رعاية الله وخيانة الإنسان
قصيدة لآساف
“أصغ يا شعبى إلى شريعتى …” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه: آساف كبير المغنين أيام داود، وهو من نسل لاوى، وكان رئيساً على كل فرق التسبيح التى نظمها داود النبى للترنيم أمام بيت الرب.
- متى كتب ؟
- فى أيام داود أو بعده مباشرة، وقبل انقسام المملكة؛ لأن أحداث هذا المزمور توقفت عند عصر داود.
- يرى البعض أن هذا المزمور كُتب بعد نقل تابوت عهد الله الذى كان فى شيلوه، وأخذه الفلسطينيون ثم عاد إلى بلاد اليهود، وأرجعه داود إلى أورشليم، أى أن الله رضى عن شعبه، وقَبِل أن يسكن فى وسط المدينة المقدسة أورشليم.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير التاريخية مع المزامير 105 ، 106، 107، 135، 136.
- يعتبر هذا المزمور ثانى مزمور فى طوله بعد المزمور 119 أطول المزامير.
- هدف هذا المزمور إظهار رعاية الله واهتمامه بشعبه، منذ أخرجهم من عبودية أرض مصر، ثم كيف اعتنى بهم فى برية سيناء، وأعتنى بهم فى أرض كنعان حتى ملَّك داود العظيم عليهم. وفى المقابل يبين مدى خيانة شعب الله، وخدامهم له، ونسيانهم لوصاياه وعبادته، فاستحق العقاب.
- اقتبس العهد الجديد من هذا المزمور كما فى:
أ- ع3 ايوا : 1 – 4
ب – ع 18 اكو 10 : 9
ج – ع 37 أع 8 : 21
7- هذا المزمور غير موجود بصلاة الأجبية.
(5) ضرورة حفظ الوصايا (1- 8):
ع1: 1- أصغ يا شعبي إلى شريعتي أميلوا أذانكم إلى كلام فمي.
- الله يخاطب شعبه بنى إسرائيل، ويطلب منهم أن يصغوا، أى ينصتوا باهتمام، ويميلوا آذانهم باتضاع إلى كلامه، وشريعته، فالكلام هو كلام الله الذى أعطاه لموسى والأنبياء، ولذا فهو أهم كلام، ويحتاج إلى إصغاء باتضاع، لنقبل ونفهم كلام الله.
- تتكلم هذه الآية بروح النبوة عن المسيح، الذى ينادى رسله، وكهنته، وخدامه، بل وكل شعبه ليسمعوا كلمات العهد الجديد التى تكمل ما قاله فى العهد القديم، كما أعلن فى العظة على الجبل (مت 5 –7).
ع2: 2- افتح بمثل فمي أذيع ألغازا منذ القدم.
- الله يخبر شعبه عن طريق كاتب المزمور بكلامه عن طريق أمثال، لأن المثل يوضح الفكرة بطريقة عملية، فيكون قريب إلى القلب، كما فعل المسيح فى العهد الجديد، بالإضافة لاتخاذ الله أنبيائه وسيلة لإعلان وتوضيح كلامه من خلال ما يفعلونه، ليكونوا مثلاً قدام شعبهم كما حدث مع إرميا وحزقيال، وهوشـع …. والمثل يصعب على الإنسان أن يرفضه، أما الكلام المباشر فقد يرفضه؛ لأنه يظهر أخطاء سامعيه بوضوح.
- أيضاً الله يعلن كلامه بألغاز، والمقصود أنه بالإضافة للكلام المفهوم البسيط المعطى عن طريق مثل، سيعطى الله أيضاً كلاماً عميقاً يصعب إدراك كل ما فيه، فيدرك الإنسان بعضاً من معانى كلام الله، إذ يجد نفسه أمام ألغاز، يكتشف تدريجياً كلما قرأها معان جديدة، فيحيا بها ويشبع. وكلمة الألغاز المكتوبة هنا معناها فى الأصل العبرى الأسرار، أى أن كلام الله مملوء معانى عميقة مثل الأسرار، يكشفها للإنسان تدريجياً.
ع3-6: 3- التي سمعناها و عرفناها و آباؤنا اخبرونا. 4- لا نخفي عن بنيهم إلى الجيل الآخر مخبرين بتسابيح الرب و قوته و عجائبه التي صنع. 5- أقام شهادة في يعقوب و وضع شريعة في إسرائيل التي أوصى آباءنا أن يعرفوا بها أبناءهم. 6- لكي يعلم الجيل الآخر بنون يولدون فيقومون ويخبرون أبناءهم.
- الأخبار التى يريد أن يعلنها لنا كاتب المزمور قد سمعها وعرفها من الأباء الأولين لشعب الله، وأخبر الأباء أبناءهم بها، والأبناء بدورهم علموها لأولادهم؛ حتى وصلت إلى جيل كاتب المزمور. وهذه الأخبار تحوى التعليم بتسبيح الله وعبادته، وتمجيده على أعماله القوية وعجائبه مع شعبه.
