المتضع ينتصر على الجبار
“أنا صغيراً كنت في إخوتى وحدثاً في بيت أبى كنت راعياً غنم أبى” ع1
مقدمة :
- كاتبه : داود النبى كما تذكر مقدمة الترجمة السبعينية إذ تقول “هذا مزمور لداود مكتوب بيده بعد خروجه منتصراً من حربه مع جليات”.
- متى كتب ؟ بالتأكيد بعد أن مسحه صموئيل النبى ملكاً وهو في بيت أبيه، وبعد انتصاره على جليات الجبار، وإن كان غير معروف بالضبط زمن كتابته.
- يوجد هذا المزمور في الترجمات السبعينية والقبطية والفاتيكانية والحبشية والسريانية. ولا يوجد في الترجمة العبرية، إذ لم يجمع عزرا هذا المزمور وغيره من أسفار الكتاب المقدس، مثل طوبيا ويهوديت، ولكنه موجود في النسخ القديمة للكتاب.
- يوجد أيضا هذا المزمور في النسخ القديمة للكتاب المقدس، مثل النسخة السينائية والإسكندرانية.
- أشار القديسون الأوائل إلى هذا المزمور، مثل القديس أثناسيوس الرسولى والقديس يوحنا ذهبى الفم.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ لأن داود يرمز للمسيح، فكما كان داود راعياً للغنم، هكذا المسيح ولد باتضاع في المزود، وعمل كنجار. وكما كان إخوة داود حسان وكبار؛ هكذا أيضاً كان البشر فيهم عظماء كثيرون، لكن الآب لم يسر إلا بالإبن الوحيد يسوع المسيح. وكما انتصر داود على جليات انتصر المسيح على الشيطان في التجربة على الجبل، ثم قيده بالصليب.
- هذا المزمور ليتورجى يستخدم في الصلوات الطقسية في الكنيسة، بل له أهمية خاصة في طقس الكنيسة، إذ تفتح به صلوات القيامة، فهو أول صلاة من صلوات سبت الفرح، الذى يعدنا للاحتفال بقيامة رب المجد يسوع المسيح، وله لحنه الخاص الجميل، ويصاحبه طقس بديع، وهو أن يمسك الكاهن بسفر المزامير الملفوف بكتان أبيض، ويخلع غطاء رأسه (الطيلسانه) احتراماً وتوقيراً لهذا المزمور، ثم يدور بعد أن يصليه في الكنيسة كلها، ثم يعود أمام الهيكل.
- لا يوجد هذا المزمور في صلوات الأجبية.
(1) الراعى يصير ملكاً (ع1-5):
ع1: انا صغيرا كنت في اخوتي، وحدثا في بيت ابي، كنت راعيا غنم ابي.
حدثاً : صغيراً.
- يصف داود نفسه بأنه كان الصغير بين أبناء يسى أبيه. إذ كان له سبعة إخوة أكبر منه، وهو الثامن. وكان يرعى غنم أبيه وهى الحرفة الشائعة بين اليهود. أما إخوته الكبار آليآب وأبيناداب وشمة فكانوا رجالاً أقوياء، خرجوا للحرب ضد الفلسطينيين (1صم17: 13).
- وصف داود نفسه بالأصغر وراعى الغنم تبين اتضاعه، وفى نفس الوقت تظهر تعلمه الأبوة والمحبة والرعاية من خلال رعاية الغنم، فتأهل بهذا ليكون راعياً لشعبه عندما تملك عليهم.
ع2: يداي صنعتا الارغن، واصابعي الفت المزمار. هلليلويا.
الأرغن : بوصة مفرغة طويلة ، وقد تكون مزدوجة وفيها ثقوب وهى من آلات النفخ، وتشبه المزمار ولكنها أطول منه.
المزمار : قطعة من البوص بها ثقوب وتصدر صوتاً بالنفخ مع تحريك الأصابع فوق الثقوب.
- اعتاد الرعاة أثناء جلوسهم ورعايتهم للغنم في المرعى أن يستخدموا المزمار، أو الناى. وكان داود بارعاً في استخدام الآلات الموسيقية؛ حتى أن شاول الملك اختاره؛ ليعزف أمامه، فتهدأ نفسه المنزعجة من الشياطين (1صم16: 23).
- من محبة داود للتسبيح صنع بيديه الأرغن الذى يضرب عليه الموسيقى، وألف المزامير ولحنها، وكان يرددها ويضرب الموسيقى على آلات؛ الأرغن والمزمار، التى تعود العزف عليها.
- تنتهى الآية بكلمة هللويا تعبيراً عن الفرح والتهليل بتسبيح الرب الذى يبارك المتضعين، ويستحق التمجيد الدائم.
ع3: من هو الذي يخبر سيدي، هو الرب الذي يستجيب للذين يصرخون اليه.
