تمجيد عظمة الرب
تسبيحة. لداود
“أرفعك يا إلهى الملك وأبارك أسمك إلى الدهر والأبد” ع1
مقدمة :
- كاتبه : داود النبى كما يظهر من عنوان المزمور.
- هذا المزمور تسبيحه لله كما يظهر من العنوان. وكل آياته تسبح الله.
- هذا المزمور والمزامير التالية هى مزامير تسابيح، أى من المزمور 145 إلى المزمور 150. فسفر المزامير ينتهى بتسبيح الله، الذى هو الاستعداد والدخول إلى الأبدية.
- هذا المزمور مرتب على الأبجدية العبرية، وتبدأ كل آية بأحد الحروف الهجائية. وكل آية مكونة من قسمين، كما سيظهر عند شرح المزمور.
- هذا المزمور ليتورجى، أى كان يصلى فى العبادة اليهودية الجماعية. فيصلى مرتين فى النهار، ومرة فى المساء، أى ثلاث مرات كل يوم لتمجيد الله وتسبيحه.
- هذا المزمور يقتبس منه القداس الإلهى فى الكنيسة (ع15)، أى أنه يصلى فى العبادة الجماعية فى العهد الجديد.
- يبدأ هذا المزمور بتسبيح داود الله، وينتهى بتسبيح الخليقة كلها له، فالمزمور يدعو الكل لتسبيح الله.
- لا يوجد هذاالمزمور فى الأجبية.
(1) تسبيح الرب (ع1-7):
ع1، 2: أَرْفَعُكَ يَا إِلهِي الْمَلِكَ، وَأُبَارِكُ اسْمَكَ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ. فِي كُلِّ يَوْمٍ أُبَارِكُكَ، وَأُسَبِّحُ اسْمَكَ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.
- يشعر داود الملك أن الله هو الملك الحقيقى، وهو ملك الملوك؛ لذا يعلن خضوعه لله في أن يرفعه، ويباركه، ويسبحه، بل يعبر عن شعوره على الدوام كل يوم، أى طوال أيام حياته، بل على مدى اليوم كله في أفراحه، وأحزانه، في وقت الراحة ووقت الضيقة.
- يشعر داود بعلاقة خاصة بينه وبين الله، فيقول إلهى، فله دالة البنوة والمحبة القوية لله، وتسبيحه الدائم يستمر إلى الأبد. فهو إذ تمتع بالتسبيح على الأرض يشتاق للتسبيح الدائم بعد خلع الجسد، ليفرح إلى الأبد مع الله. ويفهم ضمنياً أن من لم يختبر التسبيح على الأرض لن يشتاق إلى التسبيح الدائم في السموات، أو لن يكون له نصيب في ملكوت السموات.
- تقرأ هاتان الآيتان في اليوم الثانى لعيد الصليب (18 توت) لأن المسيح ملك على الصليب؛ لذا نسبحه ونباركه لأنه الفادى والمخلص للبشرية. ويفهم من هذا أن هذا المزمور ليتورجى في الكنيسة، أى يستخدم في العبادة الجماعية.
ع3: عَظِيمٌ هُوَ الرَّبُّ وَحَمِيدٌ جِدًّا، وَلَيْسَ لِعَظَمَتِهِ اسْتِقْصَاءٌ.
استقصاء : كمال الفحص والبحث.
- تسبيح الله دائم إلى الأبد؛ لأن عظمته لا نهاية لها، لا يستطيع إنسان أن يستقصيها أو يصل إلى نهايتها.
- عندما يعظم داود الله يرفع عينيه إلى السماء فيتعلق بالسماويات، ويرتفع عن الشهوات الأرضية، ويتضع أمام الله الذى لا يصل إلى أعماق عظمته اللانهائية.
ع4-7: دَوْرٌ إِلَى دَوْرٍ يُسَبِّحُ أَعْمَالَكَ، وَبِجَبَرُوتِكَ يُخْبِرُونَ. بِجَلاَلِ مَجْدِ حَمْدِكَ وَأُمُورِ عَجَائِبِكَ أَلْهَجُ. بِقُوَّةِ مَخَاوِفِكَ يَنْطِقُونَ، وَبِعَظَمَتِكَ أُحَدِّثُ. ذِكْرَ كَثْرَةِ صَلاَحِكَ يُبْدُونَ، وَبِعَدْلِكَ يُرَنِّمُونَ.
ألهج : أتأمل وأتكلم على الدوام.
يبدون : يظهرون.
