التسبيح بهجة القديسين
“هللويا سبحوا الله في قدسه سبحوه في فلك قوته” ع1
مقدمة :
- كاتبه : غير معروف، إذ ليس للمزمور عنوان، ولا ذكر للكاتب، فهو من المزامير اليتيمة الغير معروف كاتبها.
- هذا المزمور ختام مزامير الهليل (مز146-150). ويتميز هذا المزمور بتسبيح الله محبة فيه، وليس لطلبة، أو شكر، أو اعتراف.
- هذا المزمور مزمور نبوى، يتنبأ عن التسبيح في العهد الجديد، وأيضاً التسبيح في ملكوت السموات.
- هذا المزمور ليتورجى، إذ هو الجزء الأخير من الهوس الرابع، الذى يصلى في بداية تسبحة اليوم. وكذلك يقال في ختام القداس الإلهى عند توزيع الأسرار.
- يدعو هذ المزمور لاستخدام كل الآلات الموسيقية لتسبيح الله، وهى ترمز لكل إمكانيات الإنسان، أى يسبح الإنسان الله بكل كيانه قدر ما يستطيع على الأرض، ثم بالكمال في السموات.
- لا يوجد هذا المزمور في صلوات الأجبية.
(1) لماذا نسبح ؟ (ع1، 2):
ع1: هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ.
- في البداية يدعو المزمور كل المؤمنين أن يسبحوا الله في قدسه. والقدس هو هيكل الرب في أورشليم، الذى يرمز إلى كنيسة العهد الجديد، وإلى أورشليم السماوية حيث عرش الله العظيم. والتسبيح في القدس يعنى الوجود أمام الله، والتمتع برؤيته، وكذا نجد في حضرة الله الملائكة والقديسين، فالله مقدس في أولاده الذين يحيون بالقداسة.
- الفلك يعنى سماء الكواكب والنجوم، والتى تظهر فيها قوة الله الخالق المدبر لدورانها وحركاتها، فرغم ضخامتها تتحرك بدقة حتى لا يصطدم أحدها بالآخر، ولا تؤذى سكان الأرض، الذين هم البشر المحبوبين من الله. والفلك يرمز أيضاً للكنيسة التى فيها نجوم كثيرة، أى قديسين عظماء. والكنيسة في روحانيتها تسمو عن العالم المادى. فلنسبح الله في كنائسه وفى المؤمنين القديسين المصلين بها، أى نرى الله في حياة هؤلاء المصلين ونمجد الله. وهذا ثانى أمر يدعو فيه المرتل المؤمنين ليسبحوا الله عليه.
ع2: سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ.
- أما الأمر الثالث فهو دعوة المؤمنين لتسبيح الله في قواته، أى ملائكته برتبهم المختلفة، والذين عملهم الأساسى هو التسبيح، فإذ نتأمل حياتهم، وتسبيحهم نقتدى بهم، فنحيا في طهارة وحب لله كملائكة أرضية.
- رابع أمر نسبح الله عليه هو كثرة عظمته. فهو عظيم جداً يفوق عظمته كل شئ على الأرض. وعظمة الله تظهر في أعماله وخلائقه المختلفة التى يظهر فيها الإبداع العظيم والحكمة الإلهية، التى مازال الإنسان يبحث عن آثارها حتى الآن، خاصة في خلقة الإنسان، ولكن أعظم أعمال الله هى محبته، التى ظهرت في تجسده وفدائه للإنسان.
ليتك تتأمل ولو قليلاً كل يوم في الصليب والفداء، الذى هو الحب الفائق للعقول، فيدعوك هذا لشكر الله وتسبيحه.
(2) كيف نسبح ؟ (ع3-5):
ع3: سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ.
صور : البوق ويصنع من قرن الكبش، أو من الفضة، وله صوت عالٍ.
رباب : آلة وترية لها عشر أو اثنا عشر وتراً.
العود : آلة وترية وهى المعروفة بهذا الإسم حتى الآن، وهى صندوق خشبى يشد فوقه خمسة أوتار مزدوجة.
- أول وسيلة نسبح بها الله هو استخدام الصور، وهو يرمز لقوة كلمة الله، وتنادى الإنسان لينتبه من غفلته، ويستعد لمحاربة إبليس، والانتصار عليه. وبالإضافة للانتباه في الصلوات والتسابيح، يكون أيضاً الإحساس بالآخرين وخدمتهم. وسيبوق الملاك في يوم الدينونة ليعلن مجئ المسيح الثانى، وإعلان عدله في مكافأة الأبرار وإدانة الأشرار (1تس4: 16-17؛ 1كو15: 52).
- الوسيلة الثانية لتسبيح الله هى استخدام الرباب والعود. والأوتار الإثنى عشر المستخدمة في الربابة يرمزون للرسل، فنقتدى بسيرتهم في محبة الله وخدمته. قد تتكون من عشرة أوتار فترمز للوصايا العشر، التى بحفظها نتشجع في تسبيح الله. أما العود ذو الخمسة أوتار المزدوجة فترمز لتسبيح الإنسان بحواسه الخمسة الداخلية والخارجية، أى يسبح الإنسان الله بكل حواسه.
