الله ينقذ المساكين
“يا رب لماذا تقف بعيداً ..” (ع1)
مقدمة :
- يعتبر الآباء هذا المزمور امتداداً للمزمور السابق، بل هو واحد مع المزمور السابق فى الترجمة السبعينية كما ذكرنا. وبالتالى فموضوعه ظلم المساكين وكيف ينقذهم الله، فهو يعالج المشاكل التى تحدث لشعب الله من داخل، بعد أن حدثنا فى المزمور التاسع عن حروب الأعداء لأولاد الله؛ أى الحروب الخارجية.
- حيث أن هذا المزمور هو امتداد للمزمور السابق؛ لذا فكاتبه هو داود النبى؛ وبالتالى لا يوجد له عنوان فى الكتاب المقدس.
- يناسب هذا المزمور كل من يعانى من ضيقة، أو الكنيسة عندما تمر بآلام فتستغيث بالله مخلصها.
- يوضح هذا المزمور أن الشر، أو الخير نابع من القلب، لذا يلزم تنقيته.
(1) صراخ المساكين (ع1):
ع1: 1- يا رب لماذا تقف بعيدا لماذا تختفي في أزمنة الضيق.
- يصف داود شعوره فى الضيقة وهو عدم إحساسه بالله قريباً منه وكأنه اختفى، مع أنه يثق بوجوده وقربه ولكن إحساس الضيق يشمل الإنسان ويغطيه، كما شعر المسيح على الصليب كإنسان بقسوة الضيقة والألم وابتعاد الله عنه، مع أنه هو الله المتحد بالإنسان. وعبر عن هذا الضيق بقوله “إلهى إلهى لماذا تركتنى” (مت27: 46).
- الإحساس بابتعاد الله عن الإنسان وسط الضيقة قد يكون بسبب ابتعاد الإنسان عن الله وليس العكس، ولكن من يواصل الصلاة والصراخ مثل داود، سيشعر حتماً بقرب الله إليه، كما عبر عن ذلك فى نفس المزمور فى (ع17).
- إن الله أحياناً يتخلى عن الإنسان مؤقتاً وسط الضيقة، ليس إهمالاً له، ولكن ليحرك مشاعره ويصرخ إلى الله فينال بركات أوفر. وبهذا يختبر الله إيمانه ويباركه ببركات وفيرة.
- شعور الإنسان بابتعاد الله عنه فى الضيقات يجعله ليس فقط يصرخ إليه، ولكن أيضاً يترك شهواته وخطاياه ويزهد العالم، فيتنقى من الشر ويمتلئ من نعمة الله.
لتكن الضيقة التى تمر بك دافعاً لك لصلوات كثيرة وصراخ إلى الله، فتنمو روحياً وتختبر أعماقاً جديدة فى محبة الله.
(2) صفات الظالمين (ع2-11):
ع2: 2- في كبرياء الشرير يحترق المسكين يؤخذون بالمؤامرة التي فكروا بها.
- الشرير ممتلئ من أفكار وأفعال الشر، وفى كبرياء يتمادى فى شره ليسئ إلى المسكين ويحاول إهلاكه، أى ليس عند الشرير شفقة ولا محبة.
- شر الشرير لا يسمح به الله إلا بالمقدار الذى يفيد المسكين. ولكن يجعل شر الشرير يأتى على رأسه ومؤامراته تؤذيه هو نفسه، كما تأكد هذا المعنى فى (مز7: 15، 16؛ مز9: 15). وقد تكرر هذا المعنى كثيراً فى الكتاب المقدس مثل بابل التى أسقطت الكثيرين تخرب تماماً، كما يذكر لنا سفر الرؤيا (رؤ17: 5، 6؛ 18: 6) وآخاب الذى أساء إلى نابوت ولحست الكلاب دم نابوت، فالكلاب أيضاً لحست دم آخاب، كما أعلمه إيليا (1مل21: 19).
