مدرسة الصلاة
لداود
“إليك يا رب أرفع نفسى” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه داود النبى.
- لماذا كتب ؟
بسبب معاناة داود من مطاردة شاول وأبشالوم وكل من أساء إليه.
- متى كتبه ؟
فى شيخوخته لأنه يذكر خطايا صباه (ع7).
- فكرته :
صلاة مرفوعة أمام الله، وتحوى مثال واضح للصلاة المقبولة والمتكاملة أمام الله، فهى تعتبر مدرسة للصلاة يتعلم منها الإنسان كيف يصلى.
- يحوى حكم وحقائق إيمانية وإرشادات للسلوك فى طريق الله، فهو من المزامير الحكمية ويظهر الله المعلم للإنسان فى كل نواحى حياته.
- يعتبر هذا المزمور مرثاة شخصية، إذ يعبر عن مشاعر إنسان يشعر بالوحدة، وكثرة الأعداء ضده، وتعلقه بالله مخلصه.
- هذا المزمور ضمن تسعة مزامير كتبت على الأبجدية العبرية، وهذه المزامير التسعة هى 9 ، 10 ، 25 ، 34 ، 37 ، 111 ، 112 ، 119 ، 145 .
- هذا المزمور يوجد فى الأجبية فى صلاة باكر.
(1) الله متكلى (ع1-7):
ع1: إليك يا رب أرفع نفسي.
- رفع النفس معناها الاقتراب إلى الله المرتفع فوق جميع المخلوقات، وهذا يتم عن طريق رفع الفكر والقلب بالتفكير فى الأمور المرتفعة، أى السماوية وكل أمر روحى، فينشغل الفكر والقلب بمعرفة الله والفضائل الروحية. وأيضاً يمكن رفع الجسد، مثل رفع اليدين، أى يتم رفع النفس بالصلاة والتأمل؛ لذا يقول الكاهن فى القداس الإلهى وينادى الشعب “ارفعوا قلوبكم”.
- رفع النفس هو ارتفاع عن الأرضيات والانشغال بها، فيكتفى الإنسان باستخدام الماديات بمقدار بحسب الحاجات الضرورية.
- رفع النفس هو بالارتفاع عن الخطايا التى تذل الإنسان وتجعله فى موضع الحقارة، وليس فقط الارتفاع عن الخطايا، بل عن مسبباتها، أى الابتعاد عن الخطاة المعثرين للنفس والمجالس الشريرة.
- إذا اتضع الإنسان أمام الله يرفعه؛ لأنه يرفع المتضعين (لو1: 52)، فمن يسعى إلى الاتضاع يرفع نفسه.
ع2، 3: 2- يا إلهي عليك توكلت فلا تدعني أخزى لا تشمت بي أعدائي.
3- أيضا كل منتظريك لا يخزوا ليخز الغادرون بلا سبب.
- حاول أعداء داود مثل شاول وأبشالوم الاعتداء عليه وقتله بلا سبب. ولكنه فى إيمان رفع نفسه إلى الله بالصلاة واتكل عليه، فاطمأن قلبه أن الله يحفظه.
- أعداء داود، وأعداء كل المؤمنين هم الشياطين، والخطايا التى يحاولون إسقاط الناس فيها. فيطلب داود كمؤمن متكل على الله أن ينجيه منهم، فلا يشمتون، بل على العكس يخزون.
- لا يقصد داود بخزى الغادرين الانتقام منهم، ولكن يقصد إظهار الحق والعدل الإلهى، فيطمئن المؤمنون بالله وكل من يصلون إليه وينتظرون إنقاذه لهم. وعلى العكس ينتبه الأشرار ويرجعون إلى الله بالتوبة.
ع4، 5: 4- طرقك يا رب عرفني سبلك علمني.
5- دربني في حقك و علمني لأنك أنت اله خلاصي إياك انتظرت اليوم كله.
- الطرق والسبل هى وصايا الله، والكتاب المقدس، وحياة المسيح على الأرض، وسير الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين التى ينبغى أن نقتدى بها.
- تعريف وتعليم طرق وسبل الله تحتاج إلى روح التلمذة الروحية على أيدى أب الاعتراف، والآباء، والإخوة الروحيين. وبالمداومة فى التلمذة يقتنى الإنسان فى النهاية تعلم الطرق الروحانية.
