رعاية الله لشعبه
“احمدوا الرب ادعوا باسمه ..” ع1
مقدمة :
- كاتبه : هذا المزمور من المزامير اليتيمة التى ليس لها عنوان، ولا يذكر فيها اسم الكاتب، ولكن يميل معظم الآباء إلى أن كاتبه داود. إذ أن له نفس أسلوب داود فى الكتابة، ولا توجد آية واحدة تظهر عكس ذلك.
- متى كتب ؟ كتبه داود بعد إرجاعه تابوت عهد الله إلى أورشليم (1أى16: 1، 7).
- يعتبر هذا المزمور ضمن أربعة مزامير تظهر وعود الله وأمانته مع شعبه على مدى تاريخه، وهى مزامير 78، 106، 136 بالإضافة إلى هذا المزمور.
- هذا المزمور ليتورجى، إذ كان يرنم فى رؤوس الشهور، وعيد التجديد، والأعياد الثلاثة الكبرى؛ الفصح والخمسين، والمظال، كما يظهر من (1أى16: 8-22) بل إن هذا الإصحاح توجد به عدد من الآيات المذكورة فى هذا المزمور. فكان يستخدم هذا المزمور فى العبادة.
- هذا المزمور يدعو كل إنسان مؤمن بالله ليتأمل فى أعماله العجيبة، فيشكره ويسبحه.
- لا يوجد هذا المزمور فى صلوات الأجبية.
(1) دعوة المؤمنين للتسبيح (ع1-7):
ع1-3: 1- اِحْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الأُمَمِ بِأَعْمَالِهِ. 2- غَنُّوا لَهُ. رَنِّمُوا لَهُ. أَنْشِدُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. 3- افْتَخِرُوا بِاسْمِهِ الْقُدُّوسِ. لِتَفْرَحْ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ.
- يدعو كاتب المزمور المؤمنين بالله أن يحمدوه، ويشكروه، ويرددوا اسمه العظيم؛ أى يتذكروا شخصه الكريم، فيزداد إيمانهم، ثم يكلفهم بمسئولية أن يعرفوا الأمم الوثنية عظمة الله ليؤمنوا به.
- هذه الآية نبوة عن عمل الرسل والكهنة، والخدام فى العهد الجديد. ويحدد لهم عملية أساسية : أ – الصلاة والتسبيح.
ب- الكرازة لغير المؤمنين ليعرفوا الله، وأعماله مع شعبه.
- يدعو كاتب المزمور المؤمنين ليفتخروا بالله، وليس بالماديات، أو المراكز، أو القوة، كما فعل بطرس مع مقعد باب الجميل، فشفاه باسم المسيح (أع3: 6). والافتخار بالله؛ لأنه قادر على كل شئ، ويحب أولاده ويستجيب لهم.
- النتيجة الحتمية للتسبيح، والكرازة والافتخار بالرب أن يفرح الإنسان، ويتمتع بعشرة الله.
ع4-7: 4- اُطْلُبُوا الرَّبَّ وَقُدْرَتَهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا.5- اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ، آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فِيهِ،6- يَا ذُرِّيَّةَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ، يَا بَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ.7- هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ.
- شعب الله فى العهد القديم، الذين هم نسل إبراهيم، ويعقوب يطلبون الرب، ويلتمسون وجهه، ويتذكرون أعماله المعجزية معهم. وبهذا التسبيح يثبت إيمانهم ويفرحون. وطلب الرب ليس فقط بالكلام، ولكن أيضاً بطاعة وصاياه، وخاصة عندما يشعر الإنسان بخطيته وضعفه، يلتمس الله ويطلبه باتضاع، واحتياج، وإيمان.
- وجه الرب يشير إلى تجسد رب المجد يسوع المسيح، وبالتالى فنسل إبراهيم، وشعب الله فى العهد الجديد هم المسيحيون؛ لأن أحكام الرب فى الأرض كلها (ع7) وليس فقط لليهود، فقد آمنت الأمم بالمسيح بالإضافة لليهود.
