الله الحى والأوثان الميتة
“ليس لنا يا رب ليس لنا لكن لاسمك اعط مجداً … ” (ع1)
مقدمة:
- كاتبه : غير معروف فلا يوجد عنوان لهذا المزمور، ويعتبر من المزامير اليتيمة الغير معروف كاتبه. وتوجد آراء كثيرة فى كاتب هذا المزمور، فيرى البعض أنه :
أ – موسى النبى.
ب – داود النبى.
جـ- مردخاى.
د – الثلاثة فتية.
هـ- حزقيا الملك.
- متى كتب ؟ يمكن أن يكون فى أحد الأزمنة السابقة، أى أيام موسى، أو داود، أو أثناء السبى. ويرى البعض أنه كتب بعد الرجوع من السبى للصلاة به فى الهيكل كتشجيع لليهود الراجعين.
- يوجد تشابه بين هذا المزمور وسابقه فى أنهما يتحدثان عن الله القادر على كل شئ، والذى يحمى شعبه ويباركه.
- توجد علاقة بين هذا المزمور والمزمور التالى له حيث أن هذا المزمور يطلب معونة الله ويتكل عليه ويدعو لتسبيحه، أما المزمور التالى، ففيه شعب الله المنتصر يسبحه.
- يناسب كل إنسان في ضيقة أن يلتجئ لله بترديد هذا المزمور، ويتكل عليه.
- يناسب هذا المزمور أبناء الله عندما يتعرضون للضيقة، فيتكلون على الله، ويطلبون بركته؛ لينصرهم على الأعداء.
- يعتبر هذا المزمور ليتورجى، إذ كان يردده الشعب بالتناوب مع اللاويين والكهنة.
- تصلى أجزاء من هذا المزمور وهى (ع16-18) في تجنيز الرجال والنساء؛ لأنها تعبر عن أهمية التسبيح طوال الحياة.
- لا يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية.
(1) من هو الله (ع1-3)
ع1: لَيْسَ لَنَا يَا رَبُّ لَيْسَ لَنَا، لكِنْ لاسْمِكَ أَعْطِ مَجْدًا، مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ.
- يعلن كاتب المزمور باتضاع عدم استحقاقه لأى نعمة، أو بركة لكثرة خطاياه.
- يبين أن سبب رعاية الله واهتمامه بشعبه يرجع إلى أمرين :
أ – رحمته الغير محدودة على كل البشر، وخاصة أولاده المؤمنين.
ب – أمانته فى أبوته ووعوده لشعبه.
ع2، 3 : لِمَاذَا يَقُولُ الأُمَمُ: «أَيْنَ هُوَ إِلهُهُمْ؟ ».إِنَّ إِلهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ.
- تشكك الأمم أولاد الله في وجوده وقدرته، كما فعل ربشاقى الأشورى مع حزقيا الملك (أش36: 18-20؛ 37: 10-13) والأخطر أن يتشكك الإنسان مع نفسه في قوة الله. كل هذه محاولات من الشيطان ليفصلناعن الله، فلا نتمتع بحمايته لنا. ويشككنا أيضاً بأنه في السماء بعيداً عنا ولا يشعر بنا.
- تعلن (ع3) حقيقة إيمان أولاد الله به أن إلهنا قوى، ويسمو عن كل المخلوقات التى على الأرض، وقادر على كل شئ، فيصنع ما يشاء، وبالتالى هو قادر على حماية شعبه. وهذا ما طمأن به أشعياء النبى حزقيا الملك، وقتل ملاك الله جيش سنحاريب، وهرب الباقون(إش 37 : 33-38).
التأمل فى عظمة الله وقوته، وأعماله الكثيرة مع أولاده، بل وفى حياتنا الخاصة يثبت إيماننا فلا ننزعج من تقلبات الحياة، أو تشكيكات الشيطان الكاذبة.
(2) ما هى الأصنام (ع4-8)
ع4: أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ.
- هذه الأصنام التى يعبدها الوثنيون سواء الصور، أو التماثيل المصنوعة من الحجارة والأخشاب، أو حتى المصنوعة من الفضة والذهب؛ كلها عمل أيدى الناس، وبالتالى فهى ليست آلهة، بل مصنوعات صنعها الناس، فهى أقل من أى مخلوق خلقه الله.