تسبيح الله هو من دور إلى دور، أى من جيل إلى جيل، فهو دائم على مدى الأجيال، بل وإلى الدور الآتى، أى في السماء وذلك لأسباب كثيرة هى :
- أعمالك : وهى كثيرة جداً تظهر في خليقته؛ الحية والجامدة؛ الإنسان والحيوان والنبات.
- جبروتك : أى قوتك العظيمة التى هى فوق كل قوة في العالم، التى حطمت آلهة مصر، وشقت البحر الأحمر، وتغلبت على كل آلهة الأمم الوثنية.
- جلالك ومجدك : المسبح من السمائيين والأرضيين، ولا يستطيع أى إنسان أن يحتمل رؤيته، كما شعر موسى عندما ألح لكى يرى الله (خر33: 20-23).
- عجائبك : التى تظهر في ترتيب خلائقك سواء في جسم الإنسان وروحه، وترتيب نظام الأجرام السماوية، والتوازن البيئى بين الحيوانات بأنواعها والنباتات المختلفة.
- مخاوفك : الله مخوف ومهوب جداً، وظهر هذا في أوقات قليلة؛ لأجل أن الإنسان لم يحتمل، وظهر لموسى والشعب على الجبل بالدخان والنار، والسحاب الثقيل، وصوت البوق والرعد. ومخافته تقود الإنسان لترك الخطية والحياة النقية. وتظهر مخاوفه في أعمال كثيرة عظيمة، مثل الأجرام السماوية والبحر المتسع والرعود والبروق.
- عظمتك : التى تظهر في اتحاد المخافة العظيمة بالحنان الكبير، فرغم أن الملائكة تغطى وجوهها من بهاء مجده، فهو في نفس الوقت يعتنى بأصغر خلائقه مثل الحشرات، والنباتات الصغيرة. إنه الكمال في كل شئ.
- صلاحك : أى الخير كله الذى يطعم كل ذى جسد، ويعتنى بكل خلائقه، وفيه كمال الطهارة والحب وكل فضيلة.
- عدلك : فأنت ترفض الشر، وتتنافر معه، ورغم رحمتك العظيمة، فأنت أيضاً عظيم في عدلك. واقترن العدل والرحمة في المسيح يسوع على الصليب.
ما أعظم، وما أحلى التأمل في صفات الله وإحساناته الكثيرة، حتى يتحول التأمل إلى شكر وتسبيح يملأ القلب فرحاً، ويشيع السعادة في كل الجو المحيط به.
(2) صفات الله (ع8-13):
ع8، 9: اَلرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ.
- إن كان الله مهوب وعادل وعظيم، لكنه في نفس الوقت محب ورحيم وتظهر محبته في طول أناته وحنانه. وتختلط رحمة الله بكل أعماله. فعندما يكون عادلاً ومخوفاً، وحازماً يكون أيضاً رحيماً، كما سمح بعبودية شعبه في مصر، ولكن أخرجهم بقوة عظيمة. وكما سمح بذلهم في عصر القضاة لأجل عبادتهم الأوثان، رحمهم عندما صرخوا إليه، وأرسل إليهم قضاة حرروهم من العبودية.
- إن صلاح الله ورحمته هى على كل البشر الأبرار والأشرار، فشمسه وهواؤه، وعطاياه للكل، ليعرفوه ويحيوا معه، بل هو صالح مع كل خلائقه، فيطعم الوحوش، والحيوانات الأليفة. إنه يرحم ويهتم بأصغر المخلوقات.
ع10-13: يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ أَعْمَالِكَ، وَيُبَارِكُكَ أَتْقِيَاؤُكَ. بِمَجْدِ مُلْكِكَ يَنْطِقُونَ، وَبِجَبَرُوتِكَ يَتَكَلَّمُونَ، لِيُعَرِّفُوا بَنِي آدَمَ قُدْرَتَكَ وَمَجْدَ جَلاَلِ مُلْكِكَ. مُلْكُكَ مُلْكُ كُلِّ الدُّهُورِ، وَسُلْطَانُكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
- كل أعمال الله، أى خلائقه تمجده من خلال خضوعها للنظام الإلهى، فتسير في النظام المرسوم لها وهذا يبهر البشر، فيحمدون الله. أما الأتقياء، فيعرفون الله، وينطقون بتسبيحه، فيتمتعون بعشرته. ويتحدثون عن ملك الله على كل الخلائق، ويسبحون قوتك العظيمة.
