مظلته ضباب المياه و ظلام الغمام.
- جعل الله الظلمة ستره فى تجسده، حيث أخفى اللاهوت فى الناسوت، وظهر الإله المتأنس كإنسان عادى، ولكن من يدقق نظره بإيمان فى كلامه وأعماله يكتشف لاهوته، فهو إله محتجب لا يمكن رؤيته إلا بالإيمان وقدر ما يحتمل الإنسان، وحتى ملائكته لا يدركون إلا القليل من مجده، كما أعلن أشعياء عن الله أنه “إله محتجب” (أش45: 15) وداود نفسه قال عنه فى (مز97: 2) “السحاب والضباب حوله”.
- إن مظلة الله التى حوله هى كنيسته التى يعمل داخلها وبها، فيشبع أولاده داخلها.
- ومظلته أيضاً هى ناسوته الذى أخفى بهاء لاهوته ومجده فيه.
- ضباب المياه هم الرسل والكهنة والخدام، الذين يرتفعون بحياتهم إلى السماء، أو يمكن دعوتهم أنهم ملائكة أرضيين. والمياه هى أقوالهم وتعاليمهم، أو كلمة الله التى ينطقون بها؛ أى أن الضباب السماوى يتحول إلى مياه تروى العطاش، كما أن حياة الرسل وخدام العهد الجديد تتحول إلى نور وتعليم يشبع النفوس ويجذبها إلى المسيح. وقد دعاهم بولس الرسول سحابة الشهود (عب12: 1).
- ظلام الغمام، أى السحاب الكثيف الذى يصعب رؤية ما فيه ولكنه مرتفع فى السماء يرمز لأنبياء العهد القديم، الذين يحيون حياة سماوية، ويعلنون صوت الله ويتنبأون عن المسيح، ولكن فى نبوات ورموز كانت غامضة فى العهد القديم، وأصبحت واضحة عندما تجسد المسيح.
وظلام الغمام أيضاً يرمز إلى الأسرار المقدسة فى الكنيسة، التى يعمل فيها الروح القدس، فيروى عطش المؤمنين، مثل إخفاء جسده ودمه تحت أعراض الخبز والخمر فى سر التناول.
ع12-14: 12- من الشعاع قدامه عبرت سحبه برد و جمر نار. 13- ارعد الرب من السماوات و العلي اعطى صوته بردا و جمر نار. 14- ارسل سهامه فشتتهم و بروقا كثيرة فأزعجهم.
- يعبر عن محبة الله لأولاده فى سرعته لإنقاذهم بشعاعه الذى يخترق السحاب، فهو يحبهم ويهتم بصلواتهم ويسرع لنجدتهم.
- الله القوى يعاقب الأشرار الذين يظلمون الأبرار أولاده، فيمطر عليهم البرد وهو رقائق ثلجية حادة تقتل من تصادفه.
وأيضاً يلقى عليهم ناراً تحرقهم، كما حدث فى ضربة البرد والنار للمصريين
(خر9: 23)، وكذلك مع شعب الله فى سيناء (عد16: 35).
- تظهر قوة الله النازل لينقذ أولاده فى أصوات الرعود التى صاحبت نزوله، فهو يريد فى هذه الآية إعلان قوته الإلهية، التى تهز أساسات مملكة الشيطان عندما تجسد.
- لعل الرعود تشير إلى تهليل الملائكة عند استقبالهم للمسيح الصاعد للسماء، عندما صعد أمام تلاميذه بعد أربعين يوماً من القيامة، منتصراً على الشيطان بعد أن قيده على الصليب. ولعلها أيضاً ترمز للريح العاصفة التى هبت يوم الخمسين عند حلول الروح القدس على التلاميذ (أع2: 2)؛ لتعلن قوة الله التى تعمل فى أولاده الأبرار، فيهزمون قوة الشيطان.
- مع البرد والنار كان صوت الله العلى ليهلك الأشرار، وهو يشير إلى قوة الله التى أنقذت داود من أعدائه، ليس بقوة سماوية مرئية، مثل البرد والنار ولكن بتدبير إلهى، مثل قتل شاول فى الحرب (1صم31: 4)، وقتل إيشبوشث ابنه بيد عبيده؛ ليملك داود (2صم4: 7، 8). وهكذا أيضاً الله يتدخل فى كل جيل بتدبيره الإلهى لإنقاذ أولاده، كما أسمع جيش الآراميين أصوات مركبات أزعجتهم فهربوا أيام أليشع النبى (2مل7: 6).
- إن سهام الله التى أرسلها وبروقه التى أزعجت الأشرار، هم ملائكته النورانيين ورسله الأطهار الذين ببشارتهم صوبوا سهاماً فى قلوب الشياطين، فانتزعوا منهم النفوس التى كانت فى يد الشيطان وآمنت بالمسيح. فالسهام ترمز لقوة كلمة الله، والبروق ترمز لنورانية خدام العهد الجديد، التى كشفت شر الأشرار وأزعجتهم.
ع15: 15- فظهرت اعماق المياه و انكشفت أسس المسكونة من زجرك يا رب من نسمة ريح أنفك.
