آلام المسكين ورجاؤه
صلاة لمسكين إذا أعيا وسكب شكواه قدام الله
“يا رب استمع صلاتى وليدخل إليك صراخى … ع1”
مقدمة :
- كاتبه : هناك عدة آراء فى هذا الأمر :
أ – لا يذكر اسم كاتب المزمور فى العنوان، فهو يعتبر من المزامير اليتيمة، إذ قال أن كاتبه مسكين ولم يذكر اسمه.
ب – داود النبى الذى كان مسكيناً بالروح، أى متضعاً أمام الله، واحتمل آلاماً كثيرة فرفع صلاته إلى الله.
جـ- فى نهاية السبى كتبه عزرا الكاهن والكاتب، ويعبر عن آلام المسبيين وأشواقهم للرجوع إلى أورشليم.
د – نحميا الذى رجع من السبى إلى أورشليم فى الرجوع الثالث، ورأى سور أورشليم منهدم والحجارة متناثرة، فصلى وسانده الله، وبنى السور، واهتم بأورشليم والسكان فيها روحياً ومادياً.
- متى كتب ؟
هناك رأيان :
أ – عندما كان داود مطروداً من وجه أبشالوم ابنه.
ب – فى نهاية فترة السبى وبدء الرجوع إلى أورشليم.
- يعبر هذا المزمور عن آلام المساكين المؤمنين بالله، والمتضعين أمامه، ورجائهم فى خلاصه.
- يتكلم بلسان الجماعة في جزء كبير في هذا المزمور، فهو يعبر عن آلام شعب الله وتضرعهم إليه؛ لينقذهم.
- هذا المزمور من المزامير المسيانية، وهذا المسكين يرمز للمسيح الذى احتمل الآلام من أجلنا، وصلى في بستان جثيمانى لتعبر عنه كأس الآلام.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير الليتورجية، فقد كان يستخدم في العبادة العامة، فيقدم كصلاة أيام لله.
- يعتبر هذا المزمور من مزامير التوبة السبعة التى هى (مز6، 32، 38، 51، 102، 130، 143).
- اقتبس بولس الرسول جزء من هذا المزمور وهو (ع25-27) في رسالته إلى العبرانيين (ص1: 10-12) وهذا يؤكد أن كلمات المزمور تتنبأ عن المسيح.
- لا يوجد هذا المزمور في الأجبية.
(1) آلام مسكين (ع1-11):
ع1، 2: يَا رَبُّ، اسْتَمِعْ صَلاَتِي، وَلْيَدْخُلْ إِلَيْكَ صُرَاخِي. لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا.
- تضرع كاتب المزمور يظهر حاجته لله، ويطلب منه أن يستمع صلاته، بل يدخل إلى حضرة الله صراخه الذى يعبر عن مدى احتياجه. فهو لا يصرخ بصوت عالٍ، بل بالأحرى قلبه يصرخ؛ لأنه متألم جداً. ولشدة احتياجه يترجى الله أن لا يحجب عنه وجهه، أو ينساه. بل يتمنى أن يميل الله أذنه ويسمعه، فهو يثق في محبة الله واتضاعه. فإن كان صوت المسكين منخفض بسبب شدة الآلام، ولكن رجاءه أن يتنازل الله، ويميل أذنه، ويستمع إليه. ولأجل احتياجه الكبير يتمنى سرعة استجابة الله.
- إن هاتين الآيتين نبوة عن المسيح المصلوب، الذى انحجب وجه الآب عنه، فصرخ “إلهى إلهى لماذا تركتنى” (مت27: 46) كتعبير عن صعوبة احتمال كل خطايا العالم؛ إذ لابد أن يشرب كأس الآلام حتى النهاية، ويموت ليتمم فداءنا.
ع3-5: 3- لأَنَّ أَيَّامِي قَدْ فَنِيَتْ فِي دُخَانٍ، وَعِظَامِي مِثْلُ وَقِيدٍ قَدْ يَبِسَتْ. 4-مَلْفُوحٌ كَالْعُشْبِ وَيَابِسٌ قَلْبِي، حَتَّى سَهَوْتُ عَنْ أَكْلِ خُبْزِي. 5- مِنْ صَوْتِ تَنَهُّدِي لَصِقَ عَظْمِي بِلَحْمِي.
