مدينة الله
تسبحة . مزمور . لبنى قورح
“عظيم هو الرب وحميد جداً …” (ع1)
مقدمة :
- كاتب هذا المزمور هم بنو قورح.
- يتكلم عن مدينة الله، أى صهيون والتى ترمز لكنيسة العهد الجديد، فيتأمل جمالها وصفاتها العظيمة.
- لعل هذا المزمور نبوة عن هزيمة سنحاريب أمام أسوار أورشليم التى حماها الله
(ع4-6). - لعل هذا المزمور نبوة أيضاً عن انتصار يهوشافاط على ثلاثة ملوك هم بنو عمون وموآب وأدوم الذين ارتاعوا أمام مدينة الله، أما شعب الله فكان يسبح ويمجد الله
(2أى20 : 1-30). - هو مزمور لتسبيح وحمد لله مثل المزمورين السابقين له، فمزمور 46 يحدثنا عن الله الملجأ، ومزمور47 يحدثنا عن الله الملك وهذا المزمور يحدثنا عن الله فى مدينته العظيمة.
- هذا المزمور غير موجود بصلاة الأجبية.
(1) مدينة الله عظيمة (ع1-3):
ع1: 1- عظيم هو الرب و حميد جدا في مدينة إلهنا جبل قدسه.
- يمجد الكاتب بانى المدينة أولاً وهو الله، ويصفه بأنه عظيم، ويستحق الحمد، والشكر لأجل عنايته ورعايته لأولاده، ومن أجل كل أعماله العظيمة والصالحة.
- يصف أورشليم ويلقبها بأنها جبل قدس الله، إذ هى مقامة على خمسة جبال، وفيها هيكله المقدس. ويصفها أيضاً بأنها مدينة إلهنا التى يسكن فيها ويباركها، وهذا يعنى العلاقة الخاصة مع الله، فهو إلهنا، ويظهر جمال الله فى عظمة مدينته وفى هيكله. وجبل قدس الله – بروح النبوة – هو الكنيسة، ونفس كل مؤمن.
ع2: 2- جميل الارتفاع فرح كل الارض جبل صهيون فرح اقاصي الشمال مدينة الملك العظيم.
يتكلم الكاتب عن صفات مدينة الله، فيصفها بما يلى :
- جميل الارتفاع : فهى مرتفعة لأنها مبنية على الجبال، وارتفاعها هذا جميل، ليس فقط لأنه يجذب أنظار الناس إلى هيكلها العظيم، ولكن أيضاً لأن هذا يرمز إلى ارتفاعها عن الأرضيات، والماديات، واقترابها إلى السماويات، فهى تمثل القداسة والروحانية والسمو.
- فرح كل الأرض : فهى تفرح قلوب كل المؤمنين بالله فى كل الأرض، الذين يأتون ليسجدوا فى هيكله المقدس، ومنها سيأتى المسيح، فرح، وخلاص كل الأرض.
- جبل صهيون : فهى ثابتة مثل الجبل، قوية مثل جبل صهيون المبنية عليه؛ لأن الله هو مثبتها لسكناه فيها.
- فرح أقاصى الشمال : فهى فرح وخلاص العظماء الوثنيين الذين يأتون من الشمال، وهم الأشوريين والبابليين وفارس، الذين هجموا على أورشليم. هؤلاء آمنوا بالمسيح الخارج من أورشليم، وخضعوا له وفرحوا بخلاصه.
- مدينة الملك العظيم، فهى مستقر الله الملك العظيم؛ لأنه يسكن فى أورشليم مدينته، ويمتعها ببركاته.
هذه الصفات الخمسة تتمتع بها كل نفس آمنت بالمسيح وسكن فيها، فهى سامية، ومفرحة، وثابتة وقلبها مفتوح للكل وتتمتع بسكنى المسيح فيها.
ع3: 3- الله في قصورها يعرف ملجأ.
- قصور مدينة الله هى مبانيها العظيمة التى يباركها الله، فتصير ملجأ لسكانها، يحتمون فيها لأن الله معهم. وهذا ما حدث لأورشليم طالما هى ثابتة فى إيمانها، ولكن عندما تركت الله، وعبدت الأوثان دمرها البابليون.
- إن القصور هى نفوس المؤمنين التى يسكن فيها الله، فتصير ملجأ يلتجئ إليه كل البشر؛ ليأخذوا من سلامها وفرحها، ويتعلمون منها كيف يحيون مع الله. فهى ملجأ لهم وسط برية العالم.
إن الله يريد أن يجمل نفسك، فيرفعها فوق العالم؛ لكى تكون نور لكل إنسان فاخضع له، وتمسك بوصاياه؛ ليسكن فيك ويشبعك ويفرحك ويعمل بك.