- الله أقام خيمة الشهادة، أى خيمة الإجتماع التى تحوى تابوت عهد الله فى وسط شعبه نسل يعقوب، وأعطاهم أيضاً شريعته ليحيوا بها. وعندما يذكر “يعقوب” يقصد به الذى تعقب أخيه، وأمسك به، ويرمز للجهاد الروحى. وعندما يذكر “إسرائيل” يقصد الذى رأى الله فى فنوئيل (تك 32 : 31). فهو يدعو شعبه إلى التمسك بالجهاد، فينالون نعمة رؤية الله. فالله يحب شعبه ويعلن نفسه لهم، ويسكن فى وسطهم بخيمة الاجتماع، ويريد أن يريهم ذاته إن جاهدوا روحياً، وتمسكوا بوصاياه وشرائعه. كل هذا قد كمل فى العهد الجديد عندما تجسد المسيح، وولد وسط شعبه اليهود، وأراهم نفسه بآيات وتعاليم عظيمة، ليؤمنوا به ويخلصوا.
- يوضح كاتب المزمور أن المؤمنين بالله مسئولون أن يخبروا أبناءهم، أى الأجيال التالية، ويعرفوهم من هو الله، ووصاياه، وشرائعه، ليخبروا أيضاً أبناءهم، ويعلموهم إياها حتى يأتى ملء الزمان، ويتجسد المسيح، ويتمم خلاصنا على الصليب، ويذهب الرسل، وكل خلفائهم الكهنة والخدام، ليبشروا العالم، وينقلوا الإيمان من جيل إلى جيل حتى اليوم. وهذا التعليم والتسليم هو ما نسميه التقليد المقدس، أى التعليم الشفاهى بالإيمان وكيف نحياه، الذى تسلمناه من الآباء ونعطيه لأولادنا من بعدنا ويطلق عليه بولس الرسول الوديعة (2 تى 2 : 2) .
ع7 ، 8: 7- فيجعلون على الله اعتمادهم و لا ينسون أعمال الله بل يحفظون وصاياه. 8- و لا يكونون مثل آبائهم جيلا زائغا و ماردا جيلا لم يثبت قلبه و لم تكن روحه أمينة لله.
- إذا تسلم الأبناء الإيمان والتعاليم السليمة من الآباء يجذبهم هذا إلى الاتكال على الله، وليس على أنفسهم، ويتمسكون بوصايا الله، ويحيون بها.
- يحترس الأبناء من السلوك الشرير الذى اتبعه أباؤهم فيمايلى:
- “جيلا زائغاً” : أى مرتداً عن الإيمان، كما فعل الآباء بعبادتهم العجل الذهبى (خر 32 : 4).
- “ومارداً”: أى متذمراً ومتمرداً على الله، كما تذمر بنو إسرائيل مرات كثيرة فى سيناء.
ج- جيلاً لم يثبت قلبه: أى خانوا الله وحاولوا قتل موسى وهارون عدة مرات (عد 16 : 42) وحاولوا الرجوع لمصر (عد 14 : 4).
د- ” لم تكن روحه أمينة لله”: أى لم تكن نيتهم نقية، وقلبهم مخلصاً، بل كانوا مرائين يتظاهرون بتبعية الله، ولكن قلوبهم متعلقة بشهوات العالم. والخلاصة يقصد أن يكون الأبناء مطيعين لله، وخاضعين لوصاياه، يسلكون معه بقلب نقى، ويعبدونه بأمانة.
تذكر أعمال الله السابقة معك؛ ليثبت إيمانك، وتتكل عليه، ولا تستطيع شهوات العالم أن تغريك، فتكون بكل قلبك معه.
(2) أعمال الله فى مصر وسيناء ( ع9 – 32):
ع9 ، 10:. 9- بنو أفرايم النازعون في القوس الرامون انقلبوا في يوم الحرب. 10- لم يحفظوا عهد الله و أبوا السلوك في شريعته.
النازعون فى القوس : الذين يشدون وتر القوس ليصوبوا سهامهم.
- يتكلم عن بنى سبط أفرايم المشهورين بكثرة عددهم وقوتهم فى الحرب، والذين اعتمدوا على أنفسهم وليس على الله. هؤلاء انقلبوا فى الحرب، ولم يثبتوا أمام الآشوريين الذين سبوهم عبيداً. فقد تم السبى لسبط أفرايم قبل غيره من الأسباط. وقد يكون المقصود بأفرايم كل ممكلة إسرائيل، حيث أنه أكبرها عدداً، فكان يرمز لكل مملكة إسرائيل الشمالية، التى عبدت الأوثان، وابتعدت عن عبادة الله فى هيكله فى أورشليم.
- لم يحفظ أفرايم عهد الله وشريعته، ولم يطيعوا أوامره بطرد الكنعانيين سكان الأرض الأصليين، عندما دخلوا أرض كنعان وتملكوها أيام يشوع (يش 16 : 10).
ع11-13: 11- و نسوا أفعاله و عجائبه التي أراهم. 12- قدام آبائهم صنع أعجوبة في أرض مصر بلاد صوعن. 13- شق البحر فعبرهم و نصب المياه كند.
صوعن: مدينة مصرية قديمة كانت تسمى تانيس، وكان يقيم فيها فرعون، وهى فى محافظة الشرقية، أى شرق الدلتا ومكانها الآن قرية “صان الحجر”.
ند : نظير ومقابل.
- الذى سبب انكسار أفرايم، أو إسرائيل هو نسيانهم أفعال الله وقوته مع آبائهم عندما كانوا فى أرض مصر، عندما قابل موسى فرعون فى صوعن، ونزل الله بالضربات العشر على فرعون. وعندما قسى قلبه وخرج وراء شعب الله، ولحق بهم عند البحر الأحمر، ضرب موسى البحر فشقه، ووقفت مياه البحر يميناً ويساراً كسد، وعبر بنو إسرائيل إلى برية سيناء، أما فرعون وجيشه، فلما تبعوا شعب الله غرقوا فى البحر الأحمر.
