دعوة لتمجيد الله
“رنموا للرب ترنيمة جديدة … ع1”
مقدمة :
- كاتبه : هناك رأيان هما :
أ – ليس له عنوان فى النسخة البيروتية، فيعتبر من المزامير اليتيمة، أى الغير معروف كاتبه.
ب – داود النبى بحسب ما ذكرت الترجمة السبعينية.
- متى كتب ؟ هناك آراء هى :
أ – عند إرجاع تابوت عهد الله من بيت عوبيد أدوم الجتى إلى أورشليم
(1أى16: 23-33).
ب- نبوة عن تمجيد الله فى الهيكل الذى سيبنيه سليمان.
ج – نبوة عن تسبيح الله وتقديم ذبائح له بعد بناء الهيكل على يد زربابل، أى بعد الرجوع من السبى، وذلك كما ذكر عنوان هذا المزمور فى الترجمة السبعينية.
- هذا المزمور دعوة للبشرية لتمجيد الله، وليس اليهود فقط، بل الأمم أيضاً. وهذا لم يتم بوضوح إلا فى العهد الجديد.
- يعتبر هذا المزمور دعوة لتمجيد الله فى قلب الإنسان. وقلب الإنسان أيضاً هو هيكل للروح القدس. فهو عودة الإنسان التائب إلى الله وتمجيد اسمه القدوس.
- هذا المزمور دعوة لكنيسة العهد الجديد أن تسبح الله وحده، ولا تنشغل بمشاغل العالم التى هى الآلهة الكثيرة.
- هذا المزمور من المزامير الملكية التى تبدأ بالمزمور 95 حتى مزمور 100، بالإضافة لمزمور 93 الذى هو مقدمة لها.
- يوجد هذا المزمور فى الأجبية فى بداية صلاة الساعة التاسعة، التى فيها أتم المسيح فداء البشرية ومات عنها؛ لذا فالأرض كلها تمجده؛ لأنه هو وحده مخلصها.
(1) الله هو الممجد وحده (ع1-6):
ع1: 1- رنموا للرب ترنيمة جديدة رنمي للرب يا كل الأرض.
- يدعو داود النبى اليهود والأمم؛ أى كل الأرض لتسبيح الله، فهو يرى بعين النبوة المسيح المخلص الذى يفدى البشرية، فتسبحه كل الأرض.
- تسبيح الله هو تسبيح جديد، أى بالروح والحق، حيث نرتفع عن الشهوات والإنسان العتيق القديم ونسبح بالروح. هذا هو تسبيح الكنيسة الذى بدأته بعد قيامة المسيح وحلول الروح القدس، وهذا التسبيح هو الفرح الذى بشرت به العالم كله.
ع2: 2- رنموا للرب باركوا اسمه بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه.
- يدعونا المزمور إلى الترنيم ومباركة اسم الرب؛ لأن اسم الرب عظيم، وهو الذى دبر الخلاص لشعبه فى العهد القديم، وأتم فداءه فى العهد الجديد؛ لذا فطلب اسم المسيح هو صلاة قوية تحفظ أولاده وتقهر الشياطين.
- التبشير بخلاص المسيح هو هدف المؤمنين المسبحين لله، وذلك بحياتهم المعاشة وبكل كلمة تخرج من أفواههم، وذلك من يوم إلى يوم؛ أى العهد القديم والجديد، وتعنى أيضاً التبشير الدائم طوال العمر.
ع3: 3- حدثوا بين الأمم بمجده بين جميع الشعوب بعجائبه.
- ينادى المزمور المؤمنين أن يتحدثوا بمجد الله وليس بمجد أنفسهم؛ أى يخفى الخادم ذاته ويظهر المسيح، ويكون إعلان المسيح لكل إنسان؛ لأنه يقول فى الأمم؛ أى لا يقصر الكلام على اليهود، بل العالم كله.
- التحدث عن عجائب الله هى أعماله العظيمة التى عملها مع البشرية، ويظهر فى قمتها تجسده من عذراء بدون زرع بشر ليفدى البشرية. وأعمال الله هى عجائب تتم كل يوم لجذب النفوس إليه، وعمل كل ما يساعدهم على الحياة معه.
ع4: 4- لأن الرب عظيم و حميد جدا مهوب هو على كل الآلهة.