ليتك يا أخى فى كل احتياجاتك، وضيقاتك تطلب الله أولاً، وتستند عليه قبل أن تفكر فى الأشخاص، أو المال، مع مراعاة أن تعمل واجبك بكل طاقتك، وثق أن الله يسمعك، ويحرك الكون كله من أجلك، وكن مطمئناً لأنه إلهك الذى يحبك.
(2) وعد الله لإبراهيم ونسله (ع8-15):
ع8-11: 8- ذَكَرَ إِلَى الدَّهْرِ عَهْدَهُ، كَلاَمًا أَوْصَى بِهِ إِلَى أَلْفِ دَوْرٍ،9- الَّذِي عَاهَدَ بِهِ إِبْراهِيمَ، وَقَسَمَهُ لإِسْحاقَ،10- فَثَبَّتَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً، وَلإِسْرَائِيلَ عَهْدًا أَبَدِيًّا،11- قَائِلاً: «لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ.
حبل ميراثكم : كانت الأرض تقاس قديماً بالحبل، فيقصد أرض كنعان المعروف قياسها بالحبل أعطاها الله لشعبه، وطرد سكانها الأشرار منها، وأهلكم.
- وعد الله إبراهيم أن يعطيه أرض كنعان له، ولنسله (تك13: 14، 15). وحلف لإسحق أنه يعطيه كنعان ميراثاً (تك26: 3، 4). وكذلك ليعقوب ابن اسحق ثبت هذا الوعد (تك28: 13-15)، وخاصة بعدما غير اسم يعقوب لإسرائيل أكد الوعد (تك35: 9-15). وإن كانوا لم ينالوا هذه المواعيد في حياتهم، ولكن الله صادق في وعوده، وأعطاها لنسلهم.
- وعد الله للآباء كان إلى ألف دور (ع8)، ويقصد به الأبدية (ع10)، فهذه الوعود بالبركة لا يقصد بها نسل إبراهيم في العهد القديم فقط، بل بالأحرى نسل إبراهيم في العهد الجديد، أى المسيحيين، والذين يعملون أعمال إبراهيم (يو8: 39)، والذين سيعطيهم ملكوت السموات ميراثاً أبدياً، وليس مجرد أرض كنعان التى تفيض لبناً وعسلاً.
ع12-15: 12- إِذْ كَانُوا عَدَدًا يُحْصَى، قَلِيلِينَ وَغُرَبَاءَ فِيهَا.13- ذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، مِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ.14- فَلَمْ يَدَعْ إِنْسَانًا يَظْلِمُهُمْ، بَلْ وَبَّخَ مُلُوكًا مِنْ أَجْلِهِمْ،15- قَائِلاً: «لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي، وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي.
- كان نسل إبراهيم، واسحق، ويعقوب عدداً قليلاً، وهو سبعين شخصاً (خر1: 5) انتقلوا من أرض كنعان، وذهبوا إلى مصر، ثم عادوا منها إلى أرض كنعان، بعد أن تكاثروا واصبحوا إثنين مليوناً، ولكنهم كانوا غرباء. فالآباء إبراهيم، واسحق ويعقوب عاشوا في خيام، ونسلهم الذى سكن في أرض كنعان – بعد أربع مئة سنة – ظلوا يعيدون عيد المظال الذى يذكرهم بغربة العالم.
- حفظ الله الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب، ووبخ ملوكاً لأجلهم عندما وبخ فرعون من أجل إبراهيم، وحفظ امرأته فلم يظلمها فرعون (تك12: 17) وأبيمالك ملك جرار من أجل اسحق (تك20: 3). ولابان من أجل يعقوب ابن أخته، فلم يسمح له أن يؤذيه (تك32، 33). وعندما يقول لا تمسوا مسحائى يقصد الآباء، ومع أنهم لم يمسحوا بزيت كالكهنة، والأنبياء الذين أتوا من نسلهم، لكنهم ممسوحين من الروح القدس، ونالوا بركات كثيرة، مثل الذين مسحوا بالزيت. والله دعاهم أنبياء مع أنهم لم يتنبأوا، ولكنهم مثل الأنبياء، أى مسحوا بالروح القدس (تك20: 6، 7).