- عندما أعلن الله غضبه على الأشرار؛ لينجى أولاده الأبرار، ظهرت أعماق المياه فى البحار، والأنهار، كما حدث عند شقه البحر الأحمر (خر15: 8)؛ لينقذ شعبه إسرائيل ويغرق فرعون وكل جيشه، وكما شق نهر الأردن ليعبر شعبه مع يشوع ليمتلكوا أرض الميعاد ويطهروها من كل نجاسات الأمم (يش3: 13)، وكما شق إيليا وأليشع نهر الأردن (2مل2: 8، 14) ليرتفع إيليا إلى السماء، ويبدأ أليشع خدمته كنبى لإسرائيل ويوبخ الشر؛ ليتوب الشعب.
- زجره الرب ونسمة أنفه هى كلامه على فم الأنبياء فى العهد القديم؛ ليدين الخطية ويعيد شعبه إليه. وهو أيضاً كلامه بواسطة الرسل وخدام العهد الجديد، فغضب الله وتوبيخه للخطية يكشف أسس الشر، ليتخلص منه الإنسان ويحيا من جديد لله.
ليكن غضب الله لك وليس عليك، فيكشف لك شر الخطية؛ لتتوب عنها وبالتالى لأبديتك ما دمت تائباً، فتتمتع بحياة جديدة فيه وتفرح بأبوته وحنانه.
(3) الله منقذ الأبرار (ع16-24):
ع16، 17: 16- ارسل من العلى فاخذني نشلني من مياه كثيرة. 17- انقذني من عدوي القوي و من مبغضي لانهم اقوى مني.
- تظهر أبوة الله فى اهتمامه بداود، فهو ليس إلهاً يحيا فى السماء، منشغلاً عن أولاده الذين فى الأرض، بل يشعر بهم، ويرسل قوته لتنتشل أولاده من وسط المخاطر والموت، فلا يستطيع الأشرار أن يؤذونه، وهنا تظهر قوة الله ومحبته الخاصة لأولاده.
- إن المياه الكثيرة هى البشر الأشرار المحيطين بأولاد الله والأمم الوثنية، أو البعيدة عن الله، أو هى هموم العالم ومتاعبه ومشاكله. فالله ينتشل أولاده من كل هذه الضيقات، بل وما هو أصعب منها؛ لأنهم محبوبون لقلبه.
- إن كان الله قد خلص داود من أعدائه، فهذا رمز للمسيح الذى خلص المؤمنين به من الشياطين بواسطة الصليب، فقيد الشيطان، وأخرج المؤمنين به من الجحيم وأصعدهم إلى الفردوس، ويخلص أولاده فى كل جيل من سلطان الشيطان.
- إن الشيطان والأشرار تظهر قوتهم أنها أكثر من قوة الأبرار الضعفاء المساكين، ولكن قوة الله التى يرسلها لنجدتهم تخلصهم من كل شر، وتظهر قوة الشيطان أنها لا شئ أمام قوة الله.
ع18: 18- اصابوني في يوم بليتي و كان الرب سندي.
- يظهر شر الشيطان فى انتهاز فرصة ضعف الأبرار، فيحاربهم أثناء ضيقاتهم؛ ليبعدهم عن الله، فهو قاسى القلب، وبالتالى يلزم الاحتراس من حيله، مهما بدا مشفقاً علينا بإعطائنا لذات الخطية، أو أفكار نشفق بها على أنفسنا، فهو لا يريد إلا تحطيمنا ويلزم طرد أفكاره ما دامت تبعدنا عن الله.
- إن الله لا يمكن أن يتركنا فى يوم بليتنا، بل يسندنا كما سند داود، وأنقذه من حيل الشيطان، ومن أيدى أعدائه. فالإيمان بمساندة الله يطمئن قلوبنا، مهما أحاطت بنا الضيقات، كما أنقذ الله يوسف من يد إمرأة فوطيفار ومن معاناة السجن والذل ورفعه إلى عرش مصر.
ع19: 19- اخرجني الى الرحب خلصني لأنه سر بي.
- رغم صعوبة الضيقة التى كادت أن تخنق داود، كما عبر عن ذلك فى (ع4، 5)، لكن الله بقوته أخرجه إلى الرحب، أى الإحساس بالانطلاق والسعة، إذ تملك على كل بنى إسرائيل.
- وسط الضيقات أخرج الله داود إلى الرحب، عندما أشعره بوجوده معه، فتغنى له بمزامير كثيرة وتخلص من ضيق النفس، لأنه اختبر أعماقاً جديدة فى محبة الله، وتحولت الضيقة إلى رحب روحى واختبار لاتساع محبة الله.
- يعطى داود سبباً واضحاً لتخليص الرب له بأنه قد سُر به، أى سُر بمحبته لله، واهتمامه بتنفيذ وصاياه وسعيه للبر. فالله يحب أولاده ويرفعهم وسط الضيقات ويذل الأشرار تحت أقدامهم، كما أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوات العدو. وقد أعلن المسيح ذلك بقوله لا تخف أيها القطيع الصغير؛ لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت (لو12: 32).
- إن الكنيسة جسد المسيح التى أحبته وآمنت به، سُر بها، وكما أعلن الآب محبته للإبن الوحيد، الذى سُر به وهو خارج من مياه الأردن بعد معموديته (مت3: 17)، فهو يعلن مسرته بأولاده المؤمنين به، المولودين من جرن المعمودية، فيسندهم ويخلصهم ويخرجهم إلى الرحب الذى هو اختبار عشرته.
- إن أولاد الله يعانون من الضيقات فى هذه الحياة، ولكن الله يخلصهم؛ لأنه سُر بهم، فيخرجهم إلى رحب الحياة الأبدية لينطلقوا فى محبته إلى الأبد.