- الله يؤدب الشرير بأن يأتى شره على رأسه ليعلن أن الشر مكروه أمامه ولا يريد أن أحداً من أولاده يسير فيه؛ لأن الشر يقيد صاحبه ويبعده عن الله، والخير، وكل عمل صالح ويصير كالأعمى لا يرى إلا الشر، كما أن الأعمى لا يرى إلا الظلام.
- الشرير ينتهز فرصة اختفاء الله فى أزمنة الضيق كما يذكر (ع1)، فيتمادى فى شره فى كبرياء ولكن الله طويل الأناة يعطيه فرصة أن يراجع نفسه، ولكن إن لم يستفد من هذه الفرصة يقلب شره على رأسه.
- إن داود المسكين ينادى الله ويستنجد به ليخلصه ويخلص كل المساكين الذين يحترقون بشر الأشرار، فيطلب إنقاذه لهم، وبالطبع فإن الله يسرع إلى أولاده ولا يهملهم، خاصة وأن بعضهم قد يتزعزع إيمانه ويتشكك فى سرعة استجابة الله ومساندته، فيحترق داخلياً بهذه الشكوك، فيحتاج إلى معونة إلهية سريعة.
ع3: 3- لأن الشرير يفتخر بشهوات نفسه و الخاطف يجدف يهين الرب.
- يذكر هنا صفة ثانية للشرير بعد الكبرياء وهى الشهوة، فالشرير ينغمس فى الشهوات الجسدية ويتمادى فيها حتى أنه يبرر هذه الشهوات الشريرة، فيزداد تماديه فيها، ويصل إلى أن يفتخر بها وبالتالى يتقدم فيها بلا حدود.
- افتخار الشرير بشهواته يزيد كبرياءه وغالباً يمجد من الناس، مما يزيد تماديه فى الشهوة؛ لأن الله فى نظره مختفى فى أزمنة الضيق، فيظن الناس أن الشرير على حق، وأما الأتقياء فمساكين وضعفاء، أى تنقلب المفاهيم والمبادئ.
- وهؤلاء الذين يمدحونه قد يكونوا منافقين يطلبون مصلحتهم ومنفعتهم ولكن الشرير ينخدع بهذا الكلام، فيزداد كبرياؤه وفى شهواته يسقط أيضاً فى خطية أخرى ثالثة وهى الطمع، فيخطف من غيره، أى يسرق وقد تكون سرقة إجبارية مستخدماً قوته ونفوذه.
- بطمع الشرير يسقط فى خطية رابعة وهى الظلم؛ فهو يعتدى على ممتلكات غيره ويسلب حقوقهم ليرضى أنانيته.
- ثم يتمادى الشرير الخاطف، فيسقط فى خطية خامسة وهى التجديف على الله، إذ يشعر بقوته وسلطانه على الآخرين بما يسلبه منهم، فيهين الله ويصفه بصفات شريرة، إذ أنه يعتمد على قوته بكبرياء ويهمل وصايا الله ويشعر بعدم حاجته إلى الله فيقف نداً لله ويجدف عليه.
ع4: 4- الشرير حسب تشامخ أنفه يقول لا يطالب كل أفكاره انه لا إله.
- الخطية السادسة للشرير هى الإلحاد؛ إذ أنه فى كبريائه وتشامخه يقول عن الله أنه لا يطالب، بل يقول لا إله.
- السبب فى الإلحاد هو السقوط فى خطية الكبرياء والشهوة والطمع؛ حتى أنه فى تشامخه يرفع أنفه فوق كل من حوله محتقراً غيره، أى يشعر أنه بنفخة أنفه يهلك غيره، بمعنى أنه بقوة يسيرة منه يهلك المساكين. ولذا فلا يشعر بالحاجة إلى وجود الله ويلغى وجوده.
