الرب ينجي المتضايقين
ترانيم المصاعد
“كثيراً ما ضايقوني منذ شبابي ليقل إسرائيل ..” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : غير معروف، فهو من المزامير اليتيمة الغير معروف كاتبها.
- يوجد تشابه كبير بين هذا المزمور وبين (مز 124) وهو أيضاً من مزامير المصاعد “لولا أن الرب ….” حتى أن البعض يعتقدون أن كاتبهما واحد وهو داود النبي. فنرى في كلا المزمورين أن العدد الأول والثاني يتكرران، ويعرض كل منهما معاناة أولاد الله، ثم يظهر محبة الله التي تحفظهم وتنجيهم.
- إن كان متقو الرب ينالون بركات كثيرة كما يظهر في المزمور السابق، لكن أيضاً يحاربهم الشيطان كثيراً، والله ينجيهم وينتقم من الأشرار، كما يظهر في هذا المزمور.
- يناسب هذا المزمور كل من يعاني من ضيقات، فيشدده ويعطيه رجاء في حماية الله وإنقاذه له.
- يصلي هذا المزمور على الدرجة العاشرة في طريق الصعود للهيكل.
- يوجد هذا المزمور بصلاة الأجبية في صلاة الغروب؛ ليشجع المجاهد الروحي الذي احتمل أتعاباً كثيرة طوال النهار بأن الله معه، وينقذه من أيدي أعدائه، بل وينتقم منهم.
(1) مضايقات الأشرار ( ع1-3):
ع (1 ، 2): “كَثِيرًا مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي”. لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: “كَثِيرًا مَا ضَايَقُونِي مُنْذُ شَبَابِي، لكِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيَّ.
- يتعرض أولاد الله للمضايقات من الأشرار منذ شبابهم، أي من صغرهم حتى نهاية حياتهم، ولكن ما يشجعهم على الاحتمال أن أعداءهم لا يقدرون عليهم؛ لأن الله معهم.
- جميع الأبرار تحملوا ضيقات حتى عندما كان عدد البشر فى العالم قليل جداً، فقابيل ضايق هابيل، ونوح سخر منه كل العالم عندما بنى الفلك، وقد يكون احتمل كثيراً حتى من الأجراء الذين صنعوا الفلك، وشعب إسرائيل احتمل في بداية حياته ضيقات شديدة في مصر، ثم في برية سيناء وحرب عماليق وبعد ذلك في حروب مع سكان كنعان، وتعرض لذل السبى الأشوري والبابلي، ولكنهم تمتعوا بسكن الله وسطهم وبركاته. وإن كان داود هو الكاتب، وقد احتمل ضيقات كثيرة من شاول، ثم أبشالوم، ولكن كان الله معه ونجاه من أيديهم وملكه على شعبه، ومتعه بعشرته.
ع (3): عَلَى ظَهْرِي حَرَثَ الْحُرَّاثُ. طَوَّلُوا أَتْلاَمَهُمْ”.
أتلامهم : جمع تلم وهو الخط المحفور في الأرض الذي يصنعه المحراث عند مروره على الأرض.
- يوضح كاتب المزمور مدى المعاناة التي احتملها من الأشرار الذين ضربوه، وجلدوه وتركوا أثاراً قاسية على ظهره، وسال دمه. وكما يمر المحراث في الأرض ويشقها صانعاً خطوطاً عميقة فيها، هكذا أيضاً حرث الأشرار على ظهره أي جلدوه، وشققوا ظهره بخطوط عميقة (أتلام)، أي أنه احتمل وتعذب كثيراً من أجل الله. فطهارة الأبرار توبخ الأشرار، فيسيئون إليهم بقوة.
- إن كان المحراث يشق الأرض، ولكن بعد هذا توضع البذور في هذه الخطوط العميقة وتنمو النباتات، وتعطي ثمراً، هكذا أيضاً احتمال الآلام يعطي النفس قوة، وبركة من الله، فينمو في البر والفضيلة، ويثمر ثمار الروح القدس.
