سفر المزامير-المزمور الخَامِسُ والسبعون

الله المؤدب والمكافئ

لإمام المغنين.على لا تهلك . مزمور لآساف. تسبيحة

“نحمدك يا الله نحمدك واسمك قريب… (ع1)

مقدمة :

1. كاتبه: أ- آساف كما يذكر العنوان.

       ب- داود كتبه، ثم أعطاه لآساف ليرنمه أمام الهيكل.

2. متى كتب ؟
   1. هناك رأى بأن داود كتبه عندما وقف الملاك فى حقل أرونا اليبوسى وأوقف الوبأ. فشكر الله العادل والرحيم فى نفس الوقت (2صم24: 1–17).
   2. وهناك رأى آخر بأن داود كتب المزمور بعد موت شاول، وتملكه.
3. هذا المزمور يمجد الله العادل، ضابط الكل، الذى بقوته يعاقب الأشرار، ويكافئ الأبرار.
4. هناك تكامل بين (مز 74)، (مز 75)، فالأول يعاتب الله لتأخر تدخله لإنقاذ شعبه، وفى هذا المزمور يشكر الله على تدخله، ومكافأة أولاده.
5. هناك تشابه بين هذا المزمور، والمزمور التالى له، وكذلك صلاة حنة أم صموئيل
   (1صم2: 1-10) فكلاهما يتحدثان عن الله العادل.
6. ينادى هذا المزمور كل إنسان ليحترس من الخطية لعقابها الشديد (ع8)، وينبهه للاستعداد للأبدية (ع 9، 10).
7. هذا المزمور فى عنوانه على لا تهلك وهى نغمة موسيقية كانت معروفة وقتذاك.
8. هذا المزمور غير موجود فى صلاة الأجبية.

(1)  حـمد الله على عدله وقوته  (ع1-3):

ع1:  1- نحمدك يا الله نحمدك و اسمك قريب يحدثون بعجائبك.

1. يبدأ المزمور بحمد الله، ويكرر الكلمة نحمدك؛ ليظهر تعلق القلب بالله، وشكره له
   على أعماله الكثيرة مع أولاده.
2. إن عجائب الله على الأرض مع أولاده جعلته قريباً إلى قلوبهم، وارتبطوا به كإله
   خاص لهم، ولذا فهم يمجدونه، ويحمدونه.

ع2:  2- لأني أعين ميعادا أنا بالمستقيمات أقضي.

1. يتكلم الله ويقول للمستغيثين به – حتى ينتقم من الأشرار – أنه قد عين ميعاداً لإبادتهم، وهو الآن يعطيهم فرصة للتوبة. وهو يقضى بالمستقيمات، فيكافئ الأبرار، ويطيل أناته على الأشرار لعلهم يتوبون، ولكن إن لم يتوبوا سيعاقبهم، ويفنيهم. وهو أيضاً قد عين ميعاداً للعالم كله سيدينه فيه، وهو يوم الدينونة العظيم، ويعطى الآن فرصة للأبرار أن يتزكوا أمامه، وللأشرار أن يرجعوا عن خطاياهم.
2. يطمئن أولاده الذين ينتظرون خلاصه أنه عين ميعاداً لخلاص البشرية بالمسيح الفادى، وأن كل كلام الأنبياء سيتحقق فى المسيح، فيطلب من أولاده أن ينتظروا خلاصه بإيمان، ولو ماتوا على الرجاء، فسيرفعهم المسيح من الجحيم إلى الفردوس بعد أن يتمم الفداء.

ع3:  3- ذابت الأرض و كل سكانها أنا وزنت أعمدتها سلاه.

1. يؤكد الله للمتعجلين قضاءه أن الأرض ستذوب وتنتهى هى وكل سكانها وذلك فى يوم الدينونة، ويقصد بسكانها الناس الأرضيين، المنشغلين بشهوات العالم، ولكن الله يطيل أناته على هؤلاء الأرضيين لعلهم يتوبون.
2. يطمئن الأبرار الذى يطلبون سرعة قضائه بأنه هو خالق الأرض، ومدبرها، وهو وازن أعمدتها؛ إذ كانوا يعتقدون قديماً أن الأرض ثابتة على أعمدة، فالمقصود بالأعمدة الثبات. والله يعرف مدى ثبات هذه الأرض، ومتى ينهى هذا الثبات، أى يوم الدينونة، فتتغير الأرض، وكل الماديات.
3. مادام الله يقضى بالمستقيمات فالأرضيين الشهوانيين يخافون، ويذوبون مرتعدين، ولكن ياليت خوفهم يتحول إلى توبة ورجوع إلى الله.
4. ينهى هذه الآيات الثلاثة بكلمة سلاه، وهى وقفة موسيقية للتأمل فى إلهنا ضابط الكل، ومدبر حياتنا، حتى نطمئن وننشغل بمحبته إلى أن يأخذنا عنده فى ملكوته السماوى.

 عندما تعود نفسك على شكر الله تشعر بقربه منك، وهو أيضاً يكشف لك عن نفسه، ليتعلق قلبك به فتفرح، ويزداد شكرك، وحمدك، وتسبيحك.

(2) إنذار الأشرار من غضب الرب  (ع4-8):

ع4، 5:  4- قلت للمفتخرين لا تفتخروا و للأشرار لا ترفعوا قرنا. 5- لا ترفعوا إلى العلى قرنكم لا تتكلموا بعنق متصلب.