(2) مدينة الله مخوفة (ع4-8):
ع4-7: 4- لأنه هوذا الملوك اجتمعوا مضوا جميعا. 5- لما رأوا بهتوا ارتاعوا فروا. 6- أخذتهم الرعدة هناك و المخاض كوالدة. 7- بريح شرقية تكسر سفن ترشيش.
ترشيش : مدينة تجارية شهيرة فى العالم القديم وهى تقع جنوب أسبانيا.
- يحدثنا كاتب المزمور عن اجتماع ملوك لمهاجمة مدينة الله أورشليم، ولكن الغريب أن بعد اجتماعهم انصرفوا، ولم يستطيعوا الإساءة إلى المدينة. يا ترى لماذا ؟!
يعلن السبب وهو أن هؤلاء الملوك رأوا شيئاً أدهشهم، فتعجبوا جداً، ثم خافوا خوفاً عظيماً، فهربوا سريعاً.وشعروا برعب شديد، بل تألموا من خوفهم، كما تتألم المرأة وهى تلد، إذ يأتى عليها آلام المخاض فجأة، هكذا تألموا بشدة، وهربوا بعيداً. ويشبه فزع هؤلاء الأعداء الشديد المفاجئ بما يحدث عند هبوب ريح شرقية قوية على سفن ترشيش العظيمة، فتكسرها وتخربها.
- حدث هذا فعلاً أكثر من مرة مع مدينة أورشليم، إذ اجتمع ملوك موآب وأدوم وبنو عموان لمهاجمة أورشليم أيام يهوشافاط الملك، الذى صلى إلى الله فطمأنه، وخرج يهوشافاط بجيشه وفى مقدمته فرق المسبحين، الذين لما رأتهم الجيوش المتحالفة للأعداء بهتوا، وتعجبوا جداً لهذا التسبيح، ولكنهم خافوا بشدة عندما قامت عليهم مجموعة من الجنود كانوا مختبئين فى أكمنة، وغطاهم الذعر فهربوا. ولعل هذه الأكمنة كانت جنوداً ملائكية (2أى20: 22). وحدث أيضاً عندما اجتمع رؤساء جيوش الأشوريين، وحاصروا أورشليم بقيادة سنحاريب أيام حزقيا ملك يهوذا، الذى صلى إلى الله، فطمأنه أشعياء النبى. وفى الليل ظهر ملاك الرب بسيفه المسلول لجيوش الأشوريين، فبهتوا، ثم خافوا جداً، خاصة عندما بدأ سيف الملاك يعمل فى رقابهم، فسقط 185.000 جندياً من جيوش الأعداء، وهرب الباقون (2مل19: 35).
- هذه الآيات تُظهر أنه مهما كانت قوة الأعداء وكبرياؤهم وعظمتهم، مثل سفن ترشيش، فإن الله – إذ يراهم يرغبون فى الإساءة إلى مدينته أورشليم – يخيفهم، فينزعجون، ويتألمون، ويهربون. والريح الشرقية ترمز للروح القدس، الذى يحطم قوة غيرالمؤمنين المهاجمين لمدينة الله، بل يحول بعضهم إلى الإيمان، والباقون يهربون فى خوف شديد.
ع8: 8- كما سمعنا هكذا راينا في مدينة رب الجنود في مدينة إلهنا الله يثبتها إلى الأبد سلاه.
- يعلن الكاتب أن حماية الله لمدينته تحققت أيام الآباء، وسمعنا عنها منهم، مثل الضربات العشر فى مصر، وعبور البحر الأحمر، وكذلك انشقاق الأردن، وعبور شعب الله، وسقوط أسوار أريحا، وكل انتصارات الله فى أرض كنعان. وبالإضافة إلى هذا يقول الكاتب قد رأينا بأعيننا أعمال الله، وحمايته لأولاده فى جيلنا، فأعمال الله متجددة كل يوم، فهو “هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد” (عب13: 8). وهو رب الجنود السماوية الذى لا يقهر، ويحمى مدينته، ويثبتها إلى الأبد. والمقصود بالثبات إلى الأبد هى أورشليم السماوية، حيث يملك أولاد الله إلى الأبد معه؛ لأن أورشليم الأرضية تخربت أكثر من مرة، ولكن التى تثبت إلى الأبد هى أورشليم السماوية.
- توجد فى نهاية الآية كلمة سلاه، وهى وقفة موسيقية للتأمل فى عظمة مدينة الله، وعمله القوى فيها حتى نمجده، ونسبحه.
آمن بالله وتمسك بوصاياه مهما أحاطت بك الضيقات، أو التهديدات، فهى لا تستطيع أن تؤذيك، والله يحفظك، ويثبت إيمانك، حتى ينقلك إلى السماء، ويمتعك معه فى ملكوته.
(3) مدينة الله مفرحة (ع9-11):
ع9، 10: 9- ذكرنا يا الله رحمتك في وسط هيكلك. 10- نظير اسمك يا الله تسبيحك إلى أقاصي الارض يمينك ملآنة برا.