إذا كنت ضعيفاً، وليس لك إلا القليل، فثق أنه ببركة الله تصير كثيراً؛ إذ يباركك الله ويحفظك، ويوبخ الشياطين التى تحاول أن نؤذيك.
(3) يوسف من السجن إلى العرش (ع16-23):
ع16: دَعَا بِالْجُوعِ عَلَى الأَرْضِ. كَسَرَ قِوَامَ الْخُبْزِ كُلَّهُ.
قوام الخبز : عصا خشبية تحفظ فيها الخبز.
سمح الله بجوع عظيم في مصر وكل البلاد المجاورة، وكسر الله كل ما يُحفظ فيه الخبز، أو ما يمكن أن يعمل منه الخبز، أى لم يعد هناك طعام في الأرض. وكان هذا الجوع فرصة ليتألق يوسف الصديق كمدبر ليس فقط لمصر، بل للأرض كلها، فيطعمهم، ويأتى نسل يعقوب إلى مصر ليتغرب هناك، ويعولهم يوسف.
ع17-21: 17- أَرْسَلَ أَمَامَهُمْ رَجُلاً. بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا.18- آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ،19- إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ. قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ.20- أَرْسَلَ الْمَلِكُ فَحَلَّهُ. أَرْسَلَ سُلْطَانُ الشَّعْبِ فَأَطْلَقَهُ.21- أَقَامَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ، وَمُسَلَّطًا عَلَى كُلِّ مُلْكِهِ،
- قام إخوة يوسف عليه، وباعوه عبداً، وأتى إلى مصر؛ ليعمل فى بيت فوطيفار، وقامت عليه إمرأة فوطيفار بشهوتها، فرفض الشر، فألقى فى السجن، وقيد بالحديد. كل هذا كان بسماح من الله؛ ليعد مكاناً لشعب بنى يعقوب، وليعد يوسف روحياً ونفسياً، فيتشدد ويتكل على الله من خلال الآلام، وتمسكه بالطهارة. فهكذا امتحن الله يوسف ونجح نجاحاً عظيماً، وتمتع بعشرة الله دائماً.
- وعد الله يوسف قديماً من خلال أحلامه أنه سيكون رئيساً على إخوته، ومرت سنوات امتحنه الله فيها بضيقات كثيرة فى أرض مصر، حتى أتى الأوان الذى تتم فيه كلمة الله، عندما حلم فرعون حلمه، ولم يفسره له أحد. ومع أن يوسف كان قد فسر حلماً لساقى الملك فى السجن، وطلب منه أن يذكره عند الملك ولكنه نسيه سنتين؛ حتى تذكر ساقى الملك يوسف عند الاحتياج لمفسر لحلم فرعون. فتمت كلمة الله واستدعاه فرعون وفسر الحلم، وأعطاه الحل، فجعله رئيساً على مصر كلها. فالله يعتنى بأولاده من خلال الضيقات، ويتمم وعوده فى الوقت المناسب، ويرفعهم فوق كل ما يتخيلون، كما رفع يوسف على عرش مصر.
ع22، 23: 22- لِيَأْسُرَ رُؤَسَاءَهُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ وَيُعَلِّمَ مَشَايِخَهُ حِكْمَةً.23- فَجَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ، وَيَعْقُوبُ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ حَامٍ.
يأسر رؤساءه : يخضع رؤساء مصر ليوسف.
مشايخه : شيوخ مصر تعلموا من حكمة يوسف وتدبيره.
أرض حام : أرض مصر.