يذكر فى هذه الآية ثلاث صفات لله تميزه عن باقى الآلهة الوثنية، وعن كل قوى العالم الموجودة حتى الآن وهذه الصفات هى :
- “عظيم” : أى فيه كل الكمال ويسمو عن كل ما يعرفه الإنسان.
- “حميد” : أى يستحق التسبيح والتمجيد كل حين؛ لأن ليس مثله فى الأرض كلها.
- “مهوب” : أى مخوف لأنه قادر على كل شئ ولا يقف أمامه أحد، وفى يده حياة كل البشر وله سلطان الدينونة.
ع5: 5- لان كل آلهة الشعوب أصنام أما الرب فقد صنع السماوات.
يعلن هنا كاتب المزمور حقيقة ما يطلق عليهم آلهة بين الأمم، فلا يوجد آلهة بالطبع غير الله، أما هذه الآلهة فهى شياطين تخدع الناس بقوتها الزائفة ليعبدوها، ولكن ليس لهذه الشياطين قوة أمام الله. والله الحقيقى هو الإله الوحيد الذى خلق كل شئ فى العالم، وخلق السموات وخلق فيها الملائكة التى سقط بعضها وهم الشياطين، فهو خالق الشياطين، فكيف يقدرون أن يقفوا أمامه ؟!
ع6: 6- مجد و جلال قدامه العز و الجمال في مقدسه.
- يواصل وصف الله بأن المجد والجلال؛ أى العظمة والبهاء تتقدمه لتعد طريقه، ومن يعدون طريقه هم الملائكة والأنبياء والرسل، وكل كهنة وخدام العهد الجديد. هؤلاء يلبسون البر، ويعلنون مجد الله بحياتهم وبتعاليمهم.
- أما فى مقدس الله؛ أى مكانه، إذ هو قدوس فمكانه مقدس، فنجد العز والجمال فيه، فالعز هو البركة والخير، وفيه كل كنوز المعرفة والحب. أما الجمال فهو يعنى كل كمالات الله، وهو غير محدود، وكل من يدخل إليه فى علاقة حب يشبع ويفرح. هذه هى عطايا الله للمؤمنين به، الذين يحبونه.
ما أجمل التأمل فى صفات الله، وتسبيح اسمه القدوس، فهو يملأ القلب فرحاً، ويبعد الخطية عن الإنسان، ويملأه بمحبة الخير لكل إنسان.
(2) عبادة الرب بخوف وفرح (ع7-13):
ع7: 7- قدموا للرب يا قبائل الشعوب قدموا للرب مجدا و قوة.
ينادى كاتب المزمور الأمم؛ أى غير المؤمنين ليؤمنوا بالله، ويقدموا له المجد والإكرام؛ لأنه يستحق التمجيد، وإليه تنسب كل قوة. وإذا آمن به الإنسان تصغر أمامه كل قوى العالم وأمجاده.
ع8: 8- قدموا للرب مجد اسمه هاتوا تقدمة و ادخلوا دياره.
ويضيف أيضاً فى عبادة الله أن يردد الأمم اسم الله القدوس، ويمجدوه فاسمه العظيم يسحق كل قوة الشيطان، ثم إذ تنمو محبة الإنسان لله بكثرة الصلوات فيقدم له تقدمات فى هيكله المقدس؛ سواء فى هيكل العهد القديم الذى عند اليهود، أو فى ديار الرب، أى كنائس العهد الجديد، والتقدمات ليست الذبائح بل الأعمال الصالحة التى نضيفها للتسابيح الإلهية. وبهذا نرى من ع(7، 8) نبوة واضحة عن إيمان الأمم وتقديمهم العبادة لله، وهذا ما تم فى كنيسة العهد الجديد.
ع9: 9- اسجدوا للرب في زينة مقدسة ارتعدي قدامه يا كل الأرض.
- يستكمل كاتب المزمور حديثه عن عبادة الله، ويطلب من المؤمنين به أن يعبدوه فى خضوع، متمثلاً فى سجود أمامه فى بيته، ويقدم شرطاً للعبادة أن تكون فى زينة مقدسة وهذا معناه الآتى :
أ – نلبس ملابس محتشمة تليق بالخشوع أمام الله فى بيته.
ب – نتزين بالفضائل الروحية.
- يطالب سكان الأرض؛ أى كل البشر أن يخافوا الله، ويرتعدوا أمامه، فيتركوا عبادة الأوثان وكل خطاياهم ليتقدموا بإيمان وطهارة ليعبدوه، كما أن الملائكة السمائيين يغطون وجوههم وأرجلهم أمام الله المخوف عندما يقفون أمامه ويسبحونه.
