الرب الملك العظيم
“الرب قد ملك فلتبتهج الأرض ولتفرح الجزائر … ع1”
مقدمة :
- كاتبه : هناك رأيان :
أ – لا يوجد عنوان لهذا المزمور، وبالتالى يعتبر هذا المزمور من المزامير اليتيمة؛ أى غير معروف كاتبها.
ب – فى الترجمة السبعينية يذكر أن كاتبه هو داود النبى.
- متى كتب ؟ : تذكر الترجمة السبعينية فى عنوان هذا المزمور أنه “لداود عندما ارتدت له الأرض” أى عندما انتصر داود على جميع أعدائه، وخضعت له الأرض، ودفعت له الجزية، واستراح من حروبه، وذلك كان فى أواخر حياته.
- هذا المزمور أيضاً ضمن مجموعة المزامير الملكية التى تتكلم عن الرب الملك، وهى المزامير من (مز95- مز100) بالإضافة إلى مزمور 93 الذى يمهد لها.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية التى تتنبأ عن المسيح المسيا المنتظر، الذى ملك على خشبة وهى الصليب، وقيد الشيطان، وعادت إليه الأرض، أى المؤمنون به، ورفعهم من الجحيم إلى الفردوس.
- يوجد هذا المزمور فى صلاة الساعة التاسعة، التى فيه ملك المسيح على الصليب، وأدان الشيطان، وأعطى فرحاً لأولاده المؤمنين به الذين كانوا فى الجحيم، ورفعهم إلى الفردوس.
(1) الرب المخوف (ع1-6):
ع1: 1- الرب قد ملك فلتبتهج الأرض و لتفرح الجزائر الكثيرة.
- الرب هو الملك على الأرض لأنه خالقها، وهو ملك منذ الأزل، ولكنه ملك أيضاً فى ملء الزمان عندما ارتفع على الصليب، وحينئذ فرحت الأرض، أى البشر بخلاصه الذى حررهم من عبودية الخطية، وفتح لهم باب الفردوس.
- الجزائر الكثيرة هى كنائس العهد الجديد التى انتشرت فى العالم كله. والجزائر ثابتة مثل الكنائس الثابتة فى الإيمان، ومحوطة بالبحر من كل جانب، الذى يرمز للعالم. فالجزائر قوية بالمسيح الساكن فيها حتى لو أحاط العالم بها بكل شروره من كل جانب.
ع2: 2- السحاب و الضباب حوله العدل و الحق قاعدة كرسيه.
- السحاب والضباب حول الله؛ لأنه عظيم ومهوب ولا يمكن إدراك أعماقه، كما لا يمكن رؤية ما وراء الضباب والسحاب. وقد ظهر الضباب حول الله مرات كثيرة فى العهد القديم والجديد؛ إذ كان يحل حول خيمة الاجتماع، وعمود السحاب كان يقود شعب الله فى البرية، كما ظهر الضباب على الجبل عندما أعطى موسى الوصايا والناموس، وظهر الضباب أيضاً فى تجلى المسيح … والسحاب والضباب يرمزان إلى جسد المسيح الذى أخفى فيه لاهوته. والعذراء هى السحابة التى حملت المسيح فى بطنها كما ذكر أشعياء (اش19: 1). والملائكة أيضاً هم السحاب والضباب المحيط بالله، وكذلك المؤمنون بالله هم السحاب والضباب بحياتهم النورانية العميقة، فيشهدون لله بسلوكهم.
- والله أيضاً فيه العدل الكامل، وبالتالى له وحده القضاء والدينونة، فبتجسده أدان الخطية عندما صلب عنا، وفى مجيئه الثانى يقضى ويدين العالم كله. والمؤمنون بالله فى حياتهم يظهرون عدله وقضاءه، إذ يكونون نوراً للعالم يدعون الآخرين للتوبة الاقتداء بهم، وإلا فإنهم يدانون أمام الله.
ع3: 3- قدامه تذهب نار و تحرق أعداءه حوله.