- سقوط الشرير فى الإلحاد يأتى تدريجياً؛ إذ يتعاظم فى نظر نفسه ويتسلط على غيره ينسى الله، ثم يتطاول فيصف الله بالضعف والسلبية، إذ أنه لن يطالب بحقوق المساكين، بدليل أن له مدة من الزمان متسلطاً على المساكين والله لم يعاقبه. وفى النهاية يصل إلى الإلحاد برفض فكرة وجود الله؛ حتى يتمادى فى شره بلا حدود.
- الله يوبخ الإنسان وينبهه مرات كثيرة ليرجع، وعندما يزداد غضب الله على الإنسان يتخلى عنه؛ لكيما يعانى من نتائج خطاياه وتنخسه لعله يتوب، كما يقول عن الأشرار فى رسالة رومية “أسلمهم إلى ذهن مرفوض” (رو1: 28).
- الشرير فى شره يتعدى على الناس بالظلم والاحتقار والتسلط. ثم يتمادى فى تطاوله ليتعدى على الله نفسه، ويجدف عليه، وفى النهاية يدعى عدم وجود الله، أى يسقط فى الإلحاد.
- الإلحاد يقف وراءه ليس فقط الشهوات، بل أيضاً تأليه الإنسان لنفسه، وفى النهاية يسقط فى الإلحاد وهذا ما سيسقط فيه ضد المسيح.
ع5: 5- تثبت سبله في كل حين عالية احكامك فوقه كل اعدائه ينفث فيهم.
ينفث : ينفخ والمقصود يبث سمومه وسلطانه وشره على أعدائه.
- يعيش الشرير فى نجاسته وشروره ويَثْبُت فى طرقه الشريرة، إذ يسكت ضميره ويبرر أخطاءه، فيتمادى فى خطاياه.
- إذ ينغمس الشرير فى الشر ويتعوده، يصبح الله بعيداً عن فكره وقلبه، وتصبح وصاياه عاليه فوقه لا يمكنه أن يدركها، ولا يقيم لها وزناً، فيهملها تماماً.
- إذ أبعد الشرير الله عن تفكيره وتعود الشر، فإنه يوجه شروره ضد الأتقياء والمساكين، فيسئ إليهم ويعتبرهم أعداءه؛ لأنهم ببرهم يكشفون شره؛ لذا يحاول أن يحطمهم.
- نرى هنا علاقة واضحة بين النجاسة والشر من ناحية، وبين رفض الله والإلحاد من ناحية أخرى، فالإنسان الشرير يرفض وجود الله؛ ليتمادى فى شره ولا يوبخه أحد عليه.
ع6: 6- قال في قلبه لا اتزعزع من دور إلى دور بلا سوء.
عندما يتمادى الشرير فى شره يشعر بالقوة والاستقرار، معتمداً على الماديات، فيظن فى نفسه أنه لا يمكن ِأن يهزه أحد، أو يسئ إليه، فهو يوهم نفسه بالاستقرار والسعادة، رغم علمه أن العالم كله متقلب وأن الشر زائل، ولكنه يتناسى الواقع ويحيا فى الأوهام، أى يعيش سعادة وهمية رغم أن قلبه مضطرب فى داخله، مثل الغنى الغبى الذى اتكل على أمواله، ولكنه فوجئ بأنه سيموت فى تلك الليلة (لو12: 19، 20).
ع7: 7- فمه مملوء لعنة و غشا و ظلما تحت لسانه مشقة واثم.
- الصفة السابعة للشرير هى الشتيمة، فهو لا يكتفى بالتجديف على الله، بل يلعن ويشتم الأبرار الذين يكشفون شره ببرهم، فهو لا يتوب، بل على العكس يلعن البر والأبرار.
- أما الصفة الثامنة فهى الخداع؛ لأن الشرير يغش من حوله؛ ليصل إلى أهدافه الشريرة، بل أيضاً هو منافق ومرائى، فيعطى كلاماً حلواً يخدع به من حوله ويوهمهم أن الشر لذيذ ويعطى سعادة، مع أنه يحمل تحت لسانه، أى يخفى المشقة والعذاب الذى يحويه الشر، فمن ينخدع بلذة الخطية يعانى بعد هذا من أتعابها.