- إذ يسبح الأتقياء بكلماتهم وأعمالهم يبشرون كل البشر بعظمة الله، التى تدوم طوال الحياة، بل وإلى الأبد.
إن شكرك لله كل يوم على معاملاته معك هى بشارة هادئة بالله العظيم، المعطى بركات لكل البشر. فأنت بهذا الشكر تدعو الكل بهدوء لتمجيد الله.
(3) رحمة الرب لخائفيه (ع14-21):
ع14: اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ السَّاقِطِينَ، وَمُقَوِّمٌ كُلَّ الْمُنْحَنِينَ.
عاضد : مساند.
مقوم : يرده إلى الطريق المستقيم.
تظهر رحمة الله في أول صورها وهى مساندة الساقطين، والمنحنين التائبين الراجعين إلى الله. فالله يفرح بالتائبين، بل ويحنو أيضاً على غير التائبين، وينبههم لعلهم يتوبون. فهو أب حنون يسعى لخلاص أولاده، ويسامحهم على سقطاتهم إن تابوا.
ع15، 16: أَعْيُنُ الْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى، وَأَنْتَ تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتُشْبعُ كُلَّ حَيٍّ رِضًى.
- الصورة الثانية لرحمة الله هى إشباع احتياجات البشر، بل وكل الكائنات الحية. فهو يشبع الكل من الحشرة الصغيرة إلى الوحوش المفترسة، وفوق الكل الإنسان رأس الخليقة، بل ويهب الإنسان ليس فقط الشبع المادى، بل النفسى أيضاً، فيكون راضياً، وشاكراً الله، وفوق كل شبع يعطيه الشبع الروحى. فيشبع من محبته لله كلما اقترب إليه.
- هذه الآيات نصليها في القداسات الإلهى في أوشية أهوية السماء والمياه والزروع، كما نصليها أيضاً في نهاية الهوس الثانى وهو (مز136).
ع17: الرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ.
الصورة الثالثة لرحمة الله هى اقترانها بالبر. فرحمة الله ليست لتدليل الإنسان وإفساده، بل لتقوده إلى البر والصلاح. وقد يحتاج الإنسان من رحمة الله أن تؤدبه أحياناً، أو تمنع عنه بعض مشتهياته؛ حتى تسمو به، فيحيا في البر.
ع18، 19: الرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ. يَعْمَلُ رِضَى خَائِفِيهِ، وَيَسْمَعُ تَضَرُّعَهُمْ، فَيُخَلِّصُهُمْ.
- الصورة الرابعة لرحمة الله هى اقترابه من البشر، فهو ليس إله يترفع ويتباعد عن خليقته، بل أب محب يقترب من أولاده؛ ليعطيهم حبه.
- الذين يتمتعون بالإحساس أن الله قريب منهم هم :
أ – من يدعونه بالحق، أى يطلبون طلبات بحسب مشيئة الله، فيستجيب لهم.
ب – يخافونه، فيسلكون باستقامة ويرفضون الخطية، وإن سقطوا يسرعون للتوبة.
فالله موجود فى كل مكان ولكن يشعر بقربه كل من يقترب إليه، ويدعوه بالحق، ويخافه. ومن يقترب من الله يقترب الله إليه ويستجيب لطلباته. ومن يعمل مشيئة الله يحقق له الله رغباته ويغفر خطاياه.
ع20: يَحْفَظُ الرَّبُّ كُلَّ مُحِبِّيهِ، وَيُهْلِكُ جَمِيعَ الأَشْرَارِ.
الصورة الخامسة لرحمة الله هى حفظه لكل من يحبه، فيحفظه من الأخطار والمشاكل التى تفوق قدرته، ويعبر به بسلام في طريق الحياة. وعلى العكس هو عادل فيهلك جميع الأشرار الذين يضايقون أولاده، فيساند أولاده في كل خطواتهم.
ع21: بِتَسْبِيحِ الرَّبِّ يَنْطِقُ فَمِي، وَلِيُبَارِكْ كُلُّ بَشَرٍ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.
يختم المزمور بتسبيح الله بفهمه وقلبه، وبهذا التسبيح يحرك قلوب سامعيه، فيباركهم أيضاً الله، وهكذا تمتلئ الأرض من تسبيح الله.
أنظر رحمة الله عليك وتأملها حتى تقودك إلى رحمة من حولك فلا تدينهم أو تغضب عليهم، بل تلتمس لهم الأعذار، وإن استطعت تصلى لأجلهم وتساندهم بأعمال محبتك فتجتذب قلوبهم لله.