ينادى كاتب المزمور الأشرار، ويحذرهم من استمرار مقاومة الرب، فهذا إنذار إلهى من الله على لسان كاتب المزمور حتى لا يتمادى الأشرار فى شرهم، ويتوبوا، ويعودوا إلى الله. وهو يحذرهم من أمرين:

1. الكبرياء، ويشبهه برفع الحيوان الوحشى قرنه، واستعداده للمقاومة والمحاربة دفاعاً عن شره.
2. العناد الذى يشبهه بالحيوان الذى يصلب رقبته حتى لا يخضع لمن يقوده فى الطريق، فهو يرفض الطاعة والخضوع.

إصرار الأشرار على الكبرياء والعناد يجعلهم فى ابتعاد دائم عن الله، وبالتالى يسيرون فى طريق الهلاك.

ع6 ، 7:  6- لأنه لا من المشرق و لا من المغرب و لا من برية الجبال. 7- و لكن الله هو القاضي هذا يضعه و هذا يرفعه.

1. يستكمل كاتب المزمور حديثه عن الأشرار فى تحذيراته لهم، فيقول لهم أن يخافوا الله فقط؛ لأنه هو وحده القاضى الذى يكافئ الأبرار، ويرفعهم، أو يضع الأشرار ويعاقبهم.
2. يطلب من الأشرار أن يضعوا فى اعتبارهم: أ- لا يخيفهم الناس الآتية من المشرق، أو المغرب، أو من البرارى التى وسط الجبال، أى لا تخافوا من كل البشر.
   2. خافوا من الله وحده الذى لا يمكن الهروب منه سواء فى المشرق، أو المغرب، أو حتى فى البرارى التى بين الجبال.

ج- لا تتظاهروا وترضوا الناس الموجودين فى أى مكان.

ع8: 8- لأن في يد الرب كأسا و خمرها مختمرة ملآنة شرابا ممزوجا و هو يسكب منها لكن عكرها يمصه يشربه كل أشرار الأرض.

يظهر كاتب المزمور عقاب الله للأشرار، فيشبهه بكأس فى يد الرب، ونلاحظ فى هذه الكأس عدة أمور هى:

1. أن خمرها “مختمرة” أى قوية التأثير، فمن يشربها يسكر بها، أى أن الغضب الإلهى شديد، وقوى التأثير على الأشرار.
2. “ملآنة” أى أن خمرها كثير، فغضب الله سيفيض بوفرة على الأشرار لكل واحد بحسب شره، لعلهم يتوبون، وإن رفضوا التأديب لا ينتظرهم إلا الهلاك.
3. “شراباً ممزوجاً” أى أنها مزيج من أنواع مختلفة من الخمر ليكون تأثيرها أقوى، ويقصد أن الغضب الإلهى سيكون متنوع العقوبات؛ ليكون تأثيره شديد، وينخس الأشرار، ويضيق عليهم لعلهم يتوبون.
4. “يسكب منها” الله سيسكب من كأس غضبه على الأشرار بحسب شرهم؛ لينسوا لذة الشهوات، ويرجعوا إليه، وينتبهوا من غفلتهم.
5. “عكرها يمصه، يشربه كل أشرار الأرض” عكارة الخمر (التفل) الموجود فى قاع الكأس، ويكون مصه وشربه ذا تأثير أقوى وأشد ألماً، وهو يعنى أن الرب فى النهاية يعلن غضبه بشدة للأشرار كآخر فرصة للتوبة.

ويمصه يقصد به أن يشربه حتى النهاية ولا يبقى منه قطرة، أى أن الأشرار المصرين على شرهم سيعطيهم الله غضباً كاملاً يشربونه حتى النهاية على رجاء أن يتوبوا.

 عندما تقابل ضيقة أعلم أن الله ينبهك بها لترجع إليه، وهو لا يريد هلاكك، ولكن لانغماسك فى الشر اضطر أن يوقظك بشدة؛ لتعود إلى أحضانه.

(3) مكافأة  الأبرار  (ع9 ، 10):

ع9:  9- أما أنا فأخبر إلى الدهر أرنم لإله يعقوب.

1. بعد أن تكلم كاتب المزمور عن عقاب الأشرار يعود إلى نفسه، وينظر إلى الله فيمتلئ قلبه فرحاً بحبه وحنانه على أولاده، فيهدأ قلبه ويتمتع بعشرة الله.
2. من شدة فرح كاتب المزمور أخذ يترنم، ويسبح الله، ويخبر بعمل الله فيه ويبشر كل من حوله، ويجذب البعيدين، بالإضافة إلى تثبيت الأبرار.

ع10:  10- و كل قرون الأشرار أعضب قرون الصديق تنتصب

أعضب : أكسر.

1. يختم المزمور بإعلان قوة الأبرار، فالبار بقوة الله يكسر قوة الأشرار التى تبدو مسيطرة فى الأرض، ولكن الصديق أى البار فى هدوئه واتكاله على الله ينتصر ويحيا فى سلام.
2. فى السماء، أى الملكوت تنكسر كل قوى الشر فلا يوجدون، ويلقون فى العذاب الأبدى، أما الصديق، فينال قوة كبيرة جداً يعبر عنها بالقرون، وليس قرناً واحداً. فيرفع الصديق رأسه بقوة ويفرح إلى الأبد، كما يرفع الحيوان رأسه وقرنه ينتصب، معلناً قوته.

 إذا نظرت إلى المسيح يمتلئ قلبك فرحاً، ثم تسبحه، فتثبت فى هذا الفرح، وتستطيع حينئذ أن تبشر غيرك بالفرح، وتقوده للحياة الروحية.