“الله العظيم الجبار”
لإمام المغنين على ذوات الأوتار. مزمور لآساف. تسبيحة
“الله معروف فى يهوذا اسمه عظيم فى إسرائيل” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : أ- آساف كما يظهر من العنوان، وهو كبير المغنين أيام داود.
ب- هناك رأى آخر بأن كاتبه هو داود، وأن آساف هو الذى ترنم به.
- متى كتب ؟
أ – بعد انتصار داود على الفلسطينيين فى وادى الرفائيين (2 صم 5 : 17-25).
ب – فى مناسبة تجليس أحد الملوك، أو فى أحد أعياد بنى إسرائيل.
ج- بعد انتصار عظيم على الأعداء، ويرى البعض أنه نبوة عن الانتصار على سنحاريب ملك أشور.
- يرنم هذا المزمور بمصاحبة آلة وترية تسمى ذوات الأوتار.
- يعتبر هذا المزمور “تسبيحة”، أى تسبيح لله الذى نصر شعبه على أعدائه، وشكر له.
- هذا المزمور يتشابه مع المزمور السابق فى أن غرضهما إظهار الله الديان العادل للأرض كلها.
- هذا المزمور ضمن مجموعة أناشيد صهيون التى تتكلم عن أورشليم المدينة المقدسة ومن هذه المجموعة مزمورى ( 48 ، 87).
- هذا المزمور يناسب كل إنسان – عندما ينتصر فى أى حرب روحية – أن يردده ليشكر الله الذى سانده وانتصر فى حياته على الخطية.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية، لأنه يتكلم عن المسيح الخارج من سبط يهوذا المنتصر على الشيطان (ع 1 ، 3).
- لا يوجد هذا المزمور فى صلوات الأجبية.
(1) الله العظيم المنتصر (ع1-3):
ع1: 1- الله معروف في يهوذا اسمه عظيم في إسرائيل.
- الله معروف وسط شعبه المؤمنين به الذين يعرفونه ليس كإسم فقط، انما كفاعل فى حياتهم وقائد لمسيرتهم. فهو معروف فى يهوذا السبط الذى خرج منه الملوك داود، ونسله، ومعروف وسط كل أسباط بنى إسرائيل، فإن كانت الأمم قد سمعت عنه، لكنه معروف اختبارياً فى وسط المؤمنين به.
- الله معروف منذ الأزل؛ لأنه خلق العالم ودبره، حياة الإنسان، ولكنه أعلن نفسه، وصار معروفاً بتجسده فى بيت لحم، فى سبط يهوذا، وبين كل اليهود فى أسباط إسرائيل، وأصبح معروفاً فى حياة أولاده فى العهد الجديد، حيث كشف عن أسراره لهم، لأنهم أحبوه من كل قلوبهم.
- الله عظيم فى ذاته، وكامل، ولكن شعبه إسرائيل عرفه من خلال رعايته لهم، وأعماله العظيمة فيهم، الذى جعلهم ينتصرون على أعدائهم، مثل انتصارهم على سنحاريب.
ع2: 2- كانت في ساليم مظلته و مسكنه في صهيون.
ساليم: معناها السلام، والمقصود مدينة أورشليم، أى مدينة السلام.
صهيون: أهم الجبال الخمسة المقامة عليها مدينة أورشليم. ويستخدم اسم صهيون للتعبير عن أورشليم.
- الله يستقر، ويستريح فى ساليم، أى السلام، فهو يرفض الخطية، والاضطراب، ويستقر أيضاً فى صهيون، أى وسط شعبه المؤمن به، ويعلن عظمته ومجده له.
- مظلة الله التى فى أورشليم هى خيمة الاجتماع التى بها يظلل على شعبه، ويرعاهم لسكنه فى وسطهم. وقد حدث هذا فى أيام داود، وبعدها صارت المظلة هى هيكل سليمان. وفى ملء الزمان قدم المظلة الحقيقية فى أورشليم، وهى صليبه الذى مات عليه لخلاص البشرية.
ع3: 3- هناك سحق القسي البارقة المجن و السيف و القتال سلاه.
القسى البارقة: القسى جمع قوس والبارقة أى اللامعة.
المجن : هو الترس الكبير، والترس هو آلة دفاعية عبارة عن قطعة خشبية لها عروة من الخلف يدخل فيها الجندى يده، ويحرك الترس أمام رأسه وجسمه ليحميه من سهام العدو.
- هناك فى أورشليم، أو بين شعبه المؤمنين به، والمتمسكين بالسلام، أعلن الله مجده، ونصرهم على أعدائهم مهما كانت أسلحتهم؛ سواء قسى وسهام لامعة، أو سيوف، أو آية آلات دفاعية كانت معهم، كل هذا سحقه الله. أى أن العدو لا يستطيع أن يقف أمام قوة الله، وقد حدث هذا فعلاً أمام أورشليم مع جيش سنحاريب، ثم عند الصليب عندما قيد المسيح الشيطان.