- عانت الكنيسة من اضطهادات فى بدايتها من اليهود فى أورشليم، ثم الرومان، حتى أن الكنيسة تشتتت من جراء الاضطهاد، ولكنها انتشرت واتسعت ووصلت إلى عاصمة الإمبراطورية الرومانية التى تحكم العالم وهى روما، حيث بشر فيها بولس، كما يظهر من نهاية سفر أعمال الرسل.
ع20: 20- يكافئني الرب حسب بري حسب طهارة يدي يرد لي.
- فى إيمان يثق داود أن الله سيكافئه ببركات إلهية؛ لأنه يسلك فى البر، عكس الأعداء المصرين على الشر ويريدون قتله. وهو هنا لا يفتخر بكبرياء، ولكنه يطمئن الأبرار أن البر له مكافأة؛ لأن الله عادل.
- الله العادل يعاقب الأشرار ويرد للأطهار بركات؛ ليشجع الطهارة والبر.
- إن كان الأشرار عند هجومهم على داود اتهموه زوراً بأخطاء مختلفة، كما اتهمه شمعى بن جيرا بأنه رجل دماء (2صم16: 7)، فهو هنا يبرر نفسه ويعلن طهارته وبره.
- إن طبقنا هذه الآية على المسيح، فهى واضحة؛ لأن المسيح ليس فيه خطية، ومكافآته هى بإظهار مجده فى القيامة والصعود.
ع21، 22: 21- لأني حفظت طرق الرب و لم اعص الهي. 22- لأن جميع احكامه امامي وفرائضه لم ابعدها عن نفسي.
- إن طرق الرب هى وصاياه، ويعلن داود أنه حفظها، أى طبقها وعاش بها ولم يعصاها، فتمتع بعملها فيه وسلك فى الطريق المستقيم.
- إن حفظ وصايا الله جعله يبتعد عن الشهوات الشريرة، وكل طرق العالم، وأفكار الأمم، ووضع قلبه فى محبة الله والخضوع لكلامه.
- تمتع داود بتنفيذ وصايا الله، أى أحكامه؛ لأنه وضعها أمامه، كما أوصى الله فى شريعته (تث6: 1-9)، فكانت شغله الشاغل، بل تعودها فرفض أفكار العالم وخطاياه.
- ساعد داود على حفظ وصايا الله تمسكه بفرائض الله، أى عبادته بحسب ما أوصت شريعة موسى، فانشغل بمحبة الله وتقديم التوبة والشكر الدائم له.
- إن أحكام الله أيضاً هى التى ستتم فى يوم الدينونة، فعندما وضع داود دينونة الله أمامه، عاش فى مخافة الله، ورفض الشر، وأرضى الله فى كل طرقه.
ع23: 23- واكون كاملا معه و اتحفظ من اثمي.
- إن داود يسعى للكمال فى حفظه الوصايا وتنفيذها. والمقصود طبعاً الكمال النسبى الخاص بالبشر؛ لأن الكمال المطلق لله وحده. فهو يسعى لتنفيذ كل الوصايا بتدقيق، فيرضى الله من كل قلبه، فبهذا يُسر الله.
- إن سعى داود للكمال سيجعله تلقائياً يحترس ويبتعد عن الآثام، فمحبة الله تطرد محبة الخطية. والعكس صحيح فإن محبة العالم عداوة لله (يع4: 4).
ع24: 24- فيرد الرب لي كبري و كطهارة يدي امام عينيه.
يؤكد داود بر الله وعدله – الذى أعلنه فى (ع20) – فى أنه يكافئ الأبرار حسب برهم وطهارتهم.
لا تيأس إذا رأيت نجاح الأشرار وضيقات الأبرار، بل تمسك بوصايا الله، واثقاً أنه سيكافئك ولو بعد حين، ويعوضك عن كل أتعابك. أما الأشرار، فإن لم يتوبوا ينتظرهم هلاك لا يمكن تخيله.
(4) حنان الله على المساكين (ع25-27):
ع25، 26: 25- مع الرحيم تكون رحيما مع الرجل الكامل تكون كاملا. 26- مع الطاهر تكون طاهرا و مع الاعوج تكون ملتويا.
- يؤكد أيضاً هنا عدل الله الذى يكافئ الإنسان الذى يرحم الآخرين بمراحم إلهية كثيرة، فهو يساعد الذى يسعى فى طريق الكمال لاقتناء فضائل كاملة، والذى يحيا فى طهارة بنقاوة قلب يستطيع أن يعاين الله. فالله كنز مملوء بركات يعطيها لمن يهتمون باقتنائها.
- لتقربهم لله يذكر هنا أنه “مع الأعوج تكون ملتوياً” وفى ترجمة أخرى “مع الضال تظهر مقاومتك” ومعنى هذا أن الخاطئ المصر على شره، ويسلك باعوجاج مع الله ويتحداه، يتخلى عنه الله، فيتعرض لمشاكل كثيرة، ويُذل أمام الخطية، لعله يتوب. كما يكون الله ملتوياً معه بوضع عقبات فى طريق إتمام شره لعله ينتبه، فالله رحيم على الأبرار والأشرار أيضاً.
ع27: 27- لأنك أنت تخلص الشعب البائس و الاعين المرتفعة تضعها.
- إن كان الله رحيماً مع كل من يرحم غيره، فهو أيضاً يخلص شعبه كله إن كان متضعاً، فالله يعمل مع الفرد والجماعة ويخلص المتواضعين؛ لأنه لا يعطى مجده لآخر؛ إذ أن المتضعين ينسبون المجد دائماً لله.