- الحق هو الله والتدريب عليه هو الجهاد الروحى، وكل التداريب الروحية التى ينبغى المثابرة فيها، فلا تكون معرفتنا معرفة نظرية فى طرق الله، بل نحياها عملياً.
- ليس لنا مخلص فى كل ضيقاتنا واحتياجاتنا إلا الله، فلا نتكل على سواه، حتى لو كان لنا كل الإمكانيات البشرية. ونظل نصلى ونطلب الله طوال حياتنا؛ لأن اليوم يقصد به العمر كله. فنحن ننتظر الله طوال اليوم وكل يوم. وانتظاره بالمثابرة فى الصلاة والقراءة وكل جهاد روحى، واثقين أنه قادر أن ينقذنا من ضيقتنا، ويهدينا إلى ملكوته.
ع6، 7: 6- اذكر مراحمك يا رب و إحساناتك لأنها منذ الأزل هي.
7- لا تذكر خطايا صباي و لا معاصي كرحمتك اذكرني أنت من أجل جودك يا رب.
- يذكر داود الله باستعداده أن يرحم أولاده الخطاة الضعفاء، أى يتوسل إليه ليفيض عليه بمراحمه. وهذا الاتضاع يجلب فيض من رحمة الله.
- يُذكر داود الله أيضاً بوعوده أن يفدى البشرية، وهى الوعود التى أعلنها فى الجنة لحواء أن نسلها يسحق رأس الحية (تك3: 15). وهذه الوعود تبين المحبة الإلهية التى هى منذ الأزل نحو الإنسان قبل أن يخلقه الله، ثم تجلت فى فدائه.
- يطلب داود من الله أن ينسى خطايا صباه، أى التى عملها وهو مبتدئ فى حياته مع الله، ومعرفته محدودة بالخطية، فيلتمس له العذر ويغفر له هذه الخطايا.
- كذلك يترجى الله ألا يذكر معاصيه، وهى خطاياه وهو كبير وعالم بأن خطيته عصيان لله، ويطلب من الله أن يسامحه عنها برحمته. وتذكر داود لمراحم الله يشجعه على الاعتراف بخطيته؛ لأنه أمام دينونة الله يخاف كل إنسان ويرتعب ولا يستطيع التكلم.
- يذكر داود الله بغناه فى الحب وكرمه؛ أى جوده؛ حتى يفيض عليه، ليس فقط بالغفران؛ بل أيضاً بالإحسان والبركات؛ ليسانده الله فى الحياة النقية معه؛ لأنه يقول له أذكرنى، أى أنظر إلى بنوتى وأنى إنسان مخلوق بيديك، ومحتاج إليك، وتحنن علىَّ، ولا تنظر إلى خطاياى.
ما أجمل أن يتضع الإنسان أمام الله ويطلب مراحمه؛ لأن الله حنون جداً على كل الضعفاء والمساكين الذين يسألونه، بل يفيض عليهم بالحب بأبوة تفوق العقل.
(2) الله معلمى (ع8-15):
ع8: 8- الرب صالح و مستقيم لذلك يعلم الخطاة الطريق.
- إن الله صالح، بل كلى الصلاح وهو مستقيم ليس فيه خطية، أو انحراف، ويريد أن كل أولاده يصيرون صالحين. ولا يحب موت الخاطئ، لذلك يعلم أولاده الصلاح والاستقامة.
- يدعو أربعة فئات من أولاده ويرشدهم، وأول هذه الفئات الخطاة، فيرشدهم إلى الطريق المستقيم حتى يتركوا خطاياهم ويعودوا إلى طريق الله. وذلك بوصاياه وتعاليمه، أو بإبعاد الخطية عنهم، أو إظهار شناعتها؛ حتى يرفضوها.
- كلمة يعلم هنا فى الأصل العبرى تعنى تعليم الوصايا، والمقصود أن يعلم الخطاة وصاياه، ويشرحها لهم، ويقنعهم بها؛ حتى يرفضون أفكارهم الردية، التى أدت بهم إلى الخطية.
- إن الرب حنون، فرغم علمه بخطايا أولاده، يعطيهم فرصة للتوبة، كما فعل مع المرأة التى أمسكت فى زنا، فلم يدنها، أو يرجمها، بل أرشدها ألا تعود للخطية، بعد أن سامحها.
