عظمة مسبحى الله
مزمور تسبيحة. ليوم السبت
“حسن هو الحمد للرب .. ع1”
مقدمة :
- كاتبه :
لم يذكر الكاتب فى العنوان، فيعتبر من المزامير اليتيمة، أى غير المعروف كاتبها. ولكن يُظن أنه :
أ – داود النبى بغرض أن يُترنم به فى يوم السبت فى الهيكل.
ب- موسى النبى.
- متى كتب ؟
بعدما انتصر داود على أعدائه، وأراحه الله من الحروب، فكتب هذا المزمور ليسبح الله.
- كان هذا المزمور يرنمه اللاويون والشعب فى يوم السبت داخل الهيكل تمجيداً لله، وبهذا يفهم أنه مزمور ليتورجى يقدم فى العبادة الجماعية.
- يظهر هذا المزمور عظمة التسبيح وبركات الله لأولاده الأبرار، فهو شكر لله، وفى نفس الوقت تشجيع على حياة البر والابتعاد عن الشر.
- لا يوجد هذا المزمور فى صلاة الأجبية.
(1) لماذا نسبح الله ؟ (ع1-5):
ع1: 1- حسن هو الحمد للرب و الترنم لاسمك أيها العلي.
- يعلن المزمور فى بدايته أهمية شكر الله، وحمده، والاعتراف بعظمته، وهذا بالتالى يحرك القلب واللسان للترنم لاسمه القدوس؛ لأنه هو الله العالى فوق جميع المخلوقات؛ لأنه هو خالقها، ولذا ينبغى على الإنسان قائد الخليقة أن يحمده ويسبحه فى كل حين.
- تهتم الكنيسة أن تبدأ جميع صلواتها الطقسية بحمد الله، فتصلى صلاة الشكر. ويلاحظ أن هذه الآية والآية التالية لها تصليهما الكنيسة كل يوم فى القطعة الموجودة بصلاة النوم، التى تبدأ “بتفضل يا رب” إذ توجد هاتان الآيتان فى نهاية هذه القطعة. وقد وضع ورتب هذه القطعة القديس أثناسيوس الرسولى.
ع2: 2- أن يخبر برحمتك في الغداة و أمانتك كل ليلة.
الغداة : باكر، أى فجر اليوم الجديد.
- الذى يشكر الله، ويترنم لاسمه القدوس يهبه الله رحمته طوال العمر؛ أى فى الغداة وطوال النهار. وما دمنا أحياء، أى فى النهار لنا فرصة أن نسبح الله؛ لأنه ليس فى الموت من يذكر الله، ويشكره. وأيضاً فى النهار، أى طوال العمر يستطيع الإنسان أن يتوب عن خطاياه، فينال رحمة الله، ويخبر بها؛ أى يشكر الله، ويدعو الناس للإيمان والتوبة للتمتع برحمة الله. فالنهار هو الفرصة للتمتع برحمة الله ورعايته ومحبته، فيزداد شكر الإنسان لله. والنهار هو الأوقات التى تخلو من التجارب فيكون فيها فرصة للنمو الروحى والعلاقة براحة مع الله.
ع3: 3- على ذات عشرة أوتار و على الرباب على عزف العود.
- لا يكتفى كاتب المزمور فى دعوة الناس لشكر الله، والترنم له بأفواههم، بل يدعوهم أن تصاحبهم فى الترانيم الآلات الموسيقية، ويذكر هنا ثلاثة أنواع من الآلات الوترية التى تصاحب التسبيح. وهذا يعنى التنوع فى الآلات، فيرمز هذا إلى تنوع أنواع الشكر؛ لأن الله أعماله كثيرة جداً، وأنواعها لا تعد.
- العشرة أوتار ترمز للوصايا العشر، وترمز أيضاً للحواس الخمس الخارجية، أى الجسدية، والحواس الخمس الداخلية، أى النفسية. وهذا يعنى أن الإنسان يسبح بالروح وبالجسد، وكل من يحفظ وصايا الله، ويحيا بها يستطيع أن يشكر الله وقلبه يشتاق لتسبيحه.
ع4: 4- لأنك فرحتني يا رب بصنائعك بأعمال يديك أبتهج.
من أحب الله، وانطلق لسانه بالتسبيح والشكر يستنير قلبه، فتنكشف محبة الله له من خلال أعماله، فيفرح قلبه ويبتهج. وكلما إزداد شكره تزداد استنارته، ورؤيته لأعمال الله فيشكر أكثر ويفرح.
ع5: 5- ما أعظم أعمالك يا رب و أعمق جدا أفكارك.