- الأعين المرتفعة، أى المتكبرين، الله ينزلها إلى الأرض؛ لأنهم نسوا الله القدوس، وتكبروا عليه، ونسبوا المجد لأنفسهم.
- هذه الآية عن المسيح، الذى يخلص المؤمنين به، المتضعين، مثل الرسل وتابعيه، ويضع المتكبرين، مثل الكهنة والكتبة والفريسيين فى الجهل؛ لأنهم تكبروا، كما أعلنت أمنا العذراء فى تسبحتها “أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتضعين”
(لو1: 52).
إن الاتضاع هو أقصر طريق إلى قلب الله، فلماذا تتوانى عنه ؟ إنه يخلصك من كل الخطايا ؟ ويفيض عليك مراحم الله، فتحيا مطمئناً، فرحاً بعمل الله فيك.
(5) قوة الله لأولاده (ع28-36):
ع28: 28- لانك انت تضيء سراجي الرب الهي ينير ظلمتي.
- إن النور الذى فى الإنسان مصدره ليس منه شخصياً، بل مصدره هو الله. فهو الذى أعطى التراب نسمة حياة، فصار إنساناً، وهو الذى يضئ الإنسان العتيق فى المعمودية، فيتحول إلى إنسان جديد.
- إن كان الله ينير ظلمة الإنسان، أى يخلصه من خطاياه ومشاكله، فيصبح إنساناً روحياً، فلا يستطيع إبليس حينئذ أن يحاربه، لأن ظلمة الخطية تتنافر مع نورانية هذا الإنسان، فيحيا هذا الإنسان مع الله ويدوس كل قوة العدو.
- إن الاستنارة الروحية تحول قوة الشر التى فى الإنسان إلى قوة للخير، فإذ سكن المسيح فى القلب تصبح شهوته محبة الله بدلاً من النجاسة. وتتحول محبته للقنية إلى محبة لأخبار القديسين والاقتداء بهم، أى يتحول الإنسان من طريق الظلمة ويسلك فى طريق النور.
- إن الله هو الذى يضئ سراج الإنسان، ومعنى هذا أنه يعطيه حياة دائمة واستنارة مستمرة. فقد كانت هناك عادة شرقية قديمة وهى إضاءة سراج طوال الليل فى البيت لإعلان وجود حياة مستمرة فيه، أى أن الله يعمل فى الإنسان فى كل حين ويمتعه به. وقد طلب رجال داود منه – عندما كاد الأعداء أن يقتلوه فى الحرب وأنقذوه – ألا يخرج معهم فى الحرب مرة ثانية، وقالوا له “لا تطفئ سراج إسرائيل” (2صم21: 17)، فداود يمثل وجود الله، وبرعايته ومحبته يعطى حياة دائمة لشعبه.
ع29: 29- لأني بك اقتحمت جيشا و بالهي تسورت اسوارا.
تسورت : تسلقت وقفزت من فوق السور.
- إذ يثق داود بقوة الله التى معه يعلن أنه قادر أن يقتحم جيوشاً مثل جيوش شاول، أو جيوش أبشالوم، بالإضافة إلى جيوش الفلسطينيين وكل أعداء شعب الله. فقد انتصر عليهم جميعاً. لأن قوة الله تفوق كل قوة على الأرض مهما كان ضعف داود، أو قلة رجاله.
- إن الأعداء يضعون أسواراً وحواجزاً حول أولاد الله، والشيطان يضع ِأسواراً عالية من الخطية والظروف التى تؤدى إليها. ولكن من يتكل على الله يستطيع أن يقفز من فوقها ويتخطى كل عوائق تفصله عن الله. الشيطان يضع أسواراً كثيرة ولكن قوة الله تسند المجاهد الروحى فيقفز من فوقها كلها؛ ليصل إلى هدفه وهو ملكوت السموات.
ع30: 30- الله طريقه كامل قول الرب نقي ترس هو لجميع المحتمين به.
ترس : آلة حربية دفاعية يستخدمها الجندى لصد السهام عن جسمه.
- إن طريق الله كامل، أى أن وصاياه تسير بنا فى الطريق المستقيم وتوصلنا إلى الحياة الأبدية ولا يوجد فيه أى انحراف أو ضلال، وبالتالى من يسلك فيه يضمن الإستقرار والنجاح والسعادة.
- إن طريق الله الكامل هو المسيح الذى قال أنا هو الطريق والحق والحياة، فمن يؤمن به ويحيا معه يضمن فرحه وأبديته.
- إن قول الرب نقى، فيطهر الإنسان من كل خطية، وبالتالى يستطيع أن يعاين الله ويتمتع بعشرته.
- من يحيا بكلام الله ويسير فى طريقه، فهو يحمى نفسه من حيل إبليس وحروبه المختلفة، ولا يستطيع الشيطان أن يسقطه فى خطية، مهما كان ضعف هذا الإنسان، لأنه محتمى بالله.
- إن طريق الله كامل فى أعين المؤمنين به، والذين يخلون مشيئتهم ويطلبون مشيئة الله، أما المتعلقين بالعالم فيرون طريق الله صعباً وغير مناسب لهم؛ لأنه لا يحقق رغباتهم، فيحاولون أن يخلطوا بين طريق الله وطريق العالم، وحينئذ يقول لهم الله “حتى متى تعرجون بين الفرقتين” (1مل18: 21) “أنا مزمع أن أتقيأك من فمى”
(رؤ3: 16).
