تسبيح الله المعتنى بشعبه
“سبحوا الرب لأن الترنم لإلهنا صالح ..” ع1
مقدمة :
- كاتبه : غير معروف، إذ ليس له عنوان، فهو من المزامير اليتيمة، ولكن هناك رأيين آخرين :
أ – داود هو الذى كتبه بروح النبوة عن العودة من السبى وبناء أورشليم والهيكل.
ب – في الترجمة السبعينية والقبطية له عنوان هو “مرسوم بهللويا لحجى وزكريا” مثل المزمور السابق؛ أى أن كاتبه حجى أو زكريا.
- متى كتب ؟ هناك رأيان :
أ – أيام داود.
ب – بعد العودة من السبى.
- هذا المزمور من مزامير الهليل، وهو ينتهى بكلمة هللويا، وبدايته كلمة سبحوا وهى تشبه كلمة هللويا.
- في الترجمة السبعينية، أى الأجبية هذا المزمور يحوى مزمورين هما مز146، مز147؛ أى أن هذا المزمور في الترجمة السبعينية عبارة عن مزمورين وفى هذه الترجمة العبرية مزموراً واحداً.
- يتكلم هذا المزمور عن العودة من السبى وبناء أورشليم، التى ترمز لكنيسة العهد الجديد.
- يناسب هذا المزمور كل تائب يشعر بأن الله حول الخراب الذى فيه بفعل الخطية إلى بناء روحى عظيم وفرح؛ لذا يسبح الله.
- هذا المزمور ليتورجى مع باقى مزامير الهليل الخمسة (مز146-150) فكان يصلى في الهيكل صباحاً، وبعد الرجوع من السبى، وكذلك في المجامع اليهودية التى أقيمت قبل ميلاد المسيح بقرنين تقريباً.
- يوجد هذا المزمور بالأجبية في صلاة النوم، ويشمل كما قلنا المزمورين الأخيرين حيث يشكر المصلى الله من أجل عنايته به، وقبول توبته وإعادته كعضو حى في الكنيسة.
(1) العودة من السبى (ع1-6):
ع1: سَبِّحُوا الرَّبَّ، لأَنَّ التَّرَنُّمَ لإِلهِنَا صَالِحٌ. لأَنَّهُ مُلِذٌّ. التَّسْبِيحُ لاَئِقٌ.
- يدعو كاتب المزمور المؤمنين الراجعين من السبى إلى أورشليم ليسبحوا الرب؛ لأن التسبيح والترنم بالمزامير صالح، إذ يرفع النفس إلى السماويات، ويخلصها من رباطات الشهوات الأرضية.
- التسبيح أيضاً لذيذ للنفس (ملذ) يجعلها تفرح وتتمتع. ومن ناحية أخرى يليق بالنفس المؤمنة بالله التى تحبه، أن تعبر عن حبها بالتسبيح والترنم. أما النفس التى لا تسبح فهى تعلن إهمالها لله وضعف محبتها، خاصة لو أن الله عمل معها عملاً عظيماً، مثل جمع شتات اليهود المسبيين، وإرجاعهم إلى بلادهم؛ ليبنوا هيكل الرب ويعبدوه فيه، وبالطبع يلزم التسبيح والشكر.
ع2، 3: الرَّبُّ يَبْنِي أُورُشَلِيمَ. يَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ. يَشْفِي الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيَجْبُرُ كَسْرَهُمْ.
- محبة الله تظهر في مساعدة أولاده الراجعين من السبى ليبنوا مدينتهم المقدسة أورشليم. وبهذا جمع الله شعبه بنى إسرائيل الذين كانوا مشتتين في بلاد العالم التابعة لأشور وبابل، وبهذا يشفى قلوب شعبه المنكسرة بالذل والعبودية، ويجبر نفوسهم المكسورة، فتتقوى وتصير صلبة، ويمجدوا بفخر إلههم الذى أنقذهم وحررهم، وأنعم عليهم ببناء هيكله والعبادة فيه.
- المسيح الفادى بنى كنيسة جسده بموته على الصليب، وجمع اليهود والأمم الذين آمنوا به، ووحدهم في الإيمان به، وشفى نفوسهم المكسورة بذل الخطية، فرفعوا رؤوسهم في فرح وتمجيد له.
ع4، 5: يُحْصِي عَدَدَ الْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ. عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا، وَعَظِيمُ الْقُوَّةِ. لِفَهْمِهِ لاَ إِحْصَاءَ.