وقيد : الأغصان اليابسة التى يوقد بها النار.
ملفوح : هبت عليه ريح حارة، فجعلته يابساً.
سهوتُ : نسيتُ.
يصف كاتب المزمور تأثير الآلام عليه حتى جعلت حياته كالدخان الذى يتطاير سريعاً، وينتهى، أى أن حياته تكاد تفنى من شدة الألم، وكذلك عظامه قد صارت كأعواد الحطب تستخدم لإيقاد النار. والعظام هى الجزء القوى فى الإنسان الذى يساند الجسد؛ هذه أصبحت ضعيفة جداً وبدأت تحترق، وتحولت العظام التى تساند الإنسان إلى سبب اشتعال النار فى داخله، أى سبب آلامه العنيفة. ثم يشبه حياته بنبات هبت عليه ريح ساخنة فجعلته يابساً. والنبات الملفوح يفقد حيويته ويصبح حطباً لإيقاد النار، ما لم تسعفه المياه الإلهية لترويه وتعيد إليه حيويته. هكذا أيضاً ييبس قلب المسكين من شدة الآلام. وفى النهاية لم يعد له قدرة ولا اشتياق لأكل الطعام، بل نسيه وبالتالى أصبح معرضاً للموت جوعاً؛ بالإضافة إلى تنهده وأنينه المتواصل بسبب شدة الآلام، جعل لحمه يلتصق بعظامه إذ صار كل الجسد يابساً، ومعرضاً للهلاك.
ع6، 7: 6- أَشْبَهْتُ قُوقَ الْبَرِّيَّةِ. صِرْتُ مِثْلَ بُومَةِ الْخِرَبِ. 7- سَهِدْتُ وَصِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ عَلَى السَّطْحِ.
قوق البرية : نوع من الطيور بعضها يعيش في البرية، ويصدر أصواتاً يشبه صراخ المتألم الحزين. وتتغذى على الحيوانات السامة مثل الثعابين.
بومة الخرب : نوع من الطيور يصدر أصواتاً حزينة، ويعيش في المقابر والأماكن الخربة، ويعتبره العرب نذير شؤم.
سهدت : سهرت.
- يشبه كاتب المزمور حالته المؤلمة بالطيور التى تصدر أصواتاً حزينة، مثل القوق والبوم. ولشدة آلامه ابتعد عن الأحباء، وصار يعانى من العزلة؛ لذا يشبه نفسه بعصفور منفرد على سطح منزل ليس معه أحد، ولا يشعر به أحد، خاصة وأن هذا العصفور يقصد به عصفور “الدورى” الذى يقف وحده على أسطح المنازل فى الجو البارد.
- هاتان الآيتان ترمزان للمسيح الذى جاز المعصرة وحده واحتمل كل الآلام عنا على الصليب، مثل القوق والبوم التى هى من الطيور النجسة الحزينة؛ لأنه حمل نجاساتنا وأحزاننا ، وكان وحده فى الآلام وتركه الجميع، فكان مثل العصفور المنفرد.
ع8: الْيَوْمَ كُلَّهُ عَيَّرَنِي أَعْدَائِيَ. الْحَنِقُونَ عَلَيَّ حَلَفُوا عَلَيَّ.
الحنقون : المغتاظون بشدة.
حلفوا علىَّ : تحالفوا علىَّ؛ أى اتفقوا على الإساءة إلىَّ وأقسموا على ذلك.
- احتمل أيضاً هذا المسكين تعييرات من الأعداء، واتفق عليه كثيرون من الذين اغتاظوا منه لبره. وهكذا استمروا طوال اليوم؛ أى باستمرار كانوا يضايقونه بكلمات صعبة، ويؤكدون أنهم سيسيئون إليه.
- هذه الآية تنطبق على المسيح الذى احتمل تعييرات كثيرة من اليهود، واغتاظوا منه، وأساءوا إليه بالجلد والصلب.