ع31: 31- لأنه من هو إله غير الرب و من هو صخرة سوى الهنا.
- يعلن داود أنه إن وجدت آلهة وثنية كثيرة، فهى لا تعتبر آلهة، بل الإله الوحيد هو الرب إله إسرائيل، الذى ينبغى له العبادة والإكرام.
- إن الله هو الصخرة، أى الحماية لأولاده، والقوة التى يستندون عليها ضد جميع قوى العالم. والصخرة مصدر الحياة لأولاده، فمنها يخرج الماء، كما كان أيام موسى، والصخرة كما يعلن بولس الرسول هى المسيح التى تابعت الشعب فى كل مكان وحفظت له حياته (1كو10: 4).
ع32: 32- الاله الذي يمنطقني بالقوة و يصير طريقي كاملا.
يمنطقنى : يلبسنى منطقة وهى حزام يربط على الوسط فما أسفله ويعنى الاستعداد للعمل والحرب.
- يتكلم داود عن الله، فيصفه بأنه يشدده ويعده للحرب حتى ينتصر على أعدائه. ولا يقصد فقط الأعداء الأرضيين، بل بالأولى الشياطين، فما دامت معه قوة الله، فهو حتماً سينتصر عليهم.
- إن الله يصير أيضاً طريق داود كاملاً، فينزع العقبات التى تعطله عن السير، ويحول العقبات إلى درجات لصعوده سلم المجد، فينمو فى محبته لله.
- إن الطريق يصير كاملاً بالمسيح يسوع الذى هو الطريق والحق والحياة، فمن يحيا فى المسيح يعبر فوق الجميع الضيقات بنجاح.
ع33: 33- الذي يجعل رجلي كالايل و على مرتفعاتي يقيمني.
الإيل : ذكر الغزال الذى يتميز بسرعة الجرى.
- يشكر داود الله الذى يعطى رجليه سرعة فى الجرى مثل الإيل، سواء فى الهروب من أعدائه، أو مهاجمة الأعداء، كما ذكر فى ع(29) أنه يقتحم جيوشاً ويتسَّور أسواراً، فهى قوة إلهية تميز داود وتعطيه نصرة على الأعداء. وهكذا أيضاً يعطى الإنسان الروحى سرعة فى الهروب من الخطية، وسرعة فى الهجوم على الشر بالصلاة والاتضاع، فينتصر دائماً.
- يهرب داود ويرتفع على جبال، أو تلال عالية، فيصعب على الأعداء مهاجمته، فالله يحصنه بهذه المرتفعات، ويساعده على هذا سرعته فى الجرى. فمن يتكل على الله يعطيه قوة لا يستطيع إبليس مقاومتها.
- إن الإيل فى سرعتها تهاجم الثعابين وتأكلها، فهى ترمز للإنسان الروحى الذى يهاجم بقوة الله الشر وينتصر عليه. وعندما تأكل الإيل الثعابين تعطش جداً، فتشرب بكثرة، كما يشرب الإنسان الروحى من ينابيع الروح القدس فى الكنيسة.
- من المرتفعات التى يقيم الله داود عليها هى الصلاة التى تثبت الإنسان كالجبل، وترفع قلبه للعلاء، فتستمر معونة الله معه.
- إن الإنسان الروحى سريع مثل الإيل فى الالتجاء للروحيات وهى الصلاة والتأمل، فيتمتع أكثر من غيره بالسمو الروحى على المرتفعات.
- إن مرتفعاتى هى الفضائل التى وهبنى الله إياها وأحببتها، وعندما أسرع إلى الله كالإيل، ينمينى فى محبة الفضيلة، فتصير حصناً لى من حروب الشياطين.
ع34: 34- الذي يعلم يدي القتال فتحنى بذراعي قوس من نحاس.
- إن الله يساند داود بأن يعلمه كيفية الحرب، وعندما يعلم الله يعطى كل المهارة للمحارب، فيستطيع أن يتغلب على أعدائه بمهارته وبمعونة الله وحتماً سينتصر عليه.
- إن الله يعطى قوة خاصة للإنسان تفوق القوة البشرية العادية، فيستطيع أن يمسك بذراعيه قوس من نحاس ويثنيه، وبالتالى فهذا المحارب قادر أن يغلب الكثيرين من أعدائه.
- هذه القوة والمهارة يعطيها الله للمجاهدين الروحيين ضد الشياطين، مهما كانت حيلهم وقوتهم، فقوة الله تساند أولاده لينتصروا فى حروبهم الروحية.
- إن يدى الإنسان عندما ترتفعان للصلاة تكون بشكل قوس، فهذين الذراعين قادرين على استجلاب مراحم الله ومعونته، كما حدث مع موسى فى حربه مع عماليق عندما انتصر يشوع عليهم؛ لأن يدى موسى كانتا مرفوعتين بالصلاة أمام الله (خر17: 11).
ع35: 35- و تجعل لي ترس خلاصك و يمينك تعضدني و لطفك يعظمني.
- إن الترس كما ذكرنا آلة دفاعية فى الحرب، فمعنى هذا أن الله قد حمى داود فى حروبه من سهام العدو، فتغلب عليهم، فكان يصيب الأعداء، أما هو فكان الله يحفظه. وهذه نعمة كبيرة يتمتع بها المحارب الروحى عندما يصلى ويتضع أمام الله، فيدخل فى كل عمل وخدمة وينجح، فهو يدوس الشياطين ولا يستطيعون أن يؤذوه.