- الأصنام فى حياتنا الآن هى ما نتعلق به فى الحياة من ماديات، مثل المال والمقتنيات والعلاقات .. وكلها زائلة.
- صور القديسين المصنوعة من فضة أو ذهب، أو أية مادة هى مقدسة؛ لأن أصحابها حياتهم مقدسة، ونتذكرهم بهذه الصور لنكرمهم من أجل الله الذى عاشوا له بأمانة، ونقتدى بهم، وهذا يفرح قلب الله.
ع5-7: لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا.
الأصنام تصور على شكل بشر، أو حيوانات، ولكنها أضعف وأحقر بكثير منها، فهى وإن كان لها شكل أفواه فهى عاجزة عن الكلام، ولها شكل عيون ولكنها عاجزة عن البصر، ومنظر الآذان لا يعطيها قدرة على السمع، وإن كان لها أنوف، فهى لا تستطيع الشم. وإن كان لها شكل الأيدى والأرجل فهى عاجزة عن اللمس والمشى، ولا تنطق رغم أن لها حناجر، فأصغر حيوان قادر أن يحدث أصواتاً، أو يمشى أو يعمل حركات تعجز عنها الأصنام، فبالطبع لا يمكن أن تكون آلهة.
ع8: مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا.
- إن كانت الأصنام عاجزة وضعيفة وحقيرة، فكل من يتعلق بها سواء من يصنعها، أو يعبدها، ويتكل عليها يصير مثلها ضعيفاً وحقيراً، بل وزائلاً مثلها، ويصير قاسى القلب مثل هذه الأصنام الحجرية. وهكذا ينحط الإنسان وينفصل عن الله بعبادة الأصنام.
- وعلى العكس فمن يعبد الله يصير مثله فى النقاوة والحب والكمال والقداسة والخلود.
لا تتعلق بماديات العالم الزائلة وشهواته؛ لئلا تسبى قلبك وتستعبدك وتبعدك عن الله. إنك أعظم منها، فاستخدمها لمجد الله وإلهك قادر أن يوفرها لك بقدر ما تحتاجها.
(3) الاتكال على الرب (ع9-11)
ع9-11: يَا إِسْرَائِيلُ، اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. يَا مُتَّقِي الرَّبِّ، اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ.
مجنهم : المجن هو الترس الكبير. وهو آلة دفاعية عبارة عن قطعة خشبية لها عروة من الخلف، يدخل فيها الجندى يده، ويحركها أمام رأسه وجسده ليحميه من السهام.
- يدعو كاتب المزمور جميع شعب الله للاتكال عليه؛ لأنه هو معينهم فى كل ضيقاتهم، ويدافع عنهم أمام أعدائهم، فينتصروا عليهم. ويخص بالأكثر الكهنة والخدام عندما يقول “بيت هارون” ثم يؤكد أن الله معين ومدافع عن أتقياء الرب، أى من يخافونه؛ بمعنى أن شعب الله كله مدعو للاتكال عليه، وبالأكثر الكهنة والخدام، ثم يتمتع بمعونة الله ودفاعه عنه أكثر من الكل هو من يخافه ويتقيه.
- يرى بعض المفسرين أن المقصود يمتقى الرب هم الأمم الذين خافوا الله وآمنوا به، وانضموا إلى شعبه فهؤلاء يعينهم الله، ويدافع عنهم مثل شعبه، بل وأكثر من شعبه على قدر مخافتهم وإيمانهم به.
- الله معين لأولاده فى كل جيل فى حروبهم ضد الشياطين، وهو أيضاً المدافع عنهم، فيصد عنهم هجمات كثيرة دون أن يشعروا، ويزيد من حمايته لمن يخدمونه وفوق الكل من يخافونه ويتقونه، فيحيون فى سلام وطمأنينة مهما كانت حروب الشياطين.
الاتكال على الرب هو السفينة التى نعبر بها فى بحر هذا العالم، مهما كان أمواجه عالية، ورياحه شديدة، فتتمتع داخل السفينة بعشرة الله الذى يحمينا. وإن كنا نرى بأعيننا حروب الشياطين، ولكنها تعجز عن أن تعطلنا عن الله، بل يستخدمها الله لنمونا الروحى.