- أيضاً وقفت المياه كالند فى نهر الأردن أيام يشوع عندما دخل تابوت عهد الله فى النهر، وعبر الشعب إلى البر الثانى إلى أرض كنعان.
ع14: 14- و هداهم بالسحاب نهارا و الليل كله بنور نار.
- بعد الضربات العشر التى ضرب بها الله المصريين، وسمحوا لبنى إسرائيل أن يخرجوا من مصر، عمل الله معجزات كثيرة مع شعبه، أولها أنه ظهر لهم فى النهار بعمود من السحاب يظلل عليهم، فلا تحرقهم الشمس. وفى نفس الوقت يتحرك عمود من السحاب يظلل عليهم، فلا تحرقهم الشمس. وأيضاً يتقدمهم إلى الأمام، فيتحركون معه ويقودهم، وهذا يرمز لعمل الله فى حماية أولاده من التجارب التى ترمز لها الشمس، وإرشاده لهم فى طريق الحياة بروحه القدوس.
- وباقى هذه الأعجوبة أن عمود السحاب فى النهار يتحول ليلاً إلى عمود من النار يمتد من الأرض إلى السماء، ويتقدم أمام الشعب ليضئ لهم طريقهم، ويبدد ظلمة الليل، ويهديهم إلى الطريق الذى يريده الله لهم. وعمود النار يرمز لعمل الروح القدس الذى ينير، ويهدى أولاد الله إلى طريق الملكوت، ويبدد ظلمة الخطية، ويحرق كل الشر، ويحميهم كما فصل بينهم وبين جيش فرعون عند عبورهم البحر الأحمر.
ع15 ، 16: 15- شق صخورا في البرية و سقاهم كأنه من لجج عظيمة. 16- أخرج مجاري من صخرة و أجرى مياها كالأنهار.
لجج : مياه كثيرة
- العمل المعجزى الثانى الذى عمله الله مع شعبه هو أنه سقاهم ماء فى البرية اليابسة، برية سيناء، وذلك بأن فجر ماء من الصخرة، فخرجت مياه كثيرة سقت كل الشعب.
- ذكر خروج الماء من الصخرة مرتين لأن الله كرر إخراج الماء من الصخرة فى البرية مرات كثيرة، سواء شكره الشعب، أو شكوا فيه، أو تذمروا عليه. ونلاحظ أن كلمتى الصخرة المذكورتين مختلفتان فى أصلهما العبرى ونص كلمة الصخرة المذكورة فى ع (16) هو نفسه المذكور فى (عد 20 : 1 – 11) حين شك الشعب فى الله وتذمر عليه ولكن بمحبته ورعايته سقاهم ماء بوفرة.
- إن الصخرة ترمز للمسيح كما قال بولس الرسول (اكو 10 : 4)، والعصا التى ضربها ترمز للصليب، وخروج المياه الكثيرة يرمز للروح القدس الذى يسقى المؤمنين، بالإضافة إلى أن ضرب الصخرة يرمز إلى طعن المسيح وهو على الصليب وخروج دم وماء من جنبه.
ع17: 17- ثم عادوا أيضا ليخطئوا إليه لعصيان العلي في الأرض الناشفة.
تكرر تمرد بنى اسرائيل على الله فى برية سيناء رغم عنايته الشديدة بهم بأعمال معجزية عظيمة، أولها الضربات العشر، ثم عمود السحاب، وعمود النار، وبعد ذلك شق البحر الأحمر، بالإضافة إلى إطعامهم بالمن وسقيهم بالماء من الصخرة. كل هذا حدث فى ظروف صعبة جداً، أى فى الأرض الناشفة وهى برية سيناء.
ع18-20: 18- و جربوا الله في قلوبهم بسؤالهم طعاما لشهوتهم. 19- فوقعوا في الله قالوا هل يقدر الله أن يرتب مائدة في البرية. 20- هوذا ضرب الصخرة فجرت المياه و فاضت الاودية هل يقدر أيضا أن يعطي خبزا و يهيئ لحما لشعبه.
وقعوا فى الله: شكوا فى الله وتمردوا عليه
1- سقط بنو اسرائيل فى خطيتين فى تعاملهم مع الله فى برية سيناء وهما:
- عصيان الله، أى عدم طاعة أوامره فى رفض دخول أرض كنعان، ثم تجاسرهم ودخولهم أرض كنعان ضد أمر الله، الذى منعهم لضعف إيمانهم، فهزمهم أعداؤهم كما ظهر فى (ع 17).
- تجربتهم لله كما ظهر فى (ع 18-20) لأنهم شكوا فى قدرته على إطعامهم لحماً، رغم أنهم رأوا معجزاته وقدرته على سقيهم بالماء، ثم إطعامهم بالمن.
2- خطية الشك فى الله وتجربته بدأت من القلب، ثم ظهرت فى كلامهم، وتطاولهم على الله.
- إن من حق بنى إسرائيل كأولاد الله المؤمنين به أن يطلبوا منه طعاماً، أو أى احتياج لهم، وهو بالطبع سيعطيهم، ولكن الخطية كانت فى:
- شكهم فى الله.