- إن ترس الخلاص كما يذكر لنا بولس الرسول هو الإيمان (أف6: 16). فداود وكل أولاد الله يحميهم الإيمان من سهام الشياطين، فلا ينزعجون من تشكيكاتهم، فيواصلون الحرب وينتصرون.
- إن يمين الله هى قوته التى تساند داود، فسر القوة والعظمة فى داود راجعة لله فى ترسه ويمينه ولطفه، وهذا يبين إتضاع داود الذى ينسب كل نعمة عنده لله.
- إن داود يشعر أن عظمة الملك ومكانته العالية بين الأمم المحيطة به ناتجة من حنان الله ولطفه. ففى أيام داود تحقق وعد الله فى اتساع مملكة بنى إسرائيل؛ لتمتد من نهر مصر إلى الفرات، كل هذا بفضل الله.
- فى الترجمة السبعينية “لطفك يتلمذنى”، فداود يشعر أن الله يعطيه قوة أمام الآخرين، ولكنه يعلمه بلطف وحنان أبوى كيف يسلك، بل يعلمه أيضاً كيف يكون لطيفاً مع الآخرين.
ع36: 36- توسع خطواتي تحتي فلم تتقلقل عقباي.
تتقلقل : تهتز.
عقباى : كعباى.
- الله أعطى داود قوة ليتقدم بخطى واسعة فى حياته الروحية والمادية، فانتصر فى حروبه كلها مع الأعداء، وانتصر أيضاً فى حروبه الروحية.
- إن داود فى تقدمه يتقدم بخطى ثابتة، فما يكسبه من انتصارات لا يضيع منه، بل يكمل نجاحه، فتتوالى انتصاراته المادية والروحية.
- إن ثبات داود يعلن مدى إيمانه، فلم يهتز من تهديدات الأعداء ولا هجماتهم، بل كان قوياً منتصراً، وحتى عندما سقط فى خطيته قام بتوبة قوية واكمل جهاده الروحى ونموه.
- المجاهد الروحى فى بداية جهاده تكون خطواته ضيقة، ولكن عندما يستمر فى الجهاد ويتعوده تتشدد رجلاه ويصبح قادراً على أن يخطو خطوات واسعة بمعونة الله، خاصة وأن الله ينزع من طريقه العقبات، ويكشفها له، ويرشده كيف يعبر فوقها، فتستمر خطواته واسعة وتقدمه كبيراً. هذا ما يحدث مع القديسين وأولاد الله فى كل جيل.
إن قوة الله المساندة لك كافية لتنتصر فى كل حروبك الروحية، فلا تتشكك من ضعفك، أو قوة إبليس، بل ثابر فى جهادك، مستنداً على ذراع الله بالصلاة والاتضاع.
(6) التسلط على الأعداء (ع37-45):
ع37، 38: 37- اتبع اعدائي فادركهم و لا ارجع حتى افنيهم. 38- اسحقهم فلا يستطيعون القيام يسقطون تحت رجلي.
- إذ وثق داود بقوة الله المساندة له، تقدم بشجاعة، فأدرك أعداءه وأهلكهم. هذا ما حدث فى حروب داود المختلفة مع الأمم المحيطة.
- إذ يسند الله أولاده ويكشف لهم ضعف الشياطين، يتقدمون وينتصرون عليهم، كما حدث مع آباء البرية عندما طردوا الشياطين منها وعمروها بالصلوات، فانتشرت الأديرة فى برارى مصر من الإسكندرية حتى أسوان.
- من ثقة داود فى الله لا يهتز مهما كانت قوة الأعداء، ويواصل حربه حتى يبيد أعداءه. فهو ليس فقط شجاعاً، بل مثابراً، فيكمل جهاده حتى ينال الإكليل والنجاح.
- إن داود لا يرجع حتى يفنى أعداءه، هذا لم يكمل إلا فى المسيح، الذى قيد الشيطان وسيلقيه فى العذاب الأبدى. ولكن جيد أن يثابر أولاد الله فى الجهاد بكل طاقتهم، ولا يتهاونون، فيتركون فرصة للشيطان؛ ليحاربهم مرة أخرى بنفس الوسائل، مثل استبقاء صديق شرير، أو أماكن غير مناسبة، أو صور …
- إن مهاجمة داود لأعدائه يثابر فيها حتى يسحقهم، فيضعفون ولا يستطيعون القيام فى وجهه. هذا ما حدث فى حروبه مع الأمم. وهذا ما يحدث أيضاً فى الحروب الروحية عندما يكون المجاهد الروحى، مثل داود، مثابراً فى اتضاع، ليسحق الشياطين ويدوسهم، فيخافون منه ويبتعدون عنه.
ع39-42: 39- تمنطقنى بقوة للقتال تصرع تحتي القائمين علي. 40- و تعطيني اقفية اعدائي و مبغضي افنيهم. 41- يصرخون و لا مخلص الى الرب فلا يستجيب لهم. 42- فاسحقهم كالغبار قدام الريح مثل طين الاسواق اطرحهم.
- يواصل داود شرح قوة الله التى تسانده فى الحرب، مؤكدا أنها تعده للقتال، وبها يستطيع أن يهلك أعداءه الذين كانوا يهاجمونه ويحاولون الفتك به. ولكن يظهر ضعفهم عندما يسقطون تحت قدميه.