- توجد فى نهاية هذه الثلاثة آيات كلمة “سلاه” وهى وقفة موسيقية للتأمل فى عظمة الله وقوته.
إذا تأملت فى قوة الله تدب فى قلبك مخافته، وفى نفس الوقت تطمئن لأنه يحميك من كل حروب الشياطين، فتنزع عنك خطاياك وتحيا فى سلام، منشغلاً بمحبته، وغير منزعج من أية متاعب تحيط بك.
(2) مجد الله وقوته (ع4-10):
ع4، 5: 4- أبهى أنت أمجد من جبال السلب. 5- سلب أشداء القلب ناموا سنتهم كل رجال البأس لم يجدوا أيديهم.
سنتهم: بداية نومهم حيث يكون نومهم عميقاً
- يحدث كاتب المزمور الله ويقول له أنك أنت أعظم وأكثر بهاءً من كل عظماء العالم الذين يشبههم بالجبال، والقادرين على سلب وسرقة غيرهم، أى لهم قوة وسلطان كبير. ولعله هنا يقصد الأشوريين أيام سنحاريب.
- يصف كاتب المزمور عظماء العالم، أى الأشوريين بأنهم بدلاً من أن يسلبوا سلبهم غيرهم، وناموا نوماً عميقاً، وفقدوا قدرتهم على عمل أى شئ، إذ يقول لم يجدوا أيديهم. ويقصد بكل هذا كيف قتلهم ملاك الرب، لأنهم حاصروا أورشليم، وتعدوا على اسم الرب بكبرياء. وهكذا كل من يتحدى الله إن كان يظن نفسه غالباً ومنتصراً؛ فإنه ينهزم ويصير غنيمة لله، ولأولاده.
- قد يكون المقصود بجبال السلب الشياطين، إذ أنهم عظماء فى قدرتهم مثل الجبال، ولكنهم يستخدمون عظمتهم فى الشر، فيريدون سلب طهارة وبر أولاد الله، ولكن بقوة استطاع أولاده أن يدوسوا الشياطين، ويفقدوهم قدرتهم على العمل، فصمتوا واستكانوا مثل النائمين وسيسلب أولاد الله الشياطين، فيأخذون أماكنهم فى السماء التى خلت بسقوطهم، فيتمتعون فى الملكوت بأمجاد لا يعبر عنها.
ع6: 6- من انتهارك يا إله يعقوب يسبخ فارس و خيل.
يسبخ : ينام نوماً عميقاً.
- انتهار الله للمتكبرين، مثل فرعون وكل جيشه إذ نام هؤلاء الأعداء بخيولهم وفرسانهم فى قاع البحر الأحمر؛ أى ماتوا، لأنهم تطاولوا على الله وشعبه.
- المسيح الهنا على الصليب انتهر الشيطان وكل قوته، التى يُرمز إليها بالفرس والخيل، وهى أقوى قوة حربية قديمة، وقيد الشيطان، وأخرج آدم وبنيه، وأصعدهم من الجحيم إلى الفردوس.
- فى يوم الدينونة ينتهر الله؛ أى إله يعقوب، كل قوى الشر المرموز لها بالفرس والخيل أى الشياطين وكل الأشرار، ويلقيهم فى العذاب الأبدى.
ع7- 9: 7- أنت مهوب أنت فمن يقف قدامك حال غضبك. 8- من السماء أسمعت حكما الأرض فزعت و سكتت. 9- عند قيام الله للقضاء لتخليص كل ودعاء الأرض سلاه.
- يعلن كاتب المزمور عظمة، ومهابة الله، الذى بيده كل السلطان، وبالتالى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، بل يصدر الله عليه أحكامه من السماء، فيخافون ويرتعدون، فإنه طويل الأناة، ولكنه عادل فيدين الأشرار، ويحكم عليهم بالهلاك، كما فعل مع فرعون، وكل جيشه عندما أغرقهم فى البحر الأحمر، ومع الفلسطينيين الذين انهزموا أمام داود، وكذلك مع موآب وبنى عمون وأدوم وأرام أيام داود. وفى نفس الوقت يحفظ ويخلص أولاده الودعاء المؤمنين به، كما خلص شعبه أيام موسى ويشوع، وفى كل الأجيال عندما تمسكوا بوصاياه.
- تظهر مهابة الله ومخافته بوضوح يوم الدينونة عندما يرتعب أمامه كل الأشرار، ويصمتون، إذ لا توجد فرصة للتوبة، أو المقاومة ويلقيهم إلى الهلاك، أما الودعاء فيخلصهم، ويمجدهم فى ملكوته.
- تنتهى هذه الآيات بكلمة سلاه وهى وقفة موسيقية للتأمل فى عظمة الله وسلطانه، حتى تخافه كل قلوبنا، فتبعد عن كل خطية.