ع9: 9- يدرب الودعاء في الحق و يعلم الودعاء طرقه.
- إنه يعرف الودعاء الحق، أى يعرفهم بنفسه؛ لأن الودعاء هم المتمتعين بالهدوء الداخلى، وبالتالى لهم استعداد أكبر من غيرهم أن يعرفوا الله، ويفهموا مقاصده؛ لأنهم هائدون مثل الله، غير متعلقين بالعالم ولا ينزعجون لأى مكسب، أو خسارة.
- الودعاء متضعون؛ لأن الوداعة والاتضاع فضيلتان مرتبطتان معاً، ولذا فالوديع باتضاعه مستعد أن يتعلم أسرع من غيره، والله يفيض عليه بمعرفته.
- إن الله فى إرشاده لهذه الفئة الثانية وهم الودعاء لا يكتفى فقط بإرشادهم، بل أيضاً يدربهم تدريباً عملياً على السلوك فى الحق، فيحيون الوصية عملياً فى حياتهم.
- الله يعلم طرقه للودعاء، وطرقه هى الفضائل، فيعلمهم كيف يقتنون كل فضيلة، وينميهم فيها.
ع10: 10- كل سبل الرب رحمة و حق لحافظي عهده و شهاداته.
- إن طريقة معاملة الله لأولاده هى بالرحمة لكل التائبين، وفى نفس الوقت هى حق وعدل على كل المعاندين والمستهترين.
- إن رحمة الله تظهر أولاً فى مجيئه، عندما قدم خلاصه على الصليب، ونتمتع بهذه الرحمة فى حياتنا الحاضرة. أما الحق والعدل فيظهران فى مجئ المسيح الثانى، أى يوم الدينونة على كل من لم يستغل فترة العمر بالتوبة.
- الفئة الثالثة التى يعلمها الله هى حافظى عهده وشهاداته، فيتمتع بالرحمة كل من يهتم ويحفظ ويتمسك بعهود الله ووعوده ويؤمن بها، وهى التى كررها الله فى الكتاب المقدس، ويطالبه بها فى الصلاة بلجاجة، فينالها ويفرح بها.
- إن شهادات الله هى وصاياه، وهى أيضاً حياة الآباء فى الكتاب المقدس، وحياة الأنبياء والرسل، وهى أيضاً نبوات الأنبياء وتعاليم الرسل فى العهد الجديد. وكل من يحفظها ويتمسك بها تفيض عليه مراحم الله.
- إن رحمة الله تشمل أيضاً إحساناته، كما جاء فى الترجمة السبعينية، أى عطاياه، ومساندته لأولاده، وبركاته المختلفة التى يهبها لأولاده؛ ليظلوا متمسكين بوصاياه. وهى بالأكثر عطاياه الروحية، أى إعلانه عن نفسه لحافظى عهده وشهاداته، لأن اختبار الله والشعور به فى هذه الحياة الحاضرة، هو أكبر مشجع على احتمال آلام الجهاد الروحى.
ع11: 11- من اجل اسمك يا رب اغفر اثمي لأنه عظيم.
- اسم الله يعنى رحمته وصلاحه وأبوته التى أشار إليها فى الآية السابقة. ومن أجل إيمان داود باسم الله الرحيم تجرأ أن يعترف بخطاياه ويطلب الغفران.
- عندما حفظ داود عهود الله وشهاداته استنار عقله، وشعر بعظمة خطيته، فطلب التوبة وغفران خطاياه.
- داود النبى يشعر بعظمة خطيته، وأنه غير مستحق الغفران، وكل أعماله الصالحة لا تقدم له عذراً كافياً. ولكن رجاءه فقط فى اسم الله، فاعتماده على نعمة الله. وهذا يبين مدى اتضاع داود، وبالتالى يفيض الله عليه بالغفران والمراحم الكثيرة.
ع12: 12- من هو الانسان الخائف الرب يعلمه طريقا يختاره.
- الفئة الرابعة التى يعلمها الله هى خائفيه، فعندما يقول داود من هو الإنسان الخائف الرب، يبين أن خائفى الرب قليلون جداً، ولكنهم موجودون، وهم وحدهم الذين يخلصون؛ لأن خوف الله يجعلهم يبتعدون عن الخطية، ويعرفون الله، ويتمتعون بحبه والإحساس به.