(4) مباركة الرب (ع12-18)
ع12-14: الرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا فَيُبَارِكُ. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ. يُبَارِكُ مُتَّقِي الرَّبِّ، الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ. لِيَزِدِ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ، عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَبْنَائِكُمْ.
- الله يحب شعبه ويذكره لأنه في فكره دائماً، فيباركه، كما يبارك بركة خاصة خدامه الذين هم بيت هارون، وفوق الكل من يتقيه، سواء من اليهود، أو الأمم المنضمين إليهم. ويزيد بركته لهم، وأيضاً لأولادهم؛ ليسعد قلوب الآباء؛ لأن إلهنا سخى في العطاء والبركة، وسخاؤه على قدر تمسك أولاده بوصاياه، ومخافتهم له، ومحبتهم التى تظهر في خدمتهم لاسمه القدوس.
- الله يذكر أولاده حتى لو كانوا قليلين وضعفاء كما كانوا أثناء السبى، أو عند عودتهم ورجوعهم من السبى، فيباركهم، ويزيد عددهم وقوتهم. وكذا أيضاً في حروبهم مع الأعداء، كما كان مع جدعون، ويفتاح، وشمشون في عصر القضاة، وكما كان مع داود وسليمان، وأيضاً أيام المكابيين. ومازال حتى الآن يحمى كنيسته، ويباركها بقوته مهما كان عدد المؤمنين به قليلين، ولكنهم أقوياء بقوته. فهو يبارك ويزيد كل من يتقيه الصغار والكبار، بل يهتم بالضعفاء المتكلين عليه أكثر من الباقين.
- هذه الآيات العظيمة الثلاث كان الكاهن يرددها عند تقديم الذبائح في خيمة الاجتماع، أو هيكل سليمان؛ لتشمل البركة كل الشعب؛ وخاصة الكهنة والخدام ومن يتقون الرب.
ع15: أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
هذه البركة التى يهبها الله لأولاده تؤثر فيهم، وتجذبهم لمحبته، فيكونون مباركين للرب، فيحيون له، ويعبدونه بأمانة، ويشكرونه، بل ويخدموه من كل قلوبهم، خاصة وأنهم يؤمنون أن إلههم في يده كل شئ لأنه خالق الكل السماء والأرض. وهذه البركة يذكرها ملكى صادق لإبراهيم عندما باركه معلناً أن البركة له من الله خالق السماء والأرض، أى الذى في يده كل البركات (تك14: 19).
ع16-18: السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ، أَمَّا الأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ. لَيْسَ الأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ الرَّبَّ، وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ السُّكُوتِ. أَمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُ الرَّبَّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ. هَلِّلُويَا.
- الله هو خالق السماء والأرض، فهو يسمو عن كل شئ؛ لذا يعبر كاتب المزمور عن سمو الله بأنه يسكن السماء، وخلق الإنسان الأول في الفردوس، ولكن بعد السقوط أعطاه فرصة ليحيا على الأرض؛ ليظهر أمانته، ومحبته لله، فيعيده إلى السماء، ويتمتع بحرية مع الملائكة بعشرة الله ويسبحه إلى الأبد.
- الأرض فرصة للإنسان المؤمن أن يحيا مع الله ويسبحه، ليس فقط بلسانه، بل بقلبه وأعماله الصالحة؛ لأن من تنتهى حياته ويموت ويذهب إلى الجحيم (أرض السكوت)، كما كان يحدث في العهد القديم، ليس له فرصة أن يسبح أو يعمل أعمالاً صالحة.
- الذين يعيشون على الأرض وهم أموات بالخطايا لا يسبحون الله، ولا يحيون له، فيفقدون بركته التى تعينهم للحياة معه، ولا يصلون بالتالى إلى السموات.
أشكر الله كل يوم على بركاته ومعونته وحمايته لك، وارفع قلبك بالتسبيح له، فتتذوق حلاوة عشرته؛ حتى تقترب كل يوم من حياة الملائكة، وبركات السماء.