تسبيح شعب الله
“هللويا غنوا للرب ترنيمة جديدة تسبيحته في جماعة الأتقياء” ع1
مقدمة :
- كاتبه : غير معروف، إذ لا يوجد للمزمور عنوان، أو ذكر للكاتب، فهو من المزامير اليتيمة الغير معروف كاتبها.
- متى كتب ؟ يوجد هناك رأيان في زمن كتابته هى :
أ – أيام المكابيين، إذ يذكر الإنتصار على الشعوب المقاومة.
ب – بعد الرجوع من السبى، عندما عاش شعب الله في أمان، بعدما هدأت مقاومات الأشرار.
- هذا المزمور من مزامير التسبيح التى تدعو شعب الله لتسبيحه؛ لأجل خلاصه، وإخضاع الأعداء له، ويلاحظ أنه يبدأ، وينتهى بكلمة هللويا. وهو واحد من مزامير الهليل الخمسة (مز146-150).
- يناسب هذا المزمور كل مؤمن يريد أن يفرح بتسبيح الله، ويثبت إيمانه بقوة الله المساندة له.
- هذا المزمور نبوة عن المسيح المخلص للكنيسة، والنصرة على الشياطين بالصليب.
- يصلى بهذا المزمور في الكنيسة يومياً في التسبحة، إذ هو جزء من الهوس الرابع الذى تبدأ به تسبحة اليوم.
- لا يوجد هذا المزمور في صلوات الأجبية.
(1) ترنيمة جديدة (ع1-5):
ع1: هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ.
- يدعو المزمور شعب الله الأتقياء، أى الذين يخافونه، ويبتعدون عن الشر، ويخشعون أمامه بصلوات، أن يسبحوه تسبيحة جديدة. والمقصود أن من يتعود الترنيم، ينمو في معرفة الله، وفى تسبيحه، فيقدم كل يوم ترانيم بإحساس جديد أكثر عمقاً، بحسب إدراكه لمخافة الله ومعاينته لمحبته.
- هذه الآية نبوة عن الترنيم للمسيح المخلص، الذى نرنم له ترنيمة جديدة ونشعر فيها بتحقيق الرمز فيه، ونرى تنفيذ وعوده، فتفرح قلوبنا، ونخافه لأجل عظمة خلاصه، فنرنم الترنيم الجديد، خاصة بعد أن تذوقنا الميلاد الجديد في المعمودية، وتعلقت قلوبنا بميراثنا الأبدى، فنرنم ترنيمة أعمق من الترانيم المعتادة.
ع2: لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ. لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ.
- يدعو المزمور شعب الله إسرائيل أن يفرح بالله خالقه من العدم، ويترنموا له لأنه جعلهم شعباً خاصاً له، فصارهو ملكهم وإلههم، الذى يرعاهم ويحفظهم، ويدافع عنهم، ويدبر احتياجاتهم على الدوام.
- هذه الآية أيضاً نبوة عن المسيح الذى يهب المؤمنين به نعمة الخلقة الجديدة بالميلاد الثانى بالمعمودية، ويفرحون بالمسيح ملكهم، الذى يملك على قلوبهم. وقدر ما تتعلق قلوبهم بمحبته يشتاقون أن يملك عليهم إلى الأبد في ملكوت السموات.
ع3: لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ.
- إن كانت العبادات الوثنية تقدم فيها عبادة برقص، وآلات موسيقية، فالمزمور ينقل شعب الله إلى عبادته بوقار من خلال رقص تعبدى، مثل رقص النسوة خلف مريم أخت موسى عند الخروج من البحر الأحمر (خر15: 20)، ومثل رقص داود أمام تابوت عهد الله عند نقله إلى أورشليم (2صم6: 14). والمقصود التعبير عن الفرح بحركة الجسد والآلات الموسيقية، بالإضافة إلى اللسان، وكل مشاعر القلب. وهذا الرقص التعبدى الذى كان يتم في العهد القديم يختلف تماماً عن رقص الخلاعة، والشهوات التى يحركها الشيطان لإبعاد الناس عن الله؛ سواء قديماً كما فعل بنو إسرائيل أمام العجل الذهبى الذى صنعه هارون، فأباده موسى (خر32: 19، 20)، أو الرقص في أيامنا المعاصرة الذى يتم في أماكن اللهو ولإرضاء الشهوات، ويبعد الإنسان عن الله؛ إذ ليس فيه وقار، أو مخافة لله.
- في الترجمة السبعينية والقبطية نجد بداية هذه الآية “فليسبحوا اسمه القدوس بالمصاف (في خورس)”. فالمصاف جمع صف، أى بنظام صفوف وخوارس لتقديم ترانيم منظمة لله، ولا يذكر كلمة رقص.
ع4: لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ.
- الذى يدفع شعب الله إلى تسبيحه أن الله راضٍ عنه. فالله بتواضعه يهتم بشعبه، ويفرح، ويرضى بشعبه الذين يحبونه، ويسبحونه، فيباركهم، بل أيضاً يهبهم خلاصه؛ لأنهم ودعاء ومتضعين أمامه، فيخلصهم من أعدائهم، ويحفظهم من كل شر، فالوداعة شرط لنوال الخلاص. الجزء الإنسانى هو الجهاد للسلوك باتضاع ووداعة، والجزء الإلهى – أى عمل النعمة – هو أن يهبهم الله الخلاص.