ع9: إِنِّي قَدْ أَكَلْتُ الرَّمَادَ مِثْلَ الْخُبْزِ، وَمَزَجْتُ شَرَابِي بِدُمُوعٍ،
يعبر كاتب المزمور عن مدى آلامه وتذلله أمام الله؛ إذ وضع الرماد على رأسه كعادة القدماء، وعندما أكل الطعام سقط الرماد من على رأسه وامتزج بطعامه؛ أى كان في تقشف وذل كثير. وعندما كان يشرب الماء، أو أى مشروب آخر وهو في أحزانه الشديدة كانت تسيل دموعه، وتسقط في شرابه، ويشرب شرابه ممتزجاً بدموعه. كل هذا يبين مدى آلامه.
ع10: بِسَبَبِ غَضَبِكَ وَسَخَطِكَ، لأَنَّكَ حَمَلْتَنِي وَطَرَحْتَنِي.
كل الآلام التى مرت بكاتب المزمور، شعر أنها بسماح من الله. فالله غضب عليه غضباً شديداً، فحمله وطرحه، فعانى من آلام؛ نتيجة إلقائه على الأرض. وهذا يبين مدى إيمانه وقبوله الآلام من يد الله، فشعر أنها تأديب له؛ ليتوب ويزهد العالم. والله رفع داود إلى عرش الملك، ولكن سمح له أن يقوم عليه ابنه الذى طرده، وحاول قتله، ولكن لما صلى داود أعاده الله إلى عرشه.
ع11: أَيَّامِي كَظِلّ مَائِل، وَأَنَا مِثْلُ الْعُشْبِ يَبِسْتُ.
- يشعر كاتب المزمور بضعفه، ويشبه حياته بظل مائل على الأرض. هذا الظل كلما اقترب وقت الغروب يزداد طولاً؛ أى يكبر الإنسان في السن، ولكن بعد اختفاء الشمس يزول تماماً، أى تنتهى الحياة، فهو يرى أن حياته ستنتهى. وأيضاً يعبر عن آلامه بأنه قد قارب الفناء، فيشبه نفسه بعشب قد اقتلع من جذوره التى في الأرض، وبدأ يجف، وبالتالى قد اقترب من فقدان حيويته؛ أى يصير حطباً؛ هكذا حياة كاتب المزمور.
- هذه الآية تنطبق على المسيح الذى كانت حياته قصيرة على الأرض، وانتهت بصلبه، واحتمل كل الآلام حباً فينا.
إن كنت تعانى من آلام، فكن أميناً مع الله، متمسكاً بوصاياه، وثق أن آلامك غالية جداً عند الله، وسيكافئك عنها فى الملكوت.
(2) الله يخلص المساكين (ع12-22):
ع12: أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَى الدَّهْرِ جَالِسٌ، وَذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
- إن كان كاتب المزمور كإنسان ضعيف، وعمره قصير، ولكن الله عظيم، وممجد، وجالس على عرشه، ويذكره السمائيون، وأولاده على الأرض من جيل إلى جيل يمجدون اسمه. فإن كان الإنسان متألم وضعيف على الأرض، ولكنه سيسعد برؤية الله، ويمجده فى السموات. وهذا يبين إيمان كاتب المزمور بالحياة الأبدية، وأمجادها، وهذا يساعده على احتمال آلام الأرض المؤقتة.
- إن كانت حياة المسيح على الأرض امتلأت آلاماً ومات ميتة شنيعة بالصلب، ولكنه ممجد فى السموات إلى دهر الدهور.
ع13: أَنْتَ تَقُومُ وَتَرْحَمُ صِهْيَوْنَ، لأَنَّهُ وَقْتُ الرَّأْفَةِ، لأَنَّهُ جَاءَ الْمِيعَادُ.
صهيون : أهم التلال الخمسة التى تقوم عليها مدينة أورشليم، وترمز للمدينة المقدسة.
- يظهر كاتب المزمور رجاءه فى الله القوى الجالس إلى الأبد على عرشه، فيتحنن فى الميعاد عندما تكمل الأزمنة ويعيد شعبه من السبى. فهو يقوم لنجدة شعبه بعد احتمالهم التأديب، ليحررهم من عبوديتهم، ويعيدهم إلى بلادهم، ليبنوا الهيكل، ويعبدوه فيه؛ محققاً بذلك كلام النبوات (اش40: 2؛ إر29: 10؛ حب2: 3).