- ولسان الشرير الحلو يمكن أن يكون فى الكلام الروحى ولكنه يخفى تحته البدع والهرطقات، فشره لا يظهر فوق لسانه، بل تحته؛ ليخدع به المساكين والبسطاء إذا ابتعدوا عن الله.
ع8، 9: 8- يجلس في مكمن الديار في المختفيات يقتل البريء عيناه تراقبان المسكين. 9- يكمن في المختفى كأسد في عريسه يكمن ليخطف المسكين يخطف المسكين بجذبه في شبكته.
مكمن : أى كمين وهو مكان يختفى فيه الشرير؛ لينقض على الأبرياء ويهلكهم.
عريسه : أى عرينه وهو بيت الأسد.
- لا يتصف الشرير بالخداع فقط ولكن بالعنف أيضاً، فهى الصفة التاسعة للشرير، فهو يختفى فى هدوء حتى يكاد المسكين لا يشك فيه، وفجأة يخرج من كمينه الذى اختفى فيه؛ لينقض على المسكين ويفترسه.
- إن الشرير يراقب الأبرار ليس ليتعلم منهم البر، أو يعتنى بهم، بل على العكس لينتهز فرصة، فيسئ إليهم ولو أمكن يهلكهم. فنظراته وكلامه وأفعاله كلها شر.
- إنه لا يستطيع أن يؤذى الأبرار؛ لأن الله يحميهم ولا يسمح بإساءة لهم، إلا التى تفيدهم روحياً، كما حدث مع الشهداء. ولكن يستطيع الشرير أن ينتهز فرصة ضعف الأبرار، فيسقطهم فى الخطية؛ لذا وجب على أولاد الله التمسك الدائم بوصاياه ومحاسبة أنفسهم كل يوم.
- إن الشرير تشبهه هذه الآية بالأسد المفترس، أى العنف الشديد وفى نفس الوقت الاحتيال، مثل الصياد الذى يلقى شبكته ليسقط فيها الأبرياء. وهذا ما تم مع الكنيسة التى تعرضت وتتعرض لقسوة الاضطهاد وأيضاً لخداع الهراطقة.
ع10: 10- فتنسحق وتنحني و تسقط المساكين ببراثنه.
براثنه : مخالبه.
- أمام قسوة الشرير يتعب الأبرار حاملين صليبهم من أجل المسيح، فينسحقون وينحنون إلى الأرض تحت ثقل الصليب، بل يقدمون حياتهم ذبيحة حب لله.
- من يتهاون من الأبرار وينظر إلى الشهوات الأرضية، فينحنى فوقها ينتهز الشرير هذه الفرصة، ويسقطهم فى الخطية ويسحقهم ويغرز فيهم مخالبه فيهلكهم. هذا الشرير هو الشيطان وكل ما يتبعه من الأشرار مثل ضد المسيح الذى يأتى فى نهاية الأيام.
ع11: 11- قال في قلبه ان الله قد نسي حجب وجهه لا يرى إلى الأبد.
حتى يتمادى الشرير فى شره يتخيل ويدعى، إما عدم وجود الله، أو ضعفه، فيتهمه بالنسيان والانشغال عن أولاده الضعفاء، بل أنه لن يلتفت إلى صلواتهم وصراخهم إليه، وسيظل هكذا بعيداً عنهم إلى الأبد. وبهذا يخدر الشرير ضميره؛ لأنه لا يحتمل تذكر عقاب الدينونة العظيم.
إذا قبل الإنسان فعل الشر، أو التفكير فيه ولو قليلاً يتسلل الشر إلى حياته، ويزداد ويسيطر عليه، فيبرر أخطاءه، ويتعدى على الله بكلام شرير. فاحرص على التوبة؛ لترفض الخطية أولاً بأول، فترجع إلى الله وتكسب خلاص نفسك.