تسلط يوسف على مصر كلها، وجمع القمح إلى مخازن، وخضع له كل رؤساء مصر، بل العالم كله. وعندما حلت المجاعة، وحضر كل المصريين ليشتروا منه، بل باعوا أنفسهم عبيداً، بعد أن اشترى يوسف كل ما كان فى مصر وأخضعه لفرعون. وأتى إخوة يوسف وأبوه إلى مصر ليحيوا فيها، وأضافهم يوسف، فعاشوا. كل هذا التدبير كان من الله حتى لا يهلك شعبه جوعاً، واستخدم يوسف لإعالتهم.
الله يدبر حياتك كلها فلا تنزعج مهما أتت عليك ضيقات، فهو قادر أن يحفظك أثناءها، ويحول كل شر إلى خيرك، كما فعل مع يوسف، بل ينميك روحياً، وتشعر بالله معك فى كل شئ.
(4) الضربات العشر (ع24-38):
ع24، 25: 24- جَعَلَ شَعْبَهُ مُثْمِرًا جِدًّا، وَأَعَزَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِ.25- حَوَّلَ قُلُوبَهُمْ لِيُبْغِضُوا شَعْبَهُ، لِيَحْتَالُوا عَلَى عَبِيدِهِ.
بارك الله فى شعبه الذى دخل إلى أرض مصر، الذين هم نسل يعقوب، وكان عددهم سبعين شخصاً (خر1: 5) وعلى مر السنوات تكاثروا بوفرة بنعمة الله، فصاروا خلال حوالى أربع مئة سنة اثنين مليون شخصاً. هذا كان فى البداية مفيداً للمصريين، إذ استعبدوهم وسخروهم للعمل فى المدن، بالإضافة إلى رعى الأغنام، ولكن تكاثرهم الكبير بعث الخوف فى قلوب المصريين (خر1: 10)، وسمح الله أن يظهر الشر الذى فى قلوب المصريين نحو شعبه، فحاولوا إذلالهم وتسخيرهم للعمل مجاناً؛ لعلهم من التعب يموت منهم عدد كبير، ولكن ببركة الله إزداد عددهم. فوضعوا خططاً لإضعافهم، مثل قتل الأطفال الذكور عن طريق النساء الذين يولدن النساء العبرانيات. ثم احتالوا عليهم أيضاً بأن أمر فرعون بإلقاء الأطفال الذكور فى نهر النيل، ولكن بنعمة الله فشلت كل هذه المحاولات، بل على قدر ما أذلوهم نموا وكثروا (خر1: 12) فالذى يحميه الله ويحفظه لا يستطيع أحد أن يؤذيه.
ع26: أَرْسَلَ مُوسَى عَبْدَهُ وَهارُونَ الَّذِي اخْتَارَهُ.
اختار الله موسى الذى كان من المفروض، بحسب أوامر فرعون، أن يغرق فى النهر، ولكنه تربى بتدبير الله فى قصر فرعون بواسطة الأميرة ابنة فرعون التى انتشلته من النهر. ولما كبر موسى ذهب إلى البرية، وهناك ظهر له الله فى العليقة ودعاه – هو وهارون أخاه – ليخرج شعبه من أرض مصر. وهكذا نجى الله موسى من الموت، وجعله قائداً لينجى الشعب، ويخرجه من أرض مصر. ما أعجب أعمالك يا رب !
ع27: أَقَامَا بَيْنَهُمْ كَلاَمَ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ.
أمر الله موسى أن يقابل – هو وهارون – شيوخ إسرائيل، ويبشرهم بأن الله سيخرجهم من مصر، ويصنع أمامهم آيات؛ هى تحويل عصاه إلى حية، وتحويل يده لتكون برصاء، ثم تعود سليمة، وتحويل الماء إلى دم (خر4: 1-9) فآمن الشيوخ وفرحوا. ثم دخل موسى وهارون على فرعون وطلبا منه أن يخرج بنى إسرائيل من مصر، فلم يوافق. فضرب الله مصر بآيات عجيبة هى الضربات العشر وقصد الله تثبيت إيمان شعبه، ودعوة المصريين للإيمان بهذه الضربات.