- إذا وجد الله إنساناً يخافه يسرع إليه ويعلمه الطريق الصحيح الذى يختاره له، وهو طريق الحياة؛ طريق الملكوت، أى يرشده لحفظ وصاياه والحياة معه.
- إن كان إنسانٌ يخاف الله ولكن ضل عن المعرفة الصحيحة، بسبب أى تعاليم غريبة، ولكنه صادق فى خوف الله، فالله لن يتركه، كما ظهر لشاول الطرسوسى وأرشده للإيمان (أع9: 1-19) وإن كان بعيداً عن معرفة الحق، يرسل له من يرشده، كما فعل مع كرنيليوس الأممى، وأرسل له بطرس الرسول، فعلمه هو ومن معه، فآمنوا واعتمدوا (اع10: 19-33).
ع13: 13- نفسه في الخير تبيت و نسله يرث الارض.
- من يخاف الله يفيض عليه الله ببركات مادية وخيرات كثيرة فى العالم، فلا يحتاج إلى شئ، فيعيش يومه، وينام والخيرات كثيرة حوله، كما فعل مع إبراهيم الذى آمن بالله وخافه، وترك العالم لأجله، فباركه فى البرية، وأعطاه خيرات مادية تكفيه طوال حياته.
- من أهم بركات الله لخائفيه أن يبارك نسلهم، فيرثون الأرض، أى أن بركات الله تمتد إلى نسل خائفيه؛ لأن النسل تعلم مخافة الله من الآباء، فينالون بركة، وخيرات كثيرة أيضاً، كما حدث مع اسحق ويعقوب وشعب إسرائيل الذى ورث أرض كنعان كعطية مجانية من الله.
- الإنسان المؤمن بالله ويخافه، ليس فقط يبيت فى الخيرات المادية، بل بالأحرى الخيرات الروحية، أى يستقر فى أحضان الله، ويشعر بوجوده، ويتمتع بعشرته وبكل الفضائل.
- من الناحية الروحية أيضاً نسل خائفى الله يرثون الأرض، إذ بسيرتهم العطرة يجذبون الآخرين إلى الحياة مع الله، فيرثون لله نفوساً كثيرة. وهذا ما حدث مع شعب الله قديماً، عندما آمن بعض الأمميين، وانضموا إليه، وظهر واضحاً فى العهد الجديد، عندما آمن بالمسيح على – أيدى الرسل والمؤمنين – كثيرون من بلاد العالم المختلفة.
ع14: 14- سر الرب لخائفيه و عهده لتعليمهم.
- بعد أن أوضح هبتين يعطيهما الله لخائفيه، وهما أن يبيت فى الخير، والثانية أن نسله يرث الأرض، يعلن هنا عطية ثالثة وهى أن يهبهم سره، والمقصود بسره بركات كثيرة لا يتوقعونها، فيحل لهم مشاكلهم بشكل يفوق العقل، ويعطيهم بركات روحية ومادية، ويهبهم سلامه فى قلوبهم، فيتميزون عن كل البشر بهذا السلام الداخلى.
- إن سر الرب هو معرفته، فليس أعظم من معرفة الله، والتمتع بالوجود معه عن قرب. وقد كشف فى العهد الجديد أسراراً عجيبة عن نفسه، عندما أوضح ثالوثه القدوس. وفى كل جيل يعرف خائفيه بنفسه، كما ظهر لموسى فى العليقة، وحدثه طوال حياته، وكما حدث داود وسليمان، ثم تعاظم عمله فى تجسده، وإعلان أسراره لرسله وكل المؤمنين به فى الكتاب المقدس.
- الهبة الرابعة التى يهبها الله لخائفيه أن يعلن لهم عهده وإعلان عهده معناه إتمام وعوده؛ لأن كل عهوده يتمتع بها فقط خائفوه، سواء كانت وعوداً مادية، أو روحية، كما أعلن ذلك على يد موسى عند جبل جرزيم (تث11: 29) وأعلنها ثانية على يد سليمان عند تدشين الهيكل (1مل8: 22-53). وأعلنها فى العهد الجديد فى عظته على الجبل (مت5-7) وأحاديثه مع تلاميذه وصلاته الشفاعية (يو14-17).