- الرضا الإلهى صار واضحاً بالإيمان بالمسيح، ونوال المؤمنين الخلاص بدايته في سر المعمودية، إذ يتقدم المعمدون بوداعة واتضاع وتوبة إن كانوا كباراً، فينالوا الميلاد الجديد، ويصيروا أعضاء في جسد المسيح؛ أى الكنيسة.
ع5: لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ.
مضاجعهم : جمع مضجع وهو الفراش.
- إن الذين يخافون الله يحيون في طهارة وابتعاد عن الخطية، وتبتهج قلوبهم، ويعاينون مجد الله، ويفرحون بعشرته، ويظهر هذا الفرح في تسبيح الله طوال اليوم، ثم في المخدع، بل بعد الاضطجاع على الفراش، يظل الإنسان يسبح حتى يستغرق في نومه. وبهذا يبتعد عن كل فكر شرير، أو تهاون وكسل.
- الله يتمجد في الأتقياء بكلامهم وأعمالهم، الذين يحتفظون بطهارتهم حتى في مخادعهم وعلى مضاجعهم؛ وحتى نهاية حياتهم عندما يضطجعون نهائياً بالموت، فترتفع أرواحهم لتواصل تسبيح الله في السماء.
أنظر إلى عطايا الله وأعماله الجديدة معك؛ حتى ترنم له بروح جديدة، وتتمتع تمتعاً أعمق بعشرته.
(2) تأديب الأشرار (ع6-9):
ع6: تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ.
تنويهات : جمع تنويه وهو المدح والتعظيم، وفى الترجمة السبعينية تعليات، وتعطى نفس المعنى.
- إذ تعود المؤمنون التسبيح طوال اليوم، وحتى عندما ينامون على مضاجعهم، أصبح تسبيح الله وتعظيمه في أفواههم دائماً، فهو شغلهم الشاغل بالفكر والقلب واللسان.
- إلى جانب التسبيح يعطيهم الله قوة يعبر عنها بالسيف ذو الحدين، الذى يضرب يميناً، ويساراً ليصرع الأعداء الشياطين، أى يهبهم الله قوة للانتصار على الأعداء. والسيف يرمز أيضاً إلى كلمة الله القوية، التى تخيف وتصرع الشياطين.
- تنطبق هذه الآية على المسيح الذى كان يمجد الآب، وكلمته كسيف ذو حدين يصرع الشياطين ويخلص بنى البشر منهم.
ع7، 8: لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ، وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ، وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُول مِنْ حَدِيدٍ.
كبول : قيود.
- الله يعطى أولاده قوة لينتقموا من الشيطان، ويؤدبوا الأشرار الذين تبعوا إبليس، وابتعدوا عن الله. فالمؤمنين أداة يؤدب بها الله الأشرار؛ حتى يرجعوا إليه، ويقيدوا ملوكهم الشياطين، وأشرافهم الأشرار التابعين للشياطين، فيمنعوهم بقوة الصليب من الإساءة إلى الأبرار.
- إن كانت النصرة تمت لشعب الله على الشعوب الوثنية، التى أمر الله بإبادتها في كنعان أيام يشوع، وفى عصر القضاة، ثم أيام داود، وامتدت طوال العهد القديم حتى أيام المكابيين، إلا أنها ظهرت بالأكثر في النصرة على حروب الشياطين في العهد الجديد، كما في تجربة المسيح على الجبل، وفى حياة القديسين على مدى الأجيال حتى الآن.
- تقييد وتأديب الأشرار ورؤسائهم تم مع الهراطقة، الذين قطعتهم المجامع المسكونية، ووقفت الكنيسة أمامهم على مر الأجيال، وحتى الآن.
ع9: لِيُجْرُوا بِهِمُِ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا.
- أولاد الله بتأديبهم الأشرار، وانتصارهم عليهم، يجرون وينفذون حكم الله الصادر ضد الأشرار، الذى أعلنه في الكتاب المقدس (إش10: 1؛ رو6: 23). بل إن الكتاب المقدس كله يعلن رفض الله للخطية؛ سواء في الوثنيين الرافضين عبادة الله، أو الهراطقة الذين يحركون الإيمان.
- عندما يؤدب الله الأشرار يعيد لأتقيائه كرامتهم؛ إذ أن الأشرار أساءوا إليهم كثيراً، ولكن في النهاية لابد أن يكرم الأتقياء ويؤدب، ثم ينتقم من الأشرار. وهذا يبين عدل الله، فيثبت الأبرار في حياة البر.
- يختم المزمور بكلمة هللويا كما بدأ بها، أى يتهلل أتقياء الله بتسابيحهم له، وفى شكرهم لله الذى ينتقم من الأشرار ويكرم أولاده.
لا تنزعج من النجاح المؤقت للأشرار الذى يخدعون به أنفسهم، فلا تنخدع مثلهم، بل تمسك بوصايا الله، ومخافته، فتحيا مطمئناً، بل أيضاً في فرح عظيم.