الرب هو المعين والحافظ
ترنيمة المصاعد
“أرفع عينى إلى الجبال من حيث يأتى عونى” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : لا يوجد في عنوان المزمور اسم لكاتب المزمور، فهو من المزامير اليتيمة الغير معروف كاتبها.
- هذا المزمور كان يتلى على الدرجة الثانية بعد المزمور السابق أثناء الصعود، فهو من ترانيم المصاعد كما يذكر العنوان.
- بعد أن أظهر المزمور السابق غربة الإنسان الروحى الذى يطلب الله، يبين هذا المزمور الله الذى يعين أولاده، ويحفظهم في كل خطواتهم، فهو يناسب كل إنسان في ضيقة، أو يتوقع ضيقة مقبلة عليه؛ حتى يثبت إيمانه بالله.
- هذا المزمور ليتورجى كان الصاعدون يرنمونه بالمرابعة بين المجموعات الصاعدة فمجموعة ترنم (ع1، 2)، ثم مجموعة أخرى ترنم (ع3، 4) ثم بعد هذا يرنمون ع(5-8).
- يوجد هذا المزمور بالأجبية بصلاة الغروب؛ حيث يرفع المصلى عينيه إلى الله قبل أن تغرب شمس حياته طالباً معونته، وحفظه في الساعات الباقية قبل أن ينام، ليس فقط في هذه الليلة، بل باقى أيام حياته.
(1) الرب المعين (ع1، 2):
ع1: أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي!
- كان الصاعد إلى أورشليم وهيكلها يرفع عينيه إلى الجبل الذى يرتفع نحو السماء، حيث مسكن الله القادر أن يعين الإنسان في كل خطواته، فيتشدد ويحتمل آلام وتعب الصعود.
- الجبل يرمز للقديسين الذين يرتفعون بحياتهم إلى السماء، فهم قدوة لنا بحياتهم لنتمثل بهم، فنجد معونة الله فى حياتنا مثلهم.
- الجبل يرمز للمسيح القوى الجبار، الذى نزل من السماء ليرفعنا إلى العلو بالإيمان به، ومعونته.
ع2: مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
- يشعر كاتب المزمور أن معونته من عند الرب خالق السموات والأرض، الذى بيده كل شئ، ولا يصح أن ينظر إلى أحد غيره؛ لأنه هو ضابط الكل. فمعونة الإنسان هى من الله، وإن سمح لأحد أن يعين الإنسان، فالله هو الذى يعمل به.
- عندما أخطأ بنو إسرائيل، وعبدوا الأوثان، وابتعدوا عن الله، وانشغلوا بالشهوات، دخلوا في ضيقة السبى، ولما رجعوا إلى الله أعادهم من السبى؛ لأن الله وحده هو المعين.
كلما رفعت عينيك إلى السماء، واتكلت على الله ترتفع تدريجياً عن الشهوات الأرضية، وهم هذا العالم، فحينئذ تنال السلام الداخلى، بالإضافة لبركات وفيرة.
(2) الله الحافظ (ع3-8):
ع3، 4: لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ. إِنَّهُ لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ.
- الله يحفظك حتى لا تزل، والمقصود بالزلل هو السقوط والإصرار على السقوط، أى عدم التوبة. وهذا يأتى من الكبرياء، أو عكسه صغر النفس، الذى يؤدى إلى اليأس. أما من يتوب فمهما زل وسقط فالله الحنون يقبله. فالمؤمن بالله، ويتكل عليه لا يبقى في الزلل، أو اليأس؛ لأنه ينظر إلى الرب حافظه فينقذه مهما سقط.
- إن الرب يختلف عن كل البشر في أنه لا ينعس ولا ينام، أما كل البشر فمهما كانت قوتهم، أو محبتهم لك فهم ضعفاء ينعسون ويتغافلون عنك، فلا يستطيعون أن يحفظوك؛ لذا فمن الجهل الاعتماد عليهم، لكن الرب حارس إسرائيل، أى حارس شعبه هو وحده القادر أن يحفظك.
ع5: الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى.
- الرب يظلل على الإنسان أثناء الضيقات، فيعينه فيها، والتى ترمز إليها أشعة الشمس الحارقة. ويظلل على الإنسان المجاهد إن سقط ليقيمه ويتوب. وبهذا الظل يحنو على أولاده، كما تحنو الدجاجة على فراخها، حتى يشجعهم في جهادهم الروحى.
- يظلل على اليد اليمنى وهى ترمز إلى الأعمال الصالحة، وهى الصلوات المرفوعة أمام الله، وأعمال الخير، وكل خدمة روحية، فيشجع أولاده عليها، ويسندهم ضد مكايد إبليس.
- إن كان ظل بطرس يشفى الأمراض ( أع 5 : 15) فكم بالأحرى ظل المسيح يشفى ويسند في كل الأمراض الروحية والجسدية.
ع6: لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ.
- الله الذى يحفظ أولاده يحفظهم من ضربات الشمس التى ترمز للتجارب، وحروب الشيطان الواضحة، فيسند الله أولاده، ويصد عنهم هذه الهجمات، طالما هم متمسكون به، يطلبون معونته.
- الرب يحفظ أيضاً أولاده من ضربات القمر، فيقولون أن ضوء القمر يؤذى في الصحارى الساكنين فيها إن لم يحترسوا. وضربات القمر ترمز لضربات الشيطان الخبيثة المخادعة، ولكل خطية تعمل في الظلام خوفاً من أعين الناس. والخلاصة أن الله يحمى أولاده ليلاً ونهاراً، وطوال حياتهم؛ لأنهم اتكلوا عليه.
ع7: الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ.
الرب يحفظ أولاده من كل شر كبيراً أو صغيراً، ويحفظ نفوسهم في الإيمان به، ثابتين في وصاياه ؛ حتى لو لم يرفع الضيقة، ولكن يعطيهم نعمة، ويختبروه بعمق أثناء الضيقة. بل يتجلى عمله بقوة إن استبقى الضيقة، كما حفظ الثلاث فتية داخل الأتون، فلم يطفئه، بل ظهر لهم، وتمشى معهم، فسبحوه.
ع8: الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ.
- الرب يحفظ دخولك إلى العالم، وخروجك منه، أى يحفظك طوال حياتك. ويحفظك أيضاً عند دخولك إلى الكنيسة من خلال المعمودية، ويحفظ خروجك إلى ملكوت السموات. وكذلك يحفظك في خروجك من شهوات العالم، ودخولك إلى علاقة عميقة مع الله، تبدأ الآن وتستمر إلى الأبد في السموات.
- هذه الآية نبوة عن المسيح في دخوله للعالم بالتجسد وخروجه بالقيامة والصعود.
إن كان الرب يحفظك في كل أطوار حياتك، وطوال عمرك، فاطمئن، وإلقى همك عليه؛ لتتمتع بعنايته،و تتفرغ للتأمل فيه، والتمتع بعشرته.