- إن خائفى الله هم أولاده المقربون، بل أصدقاؤه، لذا فهو يفرح أن يشركهم معه كأصدقاء، كما فعل مع إبراهيم وأشركه معه فى قرار حرق سدوم وعمورة
(تك18: 17). - إن عهد الله لتعليم خائفيه هو تعليمهم طريق الملكوت، أى يعلمهم وصاياه، وكيف يسلكون باستقامة، ويبتعدون عن الخطية، ويتمسكون بإيمانهم، فينالون الميراث الأبدى.
ع15: 15- عيناي دائما إلى الرب لأنه هو يخرج رجلي من الشبكة.
- الهبة الخامسة التى يعطيها الله لخائفيه هى أن ينجيهم من فخاخ إبليس، أى شبكته. فإن كان إبليس مخادعاً، وقوياً لكن الله أقوى منه، وقادر أن ينقذ خائفيه، فلا يخافون من حروب إبليس، ويحيون مطمئنين دائماً.
- حتى يتمتع الإنسان بهذه الهبة ينبغى أن يرفع عينيه دائماً نحو الله وذلك بالصلاة، فيحيا فيما يسمى بالصلاة الدائمة، أى يطلب الله طوال اليوم. وليس المقصود ألا يعمل أى أعمال، ولكن يتعود أن يرفع قلبه قدر ما يستطيع إلى الله بالصلاة، فيحيا مطمئناً، بالإضافة إلى تمتعه برؤية الله وعشرته، فيحيا الملكوت وهو على الأرض.
- الله فى أبوته يعتنى بخائفيه، فينقذ أرجلهم من شباك إبليس، حتى لو لم يطلبوا منه؛ لأنهم أحياناً لا يفهمون، ولا يعرفون حيل إبليس، ولكن الله يعلم وينقذهم، ويبعد الشباك عنهم وحتى إن سقطوا نتيجة تهاون، فالله بحنانه يفتقدهم من أجل خلاص نفوسهم.
الله يضمن لك حياة مطمئنة، بل مملوءة بالفرح، إن كنت تحيا فى مخافته. فمخافة الله حصن يحميك من كل شر، ويمتعك بالسعادة. تذكر الله كل حين بالصلاة، فتحيا فى مخافته.
(3) الله مخلصى (ع16-22):
ع16: 16- التفت إلي و ارحمني لأني وحد و مسكين أنا.
وحد : وحيد.
- أمام كثرة حروب إبليس يشعر داود أنه محتاج لهبات الله الخمسة السابقة، ويطلب إليه أن يرحمه وينقذه من هذه الحروب، ويخلصه إن سقط.
- يشعر داود أن رجاءه الوحيد هو فى نظر الله إليه وعنايته به، فيقول له التفت إلىَّ. وما دام الله ينظر إليه، فهو فى طمأنينة، مهما أحاط به الشر.
- يعلن داود أنه وحيد ومسكين ومحتاج لرحمة الله، وبهذا الاتضاع ينال داود كل ما يحتاجه من الله، فهو لم يعتمد على أنه ملك، أو قائد حربى، ولا اعتمد على أية إمكانيات لديه، لكنه أعتمد على الله وحده؛ لذا عاش مطمئناً.
- بهذه الصلاة يتخلص داود من الإحساس بالوحدة، أو العزلة، وهذه النعمة تعتبر الهبة السادسة التى يهبها الله لخائفيه.
ع17: 17- افرج ضيقات قلبي من شدائدي اخرجني.
- يتعرض داود لمشاعر ضيق تهاجم قلبه نتيجة أحداث كثيرة تمر به وتطبق عليه، فتكاد تخنقه؛ لذا يطلب من الله أن يفرج عنه، وينزع منه مشاعر الضيق هذه، ويريح قلبه.
- يطلب أيضاً من الله أن يخرجه من المشاكل التى تقابله فى حياته، وكل الشدائد التى تمر به من خلال تعاملاته مع الآخرين، إذ يثق فى قوة الله القادرة أن تخرجه بسلام من كل المتاعب.
- إن داود مثال للإنسان الروحى الخائف الله، فهو لا يحيا حياة سهلة، بل مملوءة بالمشاكل، وأن إبليس يحاربه أكثر من غيره، لأنه يسلك بالاستقامة، ولكنه يتميز عن غيره بعناية الله به وسلامه الداخلى؛ لأن الله معه.
