الله ناصرنا
لإمام المغنين على السوسن. شهادة مذهبة لداود للتعليم
عند محاربته آرام النهرين وآرام صوبة فرجع يوآب وضرب من أدوم
فى وادى الملح اثنى عشر ألفاً
“يا الله رفضتنا اقتحمتنا … ” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : داود النبى.
- متى كتب ؟
أ – عندما كان بنو إسرائيل يحاربون آرام النهرين، الذى يسكن شمال العراق وآرام صوبة، الذى يسكن غرب آرام النهرين، أى شمال سوريا، ووجد مقاومة شديدة منهم. وفى نفس الوقت ضرب أدوم جنوب مملكة يهوذا، فأرسل داود أبيشاى فقتل ستة آلاف منهم، ثم يوآب فقتل منهم أثنى عشر ألفاً، أى قتلا 18000 من الأدوميين (2صم8: 13). وكان ذلك فى وادى الملح، وهو ما يسمى بالغور، ووادى الملح وادى مهجور يقع جنوب مملكة يهوذا، على حدود أدوم، جنوب البحر الميت.
ب – هناك رأى آخر مكمل للرأى السابق، وهو أن داود تذكر أيضاً ما حدث له عندما كان مطروداً من شاول، وعندما تملك لمدة سبع سنوات على سبط يهوذا، وكان ايشبوشث ابن شاول يحاربه، فاحتمل داود معاناة كثيرة، ولكن الله نصره، وتملك بعد ذلك على كل إسرائيل.
- كان يرنم هذا المزمور على لحن يسمى السوسن، وهناك رأى آخر أن السوسن آلة موسيقية تشبه زهرة السوسن ذات الرائحة الذكية.
- يعتبر هذا المزمور شهادة من داود على معونة الله وقوته التى تساند أولاده. وداود يقصد بهذا المزمور تعليم أولاد الله فى كل جيل، أن يؤمنوا، ويتكلوا عليه. وكان اللاويون يرددون هذا المزمور فى جماعة لها إمام؛ ليعلموا الشعب أن لا ينزعجوا من الضيقات، بل يصبروا، ويجاهدوا، ويقدموا توبة عن خطاياهم، فيتدخل الله، وينصرهم على أعدائهم، فيشكروه، ويمجدوه؛ لأنه هو وحده سبب نصرتهم. وما أجمل أن يقدم التعليم بشكل تسبيح، وشكر لله.
- هذا المزمور مذهبة لداود، أى أنه من المزامير العظيمة الغالية لداود، وكان يكتب بماء الذهب.
- هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ لأن داود فيها يرمز للمسيح، الذى احتمل الآلام من أجلنا، ثم انتصر على كل أعدائه الشياطين بالصليب.
- يعتبر هذا المزمور نبوة عن السبى الأشورى، ثم السبى البابلى، ثم تتجلى عظمة الله فى ارجاع شعبه من السبى، وإعادة بناء الهيكل، والفرح بنعمة الله، وتمجيده.
- يناسب هذا المزمور كل إنسان فى ضيقة، ويساعده أن يصبر حتى ينال نصرة الله، واجتياز الضيقة، فيسبحه.
- هذا المزمور لا يوجد بالأجبية.
(1) تأديب ورجاء (ع1-5):
ع1: 1- يا الله رفضتنا أقتحمتنا سخطت أرجعنا.
سخطت : غضبت جداً.
- يعاتب داود الله لأنه رفض أولاده، واقتحمهم، أى دخل بين صفوف الجيش، وفرقه، وشتته. وكذلك سخط عليه، أى أدبه بغضب شديد، كل هذا يظهر تخلى الله عن شعبه، فتعرضوا لعنف جيوش الأعداء. ولكن يظهر إيمان داود، ورجاؤه فى الله، بقوله أرجعنا، أى ارجع عنايتك لنا، ولنعد إلى أحضانك، فترعانا بأبوتك ومحبتك.
