رب الجنود ملجأنا
لإمام المغنين ، لبنى قورح ، على الجواب ، ترنيمة
“الله لنا ملجأ وقوة … ع1”
مقدمة :
- كاتبه : بنو قورح، أى واحد من نسل قورح، وهم من اللاويين المرنمين.
- متى كتب ؟
أ – نبوة عن انتصار يهوشافاط ملك يهوذا على ثلاثة شعوب هاجمته، وهى بنو عمون وموآب وأدوم (2أى20: 20-24).
ب- نبوة عن انتصار حزقيا الملك على جيش سنحاريب بواسطة ملاك الرب
(2مل19: 35).
ج – نبوة عن انتصار المسيح بالصليب على الشيطان، وتقييده، وحدوث زلزلة، وكان ذلك فى الساعة التاسعة يوم الجمعة العظيمة (مت27: 51).
- مكتوب عنوان هذا المزمور “على الجواب” والجواب طبقة صوتية عالية تشبه الآن طبقة سوبرانو، وقد رنم بهذه الطبقة المرنمون أيام داود (1أى15: 20).
- فى العنوان أيضاً يقول عن هذا المزمور أنه “ترنيمة”، أى تسبحة تقال فى الهيكل.
- هذا المزمور مرتبط بالمزمور السابق له، ففى المزمور الخامس والأربعين نرى اتحاد العروس بعريسها وتمجيده لها، أى تمجيد المسيح للكنيسة. وفى هذا المزمور يوضح أن الكنيسة ستقابل ضيقات، ولكن الله يسندها ويثبتها وينصرها.
- هذا المزمور هو ترنيمة حمد، أو تسبحة شكر، ويتفق معه فى هذا الغرض المزموران التاليان 47، 48.
- بعض الكنائس تصلى هذا المزمور فى عيد الظهور الإلهى (الغطاس)، وفى عيد عرس قانا الجليل، وفى تدشين الكنائس الجديدة.
- هذا المزمور موجود فى صلاة الساعة الثالثة التى تذكرنا بحلول الروح القدس على الكنيسة؛ لأنه يحدثنا عن قوة الروح القدس التى تسند، وتثبت، وتنصر الكنيسة.
(1) قوتنا (ع1-3):
ع1: 1- الله لنا ملجأ و قوة عونا في الضيقات وجد شديدا.
- إن الكنيسة وكل نفس مؤمنة بالله تواجه حرباً من الشياطين، بالإضافة إلى الأعداء الظاهرين وهم الأشرار الذين يثيرهم الشياطين عليها، ولكن الله يقدم حمايته للكنيسة فى ثلاثة أشكال هى :
أ – ملجأ : أى حصن يحتمى فيه أولاده، فلا يتسطيع أحد أن يؤذيهم مهما كانت قوتهم.
ب- قوة : فيستطيع أولاد الله أن ينتصروا به على كل أعدائهم.
ج – عوناً : أى مساند لأولاده روحياً ونفسياً وجسدياً، فيظلوا ثابتين فى الحرب ولا يهتزوا أبداً.
- خبرات الكنيسة السابقة مع الله تثبت إيمانها، فقد وُجد الله شديداً فى الضيقات، أى مساند لأولاده على مر التاريخ، ومنقذ لهم من ضيقات كان لا يمكن بالعقل اجتيازها، بل ومجدهم أيضاً، فسبحوا الله.
ع2: 2- لذلك لا نخشى و لو تزحزحت الارض و لو انقلبت الجبال الى قلب البحار.
- يؤكد كاتب المزمور ثبات أولاد الله مهما حدثت تغيرات حولهم، حتى لو كانت تغيرات طبيعية قوية، مثل الزلازل التى تزحزح الأرض، لكن أولاد الله يظلون ثابتين، ومهما تغيرت الظروف، أو اهتزت المبادئ والقيم حولهم، يستمرون فى إيمانهم، وسلوكهم الروحى السليم.
- ثم يقدم تغييراً طبيعياً يصعب تخيله وهو انقلاب الجبال، وهى أقوى وأثبت شئ فى الأرض، فلو سقطت هذه الجبال فى قلب البحار، يظل أولاد الله ثابتين فى إيمانهم، أى لو انقلبت أقوى قوى العالم، وغرقت فى البحار، أو لو انغمس العظماء وحتى الرؤساء الدينيين فى شهوات العالم وغرقوا فيها، يظل أولاد الله الحقيقيون فى ثباتهم الروحى، كما حدث فى سقوط رؤساء دينيين فى الهرطقات، مثل نسطور، وأوطاخى، وأريوس.
- ترمز زحزحة الأرض إلى الزلزلة التى حدثت عند صلب المسيح معلنة اضطراب العالم، وحاجته إلى الفادى المخلص.