- شهوتهم وتعلقهم باللحم والأطعمة التى كانوا يأكلونها فى مصر (عد11: 4-6).
- تشكك بنو إسرائيل فى الله وقدرته إذ قالوا أنه أعطانا ماء من الصخرة، فهذه المياه تأتى من المياه الجوفية التى فى الأرض، ولكن هل يستطيع الله أن يعطينا لحماً؟! أى أنه بالطبع لا يستطيع.
ع21 ، 22: 21- لذلك سمع الرب فغضب و اشتعلت نار في يعقوب و سخط أيضا صعد على إسرائيل. 22- لأنهم لم يؤمنوا بالله و لم يتكلوا على خلاصه.
غضب الله عليهم بشدة نتيجة جحودهم واستعلت النار فى طرف المحلة لأجل تذمرهم، ولكن الله الحنون سمع صلوات موسى عنهم وأطفأ النار (عد 11 : 1-3). ثم بعد ذلك أطعمهم لحماً كثيراً عندما أتت عليهم أسراب السلوى.
ع23-25: 23- فأمر السحاب من فوق و فتح مصاريع السماوات. 24- و أمطر عليهم منا للأكل و بر السماء أعطاهم. 25- أكل الإنسان خبز الملائكة أرسل عليهم زادا للشبع.
مصاريع : أبواب. والمصاريع جمع مصراع (ضلفة الباب)
بر : قمح
زاد : طعام
رغم تذمر وتشكك بنى إسرائيل فى الله لكنه أفاض عليهم نعمته، فأعطاهم المن من السماء، الذى هو خبز السماء لذا أطلق عليه “بر السماء”. وهذا الطعام سماه أيضاً خبز الملائكة؛ لأنه نزل من السماء، بل وقال عنه بولس الرسول أنه طعاماً روحياً (اكو 10 : 3) لأنه يحمل بركة خاصة، فأشبع بنى اسرائيل ليس فقط جسدياً، بل أعطاهم طمأنينة أن الله معهم، وفرحوا أنهم يأكلون من يد الله، فشبعوا روحياً.
ع26-28: 26- أهاج شرقية في السماء و ساق بقوته جنوبية. 27- و أمطر عليهم لحما مثل التراب و كرمل البحر طيورا ذوات أجنحة. 28- و أسقطها في وسط محلتهم حوالي مساكنهم.
عمل الله عملاً معجزياً عظيماً مع شعبه فى برية سيناء؛ ليطعمهم لحماً رغم أن عددهم كان كبيراً، إذ كانوا نحو إثنين مليون نفساً تقريباً، فقد كانوا 600 ألف رجل عدا النساء والأطفال (خر 38 : 26)، ليرد على تذمرهم وشكوكهم، وذلك بأنه كانت هناك أسراب من طائر السلوى (يشبه السمان) مهاجرة من أفريقيا نحو الشمال متجهة إلى مصر وسيناء، فأرسل الله على هذه الأسراب ريحاً شرقية آتية من الخليج العربى صدتهم عن استكمال مسيرتهم، وأيضاً أرسل ريحاً جنوبية اصطدمت بهذه الأسراب فدفعتها نحو بنى اسرائيل السائرين نحو برية سيناء، وأضعفت حركة هذه الأسراب التى تُعد بالملايين، فطارت بالقرب من الأرض، على ارتفاع متر (عد 11 : 31). فصار من السهل على بنى اسرائيل الإمساك بهذه الطيور التى تطير ببطء إذ أنها ضعيفة نتيجة اصطدام الرياح بها. ويصف الكتاب المقدس عددها الضخم بأنها كالتراب وكالرمل وتطير حول الخيام التى يسكنون فيها.
ع29-31: 29- فأكلوا و شبعوا جدا و أتاهم بشهوتهم. 30- لم يزوغوا عن شهوتهم طعامهم بعد في أفواههم. 31- فصعد عليهم غضب الله و قتل من أسمنهم و صرع مختاري إسرائيل.
أثبت الله قوته لشعبه المتذمر المتشكك، عندما أعطاهم اللحم بكثرة، إذ سقطت أسراب السلوى حول خيامهم، فأمسكوها بسهولة، لكنهم لم يخجلوا ويتوبوا عن خطاياهم، بل اندفعوا بشهواتهم ليأكلوا من اللحم كثيراً بشراهة لمدة شهر (عد 11: 20-22). وفيما هم منغمسين فى شهواتهم، ورافضين التوبة عن خطاياهم هاجمتهم الحيات السامة، فقتلت الكثيرين منهم، وخاصة أسمنهم، أى أكثرهم تمادياً فى شهوته، وكذلك المختارين من إسرائيل، أى الأكثر قوة وكبرياء وتعظم، فهم ليسوا المختارين من الله، بل المختارين فى نظر الشعب. فالعقاب الإلهى هاجم الشعب والطعام مازال فى فمه (عد 11 : 33 ، 34). ولعل بعضهم قتلوا أنفسهم بكثرة الأكل، أى الشراهة، فحدثت لهم تخمة فماتوا، لأنهم انتهزوا فرصة وجود لحم بكثرة قد يحرمون منه، ولا يجدونه بعد ذلك فى البرية لعدم إيمانهم، وهم الذين يعبر عنهم بأسمنهم .