- تشير هذه الآية إلى فداء المسيح فى ملء الزمان، وقيامته؛ ليقيم أولاده فيه، ويخلصهم من خطاياهم.
- تشير أيضاً هذه الآية إلى القيامة الأخيرة بعد يوم الدينونة، حين يتراءف على أولاده المؤمنين، ويعوضهم عن كل أتعابهم على الأرض.
ع14: لأَنَّ عَبِيدَكَ قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا، وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا.
- عبيد الله هم اليهود المؤمنون بالله، المتمسكون بعبادته، قد ذهبوا إلى السبى، ولكنهم مازالوا يشتاقون إلى حجارة الهيكل المنهدم فى أورشليم؛ ليبنوه من جديد. وحنوا أيضاً إلى تراب أورشليم ليعيدوها إلى بهائها الأول، فهم بهذا يستدرون مراحم الله، وعطفه؛ ليساعدهم على بناء الهيكل وأورشليم من جديد.
- فى هذه الآية “عبيد الله” يرمزون للرسل الذين سروا بحجارة الكنيسة، أى المؤمنين، وحنوا إلى ترابها، أى إلى البعيدين الذين يسلكون بسلوك ترابى أرضى ليبشروهم، ويجذبوهم إلى الكنيسة.
ع15: فَتَخْشَى الأُمَمُ اسْمَ الرَّبِّ، وَكُلُّ مُلُوكِ الأَرْضِ مَجْدَكَ.
عندما ترى الأمم عناية الله بشعبه فى إعادتهم من السبى ومساعدتهم على بناء الهيكل وأورشليم، يؤمنون بقوة الله إله إسرائيل، ويخافونه هم وملوكهم، بل يقبلون على الإيمان، وهذا ما حدث فى المسيحية عندما آمنت الأمم، وصارت كنائس قوية على يد الرسل، وخاصة بولس الرسول.
ع16: إِذَا بَنَى الرَّبُّ صِهْيَوْنَ يُرَى بِمَجْدِهِ.
- آمن كاتب المزمور بأن صهيون ستبنى، فيظهر مجد الله الذى شيدها بواسطة أولاده المؤمنين به، فيجذب هذا العمل العظيم الأمم للإيمان.
- عمل الله فى بناء أولاده المؤمنين يمجد الله، فيؤمن الكثيرون من البعيدين. هذا ما يحدث فى الكنيسة كل يوم.
ع17: الْتَفَتَ إِلَى صَلاَةِ الْمُضْطَرِّ، وَلَمْ يَرْذُلْ دُعَاءَهُمْ.
يتكلم هنا كاتب المزمور بصيغة الماضى عن الله أنه التفت إلى صلاة المضطر، وهو المؤمن بالله الذى فى ضيقة، وليس أمامه إلا الالتجاء لله، واهتم بطلبته، ولم يهملها، وساعد أولاده المسبيين، وأعادهم إلى أورشليم، وبنوا الهيكل والمدينة. فهذا يبين مدى إيمان كاتب المزمور باستجابة الله التى ستحدث.
ع18: يُكْتَبُ هذَا لِلدَّوْرِ الآخِرِ، وشَعْبٌ سَوْفَ يُخْلَقُ يُسَبِّحُ الرَّبَّ:
يعلن كاتب المزمور بروح النبوة حقيقة عظيمة، أنه ليس فقط سيعود شعب الله من السبى ويبنى ثانية الهيكل فى أورشليم، ولكن سيخلق شعب يسبح الرب فى الأجيال التالية، أى الدور الآخر، ويقصد فى ملء الزمان عندما يفدى المسيح البشرية، ويؤسس كنيسته بروحه القدوس، فتسبحه تسبيحاً جديداً، حول ذبيحة جديدة؛ هى ذبيحة نفسه (جسده ودمه).