- بعد أن سمعنا ورأينا عظمة الله فى (ع8) الآن نذكر ونحدث بأعماله العظيمة فى هذه الآية.
- الوجود فى هيكل الله يشعرنا بحضرته، ويجعلنا نتذكره، ونذكر رحمته وأعماله العظيمة. فكما أن اسمه قدوس، كذلك أعماله كلها مقدسة، وعظيمة، وخيرة. وأسمى صورة لرحمة الله تظهر فى تنازله ليعطينا جسده ودمه على المذبح كل يوم غفراناً، وعزاءً، وشبعاً لأولاده.
- طبيعة الله أن يصنع البر، ويمينه، أى قوته تظهر فى كثرة بره. وأعظم صورة ليمينه هى تجسد ابنه الوحيد يسوع المسيح ليفدى البشرية، ويملأ الدنيا برأ بأعماله الصالحة. هذا كله يجعل المؤمنون بالله يسبحونه على الدوام.
ع11: 11- يفرح جبل صهيون تبتهج بنات يهوذا من أجل احكامك.
إن الله الذى يحكم العالم بحكمته خلق كل الأشياء، ووضع لها نواميس تسير عليها، بالإضافة إلى وصاياه وأحكامه، التى أعطاها لأولاده ليحيوا بها، فتقودهم إلى الملكوت. كل هذا تفرح به مدينته صهيون، أى أورشليم الثابتة بقوته مثل الجبل، وهى ترمز لكنيسة العهد الجديد الثابتة، ولأورشليم السماوية الثابتة إلى الأبد، وتفرح كذلك بنات يهوذا اللاتى يعبدن الله فى أورشليم، وهى ترمز لنفوس المؤمنين بالله، فإنهم يفرحون بوجوده فى وسطهم، وبأحكامه ووصاياه التى ترشدهم فى طريقهم.
الله يدعوك للفرح إذا تأملت فى وصاياه، وكلامه، فتشبع من الكتاب المقدس كل يوم، وتسبح اسمه القدوس، ويمتلئ قلبك سلاماً.
(4) مدينة الله حصينة (ع12-14):
ع12، 13: 12- طوفوا بصهيون و دوروا حولها عدوا أبراجها. 13- ضعوا قلوبكم على متارسها تأملوا قصورها لكي تحدثوا بها جيلا اخر.
- صهيون هو أهم الجبال المبنية عليها مدينة أورشليم، فيدعو الكاتب المؤمنين أن يطوفوا، ويدوروا حول المدينة؛ ليتأملوا جمالها، ويروا ثباتها. وكانت هذه عادة يقوم بها القدماء بعد انتهاء الحرب؛ ليتأكدوا من سلامة أسوار المدينة وأبراجها، وبهذا الطواف يكتشفون قوة الله، وحمايته فيمجدوه، كما يحتاج الإنسان أن يطوف بحياته، ويتأملها بعد كل حرب روحية، أى يحاسب نفسه؛ ليطمئن على سلامته من أى شر، ويمجد الله الذى اجتاز به التجربة.
- إن الأبراج هى أماكن المراقبة أثناء الحرب لحماية المدينة من الأعداء، والمتاريس هى الحوائط المبنية ليحتمى خلفها السكان، والقصور هى أعظم المبانى داخل المدينة. والأبراج ترمز للقديسين، والمتاريس ترمز لوسائط النعمة، والقصور ترمز للفضائل التى تتزين بها الكنيسة وكل مؤمن. ولذا ينبغى أن يفحص كل إنسان نفسه، ومدى تمسكه بالقداسة، ووسائط النعمة، وسعيه لاقتناء الفضائل، ويشكر الله على كل بركاته، ويحدث بها أولاده؛ ليثبتوا فى الإيمان، ويتمتعوا بعمل الله فى الكنيسة.
ع14: 14- لأن الله هذا هو إلهنا الى الدهر و الأبد هو يهدينا حتى الى الموت
فى ختام المزمور يعلن الكاتب حقيقة هامة، وهى أن الله الذى أسس، وحفظ هذه المدينة وهيكلها هو إلهنا الذى نعبده بكل قلوبنا، خاصة وأنه يسير معنا فى طريق الحياة، ويهدينا إلى الملكوت طوال العمر حتى الموت، بل ويمتد معنا فى الملكوت إلى الأبد؛ ليمتعنا بعشرته.
ليتك تحاسب نفسك كل يوم، لتعرف كم أسقطك العدو فى الخطية، وكيف حفظك الله من شرور كثيرة، وتراجع مدى نشاطك فى السعى نحو الفضيلة؛ لتتحصن فيها. وإذ يرى الله اهتمامك يساندك، ويباركك، ويثبتك.