إن الله قادر على كل شئ، ويستطيع أن يعطيك كل ما تتمناه، لكن ليتك تنشغل بعطاياه الروحية أكثر من المادية. تمتع بالوجود مع الله، وثق أنه سيعطيك كل احتياجاتك المادية.
(3) خيانة شعب الله فى البرية ونسيانهم لأعماله ( ع32-55):
ع32: 32- في هذا كله اخطأوا بعد و لم يؤمنوا بعجائبه.
أعطى الله لشعبه عجائب كثيرة كما ذكرنا، فأخرج الماء من الصخرة، ونزل المن من السماء، وغطت السلوى محلة سكنه ورغم هذا أخطأ فى حق الله بتذمره، وتشككه، وشهواته الكثيرة.
ع33: 33- فأفنى أيامهم بالباطل و سنيهم بالرعب.
- عاقب الله شعبه بأنه أتاههم فى البرية أربعين سنة، فأضاع وقتهم، ومات كل الشعب الذى تذمر على الله، فكان سيرهم باطلاً لأنهم رفضوا الله، وتذمروا عليه. وكان باطلاً أيضاً لعدم طاعتهم، واستفادتهم من عمل الله معهم وانغماسهم فى شهواتهم الباطلة وعدم إيمانهم بالله.
- أفنى أيضاً الله شعبه بالرعب لعدم إيمانهم به، وخوفهم أن لا يجدوا طعاماً، فأكلوا بشراهة السلوى، ثم هاجمتهم الحيات السامة، فخافوا جداً، بل مات منهم الكثيرون، ولكن من آمن بالله ونظر إلى الحية النحاسية نجا من الموت. ثم أفنى حياتهم بالرعب عندما استمروا فى عدم إيمانهم فهلكوا فى العذاب الأبدى.
ع34 ، 35: 34- إذ قتلهم طلبوه و رجعوا و بكروا إلى الله. 35- و ذكروا أن الله صخرتهم والله العلي وليهم.
عندما عاقب الله بنى إسرائيل من أجل شهوتهم لللحم، وقتلهم بالحيات السامة، خافوا جداً منه، ورجعوا إليه، وصلوا، وطلبوا الخضوع له، إذ علموا أنه قوتهم (صخرتهم)، وحمايتهم، وراعيهم (وليهم). بل أسرعوا إليه بالصلاة مبكرين لكى يسترضوه، ولكن ليس بكل قلوبهم، كما سيظهر فى الآيات التالية.
ع36 ، 37: 36- فخادعوه بأفواههم و كذبوا عليه بألسنتهم. 37- أما قلوبهم فلم تثبت معه و لم يكونوا أمناء في عهده.
- كان رجوع بنى إسرائيل إلى الرب ظاهرياً، أى أن صلواتهم كانت كلمات من أفواههم، وليس من قلوبهم لأن الشهوة ظلت مسيطرة عليهم، ومحبة الله بعيدة عنهم، ونسوا أن الله هو فاحص القلوب والكلى، ولا يستطيع إنسان أن يخدعه.
- هكذا أيضاً فى كل جيل نجد هؤلاء المخادعين، مثل الهراطقة، والمبتدعين حتى اليوم يغوون الناس بكلامهم المعسول، وهم لا يحبون الله، ولا يخضعون لوصاياه، ويجتذبون البسطاء إلى طريقهم الشرير.
ع38 ، 39: 38- أما هو فرؤوف يغفر الإثم و لا يهلك و كثيرا ما رد غضبه و لم يشعل كل سخطه. 39- ذكر أنهم بشر ريح تذهب و لا تعود.
- أمام شر الإنسان وتمرده، وتشككه، بل ومخادعته لله نجد من ناحية أخرى أن الله رؤوف يشفق على الإنسان، فهو أب يحنو على أولاده، فيغفر لهم خطاياهم، ويوقف غضبه، فلا يعاقب الإنسان، وإن غضب يعاقب جزئياً ليتوبوا؛ لأنه لو اشتعل غضبه لأهلك الإنسان. وهو يلتمس العذر للإنسان، لأن الإنسان ضعيف وحياته قصيرة مثل الريح التى تذهب ولا تعود، أى تضمحل، لهذا عندما يخطئ الإنسان يطيل الله أناته معطياً إياه فرصة للرجوع إلى الله.
- يعتبر معلمو اليهود (ع 38) هو محور سفر المزامير كله. فهو يقع فى وسطه، ويظهر محبة الله للإنسان ورعايته له.
ع40 ، 41: 40- كم عصوه في البرية و أحزنوه في القفر. 41- رجعوا و جربوا الله و عنوا قدوس اسرائيل.
عنوا : أى أتعبوه وجعلوه يعانى ويحتمل إساءاتهم.
- تظهر طول أناة الله فى احتمال عصيان شعبه عليه مرات كثيرة فى برية سيناء، إذ أحزنوا قلبه. وجربوه مرات كثيرة واتعبوه لتمردهم (عد14 : 22، 23) بدلاً من أن يتلذذوا بعشرته، إذ هم الشعب الوحيد فى العالم الذى أنعم عليه الله بالسكن فى وسطه، ورعايته من جميع الجوانب.
- كل هذه الإساءات وجهها بنو إسرائيل إلى الله القدوس، إذ نسوا قداسته وعاملوه كإنسان شرير، فتمردوا عليه، وبهذا دون أن يدروا أظهروا قداسته التى تحتمل الخطاة المتمردين.