ع3: 3- تعج و تجيش مياهها تتزعزع الجبال بطموها سلاه.
تعج : ترتفع أصوات الأمواج.
تجيش : تتدفق المياه وتجرى بسرعة لدرجة تعوق سير السفن والمراكب.
بطموها : بارتفاعها وعظمتها.
- يؤكد كاتب المزمور أن إلهنا ملجأنا حتى لو تزحزحت الأرض، وانقلبت الجبال، كذلك يقول فى هذه الآية، حتى لو تحركت مياه البحار باندفاع شديد، وارتفعت أصواتها كما يحدث فى الفيضانات، ولو تعاظمت الجبال بارتفاعها العظيم، كل هذا لن يزعزع إيمان أولاد الله المتحصنين فيه، فهو ملجأهم وقوتهم.
- ترمز الجبال إلى الجبابرة والعظماء فى هذا العالم، والمياه ترمز لكثرة الناس، أو ترمز لكثرة الجيوش، مثل جيش أشور الذى هاجم أورشليم أيام حزقيا الملك، فكل هذه لا تحدث اضطرابات فى قلوب أولاد الله الثابتين فى الإيمان به.
- يقول كلمة سلاه فى نهاية الآية وهى وقفة موسيقية؛ ليتأمل الإنسان قوة الله الملجأ الحصين، ولا يعود ينزعج من اضطرابات العالم.
التجئ إلى الله إذا اضطربت الأمور حولك حتى لا يهتز قلبك معها، بل تثبت فى إيمانك، وتتذكر قوة الله المساندة لك، وإذ تزداد صلواتك تختبر معونة الله، وتشعر بوجوده معك.
(2) ثباتنا (ع4-7):
ع4: 4- نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي.
- أولاد الله المتحصنون فى إلههم، الذى هو ملجأهم، لا يضطربون من أجل اهتزاز العالم حولهم، بل يتمتعون بعمل الروح القدس فيهم، الذى هو نهر سواقيه تفرح مدينة الله.وهذه السواقى هى مواهب وثمار الروح القدس، التى تعمل فى المؤمنين داخل الكنيسة، التى هى مدينة الله. والكنيسة هى أقدس مكان فى العالم، فيها يسكن الله العلى، ويستقر ويسكن فى أولاده المؤمنين، والمتحدين به من خلال أسراره المقدسة. فهذه الآية نبوة عن عمل الروح القدس فى المؤمنين فى العهد الجديد
(يو7: 37-39). - الروح القدس – الذى هو النهر – سواقيه هم الرسل والكهنة خلفاؤهم، والخدام، الذين يكرزون بكلمة الله، ويفرحون مدينة الله التى هى الكنيسة. والنهر مياهه حلوة، وتجرى بهدوء، بخلاف البحر المالح الذى تعج وتجيش مياهه، فعمل الروح القدس هادئ ومريح داخل النفوس المؤمنة، ويعمل فى الخدمة بروحانية، وهدوء.
- الروح القدس الذى هو النهر يظل يعمل فى الكنيسة حتى يرفعها إلى السماء، حيث مساكن الله العلى المستقرة إلى الأبد، ويتمتع فيها المؤمنون تمتعاً بالله لا يعبر عنه. وينعمون بالقداسة فى مقدس مساكن العلى، أى المكان الذى قدسه الروح القدس؛ ليسكن فيه أولاد الله إلى الأبد.
- إن السواقى أيضاً هى المعموديات التى وهبها الروح القدس لكنائسه، فتفرح نفوس المؤمنين بالأعضاء الجدد، وتتقدس كمساكن لله العلى، وتثبت فى كنيسته إلى الأبد.
ع5: 5- الله في وسطها فلن تتزعزع يعينها الله عند اقبال الصبح.
- سكن الله وسط كنيسته يجعلها لا تهتز أمام مقاومات العالم واضطهاداته لها؛ لأن الله فى وسطها يحميها، ويثبت أولاده الذين يحيون فى العالم، ولكن يظلون متمسكين بوصاياه، مهما قاومهم الشر.
- الله يعين أولاده فى العهد القديم حتى يقبل الصبح، وهو تجسد المسيح المخلص، فينعمون بخلاصه الذى عاشوا، وماتوا على رجائه. وهو يعين أيضاً كل المؤمنين به عند إقبال الصبح، أى المسيح فى مجيئه الثانى يوم الدينونة، فيبررهم بدمه. فالله يعينهم فى طريق جهادهم الروحى حتى يصلوا إلى الملكوت.
ع6: 6- عجت الأمم تزعزعت الممالك اعطى صوته ذابت الارض.