ع10: 10- قولوا بين الأمم الرب قد ملك أيضا تثبتت المسكونة فلا تتزعزع يدين الشعوب بالاستقامة.
- يبشر كاتب المزمور الأمم أن الرب قد ملك وفى الترجمة السبعينية “ملك على خشبة”؛ أى أن المسيح المصلوب هو فادى البشرية. فهو يبشرهم بالخلاص من الخطية والتمتع بعشرة الله. ثم يحيون مطمئنين فى كنائسه المنتشرة فى العالم والتى تثبت المؤمنين فى المسكونة كلها. فالمسكونة تتثبت بالخلاص المقدم فى كنائس العهد الجديد.
- من لا يؤمن بالله ويتمادى فى خطاياه فليس أمامه إلا الدينونة التى يقوم بها المسيح فى مجيئه الثانى، فيدين ويهلك الأشرار، وفى نفس الوقت يمجد أولاده المؤمنين به والثابتين فى وصاياه.
ع11: 11- لتفرح السماوات و لتبتهج الأرض ليعج البحر و ملؤه.
ليعج : العجيج هو صوت المياه المتلاطمة، وهو صوت عالٍ.
- ينادى كاتب المزمور السماء لتفرح؛ أى كل الملائكة يناديها لتفرح بخلاص الله الذى يقدمه على الصليب للبشرية. ثم يعود فينادى الأرض أيضاً لتبتهج بهذا الخلاص الذى تناله فى الكنيسة بواسطة الروح القدس، وهكذا تشترك السماء والأرض بالفرح بخلاص الله. وكما نزلت الملائكة إلى الأرض بفرح لتبشر بالمسيح، هكذا أيضاً الأبرار ارتفعوا إلى السماء ليروا أمجادها، مثل بولس ويوحنا الرائى.
- البحر يرمز للعالم، ويقصد به كل الأمم، ويناديها هى أيضاً لتفرح وتعلن هذا بأصوات الفرح التى ترمز إليها تلاطم أمواجها؛ أى تصفيقها وتسبيحها، فالأمم يشتركون فى كنيسة العهد الجديد فى عبادة الله وتمجيده.
ع12، 13: 12- ليجذل الحقل و كل ما فيه لتترنم حينئذ كل أشجار الوعر. 13- أمام الرب لأنه جاء جاء ليدين الارض يدين المسكونة بالعدل و الشعوب بأمانته
ليجذل : ليفرح.
الوعر : الأماكن الصعبة ويقصد بأشجار الوعر الأمم.
- ينادى كاتب المزمور نباتات الحقل، أى الأرض التى يعتنى بها الفلاح أن تنمو وتثمر فتفرح بثمارها، ويقصد بنباتات الحقل اليهود، الذين اعتنى بهم الله كشعب خاص به لينموا فى الإيمان. بالإضافة لليهود ينادى أيضاً أشجار الوعر، وهى أشجار غير مثمرة لتثمر هى أيضاً بقوة الله. والمقصود بأشجار الوعر الأمم الذين يؤمنون بالمسيح، فيثمرون ثماراً روحية. وهكذا يفرح العالم كله يهود وأمم بخلاص المسيح.
- هذا الفرح يحياه المؤمنون أمام الله ويتمتعون بمجيئه فى ملء الزمان، أى تجسده وموته على الصليب، الذى أدان الخطية، وحرر أولاده من عبوديتها ليفرحوا معه. ثم يكرر كلمة يدين، فيقول يدين المسكونة بالعدل، وهذا ما سيتم فى مجيئه الثانى يوم الدينونةالأخير، حيث يظهر شر الأشرار فيعاقبون بالهلاك؛ لأنهم رأوا أمانة الله معهم فى رعايتهم ودعوته لهم للإيمان، وكذلك أمانته التى ظهرت فى حياة أولاده الذين عاشوا بينهم. وأولاده هؤلاء، المؤمنين به يمجدهم فى ملكوته فى نفس الوقت الذى يعاقب فيه الأشرار.
هذه الحياة فرصة لعبادة الله والسلوك فى أعمال صالحة، فتفرح قلوبنا بعشرته، ثم ينتظرنا الفرح الأبدى الكامل فى ملكوت السموات.