- فى نهاية هذه الفقرة يعلن كاتب المزمور أمام كثرة أعمال الله وتنوعها ورعايته لأولاده أن أعماله عظيمة جداً؛ حتى عبر عنها بقوله ما أعظم أعمالك؛ أى أنه عاجز عن معرفة وتقدير هذه العظمة. فهى أعظم من أى أعمال يعملها البشر. وبالتالى تستحق الشكر الدائم.
- وإذ تأمل كاتب المزمور فى أفكار الله التى هى وراء أعماله وجدها عميقة جداً، بل لم يستطع أن يعبر عن مدى عمقها فقال “أعمق جداً” كما قال بولس الرسول “ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء” (رو11: 33)، وحيث أن أفكار الله عميقة جداً، فيلزم الإنسان أن يخضع لله ويطيع وصاياه ويسبح عظمته.
اهتم أن تشكر الله فى نهاية كل يوم على عنايته حتى يستنير قلبك وترى الله، وتتمتع برؤية أعماله، فيمتلئ قلبك فرحاً.
(2) ضعف الأشرار أمام قوة الأبرار (ع6-11):
ع6: 6- الرجل البليد لا يعرف و الجاهل لا يفهم هذا.
- الجاهل والبليد هما اللذان لا يعرفان ولا يحفظان وصايا الله، وبالتالى ليس عندهما استنارة روحية، فلا يريا عظمة أعمال الله، ولا يمجداه ولا يشكراه. وعلى العكس بكبرياء يدعيان العلم والمعرفة، ويسلكان فى الشر، ويستهينان بالله.
- الجاهل والبليد إذ فقدا الحواس الداخلية؛ أى الفهم والحكمة، يسلكان بطريقة حيوانية غريزية، ويفسران أحكام الله بطريقة خاطئة، ويتضايقان من الله، ويتذمران عليه. فهما لا يخضعان لمشيئة الله، ولا يتكلان عليه، فتصرفاتهما غبية تؤدى بهما إلى الهلاك.
ع7: 7- إذا زها الاشرار كالعشب و أزهر كل فاعلي الإثم فلكي يبادوا إلى الدهر.
- يقرر هنا كاتب المزمور أن نهاية الأشرار هى الهلاك الأبدى، وبالتالى لا ننشغل بنجاحهم فى هذه الحياة؛ لأنه سيزول، ولا ننزعج من كبريائهم، وافتخارهم بهذا النجاح؛ لأنه مؤقت، ولو دام فليس لأكثر من هذه الحياة، أما الحياة الأخرى فهى العذاب الأبدى لهم.
- حيث أن العمر مؤقت، وحياتنا تشبه العشب وأزهاره التى وإن بدت جميلة ولكنها تذبل سريعاً، وكل هذا يقودنا إلى التوبة والاستعداد للحياة الأبدية، فنحيا مع الله على الأرض؛ ليكون لنا مكان فى السماء، ونتخلص من كل شرورنا.
ع8: 8- أما أنت يا رب فمتعال إلى الأبد.
- الأشرار يتعلقون بالشهوات الأرضية فينحدرون إلى أسفل، أما الأبرار فيتعلقون بالله المتعالى، وبكل الروحيات التى ترفعهم إليه، فيرتفعون كل يوم إلى السماويات.
- الله متعالى إلى الأبد، وكل من يحيا مع الله يتمتع بالأبدية معه، أما الأشرار فيتعظمون فى هذه الحياة، وتنتهى عظمتهم بالموت، فيدخلون إلى أسافل الأرض، أى الجحيم.
ع9: 9- لأنه هوذا أعداؤك يا رب لأنه هوذا أعداؤك يبيدون يتبدد كل فاعلي الإثم.
- يؤكد كاتب المزمور هنا أن من يفعل الخطية يعادى الله، فإن تاب يقبله الله، ولكن إن أصر على الخطية فهو عدو حقيقى لله، وتابع للشيطان الذى يعادى الله وهو فاعل للإثم، أى يصر على الإثم ومتمسك به فى قلبه.
- هؤلاء الأشرار المتمسكون بالخطية يبيدون؛ لأنهم تعلقوا بالعالم البائد فيبيدون معه؛ أى يذهبون للهلاك الأبدى. ويتبددون مثل القش أمام الريح؛ أى ليس لهم قيمة مهما ظهروا فى عظمة وسلطان فى هذا العالم لأنهم فارغون من جهة الله، وقلوبهم مملوءة شراً.
ع10، 11: 10- و تنصب مثل البقر الوحشي قرني تدهنت بزيت طري. 11- و تبصر عيني بمراقبي و بالقائمين علي بالشر تسمع أذناي.
على الجانب الآخر الأبرار يعطيهم الله بركات كثيرة هى :
- ينالون قوة ويرمز إليها بالقرن المنتصب، ولم تكن تقدم ذبيحة لله إلا ذات قرن منتصب؛ لأنها ترمز للمسيح القوى المصلوب ليفدينا.