ع28: أَرْسَلَ ظُلْمَةً فَأَظْلَمَتْ، وَلَمْ يَعْصُوا كَلاَمَهُ.
- ضرب الله المصريين بعشر ضربات، وكان فرعون قاسى القلب، فرفض أن يطيع الله. ولكن يشير فى هذه الآية إلى الضربة التاسعة، وكانت قاسية وتظهر غضب الله الشديد؛ إذ كانت ظلمة كاملة على كل أرض مصر، لم تر مصر مثلها من قبل. وفى نفس الوقت كان نور فى أرض جاسان، حيث يعيش بنو إسرائيل (خر10: 21-23). والنور يرمز لوجود الله، أما الظلمة فترمز للخطية والضيقة. وبهذا ضرب الله إلههم رع، أى الشمس؛ ليشعروا بضعف آلهتهم، ويؤمنوا بالله.
- “لم يعصوا كلامه” هذا ينطبق على موسى وهارون فى طاعتهم لله، ومواجهة فرعون. والطبيعة أيضاً لم تعص الله. أما المصريون فقد أطاعوا الله لأجل قسوة هذه التجربة، وأخرجوا بنى إسرائيل بعد الضربة التالية. فالضربة التاسعة كانت تمهيداً فى قسوتها لأقسى الضربات، وهى العاشرة الخاصة بقتل الأبكار.
ع29: حَوَّلَ مِيَاهَهُمْ إِلَى دَمٍ وَقَتَلَ أَسْمَاكَهُمْ.
- يعود كاتب المزمور إلى الضربة الأولى، وهى تحويل نهر النيل، وكل المياه التى فى مصر إلى دم. وبهذا ضرب أحد آلهتهم العظيمة وهو النيل؛ حتى لا يعبدوه لضعفه. وفى نفس الوقت سبب مشكلة ضخمة لهم؛ إذ لم يجدوا ماء ليشربوا؛ فاضطروا إلى حفر آبار ماء ليشربوا (خر7: 19-25).
- لم يكن تحويل النهر إلى لون أحمر، بل دم حقيقى، والدليل على هذا أن السمك الذى يعيش فى النيل مات، وأنتن، أى فقد النيل وكل ما فيه الحياة، وصار مصدراً للضيق والاشمئزاز.
ع30، 31: 30- أَفَاضَتْ أَرْضُهُمْ ضَفَادِعَ حَتَّى فِي مَخَادِعِ مُلُوكِهِمْ.31- أَمَرَ فَجَاءَ الذُّبَّانُ وَالْبَعُوضُ فِي كُلِّ تُخُومِهِمْ.
مخادع : غرف النوم.
- الضربة الثانية على مصر كانت الضفادع التى انتشرت بكثرة فى كل الأرض، ودخلت البيوت والقصور والمعابد، ونجست كل شئ فى مصر، فأظهرت ضعف الكهنة والآلهة.
- دخلت أيضاً الضفادع فى قصر فرعون، وأمراء مصر، وضايقتهم، ونجست بيوتهم؛ حتى تضايقوا جداً. وجمعوا الضفادع التى ماتت، وأنتنت فأفسدت هواء مصر (مز78: 45). كل هذا لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الله.
- الضربة الثالثة كانت البعوض الذى انتشر فى أرض مصر، وبلسعاته ضايق المصريين ضيقاً شديداً. والضربة الرابعة كانت الذبان (تشبه الخنفساء) التى انتشرت بين المصريين بمنظرها الكئيب وضايقتهم. كل هذا كان فى مصر ما عدا أرض جاسان التى يعيش فيها بنو إسرائيل، فلم تتعرض للضربات العشر (خر8: 22، 23).
ع32، 33: 32- جَعَلَ أَمْطَارَهُمْ بَرَدًا وَنَارًا مُلْتَهِبَةً فِي أَرْضِهِمْ.33- ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ كُلَّ أَشْجَارِ تُخُومِهِمْ.