(3) الله يعين المساكين (ع12-18):
ع12: 12- قم يا رب يا الله ارفع يدك لا تنس المساكين.
- يستغيث داود بالله؛ لينهى طول أناته وإمهاله للأشرار، فينقذ أولاده المساكين ويعاقب الأشرار بقوة يده، أى بجبروته الإلهى.
- يد الله ترمز لتجسده، فداود ينادى المسيح بروح النبوة أن يقوم من الأموات، مقيداً قوة الشيطان وينقذ عبيده المساكين المؤمنين به من سطوة إبليس.
- ينتظر أيضاً داود قيام المسيح فى يوم الدينونة؛ ليدين الأشرار ويمجد أولاده الأبرار الذين احتملوا كثيراً على الأرض، فينالوا عوضاً عنها بركات فى ملكوت السموات.
ع13: 13- لماذا اهان الشرير الله لماذا قال في قلبه لا تطالب.
يستنكر داود النبى استهانة الشرير بالله وادعاءه أن الله لن يدين أحداً، فهذا يعتبر إنكار لوجود الله وسلطانه؛ ولذا يعاقب بشدة من الله.
ع14: 14- قد رأيت لأنك تبصر المشقة و الغم لتجازي بيدك إليك يسلم المسكين أمره أنت صرت معين اليتيم.
- يعلن داود الحق ضد ادعاءات الأشرار، فيخاطب الله ويقول له أنك رأيت شر الأشرار وظلمهم، وأحسست بمتاعب أولادك المساكين ومشقتهم. وأنت أب حنون لا تطيق الظلم لأولادك؛ كما حدث قديماً وأشفق الله على شعبه فى مصر، المذل فى عبودية فرعون، ونظر إلى مشقتهم وأعلن لموسى أنه ينزل وينقذهم (خر18: 8).
- يعلن أن الله سيجازى الأشرار ويعاقبهم على ظلمهم للمساكين، كما عاقب الأمم التى أذلت شعبه، مثل مصر وأشور وبابل.
- إن يد الله القوية التى تعاقب الأشرار هى نفسها التى يتعلق رجاء أولاده بها، عندما يشعرون أنهم مساكين وضعفاء، بل وأيتام أيضاً، أى بلا أب وأم أرضيين يساندونهم، فتكون أنت يا الله أباً لهم ومعيناً فى شدائدهم.
لا تنزعج إن شعرت أنك وحيد، أو ضعيف أمام قوى العالم، أو حروب الشيطان، فالله يحب الضعفاء ويسندهم. التجئ إليه واثقاً من قوته التى تخلصك من كل شر.
ع15: 15- احطم ذراع الفاجر و الشرير تطلب شره و لا تجده.
احطم : إكسر وحطم.
- يطلب داود من الله أن يحطم ذراع، أى قوة الشرير؛ حتى يشعر بضعفه أمام الله وعجزه، فهو لا يشمت فى الشرير، أو يحاول الانتقام منه، ولكن يريد تحطيم الشر؛ ليتوب الأشرار.
- عندما يحطم الله قوة الشر لا يستطيع الشرير أن يفعل شيئاً، وتكون أعماله بلا فائدة، أو تأثير على الأبرار المساكين؛ لأن الله يحميهم، فهذا يقوى إيمان المساكين بالله ويدعو الشرير للتوبة.
- يكمل تحطيم الله لقوة الشر فى يوم الدينونة العظيم، فيدان إبليس وكل تابعيه، وفى ملكوت السموات لا يكون لهم قوة، بل يحيا المساكين الأبرار فى سعادة كاملة مع الله.
ع16: 16- الرب ملك إلى الدهر و الأبد بادت الأمم من أرضه.