- يوضح ضعف الأعداء فى هروبهم السريع من المعركة، فيعطونه القفا لا الوجه ولكن داود يتابعهم حتى يبيدهم، كما وعد الله فى شريعته لموسى (خر23: 27).
- عندما يقابل الأعداء الموت يخافون ويصرخون إلى آلهتهم الوثنية فلا تستجيب. وإن صرخوا إلى الله إله إسرائيل بدون إيمان، فلا يستجيب لهم بالطبع، لأنهم أشرار. وإن كانوا يهوداً – مثل شاول وأبشالوم وجيوشهم – فهو أيضاً لا يستجيب لهم؛ لأنهم يظلمون داود وقلبهم مملوء شراً، فنجاح داود ونصرته معتمدة تماماً على نقاوته أمام الله ومساعدة الله له.
- عندما يطارد داود أعداءه يشتتهم كما تذرى الرياح الغبار، فينتشر فى كل مكان ولا يكون له استقرار، ويظل داود ثابتاً بقوة الله، مطارداً لهم. فمن يحيا مع الله يتمتع بالثبات. ومن يعصى الله ليس له مكان ولا استقرار.
- يوضح داود ذل الأعداء، فيشبههم فى حربه معهم بطين الأسواق، الذى يكثر الدوس عليه، فيفقدون كرامتهم، بل وحياتهم كلها. هذه هى النتيجة الطبيعية للخطية.
- يشبه داود الأعداء بالغبار والطين؛ لأنهم بشر خلقوا من التراب والطين، وميزهم الله بروحه الذى فيهم، ولكنهم إذ عصوا الله يعودون إلى ترابهم ويفارقهم روح الله ويدينهم.
- يظهر أيضاً ذل الأعداء فى طرحهم مثلما يطرح طين الأسواق، فداود يرمز للمسيح الذى يطرح الشيطان فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
ع43-45: 43- تنقذني من مخاصمات الشعب تجعلني رأسا للأمم شعب لم اعرفه يتعبد لي.
44- من سماع الاذن يسمعون لي بنو الغرباء يتذللون لي. 45- بنو الغرباء يبلون و يزحفون من حصونهم.
- تعرض داود عندما تملك لمقاومة من نسل شاول، أى ابنه ايشبوشث ورئيس جيشه أبنير. وظلت هذه المقاومات والمخاصمات سبع سنوات ولكن فى النهاية مات إيشبوشث مقتولاً بيد إثنين من عبيده (2صم4: 5-7). أما أبنير فتصالح مع داود ولكن يوآب قتله (2صم3: 27)، فقد صبر داود متكلاً على الله حتى أخضع له المملكة كلها. فمن يصبر من أجل الله فى جهاده الروحى يخضع له الشياطين ويرفع الحرب عنه.
- إن كان الله أعطى استقراراً لداود داخل مملكته، فقد أعطاه أيضاً سلطاناً على الأمم المحيطة به، فخضعت له وانتصر عليها فى حروب متوالية، مثل انتصاره على الفلسطينيين والموآبيين وهدد عزر ملك صوبة والآراميين (2صم8: 1-14).
- إن داود لم ينتصر فقط على أعدائه، بل صار رئيساً وسط كل البلاد المحيطة وخضعت له الشعوب وقدمت له الجزية والهدايا. وهكذا مجده الله فى أعين الكل؛ لأنه بار وصالح. وهو مثال للمسيح، الذى بموته على الصليب أخضع الموت له، وصار رأساً لكل اخوته البشر المؤمنين به، فصار بكراً بين إخوة كثيرين، وصعد إلى السموات، فأعد لهم مكاناً؛ ليكونوا معه إلى الأبد. وآمنت به الأمم وخضعت له.
- صارت عظمة داود كبيرة جداً، فخافته كل الأمم المحيطة، إذ سمعوا عن انتصاراته، فتذللوا أمامه وقدموا الهدايا، طالبين رضاه حتى لا يهلكهم، بعد أن كانوا سابقاً يضايقون شعب الله، لكن فى عهد داود كما ذكرنا تم وعد الله وخضعت الأمم المحيطة، فصارت مملكة إسرائيل ممتدة من نهر مصر إلى الفرات.
- ع(44) نبوة واضحة عن المسيح الذى سمعت به الأمم ولم يروه بالجسد مثل اليهود، فآمنوا ببشارة الرسل وخضعوا له تاركين أصنامهم وشهواتهم السابقة.
- يظهر انتصار داود الساحق على أعدائه أنهم كانوا يبلون، أى يهلكون، وحتى الذين تحصنوا فى حصون قوية كان ينتصر عليهم، فيهربون ويزحفون خارج حصونهم، فيهلكهم أيضاً.
إن الشيطان ليس له سلطان عليك، بل أنت بقوة المسيح تستطيع أن تقهره، فيهرب منك، فقاومه واطرح كل أساليبه الشريرة؛ حتى تدوسها بقدميك، وثق أن الله سيساعدك مهما كان ضعفك، فتستعيد مكانتك كابن لله مهما كانت سقطاتك.
(7) تسبيح الحمد (ع46-50):
ع46: 46- حي هو الرب و مبارك صخرتي و مرتفع اله خلاصي.
- بعد أن استعرض داود أعمال الله معه وكيف خلصه من أعدائه، بل ونصره عليهم؛ حتى هربوا منه، أو خضعوا له، فهو الآن يقدم شكر وتسبيح لله، أى أن خبرته مع الله زادت، فازدادت محبته وتسبيحه لله.