ع42 ، 43: 42- لم يذكروا يده يوم فداهم من العدو. 43- حيث جعل في مصر آياته وعجائبه في بلاد صوعن.
- لم يتذكر بنو إسرائيل عمل الله معهم عندما أنقذهم من عبودية مصر بقوة عظيمة حين تمت مقابلة موسى لفرعون فى مدينة صوعن، التى هى تانيس، التى تقع فى محافظة الشرقية. وضرب الله فرعون بالضربات العشر على فم موسى. هذه أعمال عظيمة سمع بها العالم كله فكيف ينساها شعب الله، ويعودون ويتمردون عليه، خاصة أن الله حذر شعبه حتى لا ينسوا أعماله معهم (تث 4 : 9).
- يد الله التى حررت شعبه من العبودية ترمز لتجسد المسيح، الذى حرر أولاده بصليبه من عبودية الخطية.
ع44 ، 45: 44- إذ حول خلجانهم إلى دم و مجاريهم لكي لا يشربوا. 45- أرسل عليهم بعوضا فأكلهم و ضفادع فأفسدتهم.
خلجانهم: خلجان جمع خليج وهو ممر مائى ينفتح على البحر من ناحية واحدة فهو يختلف عن القناة المفتوحة من الناحيتين. والمقصود بالخلجان هنا أفرع النيل والترع المتفرعة منها.
يذكر هنا بعض الضربات التى ضرب بها الله مصر ليخرج شعبه منها، وأول هذه الضربات هو تحويل النيل إلى دم (خر 7 : 17). والضربة الثانية هى الضفادع (خر 8 : 2)، والضربة الثالثة هى البعوض (خر 8 : 17).
ع46 – 48: 46- أسلم للجردم غلتهم و تعبهم للجراد. 47- اهلك بالبرد كرومهم وجميزهم بالصقيع. 48- و دفع إلى البرد بهائمهم و مواشيهم للبروق.
الجردم: أحد أطوار الجراد وهو الذى لم ينبت له أجنحة كافية للطيران، وهو شره جداً للأكل، وبالتالى ضرره كبير جداً فى أكل المزروعات.
البرد : شرائح من الثلج تسقط من السماء بقوة فتجرح وتقتل من يقابلها من الناس والبهائم، لأنها تسقط بغزارة.
يذكر أيضاً ضربة عنيفة ضرب بها الله المصريين وهى ضربة الجراد، الضربة الثامنة
(خر10: 12) ثم ضربة البرد التى قتلت الناس والبهائم والأشجار والنباتات وهى الضربة السابعة (خر 9 : 18). وهاتان الضربتان كانتا ساحقتين لمصر، فالجراد أكل كل شئ أخضر، والبرد أفنى الأشجار التى للأغنياء وهى الكروم، والتى للفقراء وهى الجميز، بالإضافة إلى أن خشب الجميز كان يستخدم فى عمل التوابيت لوضع أجساد الموتى، وكان المصريون يهتمون جداً بتحنيط ودفن الموتى.
ع49-50: 49- أرسل عليهم حمو غضبه سخطا و رجزا و ضيقا جيش ملائكة أشرار.
50- مهد سبيلا لغضبه لم يمنع من الموت أنفسهم بل دفع حياتهم للوبأ.
يحدثنا المزمور عن تأديب الله للمصريين، فأظهر لهم غضبه الشديد فى الضربات العشر، التى تبين لهم ضعف آلهتهم، وغضب الله عليهم بسبب شرورهم. وكانت الضربات العشر يحملها لهم ملائكة أشرار؛ ليسوا أشراراً فى ذواتهم، بل على العكس أطهاراً، ولكنهم يحملون ضربات قاسية، يعتبرها المصريون شراً لحق بهم. وكانت الضربات التسع الأولى تمهيداً للضربة العاشرة القاسية التى فيها ضرب أبكارهم، فمات الكثيرون فى الضربات التسعة؛ سواء بالوباء، أو بالضربات المختلفة الأخرى وأعطى الضربات بالتدريج متزايدة فى قسوتها، فمهد سبيلاً لغضبه الشديد الذى سيظهر فى الضربة العاشرة؛ كل هذا حتى يتوب المصريون، ويؤمنون بالله، ويرفضون آلهتهم الضعيفة. وقد تأثر بعضهم ورافق بنى إسرائيل، وأطلق عليهم الكتاب المقدس اللفيف (عد 11 : 4).
ع51: 51- و ضرب كل بكر في مصر أوائل القدرة في خيام حام.
فى نهاية الضربات جاءت الضربة القاسية، وهى ضربة قتل كل أبكار مصر من الناس والبهائم. والأبكار هم أول المولودين حيث تكون صحة الوالدين قوية، وقدرتهم على الإنجاب عالية، بالإضافة إلى أن البكر يكون فخر لوالديه، فقد قتل الملاك أقوى، وأفخر من فى مصر، الذين هم نسل حام بن نوح، وأبو مصرايم (تك10: 6).
ع52 ، 53: 52- و ساق مثل الغنم شعبه و قادهم مثل قطيع في البرية. 53- و هداهم آمنين فلم يجزعوا أما أعداؤهم فغمرهم البحر.
يجزعوا: يخافوا خوفاً شديداً.