- ينالون حيوية ويرمز إليها الزيت الطرى، فيتحركون بنشاط ويؤدون أعمالهم الروحية والمادية بحماس، فينجحون فى كل ما يصنعونه (مز1).
- ينالون تمييزاً فيعرفون مكائد العدو والشيطان، وكل ما يتبعه، فيحترسون منه بالالتجاء إلى الله من خلال كل الممارسات الروحية. فالذين يراقبونهم هم الأشرار الذين يريدون اصطيادهم، وايقاعهم فى أخطاء، بهذا يعطيهم الله رؤية، وسماع ومعرفة كل ما يدبر ضدهم، وينجيهم من أيدى الأشرار، فيحيون فى طمأنينة.
ثق فى قوة الله التى تساندك وتعمل فيك حتى لا تنزعج من مؤامرات الأشرار المحيطين بك، وعلى العكس تشفق عليهم وتصلى لأجلهم؛ ليعطيهم الله توبة فيعرفون الله، ويحيون معه.
(3) بركات الله للأبرار (ع12-15):
ع12: 12- الصديق كالنخلة يزهو كالأرز في لبنان ينمو.
- يشبه كاتب المزمور البار بالنخلة المرتفعة إلى السماء، وترمز للسمو عن الأرضيات والإنشغال بالسماويات، وكذلك شجرة الأرز التى تنمو فى لبنان فهى مرتفعة إلى السماء.
- النخلة تحتاج لوقت طويل حتى تنمو، إشارة إلى الجهاد الروحى ليصل الإنسان إلى الله. أما العشب الذى يزهو أيضاً (ع7) فهو سريع فى النمو وسريع الزوال.
- النخلة تمتد جذورها إلى أعماق كبيرة لتغذى الساق الطويلة، رمزاً لأهمية العمق الروحى، وتعطى ثماراً حلوة هى البلح بألوانه المختلفة، التى ترمز للثمار الروحية، وأغصانها مرتفعة نحو السماء كمن يرفع يديه للصلاة.
- الأرز شجرة خشبها قوى وتعيش مئات السنين، إشارة إلى قوة حياة المؤمنين، وبقائهم إلى الأبد فى الملكوت. والأرز ينمو فى لبنان، التى هى من الأمم، نبوة عن إيمان الأمم بالمسيح.
ع13: 13- مغروسين في بيت الرب في ديار إلهنا يزهرون.
الغارس الذى يغرس هذه الأشجار هو الرب فيغرس أولاده فى بيته؛ لينموا ويزهروا. وكل من يتأصل فى بيت الرب؛ أى بالعبادة المقدسة، يخرج أزهاراً وثماراً روحية على الأرض وتكمل فى السماء. وما داموا مغروسين فى بيت الرب، فالله يشبعهم وينميهم، ويعتنى بهم، فلا يستطيع الشيطان أن يبعدهم عن الله.
ع14: 14- أيضا يثمرون في الشيبة يكونون دساما و خضرا.
- الأبرار ممتلئون حيوية، وشبع روحى “خضرة ودسم” وبالتالى لهم ثمار روحية. هذه الثمار لا تفارقهم ليس فقط فى أيام شبابهم، بل حتى شيخوختهم أيضاً، فيمجدون الله، ويجتذبون نفوس الآخرين إليه، فيشبعوهم من فيض الشبع الممتلئين به. فالأبرار نور للعالم بحياتهم البارة.
- إن الجسد يضعف عندما يصل الإنسان إلى الشيخوخة، أما الروح فتتجدد كما يتجدد شباب النسر (مز103: 5) فالأبرار فى شباب روحى دائم، مثل النخلة التى تعطى ثمارها الحلوة فى شيخوختها؛ وكذلك الأرز يصبح خشبة قوية عندما تكبر الشجرة.
ع15: 15- ليخبروا بأن الرب مستقيم صخرتي هو و لا ظلم فيه
عندما يثمر الأبرار طوال حياتهم يمجدون الله، ويخبرون بأعمالهم أن الله مستقيم وعادل ولا يظلم أحداً. فهو يكافئ الأبرار بالثمار الصالحة، أما الأشرار فزهوهم وعظمتهم قصيرة الوقت مثل العشب (ع7)؛ لأن الثمر الحقيقى الكامل هو فى الأبدية، فينعم الأبرار فى الملكوت، أما الأشرار فيعذبون فى الهلاك الأبدى.
اصبر فى جهادك واثقاً من نعمة الله التى تساندك، وتفيض عليك بثمار روحية، فتحيا فى سعادة على الأرض، وفى مجد لا يعبر عنه فى السماء.