ع10: 10- لان غضب الانسان يحمدك بقية الغضب تتمنطق بها.
تتمنطق بها: يلبسها كمنطقة، وهى ما يلبس على الوسط إلى أسفل.
- غضب الإنسان يحمد الله فى أربع حالات هى:
- غضب الإنسان المقدس، أى رفض الشر المحيط به، فيحمد ويشكر ويمجد الله، كما فعل فينحاس الكاهن الذى قتل الزناة، وطهر بيت الله (عد 25 : 7 ،8) .
- غضب الإنسان الشرير الذى يحوله الله إلى الخير، مثل أخوة يوسف الذين غضبوا عليه، وباعوه عبداً، فحول الله ذلك للخير، ورفعه إلى عرش مصر؛ ليخزن القمح، ويحفظ حياة أبيه وإخوته، وكل العالم المحيط به.
- غضب الإنسان عندما يتألم لتأديبات الله له، ولكنه يقبل بعد ذلك، ويحتمل برضا هذه الآلام، فتتحول فى النهاية إلى خيره، وينال مكان فى الأبدية، ويحمد الله أمثال أيوب الصديق.
- غضب الإنسان على نفسه إذا سقط فى خطية، فيتوب عنها ويحمد الله، كما فعل داود عندما نبهه ناثان النبى إلى خطيته.
- بقية غضب الإنسان يتمنطق بها الله، ويقصد هنا غضب الأشرار، فيطيل الله آناته عليهم، ولكن يظل يؤدبهم لعلهم يتوبون. وإن أصروا على الخطية يعاقبهم الله بالهلاك، كما ضرب الله فرعون والمصريين بالضربات العشر، وفى النهاية عندما رفضوا الخضوع له أغرقهم فى البحر الأحمر.
- إن غضب الإنسان فى أقوى صورة كان على المسيح الذى أهانه اليهود، ثم صلبوه، فحول الله غضبهم إلى خلاص مقدم للبشرية كلها، وهو أعظم حمد يرتفع إلى السماء، ويتمتع به كل المؤمنين، أما بقية الغضب، يتمنطق به الله، ويؤدب به الأشرار على مدى الأجيال. أما إذا لم يؤمنوا ويتوبوا يلقيهم فى العذاب الأبدى.
إن كان الله عظيم ومخوف، فينبغى يا نفسى أن تتوبى كل يوم، وتبتعدى عن الخطية بكل الوسائل، وتعيشى له، ولا تضطربى، فإنه صاحب السلطان، ولا يقف أحد أمامه، فلا تعودى تنزعجين من تقلبات الحياة، أو تهديدات البشر؛ لأن الله قادر على حمايتك فى جميع الظروف.
(3) عبادة الله المهوب (ع11 ، 12):
ع11: 11- أنذروا و أوفوا للرب إلهكم يا جميع الذين حوله ليقدموا هدية للمهوب.
- ينادى كاتب المزمور كل المحيطين بالله، المحبين اسمه، ليعبدوه بأمانة، وينذروا نذوراً لله، ويوفوها، أى يتعلق قلبهم بالله، الذى يقود كل حياتهم، ويقدموا له هدايا هى توبتهم ومحبتهم وصلواتهم وخدمتهم. ويسجدون أمام إلهنا المهوب المصلوب على الصليب فداءً وخلاصاً لنا، والمهوب فى قيامته، وكل قوته وعمله معنا.
- إلهنا المهوب هو الديان فى يوم الدينونة، الذى يقدم له المؤمنون به هداياهم، وهى إيمانهم، وأمانتهم، وفضائلهم، وكل أعمال الرحمة التى عملوها. والنذر الجماعى الذى يحتاجه كل مؤمن هو أن يكرس قلبه لله، ويؤمن به، ويحيا له.
ع12: 12- يقطف روح الرؤساء هو مهوب لملوك الأرض
- الله له السلطان على كل البشر، فمهما تعاظم رؤساء وملوك الأرض أمامه، فأرواحهم فى قبضة يده، ويقطفها عندما يريد، كما تقطف الثمار من على الشجر، مثل موت هيرودس إذ أكله الدود وهو حى، وموت بيلشاصر الملك البابلى الذى تكبر وشرب الخمر فى آنية بيت الرب (دا5: 3)، وبالتالى لا ننزعج من تسلط البشر، واضطهاداتهم لنا، فحياتهم مؤقته، ويعودون سريعاً إلى التراب الذى أخذوا منه.
- الله مهوب لكل إنسان روحى يملك على نفسه، فيضبط أفكاره وكلامه، وتصرفاته، ويحيا لله، بل يملك الله على قلبه، فيحيا مطمئناً ويترجى الحياة الأبدية.
التصق بالله الذى أحبك، ومات لأجلك، واهتم بعبادته فى صلوات وأصوام كثيرة، فإنها غالية جداً فى نظره. بهذا تتمسك بوصاياه وتخضع له، فيملك على قلبك إلى الأبد.