- الضربة السابعة كانت نزول البرد وهى صفائح ثلجية تقتل من تصيبه. والغريب أن صاحبتها نيران من السماء لتهلك المصريين. فكانت ضربة عنيفة قتلت الكثير من المصريين الذين كانوا خارج بيوتهم (خر9: 18).
- هذه الضربة كسرت الأشجار والنباتات وأحرقتها، فأتلفت وخربت أرض مصر، لعل هذه الضيقة ترجع المصريين إلى الله القوى، الذى يفوق كل آلهتهم.
ع34، 35: 34- أَمَرَ فَجَاءَ الْجَرَادُ وَغَوْغَاءُ بِلاَ عَدَدٍ،35- فَأَكَلَ كُلَّ عُشْبٍفِي بِلاَدِهِمْ، وَأَكَلَ أَثْمَارَ أَرْضِهِمْ.
غوغاء : جراد صغير لم يكتمل نموه.
الضربة الثامنة كانت أسراب الجراد الذى هجم على مصر بأعداد ضخمة، بأطواره المختلفة؛ سواء الغوغاء، أو الجراد الكبير الذى أكل كل نبات أخضر فى مصر، فأكمل إفساد الأرض بعد ضربة البرد، والنار. وبهذا أتلف أرض مصر تماماً (خر10: 12-15).
ع36: قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِهِمْ، أَوَائِلَ كُلِّ قُوَّتِهِمْ.
الضربة العاشرة والأخيرة كانت أقسى الضربات؛ إذ قتلت كل أبكار مصر؛ الإنسان والحيوان حتى بكر فرعون وكانت مرعبة إذ تمت فى نصف الليل، فصار صراخ وبكاء فى كل مصر. فخضع أخيراً فرعون، وأطلق بنى إسرائيل ليخرجوا من أرض مصر.
ع37، 38: 37- فَأَخْرَجَهُمْ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَسْبَاطِهِمْ عَاثِرٌ.38- فَرِحَتْ مِصْرُ بِخُرُوجِهِمْ، لأَنَّ رُعْبَهُمْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ.
- عندما أطلق فرعون بنى إسرائيل ليخرجوا من مصر، أعطاهم الله قوة، فلم يكن بينهم مريض، أو ضعيف. وطلبوا من المصريين فضة وذهب، فأعطوهم بكثرة؛ لإرضائهم وإخراجهم من بلادهم، إذ كانوا فى رعب شديد منهم.
- رغم حزن مصر على أبكارها لكنها كانت فى فرح لتخلصها من قوة إله بنى إسرائيل الذى أرعبهم. وكان بنو إسرائيل فى فرح لقوة إلههم وتحررهم من عبودية مصر.
ليتك تتكل على الله، وتثق به أكثر من كل قوة تعتمد عليها؛ سواء فهمك، أو مركزك، أو علمك، أو قدراتك المختلفة، فهى لا شئ أمام قوة الله. ومهما كان ضعفك فأنت أقوى من كل من حولك لعمل الله فيك وبك.
(5) برية سيناء ودخول كنعان (ع39-45):
ع39: بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا، وَنَارًا لِتُضِيءَ اللَّيْلَ.
سجفاً : غطاءً.
- عندما أخرج الله شعبه من مصر وكان عددهم حوالى اثنين مليون شخصاً (ست مئة ألف رجل عدا النساء والأولاد) (خر12: 37) كان يظللهم بالسحاب حتى لا تحرقهم الشمس. وفى نفس الوقت يتقدمهم السحاب فيسيرون وراءه. أما فى الليل فكان يظهر لهم عمود من النار يتقدمهم ليرشدهم فى الطريق، وينير لهم. وهكذا يظهر الله قائداً لشعبه، وأباه الذى يرعاه، ويرشده.
- يظلل الله على أولاده دائماً ويهديهم، ويعمل بروحه القدوس فى قلوبهم كالنار لتحرق خطاياهم، وتلهب قلوبهم بمحبته.