- هذه الآية نبوة عما حدث فى السبى الأشورى، ثم البابلى، عندما تخلى الله عن شعبه، وأدبهم بالسبى، فأقتحمهم الأعداء، وخربوا بلادهم، وأخذوهم عبيداً. ولكن شعب الله تاب، وترك عنه الأوثان، والشهوات، وطلبوا منه أن يرجعهم من السبى، فأعادهم بكرامة عظيمة، وبنوا الهيكل.
- هذه الآية أيضاً نبوة عن المسيح الذى رُفض، واقتحم، وأتى عليه السخط الإلهى فى العذابات، والصليب لأجلنا؛ لأنه حمل خطايا العالم كله، ولكنه يرجع بقوة فى القيامة المقدسة.
ع2: 2- زلزلت الأرض فصمتها أجبر كسرها لأنها متزعزعة.
فصمتها : فصلتها، وقسمتها.
- يظهر داود ما حدث لجيشه وهو يحارب الآراميين، ويشبه ما حدث بزلزال قسم الأرض تحت أرجلهم، فهجم الأعداء عليهم، ولذا يطلب من الله أن يجبر الكسر الذى حدث فى الجيش، فاستجاب الله، وتغلب على الآراميين، وأيضاً على الأدوميين الذين فى الجنوب.
- هذه الآية نبوة عما حدث لأورشليم فى الهجوم البابلى، ويشبهه بزلزال قسم الأرض، وزعزعها، فيطلب من الله أن يجبر كسرها، وهذا ما حدث عندما أرجع الله شعبه من السبى، وبنوا الهيكل، وعبدوا الله فيه.
- هذه نبوة عن المسيح المصلوب الذى تزلزلت الأرض عند صلبه، ولكنه قام وأعاد الهدوء للنفوس التى آمنت به فعاشوا فى طمأنينة، وأصلح كل ضعف فيهم.
ع3: 3- أريت شعبك عسرا سقيتنا خمر الترنح.
عسراً : ضيقة.
الترنح : التمايل والاهتزاز كما يحدث لمن يسكر من الخمر.
- ما حدث مع جيش بنى إسرائيل أمام آرام يصفه داود بالعسر، ويشبهه بالخمر المسكرة، التى تجعل من يشربها يترنح، أى صار جيش بنى إسرائيل ضعيفاً أمام آرام، ولكن عندما طلب الله استعاد قوته، وانتصر على الأعداء، بل وانتصر أيضاً على أدوم، الذى استغل الفرصة، وهاجم جنوب بلاد اليهود.
- هذا العسر، وخمر الترنح هو ما حدث مع المسيحيين من بداية العصر الرسولى حتى اليوم، ولكن الله لا يترك شعبه الصارخين إليه فى توبة.
ع4: 4- أعطيت خائفيك راية ترفع لأجل الحق سلاه.
- يظهر هنا داود استجابة الله لصراخ شعبه الذى أدبه، فرجع إليه، حينئذ تحنن الله على شعبه، الذى يخافه، وأعطاهم راية هى راية النصرة، إذ كان معتاداً قديماً فى الحروب أن ترفع الجيوش راية للنصرة. وهذه الراية ترفع لإعلان الحق الذى هو الله المساند لشعبه، فيهزم أعداءه.
- أول راية أعطاها الله لشعبه؛ ليطمئنه كانت قوس قزح، ليؤكد لهم أنه لن يغرق العالم بطوفان مرة أخرى، ومازالت هذه الراية ترفع حتى الآن، عندما ينزل المطر بشدة.
- رفع شعب الله فى مصر أيام موسى الراية على بيوتهم وهى الدم الذى لطخوا به العتبة العليا، والقائمتين، عندما ذبحوا الخروف، فاجتاز الملاك المهلك من أمام بيوتهم؛ لأنهم فى حماية الدم، الذى يرمز لدم المسيح.
- فى الحرب مع الشيطان الراية هى المسيح المصلوب، وهو الحق، الذى قيد الشيطان بالصليب، فرايتنا هى الصليب. والكنيسة تؤكد هذه الآية فى أبصالية يوم الجمعة.
- كلمة سلاه وقفة موسيقية للتأمل فى قوة الله التى يهبها لخائفيه، الذين يحبون الحق.
ع5: 5- لكي ينجو أحباؤك خلص بيمينك و استجب لي.