بعد ضرب المصريين بالضربات العشر خافوا جداً، فترجوا بنى إسرائيل أن يخرجوا من وسطهم، وساق الله شعبه من وسطهم، وعبر بهم البحر الأحمر، وقادهم، وعالهم فى برية سيناء. وهكذا صار الأقوياء وهم المصريون خائفين، أما الضعفاء، وهم بنو إسرائيل، صاروا آمنين؛ لأن الله قوته معهم يحميهم ويرعاهم.
ع54-55: 54- و أدخلهم في تخوم قدسه هذا الجبل الذي اقتنته يمينه. 55- و طرد الأمم من قدامهم و قسمهم بالحبل ميراثا و أسكن في خيامهم أسباط إسرائيل.
تخوم: حدود.
- بعدما عال الله شعبه فى برية سيناء أدخلهم ليمتلكوا أرض كنعان، وطرد من أمامهم سبعة شعوب أقوى من شعبه، وأسكن شعبه فى مدن وخيام هؤلاء الوثنيين، ودعا أرض كنعان أيضاً جبل قدسه، لأنها تقدست بوجود الله بين شعبه فيها، ودعاها أيضاً الجبل الذى اقتنته يمينه؛ لأن أرض كنعان مملوءة بالجبال (يش 14: 12) ومنها أيضاً الخمسة جبال التى بنيت عليها مدينة أورشليم وحل بهيكله المقدس فيها. وقسم أرض كنعان بين الأسباط الإثنى عشر، وكانت مساحات الأراضى تقاس قديماً بالحبل، كل هذا كان بقوة الله مع شعبه الضعيف، ويعبر الله عن قوته بيمينه.
- فى العهد الجديد يسكن المسيح المؤمنين به مكان الشياطين التى سقطت من السماء، وخلت أماكنها، فبعد جهاد هذه الحياة يملك المؤمنون مع المسيح إلى الأبد فى السماء.
عندما ترى المسيئين إليك أقوياء لا تنزعج من ضعفك؛ لأن قوة الله تتمجد فى الضعف، ولكن تمسك بصلواتك، وثق أن الله سيحميك، بل ويعطيك سلاماً وفرحاً وسط الضيقات.
(4) ابتعاد عن الله فى عصر القضاة (ع56-64):
ع56 58: 56- فجربوا و عصوا الله العلي و شهاداته لم يحفظوا. 57- بل ارتدوا و غدروا مثل آبائهم انحرفوا كقوس مخطئة. 58- أغاظوه بمرتفعاتهم و أغاروه بتماثيلهم.
كانت نعمة الله عظيمة على شعبه عندما أسكنهم فى أرض تفيض لبناً وعسلاً، وطرد من أمامهم شعوباً أقوى منهم. وكان من الطبيعى أن يشكره شعبه، ويتمسك بوصاياه، ولكنه للأسف تمرد على الله مثل آباء هذا الشعب، الذين تمردوا على الله فى برية سيناء، وعاقبهم الله بعدم دخول أرض كنعان، وبهذا انحرف شعب الله عنه، وتركوا هدفهم وهو الله، مثل قوس ينحرف سهمها بعيداً عن الهدف. بل أغاظوا الله بعبادة تماثيل وآلهة الشعوب الوثنية التى طردها الله من أمامهم، وذبحوا ذبائح لهذه الآلهة على المرتفعات، بدلاً من أن يعبدوا الله فى مسكنه (تث32 : 16،
17، 21).
ع59-61: 59- سمع الله فغضب و رذل إسرائيل جدا. 60- و رفض مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس. 61- و سلم للسبي عزه و جلاله ليد العدو.
شيلو : وهى مكان يسمى شيلوه استقرت فيه خيمة الاجتماع فى أرض كنعان حوالى ثلاث مئة سنة، بعد أن انتقلت من الجلجال، وبعد ذلك استقرت فى أورشليم.
أمام جحود شعب الله، وإغاظتهم له بعبادة الأوثان، تخلى عنهم الله، ورفضهم مؤقتاً؛ حتى يتوبوا، بل ورفض الوجود فى وسطهم، فأخذ الفلسطينيون تابوت عهد الله، الذى كان موجوداً فى شيلوه (1صم4: 1-11).
وهكذا أسلم الله عزه وهو تابوت عهد الله إلى الفلسطينيين، وفارق شعبه.
ع62-64: 62- و دفع إلى السيف شعبه و غضب على ميراثه. 63- مختاروه أكلتهم النار وعذاراه لم يحمدن. 64- كهنته سقطوا بالسيف و أرامله لم يبكين.
واصل الله تأديبه لشعبه الذين عبدوا الأوثان، وسقطوا فى شهوات كثيرة، فأدبهم بأن أهاج عليهم سكان الأرض الأصليين، عندما تهاون بنو اسرائيل فى طردهم، ولم يطيعوا كلام الله على لسان يشوع بن نون. فقامت هذه الشعوب واحتلت، واستعبدت بنى إسرائيل، وقتلت بالسيف الكثير منهم (1 صم 4 : 10). وهكذا أكلت نار غضب الله شعبه، ومات كثير من الرجال بنار الحروب، فلم تجد العذارى من يتزوجهن، ولم تحمد كما تعودا قديماً ان يمدحوا العروس فى يوم عرسها. والكهنة أيضاً مات منهم الكثيرون، مثل ابنى عالى الكاهن حفنى وفيخاس (1صم 4 : 11) والأرامل أيضاً رأين مصيبة الشعب، فأتت عليهن الصدمة والخوف، ولم يستطعن البكاء على رجالهن، إذ كانت مصيبة الشعب أكبر من أن يحتملنها، فلا مجال لتلقى العزاء، أو رثاء رجالهن. وسفر القضاه، وكذلك صموئيل الأول ملئ بالنكبات التى أتت على شعب الله.