ع18: 18- انظر إلى ذلي و تعبي و اغفر جميع خطاياي.
- الهبة السابعة التى يعطيها الله لخائفيه هى غفران خطاياهم، وهى أكبر نعمة؛ لأن بها تتجدد حياة الإنسان ليصبح نقياً بعد تخلصه من خطاياه مهما كانت صعبة. وبهذا ينتصر الإنسان على عدوه الأول، وهو الخطية؛ أى العدو الداخلى.
- شرط الحصول على الغفران من الله هو الذل، أى التواضع، والإحساس بالتعب، أى الشعور بالاحتياج لله، فمن يشعر باحتياجه ويتضع يتمسك بالله ويلح عليه، فيرحمه الله، ويغفر خطاياه.
ع19: 19- انظر إلى أعدائي لأنهم قد كثروا و بغضا ظلما ابغضوني.
- يلتجئ داود إلى الله أيضاً لينقذه من أعدائه الخارجين، وهم الشياطين، وكل من يخضع للشيطان ويسير فى طريق الشر، ويسئ لأولاد الله، وهذه هى الهبة الثامنة. ولكن قوة الله أكبر من أية قوة فى العالم؛ لذا فداود عندما يلتجئ إلى الله يطمئن أن الله سيخلصه من جميع أعدائه.
- صعوبة الموقف هو فى كثرة الأعداء، ولكن كثرتهم بلا قيمة؛ لأن قوة الله تفوق كل قوتهم. ولكن كثرة الأعداء جعلت داود يسرع إلى الله ويطلب معونته.
- الغريب أن الأعداء أبغضوا داود رغم أنه برئ. فهو مظلوم، ولكنه لم يتشكك، ولم يترك طريقه المستقيم. ومن ناحية أخرى لم ينزعج قلبه، فيحاول الانتقام من أعدائه، بل اتكل على الله، وسلم حياته له، واحتفظ بسلامه.
ع20: 20- احفظ نفسي و أنقذني لا أخزى لأني عليك توكلت.
- يطلب داود من الله أن يحفظه فى كل طرقه، سواء رأى الأعداء، أو لم يرهم. فالله عالم بكل شئ، وقادر أن يحفظ أولاده من كل شر، وكل حيل إبليس الخفية، فيسير أولاد الله مطمئنين فى حياتهم الحاضرة، ولا يخافون من المستقبل.
- عندما اكتشف داود مؤامرات الأشرار طلب من الله أيضاً أن ينقذه منها، وهذا يؤكد إيمانه بقوة الله ومحبته ورعايته له. وتظهر ثقته فى أنه مطمئن أنه لن يخزى؛ أى لن يقوى عليه الأعداء؛ لأنه متكل على الله.
ع21: 21- يحفظني الكمال و الاستقامة لأني انتظرتك.
- الهبة التاسعة التى يعطيها الله لخائفيه هى الكمال، فيزينهم بكل فضيلة، ويسعون فى طريق الكمال مقتدين بإلههم الكامل.
- يثق داود أنه مهما تعرض لمشاكل، أو حتى بضعفه سقط فى خطية، لكنه مازال ينتظر الله ويترجاه، واثقاً من رعايته له.
ع22: 22- يا الله افدي اسرائيل من كل ضيقاته
- تظهر محبة داود لكل شعبه إسرائيل عندما يطلب أن يفديهم الله، وينقذهم من كل ضيقة، فهو يشعر بعضويته فى الجماعة، أى وحدانيته مع كل إخوته، يشعر بأحاسيسهم. وتبين الآية أيضاً أبوة داود، فيطلب عن كل شعبه الذى يشعر أنه مسئول عنه.
- إن داود يرى أن خلاصه يتم مع خلاص باقى إخوته من شعب الله، وهو غير منعزل عن باقى المؤمنين، وخلاص الله الكامل يشمله هو وباقى إخوته.
- بروح النبوة يرى داود فداء المسيح الذى سيتم فى ملء الزمان، عندما يفدى المسيح إسرائيل الجديد، أى كل المؤمنين به.
ليتك تشعر بكل إخوتك فى الكنيسة، وتصلى لأجلهم، فالله يفرح بمحبتك، ويعطيك وإياهم بركات وفيرة.