النار تسبق الله لتعلن قوته، فهو نار آكلة تعاقب الأشرار وتهلكهم فى اليوم الأخير، أى فى العذاب الأبدى. والنار أيضاً تطهر المؤمنين به وتحرق خطاياهم. كذلك النار الإلهية تشعل المحبة فى قلوب خدامه، كما حل الروح القدس كألسنة نار على رؤوس الرسل المجتمعين فى العلية يوم الخمسين، ودفعتهم بالحب ليبشروا العالم كله. وقد ترمز النار للملائكة الذين يعدون طريق الله، وأيضاً يوحنا المعمدان الذى أعد الطريق للمسيح بإعلان الحق ودعوة الجموع للعماد وتغيير حياتهم.
ع4: 4- أضاءت بروقه المسكونة رأت الأرض و ارتعدت.
- البرق يضئ، ويظهر للعالم كله، فهو ينطلق من المشرق ويصل إلى المغرب، وهو يرمز لفداء المسيح وكرازة الرسل، وكل خدمه تقدم حتى الآن، فهى تضئ قلوب المؤمنين، وتجذبهم إلى الله ليحيوا معه، أما الأشرار الذين يرمز إليهم بالأرض لأن أفكارهم أرضية شهوانية فلا يطيعون ويخضعون لنور الله، ولكنه يكشف خطاياهم فيرتعبون ولا يرجعون إليه.
- البروق ترمز أيضاً إلى مواعيد الله التى لابد أن تتحقق، وهى مضيئة تعطى رجاء للإنسان، ويلى البروق نزول المطر الذى يرمز للخيرات السماوية.
ع5: 5- ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب قدام سيد الأرض كلها.
- الجبال التى تذوب بسهولة مثل الشمع أمام وجه الرب الذى هو سيد الأرض كلها هى الدولة الرومانية التى تحولت إلى المسيحية ليس فقط كأفراد، بل أيضاً رئيسها وهو الملك قسطنطين؛ الذى سمح بحرية الديانة المسيحية، وتحويل معابد الأوثان إلى كنائس. فالدولة الرومانية ترمز إلى السلطات والرئاسات التى فى العالم، التى يحولها الله ويخضعها له كما انهار الاتحاد السوفيتى فى الجيل المعاصر، وضعف سلطان الشيوعية فعادت العبادة المسيحية فى الكنائس هناك.
- الجبال أيضاً ترمز إلى قوات الشر التى تخاف من قوة الله سيد الأرض كلها فتذوب ولا يبقى لها كيان، أو قوة أمامه، وهذا بالطبع يطمئن المؤمنين، فلا يخافوا من الأشرار.
ع6: 6- أخبرت السماوات بعدله و رأى جميع الشعوب مجده.
- أخبرت السموات بعدل الله الآتى ليرفع خطايا العالم، ويحرر البشرية بتجسده وذلك عن طريق إعلان الملائكة أن المسيح قد ولد، ففرح الرعاة وذهبوا إلى المذود، وأيضاً أخبرت السموات بعدله عندما اعتمد فى نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان وشهدت له السماء أنه الابن الحبيب (مت3: 17).
- رأى جميع الشعوب مجد الله من خلال كرازة الرسل بفداء المسيح وقيامته، فآمن الكثير من الأمم.
ليت كل تحركات الطبيعة وأحداث الحياة التى تظهر مخافة الله تدعوك للتوبة والابتعاد عن الخطية، فتقترب إلى الله، وتستنير بنوره من خلال الصلاة وقراءة كلامه.
(2) الرب المرتفع فوق الآلهة (ع7-9):
ع7: 7- يخزى كل عابدي تمثال منحوت المفتخرين بالأصنام اسجدوا له يا جميع الالهة.
- إذ بتمجد الله، وتخضع له كل الخليقة يشعر من يعبدون الأصنام، ويفتخرون بها أنهم فى خزى، إذ تظهر آلهتهم الوثنية ضعيفة جداً أمام الله. وهكذا أيضاً كل من يعتمد ويتعلق بماديات العالم وشهواته، وكل قوة فيه يشعر أنه لا شئ أمام قوة الله فيخزى، خاصة عندما يفقد هذه القوة مثل المال، أو الصحة أو العلاقات، فيبقى الله وحده القوى القادر على كل شئ.
- عندما يظهر مجد الله يخضع له ليس فقط البشر المؤمنون به، بل أيضاً الآلهة وهم الملائكة، ويمجدونه. والشياطين أيضاً العاملة فى الأصنام لا تستطيع أيضاً أن تقف أمام قوة الله، كما ظهر ضعف الإله بال أمام قوة الله فى نبيه دانيال (تتمة دانيال 3: 1-21).