- راية النصرة التى وهبها الله لأحبائه؛ أولاده وخائفيه تنجيهم من أيدى الأعداء، ويخلصون من كل ضيقة بقوة الله، أى يمينه، فيفرح داود؛ لأن الله استجاب لصلواته، ونجى شعبه.
- إن داود هنا يطلب لشعبه وليس لنفسه فقط، إذ يشعر بمسئوليته، وأبوته لكل شعبه، فيصلى لأجلهم ليعطيهم الله النصرة الكاملة؛ لأن يمين الله قادرة على كل شئ.
اهتم أن تصلى من أجل كل من حولك، فأنت مسئول عنهم أمام الله أن ترشدهم، وتشجعهم فى علاقتهم بالله، وإن لم تستطع أن تتكلم فعلى الأقل ارفع صلواتك، وكن قدوة لهم.
(2) الفرح بنصرة الله (ع6-8):
ع6: 6- الله قد تكلم بقدسه ابتهج أقسم شكيم و أقيس وادي سكوت.
شكيم : مدينة تقع غرب نهر الأردن، بين جبلى جرزيم وعيبال، وتسمى حالياً نابلس، وقد سكن فيها يعقوب قديماً.
سكوت : منطقة تقع شرق نهر الأردن، جنوب نهر يبوق، وقد سكن فيها يعقوب قديماً.
- الله أمر بكلامه المقدس، ووعد داود أن يعطيه مملكة إسرائيل كلها، التى تسكن شرق، وغرب نهر الأردن، أى أرض كنعان، وكل ما حولها. والله يفرح، ويبتهج بهذا، ويقسم الأرض، ويقيس حدودها، ويعطيها كلها لشعبه الذى يملك عليه داود.
- ينطبق هذا الكلام أيضاً على داود، الذى يفرح بوعد الله له، فيتملك الأرض شرق وغرب نهر الأردن، وتخضع له الأمم المحيطة به. وهذه الأرض هى التى سكن فيها الآباء الأولون إبراهيم، واسحق، ويعقوب، وباركوها.
- الله فى ملء الزمان تكلم بابنه القدوس، الذى تجسد لفدائنا. والله يبتهج لأن ابنه هو موضع سروره. ويقسم ويقيس الأرض التى ترمز إلى بركات العهد الجديد المعطاة فى كنيسته فى شكل الأسرار المقدسة، ووسائط النعمة، وثمار ومواهب الروح القدس.
ع7: 7- لي جلعاد و لي منسى و أفرايم خوذة رأسي يهوذا صولجاني.
جلعاد : حفيد منسى، وهى منطقة واسعة تقع شرق نهر الأردن، وقد سكن فيها نصف سبط منسى.
أفرايم : أكبر الأسباط فى مملكة إسرائيل الشمالية، وهو خط الدفاع الأول لها.
يهوذا : السبط الذى أتى منه الملك داود، واستمر نسله يملك على هذا السبط حتى أتى من نسله المسيح.
صولجانى : العصا الذهبية التى يمسك بها الملك، وتمثل سلطانه، وملكه.
- يعلن الله أن له منطقة شرق الأردن، وهى جلعاد حيث سكن نصف سبط منسى مع سبطى رأوبين، وجاد، أى أن الله أسكن شعبه شرق نهر الأردن، وكذلك أسكنه غرب نهر الأردن، حيث ملَّك سبط أفرايم الكبير فى العدد، والذى تملك فى منطقة واسعة، ويمثل القوة الكبرى فى المملكة الشمالية إسرائيل، لذا دعاه خوذتى، أى حماية رأسى، إذ هو المدافع الأول عن مملكة إسرائيل. أما يهوذا فهو سبط كبير أيضاً يسكن جنوباً غرب نهر الأردن، ومنه جاء الملك داود، ونسله الذين ملكوا على مملكة يهوذا.
- إن كان الله قد سمح لشعبه الساكن شرق الأردن، وفى مملكة إسرائيل أن يؤخذوا عبيداً فى السبى الأشورى، وكذلك مملكة يهوذا تؤخذ مع السبى البابلى، ولكنهم جميعاً أولاده الذين يعيدهم من السبى، ويحفظهم؛ لأنهم آمنوا به، وعاشوا معه.