ع4: سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ.
الدُف : هو يشبه الطبلة، أو الرق. وهو عبارة عن جلد حيوان مشدود على إطار خشبى، وقد تركب في الإطار صاجات، أو أجراس ويعزف عليه بالضرب بواسطة اليدين.
الأوتار : هى الآلات الوترية ويضرب عليها بالأصابع.
المزمار : من آلات النفخ، وهو عبارة عن قطعة من البوص، أو قطع تركب مع بعضها، بها ثقوب وبالنفخ مع وضع الأصابع على الثوب يصدر الصوت.
- الوسيلة الثالثة التى نسبح بها الله هى الدُف والرقص. والدُف بجلده المشدود على الخشب يرمز لضبط الجسد؛ لتنمو الروح؛ أى الجدية والجهاد الروحى اللذين بهما نقترب من الله، فترتفع أرواحنا بالتسبيح. أما الرقص فهو حركات الجسد التى تقدم في الرقص التعبدى تعبيراً عن اشتراك الجسد في تمجيد الله. فالروح والجسد يشتركان في تسبيح الله. ولكن الكلمة العبرية المترجمة هنا الرقص ليس لها معنى معروف، وتترجم في الترجمة القبطية المستخدمة في الكنيسة بصفوف، وهى جمع صف، أى مجموعات تشترك معاً في التسبيح، وهذه الكلمة تعنى اشتراك الكنيسة كلها في تسبيح الله.
- الوسيلة الرابعة لتسبيح الله هى بمصاحبة الأوتار والمزمار. والأوتار ترمز لأعصاب الإنسان، أى أن الإنسان يسبح بمشاعره؛ لأن الأعصاب تمثل الإحساس في الإنسان، أما المزمار الذى يصدر الصوت بواسطة النفخ، فيرمز للسان الإنسان، فيكون التسبيح بالمشاعر، وباللسان؛ أى الكلمات، فيشترك الإنسان بكل إمكانياته في تسبيح الله.
ع5: سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ..
صنوج التصويت : عبارة عن دائرتين من المعدن توضع كل منهما فى الإصبع ويصدران الأصوات بطرقهما معاً.
صنوج الهتاف : هى إطاران أو صفيحتان مستديرتان يصدران الصوت بضرب كل منهما بالأخرى، وهو ما يسمى الآن بالدف المستخدم فى الكنيسة.
- الوسيلة الخامسة والاخيرة التى نسبح بها الله هى الصنوج، وهى تنظم أصوات جماعة المسبحين؛ ليتحدوا معاً في التسبيح المقدم لله، فهى ترمز لجمع المسبحين في تسبيح واحد، أى الوحدانية بين المسبحين.
- ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم “أن الله أوصى باستخدام الآلات الموسيقية في العهد القديم من أجل ضعفهم الروحى، حتى تثيرهم للغيرة المقدسة والتسبيح لله. أما الآن (العهد الجديد) وقد بلغ الإنسان النضوج الروحى، فإنه يستخدم كل أعضاء جسده كآلات موسيقية تعبر عما في قلبه من حب وشكر لله”، ويفهم من هذا أن الكنيسة تميل إلى استخدام حنجرة الإنسان ولسانه في التسبيح، ويمكن تنظيم هذه الأصوات عن طريق الدف والمثلث، أما الآلات الموسيقية المختلفة فلا تستخدمها في صلواتها الطقسية.
ليتك عندما تسبح الله كل يوم تسبحه بكل كيانك، أى بمشاعرك، وفكرك، ولسانك؛ حتى ترتفع عن الأرضيات، وتبدأ تذوق حلاوة السماويات.
(3) من الذى يسبح ؟ (ع6):
كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا
- يختم المزمور كلماته بدعوة كل إنسان حى لتسبيح الله؛ لأنه من المنطقى أن يشكر ويسبح الإنسان خالقه، ومدبر حياته، وراعيه الذى يهتم باحتياجاته. والعكس أى عدم التسبيح معناه انغماس الإنسان في أنانيته، وابتعاده عن الله.
- تسبيح اسم الرب معناه التأمل في شخصه العظيم بمحبته، ومخافته، وكل الفضائل الكاملة فيه. فالتسبيح هو تعلق القلب بالله، والارتفاع إليه فوق كل الماديات الزائلة.
- ينتهى المزمور بكلمة هللويا كما بدأ أيضاً بها؛ لأن المزمور كله عبارة عن تسبيحة لله وتهليل أمام عظمته.
اهتم بالتسابيح في بيتك ودعوة الآخرين المقيمين معك في المكان، وكذا في الكنيسة اهتم أن تشجع الآخرين لتقفوا معاً، مسبحين الله بصوت واحد، فيزداد قلبك فرحاً، وتفرح من حولك، وفوق الكل تفرح قلب الله.