- شعر داود أن الله حى ويشعر بأولاده ويساندهم فى كل ضيقاتهم، ولو أطال أناته فترة لحكمة عنده، لكنه حتماً يتدخل فى الوقت المناسب وينقذ أولاده. وهو غير الآلهة الوثنية التى هى أحجار عاجزة عن مساعدة تابعيها.
- يقدم الشكر والبركة لله؛ لأنه صخرة وحصن لا يتزعزع، فكل ما فى العالم متغير إلا الله وحده، الذى ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع1: 17).
- إن داود يشعر أن الله الذى خلصه من أعدائه مرتفع بلا قياس عن الآلهة الوثنية وكل قوى العالم، فهو يسمو فى أفكاره ومحبته وتعامله مع البشر وقوته. إنه يستحق التأمل والتسبيح كل يوم وإلى الأبد. فهذه الآية تظهر مدى تعلق داود بالله.
ع47: 47- الاله المنتقم لي و الذي يخضع الشعوب تحتي.
- إن داود يشكر الله العادل الذى يحفظ الأبرار ويعاقب الأشرار، فكما بارك داود ومجده، انتقم أيضاً من أعدائه مثل شاول، ونابال وأبشالوم وكل الأمم التى قامت ضده؛ كيف هلكوا جميعاً ؟!
- لم ينتقم الله فقط لداود، بل حول الأعداء إلى أحباء، إذ خضعوا له، مثل أبنير رئيس جيش شاول الذى تصالح مع داود، ومثل الأمم التى قدمت الهدايا وخضعت لداود.
- هذه الآية تنطبق على المسيح، الذى انتقم من أعدائه الشياطين، إذ قيدهم بصليبه، أما اليهود الذين أصروا على مقاومته، فقد هلكوا وتدمرت أورشليم مدينتهم عام 70م على يد الرومان، وأخضع الله الأمم المقاومين للمسيح، فصاروا مؤمنين وانضموا إلى الكنيسة.
ع48: 48- منجي من اعدائي رافعي ايضا فوق القائمين علي من الرجل الظالم تنقذني.
- بعد أن شكر الله الحى والصخرة والسند (ع46) شكر داود الله المنتقم من أعدائه
(ع47) وفى هذه الآية يشكر الله الذى ينجيه من أعدائه. - يسبح ويشكر داود الله؛ لأنه أنقذه من أعدائه، مثل شاول والفلسطينيين وأبشالوم ابنه. وقد كرر نفس المعنى الموجود فى هذه الآية فى الآيات السابقة فى هذا المزمور، فهو ينسب المجد لله فى انتصاراته على أعدائه، وليس لقوته أو أى شئ آخر.
- يشكر الله كذلك؛ لأنه لم ينقذه فقط من أعدائه، بل مجده ورفعه فوق أعدائه، أى أخضعهم له، أو أهلكهم. وهذا ما يحدث مع كل إنسان متكل على الله لو صبر فى جهاده.
- هذه الآية تنطبق على المسيح أيضاً؛ لأن الآب رفعه فوق أعدائه الشياطين بموته على الصليب وقيامته وخجل الكهنة والفريسيون والكتبة وكل من قاوم المسيح، عندما واجهوا قوة قيامته والمعجزات التى حدثت على أيدى الرسل.
ع49: 49- لذلك أحمدك يا رب في الأمم و أرنم لاسمك.
- من أجل كل أعمال الله التى ذكرها فى هذا المزمور، يسبح داود ويرنم لله، فما أجمل أن يتذكر الإنسان إحسانات الله عليه كل يوم.
- لم يكتف داود بتسبيح الله بين شعبه، بل يسبحه أيضاً أمام الأمم الوثنية، فهو بهذا يبشرهم بطريقة غير مباشرة، فهو يؤمن أن المسيا المنتظر سيقدم خلاصاً للعالم كله يهوداً وأمماً. إنها نبوة عن قبول الأمم فى الإيمان بالمسيح.
ع50: 50- برج خلاص لملكه و الصانع رحمة لمسيحه لداود و نسله إلى الأبد
- فى الختام يشكر داود الله الذى خلصه من أعدائه ويعطيه فرصة للتمتع بالخلاص الحقيقى وهو عشرة الله. وهذا الخلاص يشبهه داود ببرج، أى حصانة دائمة، يتمتع بها داود الملك. وكل من يملك على نفسه، أى يضبط شهواته، يهبه المسيح خلاصاً وفرحاً دائماً.
- وسط هذا الفرح والتسبيح لا ينسى داود ضعفه، فيتكلم باتضاع مع الله ويسبحه على رحمته عليه؛ لأنه هو الممسوح كملك، لا يستحق أى شئ، بل كل ما هو فيه نعمة ورحمة من الله.
- يختم داود المزمور بإيمان عظيم أن كل البركات السابقة يهبها الله له ولنسله من بعده، وكل من آمن وعاش مع الله من نسله الذى ملك على عرش مملكة يهوذا؛ حتى يصل إلى المسيح الآتى من نسل داود والذى يملك إلى الأبد، بل ويملِّك المؤمنين به، الذين هم على إيمان داود، إلى الأبد معه فى ملكوته.
إن التسبيح لذة لا ترقى إليها أية لذة فى العالم، إنها عربون للملكوت تستطيع أن تتذوقه من الآن، فلا تحرم نفسك من تسبيح الله فى صلاتك الخاصة كل يوم، فتحيا فرحاً إلى الأبد.