- يطمئن الله أولاده بأنه ملك على شعبه وقلوب أولاده، فيحميهم من كل شر، بل يبيد الأعداء، أى الأمم من أرضهم. ولكنه يقول “أرضه”، أى يعلن أن أرض شعبه هى أرضه وهو مسئول عنهم، مما يزيد من طمأنينتهم.
- إذا كان الله ملك على قلوب أولاده ويحميهم، فهو يعطيهم أيضاً تمتع بعشرته، فيتميزون عن باقى البشر بعشرة الله.
- الله ليس فقط ملكاً الآن على شعبه، ولكنه أيضاً إلى الدهر وإلى الأبد، فهو يظل يمتعهم بحبه ومجده فى استقرار كامل، مما يزيد فرحهم وينميه.
- الأرض ترمز لقلب الإنسان، والأمم ترمز إلى الخطايا، فعندما يملك الله على أرضه، أى قلب ابنه وحبيبه الذى آمن به، فهو يبعد عنه الخطايا ويساعده على إبادتها؛ ليكون القلب كله لله ينفذ الوصية القائلة “تحب الرب إلهك من كل قلبك” (مت22: 37).
- إن الأرض أيضاً ترمز إلى ملكوت السموات، والأمم ترمز للشياطين والأشرار الذين ليس لهم وجود فى الملكوت، وهكذا يتمتع أولاد الله بالفرح الدائم مع الله. بدون وجود الأشرار معهم.
ع17: 17- تأوه الودعاء قد سمعت يا رب تثبت قلوبهم تميل أذنك.
- إن آلام الأتقياء المؤمنين الذين يعيشون فى وداعة وهدوء، غالية جداً عند الله، فليس صراخهم فقط يحركه، بل مجرد تأوهم يجعله يسرع إلى استماعهم والاستجابة لهم.
- تدخل الله السريع وتنازله بأن يميل أذنه إليهم يطمئن الودعاء ويعطيهم ثباتاً واستقراراً داخلياً، فلا يعودوا ينزعجوا من الضيقات الخارجية، حتى لو استمرت فترة، بل يعطيهم بركة وعمقاً روحياً وتلذذاً داخلياً أثناء الضيقة.
- استماع الله لتأوه الودعاء الذين يطلبون عدله وإنصافه لهم أمام ظلم الأشرار يكمل فى ملكوت السموات عندما يمجدهم معه إلى الأبد، ويعاقب الأشرار فى العذاب الأبدى.
- إن الودعاء فى العهد القديم تأوهوا إلى الله؛ لينجيهم من قسوة إبليس، فتجسد فى ملء الزمان وقيد الشيطان بصليبه، وأصعد آدم وبنيه من الجحيم إلى الفردوس.
ع18: 18- لحق اليتيم و المنسحق لكي لا يعود أيضا يرعبهم انسان من الأرض
- إن الله يتحرك بعدله لينصف ويعيد حقوق مجموعتين :
أ – اليتامى، أى الذين بلا سند ورعاية، أو الذين أفقدتهم الخطية قوتهم ويتوبون، فيصبح الله أب لهم ويرعاهم بعنايته.
ب – المنسحقون، أى المتضعين الذين يطلبون الله، فينقذهم ويعيد إليهم حقوقهم ويميزهم عن غيرهم.
- الله يعطى أولاده حقوقهم الروحية قبل المادية؛ لأن السلام الداخلى والعلاقة مع الله هى الأهم، ويعطيهم قوة لمواجهة المشاكل الخارجية، ثم يعطيهم فى النهاية حقهم المتميز فى ملكوت السموات.
- تدخل الله يخيف أعداء أولاده، فلا يعودوا يرعبونهم ويضايقونهم عندما يرون الله بقوته يحميهم. وهذا ما حدث مع القديسين عندما كان الشيطان يخاف أن يقترب من أماكنهم ويحترق بصلواتهم.
- عندما يرى أولاد الله عقابه للأشرار، ليس فقط يطمئنون، بل أيضاً يخافون الله، فتزداد توبتهم وتدقيقهم فى حياتهم الروحية.