ع8: 8- سمعت صهيون ففرحت و ابتهجت بنات يهوذا من أجل أحكامك يا رب.
عندما سجدت الآلهة أى الملائكة لله، وسمعت صهيون وكذا بنات يهوذا، أى المؤمنون بالله فرحوا، وتهللوا، وسبحوا الله؛ لأنه هو الإله الحقيقى وليست الأصنام، فإن كان الوثنيون يسجدون ويفتخرون بالأصنام، فالمؤمنين فى العهد القديم، أو الجديد يفرحون، ويتهللون، ويمجدون الله.
ع9: 9- لأنك أنت يا رب علي على كل الأرض علوت جدا على كل الآلهة.
- يعلن كاتب المزمور أن الله أعلى من كل الآلهة الوثنية التى تعبدها الأمم، أى أنه الإله الوحيد، وهو فوق كل ما ينشغل به أهل العالم من قوى وماديات؛ لأنه هو خالق الكل، بالتالى ينبغى أن يعلو فى قلب البشر عن كل شئ سواه، فيعبدوه بأمانة من كل قلوبهم.
- عندما ارتفع المسيح على الصليب أصبح أعلى من قوى الشيطان عندما مات، وقيد الشيطان، وظهر حبه الفائق على كل عقل، ودعى اليهود والأمم للخلاص بالإيمان به.
تذكر دائماً هدفك الوحيد فى الحياة، وهو محبة الله والأبدية؛ حتى تسعى نحوه دائماً وتترك عنك كل ما يعطلك عنه، فتنمو بهدوء فى محبته، وتتقدم نحو الأبدية السعيدة.
(3) فرح الأبرار بالرب (ع10-12):
ع10: 10- يا محبي الرب أبغضوا الشر هو حافظ نفوس أتقيائه من يد الأشرار ينقذهم.
- من يحب الرب لابد أن يبغض الشر؛ لأنه لا يمكن أن تتفق محبة الرب مع محبة الشر وبغضة الشر تعتبر فضيلة؛ لأن معناها محبة البر.
- يبارك الله محبيه بأمرين هما :
أ – يحفظ حياتهم من الشر وليس من آلام هذه الحياة، بل ويعطيهم سلاماً أثناء التجارب، ثم الحياة الأبدية.
ب – ينجيهم من الأشرار أى الشياطين، فلا يتسلطون عليهم، ويبطل حروبهم ويكشف خداعهم؛ حتى لا يقع محبوا الرب فى خداع الشياطين.
ع11: 11- نور قد زرع للصديق و فرح للمستقيمي القلب.
- من البركات التى يهبها الله لمحبيه الصديقين أن ينير حياتهم لمعرفته، ويزرع هذه المعرفة فى أعماق قلوبهم حتى يثبتوا فيه، وينتج عن هذه الاستنارة فرح يدوم فى حياتهم ما داموا متمسكين باستقامة القلب.
- النور الذى زرع للصديقين هو المسيح إلهنا الذى تجسد فى ملء الزمان، وأعطى الخلاص لهم. ونتج عن هذا الخلاص فرح فى كل حياتهم؛ لأن قلوبهم مستقيمة أمامه.
- النور الذى زرع للصديقين هو الكتاب المقدس ليأكلوا منه ويشبعوا، وتفرح قلوبهم المستقيمة فى كل حين وإلى الأبد.
ع12: 12- افرحوا أيها الصديقون بالرب و احمدوا ذكر قدسه
- هذه الآية دعوة للصديقين ليفرحوا بمعرفة الله وخلاصه، وليس بشهوات العالم، ويفرحوا أيضاً بإيمان الكثيرين وتمتعهم بخلاص المسيح.
- يعبر الصديقون عن فرحهم بشكر الله وتسبيحه، فيذكرون اسمه القدوس كثيراً ليتمتعوا به، ويشكروه على كل عطاياه، ويتأملوا شخصه الكريم، وقداسته، فيحيون فى السماء، وهم على الأرض.
ابحث عن المسيح فى الصلاة والتأمل لتشبع به، وتتنافر مع الخطية وكل مسبباتها، وحينئذ تثبت فى محبة الله ووصاياه.