ع19، 20: لأَنَّهُ أَشْرَفَ مِنْ عُلْوِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ نَظَرَ، لِيَسْمَعَ أَنِينَ الأَسِيرِ، لِيُطْلِقَ بَنِي الْمَوْتِ،
الله الحنون انشغل منذ الأزل بأولاده الذين سقطوا فى الخطية، ولكنهم مؤمنون به، وينتظرون خلاصه، وفى ملء الزمان أشرف، ونظر من السماء، أى اهتم بأولاده، وأظهر محبته نحوهم بتجسده وفدائه، إذ سمع أنينهم وتوجعهم من تحكم إبليس فيهم، وحكم الموت الذى صدر عليهم، بل ضيقهم من الجحيم الذى دخلوا إليه، فمد يده وخلصهم، وأصعدهم إلى الفردوس، بعد أن تمم فداءهم على الصليب.
ع21، 22: لِكَيْ يُحَدَّثَ فِي صِهْيَوْنَ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَبِتَسْبِيحِهِ فِي أُورُشَلِيمَ، عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّعُوبِ مَعًا وَالْمَمَالِكِ لِعِبَادَةِ الرَّبِّ.
بعد أن آمن الكثيرون فى العالم كله بالمسيح الفادى، قدموا لله التسابيح فى أورشليم، أو صهيون الجديدة، أى الكنيسة. وأعلن اسم الرب يسوع المسيح، وقُدمت له التسابيح، إذا اجتمعت حوله الشعوب التى آمنت به.
الله مستعد مهما أخطأت أن يغفر خطاياك، ويعيد بناء حياتك الروحية، فترجع، وتقدم له الشكر والتسبيح، وتتمتع ليس فقط بعشرتك الأولى معه، بل تختبر أعماقاً جديدة فى محبته.
(3) المسكين يمجد الله (ع23-28):
ع23، 24: ضَعَّفَ فِي الطَّرِيقِ قُوَّتِي، قَصَّرَ أَيَّامِي. أَقُولُ: «يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي. إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ.
ضعف : أضعف، أى جعلها ضعيفة.
يعبر كاتب المزمور عن الآلام التى يعانيها كإنسان، فتجعله ضعيفاً، ويشعر أن جسده لا يقوى أن يكمل أيامه على الأرض؛ لذا يطلب من الله أن يطيل أيامه، ولا يجعل الآلام تقصرها؛ إذ هو مشتاق أن يرى خلاص الله الذى سيتم فى ملء الزمان، والذى وعد به الله على فم الأنبياء، أى تجسد المسيح وفدائه. ويقول لله أنك دائم إلى الأبد فأطل عمرى وأعطنى أن أحيا أمامك؛ حتى أرى وأتمتع بهذا الخلاص. فواضح أن خلاص المسيح كان يشتاق إليه كل المؤمنين فى العهد القديم، كما عبر بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين عن ذلك بقوله أنهم “من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها” (عب11: 13) أى كانوا مشتاقين إليها.
ع25-28: مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ، وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ.
- يعلن كاتب المزمور فى هذه الآيات أن الله هو الأزلى الذى خلق السماء والارض وكل ما فيها. وأن كل الماديات التى فى العالم ستفنى، وأما البشر فيغيرهم الله إلى أجسام روحية تخلد مع أرواحهم إلى الأبد. وإن كانت المخلوقات المادية تفنى، ولكن الله خالقها يدوم إلى الأبد، ويدوم معه أولاده وعبيده المؤمنون به، وكل نسلهم الذى عاش حياة روحية مثلهم مع الله. كل هؤلاء يخلدون، ويتمتعون بملكوت السموات من الله.
- وهكذا نرى بداية المزمور يتحدث الكاتب عن الآلام التى يعاينها البشر حتى المؤمنين بالله، ولكن يختم المزمور بسعادة عظيمة ينالها أولاد الله عوض كل أتعابهم على الأرض؛ لأنهم آمنوا بالله وأحبوه.
ليت عينيك ترتفع إلى السماء كل يوم ولو دقائق؛ لتتذكر أن هدفك الوحيد من هذه الحياة هو الوصول إلى السماء؛ حتى تحيا باستقامة قلب ونقاوة فى هذا اليوم، فتبتعد عما يعثرك، وإن سقطت تعود سريعاً بالتوبة إلى الله؛ لتظل رافعاً عينيك نحو السماء.