- حاولت الأمم الوثنية مقاومة المسيحية وعلى رأسها الدولة الرومانية، فاضطهدت الكنيسة بعد الاضطهاد اليهودى، ولكن الله حول الاضطهادات إلى قوة نالتها الكنيسة. ومن ناحية أخرى ذابت الممالك، أى ذابت الإمبراطورية الرومانية داخل الكنيسة باعتلاء قسطنطين عرش الدولة الرومانية، وحضر المجمع المسكونى الأول فى نيقية.
- عندما صرخ المسيح على الصليب وقال قد أكمل ذابت الأرض، أى حدثت زلزلة، وانشق حجاب الهيكل، وتفتحت القبور؛ لأن المسيح أتم الفداء (مت27: 51؛
مر15: 37، 38). - قاومت الأمم الكنيسة ولكنها خضعت لها بعد هذا، ثم يأتى المسيح فى مجيئه الثانى ويعطى صوته؛ ليدين العالم، فتذوب الأرض أمامه، ويحاول الأشرار الاختباء من وجهه، ثم يمجد أولاده فى ملكوته، ويلقى الأشرار فى العذاب الأبدى (2بط3: 10).
ع7: 7- رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب سلاه.
يختم الكاتب كلامه عن ثبات أولاد الله، فيطمئنهم بأن الله قوى جداً؛ لأنه رب الجنود ويقصد الأجناد السماوية، القادر واحد منها فقط أن يقتل جيش الأشوريين أيام حزقيا الملك، فالله القوى هو ملجأ أولاده وشعبه الذى هو يعقوب، أو إسرائل، ثم المسيحيين فى العهد الجديد. ويختم هذه الآية بكلمة سلاه؛ ليتأمل القارئ فى الله المساند، والمثبت لأولاده.
إن الروح القدس الساكن فيك القادر أن يثبتك ويسندك فى جميع المواقف مهما كانت صعبة، فلا تقلق، ولا تفكر فى الغد، لأن الله المساند لك ساكن فيك إلى الأبد.
(3) نصرتنا (ع8-11):
ع8، 9: 8- هلموا انظروا اعمال الله كيف جعل خربا في الارض. 9- مسكن الحروب إلى أقصى الأرض يكسر القوس و يقطع الرمح المركبات يحرقها بالنار.
- انتصر الله الساكن وسط شعبه على الأمم المحيطة بهم وخربهم، وكسر أسلحتهم وأحرقها بالنار، وسحق جيوش الأعداء، فسكنت الأرض حول شعبه، وقد حدث هذا أيام داود وما قبله، أى أيام يشوع وموسى. فظهر تفوق الله على كل آلهة الأمم الوثنية وانتصاره عليهم. ولذا يدعو الكاتب كل الشعوب، بل وأولاد الله أنفسهم أن يتأملوا قوة الله المنتصرة على الأعداء.
- فى لحظة عندما مات المسيح على الصليب قيد الشيطان، وخرب مملكته، وكسر وأحرق أسلحته، أى صارت بلا قيمة أمام قوة الله الساكنة فى أولاده؛ لأن الروح القدس سكن فيهم بسر الميرون، وبهذا هدأت الأرض وعاش أولاد الله فى سلام. فالنفوس المؤمنة بالمسيح لا تنزعج من حروب الشيطان وأسلحته؛ لأن الله الساكن فيها يخرب هذه الشهوات التى تحاربهم، ويهب أولاده فضائلاً بدلاً منها.
- إن المسيح فى يوم الدينونة يبطل قوة الشياطين، ويخرب مملكته تماماً، بإلقائه فى العذاب الأبدى، فيسكن أولاده معه فى الملكوت، متمتعين بعشرته إلى الأبد.
ع10، 11: 10- كفوا و اعلموا أني أنا الله اتعالى بين الامم اتعالى في الارض. 11- رب الجنود معنا ملجأنا إله يعقوب سلاه
- فى ختام هذا المزمور يطالب الكاتب المؤمنين أن يكفوا عن الشهوات الردية، وكذلك عن الخوف من الشياطين، وحروبهم، وكل قوى الشر، فهى بلا قيمة أمام قوة الله، ويكفوا أيضاً عن الاعتماد على قوى البشر الزائلة والضعيفة؛ ليكون اعتمادهم على الله وحده.
- يطالب أيضاً المؤمنين أن يرتفعوا مع المسيح المصلوب، ثم الصاعد إلى السماء، فيتركون عنهم اهتماماتهم الأرضية، وينشغلون بالحياة السماوية، أى يكون لهم السلوك الروحانى.
- يؤكد فى نهاية المزمور أن الله رب الجنود معنا، وهو ينصر شعبه فى كل جيل، وقد سبق أن شرحنا الآية الأخيرة عند شرح (ع7).
حتى تنتنصر على أعدائك الشياطين ليتك تركز عينيك وقلبك على المسيح، فلا تضطرب من قوة الأعداء، وارتفع واترك شهواتك الشريرة بالتوبة، فتعاين عمل الله فيك، وتفرح به.