عندما غنت النساء لداود بعد قتله جليات، دبت الغيرة فى قلب شاول الملك، وحاول قتله؛ حتى أنه هرب منه، وطارده شاول؛ حتى مات شاول فى الحرب. ولذا يتساءل داود فى هذه الآية ويقول، من هو الذى يخبر سيدى الملك شاول أنى أحبه وخاضع له، خاصة وأن محبة داود ظهرت أثناء مطاردة شاول له، إذ سقط شاول مرتين تحت يد داود، ولم يمسه بأذى. وقد يكون المقصود بسيدى الرب، أى من يخبر الرب أنى أحب شاول، فيجيب داود على نفسه ويقول الرب نفسه هو القادر وحده أن يخبر شاول ويعرفه أنى أحبه؛ لأن الرب يستجيب للذين يصرخون إليه، وداود كان يصلى ويصرخ إلى الله من أجل هذا الأمر. وهذه الآية تبين مدى معاناة داود من اضطهاد شاول له، وتظهر أيضاً إيمان داود بالله ومحبته للصلاة.
ع4: هو ارسل ملاكه، وحملني (واخذني) من غنم ابي ومسحني بدهن مسحته. هلليلويا.
- الرب أرسل ملاكه وأخذ داود، وحمله، ورفعه من رعاية الغنم، ومسحه بدهن المسحة كملك، وهو مازال فى بيته أبيه يسى (1صم16: 13). والملاك الذى أخذ داود ومسحه هو صموئيل النبى؛ لأن كلمة ملاك تعنى مرسل، فالله أرسل صموئيل ومسح داود بيد صموئيل. فداود يمجد الله الذى يرفع البائس من المزبلة ويجلسه مع رؤساء شعبه (مز113: 7).
- المسيح الذى يرمز إليه داود ولد باتضاع فى المزود، ومسح بالروح القدس عند عماده، والمؤمنون بالمسيح يمسحون بزيت الميرون بعد معموديتهم، فيصيروا أعضاء فى جسد المسيح؛ ليثبتوا فيه.
ع5: اخوتي حسان وهم اكبر مني والرب لم يسر بهم.
كان إخوة داود أكبر منه، ومنظرهم جميل وعظيم؛ حتى أن صموئيل النبى أعجب بالإبن الاكبر ليسى وهو آليآب، وظن أنه المقصود من الله ليكون ملكاً، ولكن الرب نبه صموئيل أن الإنسان ينظر إلى العينين أما الرب فإنه ينظر إلى القلب (1صم16: 7). ومن أجل نقاوة قلب داود اختاره الله، وسر به، بل وشهد عنه أن قلبه مثل قلب الله (أع13: 22).
الله يحب المتضعين؛ لأنهم لا يسرقون مجده؛ لذا اتضع امام الله في صلواتك، وليظهر تواضعك أيضاً أمام الناس. وإذ تثبت في الاتضاع تنال بركات الله الوفيرة.
(2) الانتصار على جليات (ع6-8):
ع6، 7: خرجت للقاء الفلسطيني فلعنني باوثانه. ولكن انا سللت سيفه الذي كان بيده، وقطعت راسه.
- وقف جليات الفلسطينى يعير صفوف شعب الله أربعين يوماً، متحدياً أن يستطيع أحد أن يبارزه. والكل في خوف من ضخامة جسمه، ولكن داود الصغير المتكل على الرب تقدم في شجاعة، وبيده عصا ترمز للصليب، وداود يرمز للمسيح الداخل في معركة مع الشيطان، وهزمه بالصليب. وكان جليات يلعن داود بآلهته الوثنية، واحتقر شاول داود. أما داود فلم يخف منه.
- رمى داود جليات بحجر، والحجر يرمز للمسيح حجر الزاوية، فاصطدم وانغرس في جبهة جليات وسقط على وجهه. فأسرع داود الشجاع، وجرى ووقف على ظهر جليات الساقط على وجهه على الأرض، وأخذ سيفه (جليات)، وقطع به رأسه، ورفع رأسه في يده، فخاف الفلسطينيون وهربوا، وتتبعهم بنو إسرائيل وانتصروا عليهم.
- وهكذا أيضاً ضرب المسيح الشيطان بالصليب، وبموته على الصليب داس الموت الذى تسلط به الشيطان على كل بنى البشر في العهد القديم. ولكن بفداء المسيح وموته حررهم، وقيد الشيطان، ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب، ورفع آدم وبنيه المؤمنين بالله إلى الفردوس. فكما قتل داود جليات بسيفه (جليات) هكذا المسيح قيد الشيطان بموته على الصليب؛ هذا الموت الذى تسلط به الشيطان على بنى البشر.
ع8: ونزعت العار عن بني اسرائيل. هلليلويا.
- كان الشيطان متملكاً على البشر من أجل خطاياهم، فكانوا جميعاً ينزلون إلى الجحيم بعد الموت، ولكن المسيح بموته على الصليب نزع العار عن إسرائيل الجديد، أى المسيحيين المؤمنين بالفداء، وجعل العار على الشيطان، فصار في خزى أمام أولاد الله المؤمنين. وهكذا عاش المؤمنون في العهد الجديد في فرح ومجد، مستندين على داود الجديد؛ أى المسيح؛ حتى يكمل فرحهم معه في الملكوت.
- ينتهى المزمور بكلمة هللويا التى نعبر بها عن فرحنا وتهليلنا بالله الذى ينصرنا على الشيطان.
تذكر دائماً قوة الله التى تساندك، وارشم ذاتك بعلامة الصليب عندما تحارب بخطية، أو تمر في ضيقة، وثق أن الله قادر ان يخرجك منها بسلام وقوة.