- المسيح احتمل الجلد على ظهره والصلب وأعطانا الخلاص. وهكذا أيضاً الكهنة والخدام يتحملون متاعب كثيرة من الرعية، ويحملون أثقالهم ؛ حتى يعرفوا الله معرفة حقيقة، فتتغير طباعهم القاسية.
احتمل المحيطين بك من أجل المسيح الذي احتملك، واعلم أن هذا الاحتمال يزكي حياتك، فتتأهل لبركات كثيرة في الأرض وفي السماء.
(2) انتقام الرب ( ع4-8):
ع (4): الرَّبُّ صِدِّيقٌ. قَطَعَ رُبُطَ الأَشْرَارِ.
ربط الأشرار : الربط هو الحبال التي يثبت بها النير، وهو خشبة تثبت على عنقي البهيمتين، وتربط في الرقبة؛ ليستند النير عليها .
- يتدخل الله عندما يرى قسوة الأشرار على أولاده، ويشبه الأثقال التي يضعونها على أولاده بالنير الذي يربط في رقاب البهائم، فإذا قطعت هذه الربط يتحررون من قسوة الأشرار، وينطلقون بعيداً عنهم، فالله يرفع التجربة، ويريح أولاده، بل ويباركهم بتعزيات كثيرة. وهذا يعطي رجاء للمتألمين أن التجربة مؤقتة، والله حتماً سينهيها.
ع (5 – 7): فَلْيَخْزَ وَلْيَرْتَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ كُلُّ مُبْغِضِي صِهْيَوْنَ. لِيَكُونُوا كَعُشْبِ السُّطُوحِ الَّذِي يَيْبَسُ قَبْلَ أَنْ يُقْلَعَ، الَّذِي لاَ يَمْلأُ الْحَاصِدُ كَفَّهُ مِنْهُ وَلاَ الْمُحَزِّمُ حِضْنَهُ.
صهيون : أهم التلال الخمسة التي بنيت عليها مدينة أورشليم، ويعني بصهيون أورشليم التي يحيا فيها المؤمنون بالرب.
المحزم : جامع النباتات في حزم.
- يعلن الله أن الأشرار الذين يبغضون أولاده سيلحقهم الخزي، بل يتراجعون إلى الوراء، ويتركون الإساءة إلى أولاده. بل أيضاً يشبه شروره ضد أولاده كأنها عشب السطوح، أي النباتات الصغيرة التي تنمو على أسطح المنازل الريفية في طبقة ترابية قليلة، فلا يكون لجذور هذه الأعشاب عمق، فتجف من حرارة الشمس، وتموت سريعاً. فقبل أن تنمو هذه الأعشاب، ويجمعها الفلاح، ويضعها في حزم ليطعم بها ماشيته تجف وتلقى بعيداً لتحرق ؛ لأنه لا فائدة منها. هكذا أيضاً شرور الأشرار سطحية لها مظهر قوي لكن تنتهي سريعاً.
- كل الإضطهادات التي توجه للكنيسة على مر الأزمان تبطل، ويخزي الشياطين، ويرتدون إلى ورائهم؛ لأن كل شرورهم سطحية إذ أن الله ساكن في أولاده فلا ينزعجون من الاضطهادات، وتنتهي سريعاً، بل تنمى أولاده في محبتهم لله.
ع (8): وَلاَ يَقُولُ الْعَابِرُونَ: “بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ. بَارَكْنَاكُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ”.
- يتضح أمام البشر كلهم الذين يعبرون على الأشرار، والذين سبق وشبههم بعشب السطوح، أن الأشرار لا قوة لهم، ولا ينالون بركة من الله، إذ هم يجفون ويحترقون، إشارة إلى مصيرهم وهو العذاب الأبدي بالنار المتقدة.
- على الجانب الآخر أولاد الله ينالون بركة باسم الرب؛ لأجل سلوكهم في البر، واحتمالهم الاضطهاد من الأشرار من أجل الرب.
نجاح الأشرار يبدو عظيماً لكنه مؤقت وزائل، فلا تلتفت إليه، واثبت في إيمانك بالله، ووصاياه، فتحيا في سلام في الأرض، ثم سعادة لا يعبر عنها في السماء.