ع40، 41: 40- سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى، وَخُبْزَ السَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ.41- شَقَّ الصَّخْرَةَ فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ. جَرَتْ فِي الْيَابِسَةِ نَهْرًا.
السلوى : نوع من الطيور المهاجرة يشبه السمان.
- اهتم الله بإعالة شعبه وإطعامهم، فأعطاهم خبز السماء فى صباح كل يوم وهو المن، وأعطاهم أيضاً طيور السلوى، ليشبعوا من اللحم، ولا يعوزهم شئ. أما الماء فكان يخرج لهم من الصخرة عندما يضربها موسى بالعصا. فرأى شعب الله أن إلههم قوى، قادر أن يطعمهم فى البرية الجرداء بالطعام، والشراب، مهما كان عددهم؛ حتى يثبت إيمانهم به.
- نزول المن من السماء، والسلوى مع الريح، يرفع قلوب الشعب إلى الله القادر أن يطعمهم روحياً أيضاً. والريح ترمز للروح، فالروح القدس هو الذى يحييهم. والصخرة ترمز للمسيح الذى بموته على الصليب أعطاهم الروح القدس الذى يرمز إليه ماء الحياة والنهر الذى يجرى فى برية قلوبنا اليابسة.
ع42، 43: 42- لأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ قُدْسِهِ مَعَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ،43- فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِابْتِهَاجٍ، وَمُخْتَارِيهِ بِتَرَنُّمٍ.
الله وعد إبراهيم أن يباركه هو ونسله، وإن كانت قد مرت سنوات طويلة حوالى أربع مئة سنة، ولكن الله لا ينسى وعوده، أو يرجع عنها، فذكرها، أى تممها فى الوقت المناسب، وأخرج شعبه بقوة ذراعه، وشق البحر الأحمر لهم، فعبروا، وهلك فرعون وكل جيشه؛ لأجل قساوة قلبه. فبعدما أطلق شعب بنى إسرائيل عاد وشعر بخسارة مصر فى خروج اثنين مليون من العبيد، فقام يلاحقهم ليرجعهم، فغرق فى البحر الأحمر. وعندما رأى شعب الله قوة إلههم فى إنقاذهم من فرعون وغرقه، سبحوه ورنموا بقيادة مريم أخت موسى وهارون، وهذا هو الشبع الروحى بعدما شبعوا مادياً.
ع44، 45: 44- وَأَعْطَاهُمْ أَرَاضِيَ الأُمَمِ، وَتَعَبَ الشُّعُوبِ وَرِثُوهُ، 45- لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ. هَلِّلُويَا.
- عاقب الله الشعوب الوثنية التى عاشت فى أرض كنعان لكثرة خطاياهم التى أطال الله أناته كثيراً عليهم، فطردهم أخيراً من أرض كنعان، وأسكن شعبه المؤمن به مكانهم.
- بامتلاك بنى إسرائيل أرض كنعان تحقق وعد الله الذى ِأعطاه للآباء إبراهيم، واسحق ، ويعقوب. وتحقيق هذا الوعد يساعد شعب الله أن ينتظر الوعد بأورشليم السماوية، أى يحيون مع الله حتى يصلوا إلى ملكوت السموات.
- كان شرط ثبات بنى إسرائيل فى أرض كنعان هو حفظهم لشرائع الله، وفرائضه. فمن أجل إيمانهم يثبتون فى الأرض، كما أن الله من أجل عدم إيمان الوثنيين طردهم من أرضهم.
- الله الذى يحفظ أولاده، ويرشدهم، ويعولهم فى برية سيناء يكمل عمله، ويدخلهم ويسكنهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً، أى خيرات وفيرة وهى أرض كنعان.
على قدر تمسكك بوصايا الله تنال قوته، وبركاته، وبحفظك الوصية تحفظك فى كل طرقك حتى توصلك إلى النعيم الأبدى.