إن الله طويل الأناة، ويعطيك فرصة للتوبة، فأسرع واستغلها لئلا يتخلى عنك، فتحل بك ضيقات كثيرة يصعب احتمالها. إنه يحبك فلا تضيع فرصة التوبة لتتمتع برعايته.
(5) مملكة داود (ع 65-72):
ع65: 65- فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر.
معيط : صارخ وصائح بصوت عالى.
يشبه المزمور الله بإنسان نائم من كثرة شرب الخمر، ثم استيقظ كجبار يصيح بصوت عالى على أعداء شعبه. والنائم لا يشعر بالوقت، ويظنه قصير، هكذا أيضاً الله تخلى عن شعبه وقتاً قليلاً لتأديبهم، ثم قام ليؤدب أعداءهم. كل هذا يبين محبة الله ورعايته لأولاده. فهو يبغى توبتهم، ثم يدافع عنهم ويحميهم.
ع66: 66- فضرب أعداءه إلى الوراء جعلهم عارا أبديا.
- بعدما أعلن الله غضبه على الأعداء الذين أساءوا إلى شعبه، ضربهم ضربة شديدة، فصاروا خزياً، وعاراً بين الشعوب. هذا ما حدث مع الفلسطينيين الذين ضربوا بنى إسرائيل، وسمح الله بهذا لتأديب شعبه، وسرقوا تابوت عهد الله، فضربهم الله بالبواسير (1 صم 5 : 6 ، 7).
- عندما قام المسيح كجبار من الأموات أعلن أن الشيطان مقيد، وحرر المؤمنين به، وفتح لهم فردوس النعيم.
ع67 ، 68: 67- و رفض خيمة يوسف و لم يختر سبط أفرايم. 68- بل اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي أحبه.
- أكرم الله سبط أفرايم، إذ جعل عدده كبيراً، فأفرايم هو ابن يوسف. وأكرمه أيضاً بأن خرج منه قادة روحيين منهم يشوع بن نون، وجدعون. ولكنهم لم يحفظوا وصاياه، وتكبروا، وتمردوا فغضب عليهم، ورفض أن يسكن فى وسطهم. فأخذ الفلسطينيون تابوت عهد الله الذى كان فى شيلوه، الواقعة فى سبط أفرايم، ثم عاد التابوت من عند الفلسطينين إلى قرية يعاريم التى فى سبط يهوذا، ثم نقله داود إلى أورشليم، فالله اختار سبط يهوذا الذى سيأتى منه المسيح المخلص، وفيه كان الهيكل، وكان سبط يهوذا أكثر تمسكاً فى عبادة الله من باقى الأسباط.
- سكن تابوت عهد الله فى أرض كنعان أولاً فى مدينة الجلجال فترة قصيرة، ثم نقل إلى شيلوه فى سبط أفرايم، وبعد هذا نقل إلى أورشليم، حيث بنى الهيكل ووضع فيه التابوت، ولكن الهيكل أحرق بيد بابل عند السبى، ثم تم تدميره عام 70م بيد الرومان. ولعل انتقال التابوت من أفرايم إلى يهوذا نبوة عن رفض الله عبادة مملكة إسرائيل التى ستنفصل عن سبطى يهوذا وبنيامين وقبوله للعبادة المقدمة فى هيكله بسبط يهوذا.
ع69: 69- و بنى مثل مرتفعات مقدسه كالأرض التي أسسها إلى الأبد.
بعد أن نقل الله التابوت المقدس إلى أورشليم بيد داود، بنى هناك بيد سليمان هيكلاً له، مثل المرتفعات المقدسة فى السماء حيث الملائكة حول العرش الإلهى. وبناء هيكل سليمان كان رمزاً للكنيسة التى هى الأرض التى أسسها الله إلى الأبد؛ لأن المؤمنين بالله سيعيشون إلى الأبد، ويمجدهم الله معهم فى السماء.
ع70-72: 70- و اختار داود عبده و أخذه من حظائر الغنم. 71- من خلف المرضعات أتى به ليرعى يعقوب شعبه و إسرائيل ميراثه. 72- فرعاهم حسب كمال قلبه و بمهارة يديه هداهم
اختار الله داود من بين سبط يهوذا لاستعداده الروحى، فعاش مع الله بالكمال، بعد أن تجرب فى رعاية الغنم، إذ يذكر أن الله أخذه من وراء المرضعات، أى الأمهات التنى ترعى أطفالها باهتمام بين صفوف الغنم. فيستطيع بالتالى داود أن يرعى شعب الله. ورعاهم بمهارة وأبوة، وبقلب كامل يشبه قلب الله. رعى شعب الله يعقوب الذى هو إسرائيل، وكان رمزاً للمسيح الراعى الصالح، الذى يبذل نفسه عن الخراف، ويفدى شعبه على الصليب، ليقتنيهم له بينناً فى الملكوت.
أطع وصايا الله حتى يختارك من بنيه ويعمل بك، وتهتم بكل من حولك، لتجذبهم إليه، فتتمتع بعشرته وبعمله فيك.