ع8: 8- موآب مرحضتي على أدوم أطرح نعلي يا فلسطين اهتفي علي.
موآب : ابن لوط، وهو شعب معادى لشعب الله، ويسكن شرق البحر الميت.
أدوم : نسل عيسو، وهو شعب معادى لشعب الله، يسكن جنوب مملكة يهوذا.
فلسطين : شعب معادى لشعب الله ويسكن جنوب شرق مملكة يهوذا.
مرحضتى : إناء للغسيل من القاذورات.
- بعد أن أظهر داود نعمة الله المعطاة له بتملك أرض جلعاد، وسكن سبط منسى فيها، والقوة المعطاة لسبط أفرايم، والحكمة المعطاة لسبط يهوذا ليخرج منه الملوك، تكلم فى هذه الآية عن الشعوب المعادية، المقاومة لبنى إسرائيل. وأظهر تمنياته أن يصير موآب مرحضة له، أى يكون منحطاً، هو وآلهته الوثنية، فلا ينجذب إليها شعب الله، بل يحتقرها. وبالنسبة لأدوم المتكبر بسكنه فى الجبال، ينحط، ويدوسه داود، وبنو إسرائيل بنعالهم. أما فلسطين التى أذلت بنى إسرائيل كثيراً، فيقهرها داود؛ حتى تهتف عليه وتصرخ متألمة مما سيصنعه فيها، حينما ينتصر عليها.
- الله الذى أنعم على شعبه بتملك أرض كنعان، وما حولها، أعطى أيضاً شعبه أن يتغلبوا على الأمم المحيطة بهم حتى لا تقاومهم، وقد حدث هذا فعلاً فى أيام داود، ثم سليمان.
إن كان الله معنا، فمن علينا. لا تضطرب من الضيقات، أو التهديدات، بل تذكر دائماً قوة الله التى معك، فتسندك، بل وتمجدك، وتفرح قلبك.
(3) الله سر النصرة (ع9-12):
ع9: 9- من يقودني الى المدينة المحصنة من يهديني إلى أدوم.
إذ نظر داود إلى عاصمة بلاد أدوم المرتفعة على الجبال، ومتحصنة بها، ويصعب جداً الوصول إليها وإخضاعها؛ صرخ إلى الله، وقال – معبراً عن ضعفه – من يقودنى إليها، وهذا يظهر اتضاع داود، وإعلانه احتياجه لله، خاصة أمام قوة الأعداء، أى أدوم.
ع10: 10- أليس أنت يا الله الذي رفضتنا و لا تخرج يا الله مع جيوشنا.
استكمل داود صلاته، وقال لله ليس غيرك يا رب يوصلنى إلى أدوم، فأنتصر عليها بقوتك، وأنا أعلم أنك رفضتنا، ولم تخرج مع حيوشنا مؤقتاً، لتأديبنا، لنثق أن القوة منك وليست منا، فنتضع، ونتوب عن خطايانا.
ع11، 12: 11- أعطنا عونا في الضيق فباطل هو خلاص الإنسان. 12- بالله نصنع ببأس وهو يدوس أعداءنا
بأس : قوة.
- فى الختام يعلن داود أن الإنسان عاجز عن أن يخلص نفسه، ولابد أن يحتاج إلى معونة الله. فقوة الإنسان تبدو فى الظاهر قوية، ولكنها مؤقتة، وضعيفة أمام تقلبات الحياة. والحل هو الالتجاء إلى الله لطلب معونته.
- يقول داود إذا اتكلنا على الله، فإنه يتدخل بقوة جبارة، ويهزم أعداءنا، ويدوسهم، فلا تصير لهم قوة أمامنا، سواء الشياطين، أو الأشرار الذين يتبعونهم؛ لأن قوة الله لا تقاوم.
لا تضطرب من عجزك، وضعف قوتك أمام متطلبات الحياة؛ لأن إلهك قادر أن يكمل كل نقص فيك، بل يسندك فتصير أقوى ممن حولك، ومتميزاً، فتمجد الله.