- إن كان الله يحصى الكواكب الضخمة والكثيرة العدد، ويدعوها بأسماء، فقوته عظيمة لا يمكن حصرها، أو إحصاء فهمه، أو معلوماته. فإن كان الله بهذه القوة والعظمة فهو قادر بالطبع أن يجمع شعبه المشتت ويعيده إلى أورشليم واليهودية؛ ليبنوا الهيكل.
- الكواكب هم الأتقياء والقديسون الذين كانوا منكسرين في ظل العبودية، وجبر نفوسهم وساندهم الله، فسبحوه، وصاروا قديسين بقوة الله.
- المسيح قادر أن يجمع أولاده من أرجاء العالم؛ ليؤمنوا به، ويصيروا قديسين، أى كواكب عظيمة، ويحول البعيدين إلى قريبين، والمقاومين إلى رسل مثل بولس.
ع6: الرَّبُّ يَرْفَعُ الْوُدَعَاءَ، وَيَضَعُ الأَشْرَارَ إِلَى الأَرْضِ.
- الودعاء هم بنو إسرائيل الذين كانوا مسبيين، فرفعهم الله بإعادتهم من السبى بأمر كورش الإمبراطور ملك مادى وفارس؛ ليبنوا مدينتهم أورشليم، وهيكلها المقدس. أما الأشرار فهم البابليون الذين أذلوا شعب الله، فيضعهم إلى الأرض، ويذلهم بواسطة مادى وفارس. وهذا نفسه حدث مع فرعون مصر وجيشه الذى تحطم بالضربات العشر، وغرق في البحر الأحمر، أما شعب الله فحررهم من عبودية مصر، وعبر بهم وسط البحر الأحمر، وعالهم في برية سيناء.
- المسيح اتضع وقيد الشيطان الشرير، ورفع الرسل فبشروا المسكونة، ووضع الأشرار المقاومين، ففشلوا في مقاومة المسيحية.
اشكر الله على أعماله العظيمة التى عملها معك طوال حياتك، وإن استطعت فاكتبها في مذكرات روحية؛ حتى لا تنساها؛ كل هذا يثبت إيمانك ويفرح قلبك.
(2) عناية الله بأتقيائه (ع7-11):
ع7: أَجِيبُوا الرَّبَّ بِحَمْدٍ. رَنِّمُوا لإِلهِنَا بِعُودٍ.
- بعد أن أنعم الله على شعبه بالعودة من السبى كان من الطبيعى أن يدعوهم المزمور إلى شكر الله، بل مصاحبة الشكر بالآلات الموسيقية تعبيراً عن شدة الفرح والتسبيح.
- التسبيح هو أرقى وأعلى درجات الصلاة؛ لأنه حب خالص لله دون أى طلب. ومن يحب الله يكلمه بالكلمات التى يحبها وهى التسبيح.
ع8، 9: الْكَاسِي السَّمَاوَاتِ سَحَابًا، الْمُهَيِّئِ لِلأَرْضِ مَطَرًا، الْمُنْبِتِ الْجِبَالَ عُشْبًا. الْمُعْطِي لِلْبَهَائِمِ طَعَامَهَا، لِفِرَاخِ الْغِرْبَانِ الَّتِي تَصْرُخُ.
مما يدفعنا إلى تسبيح الله اهتمامه بكل خلائقه الذى يظهر في :
- “الكاسى السموات سحابا” : فالسموات العالية يغطيها الله بالسحاب الأبيض الذى يعطى إحساس الغموض، ولكن الله يفيض منه أمطاراً على الأرض. فهو يغطى السموات بمنظر جميل، ويشبع الإنسان وباقى الخلائق عن طريق الأمطار. والسحاب يرمز للقديسين الذين يتميزون بالبهاء الروحى ويفيضون على من حولهم بالقدوة والتعاليم الصالحة كما تنزل الأمطار من السحاب.
- “المهئ للأرض مطراً” لا يترك الله الأرض جافة، خاصة البعيدة عن الأنهار، فيشبعها هى والإنسان والحيوان، والنبات الذى عليها بالأمطار النازلة من السماء. وهكذا تخدم الخلائق كلها الإنسان، فالأمطار من السماء، والأرض تحمل النباتات والحيوانات.
- “المنبت الجبال عشباً” : الجبال التى تبدو جافة، ويصعب تسلقها، إذ يمطر الله عليها أمطاراً ينبت عليها عشباً، فيصير منظرها أخضر جميل، بل وترعى عليها الأغنام والبهائم، فتأكل وتشبع، وتشكر الله. فالجبال التى تبدو يابسة مقفرة يعطيها الله حياة وهى العشب، فتتطعم الحيوانات. كما يحول الله النفوس المقفرة الناشفة إلى نفوس حية مثمرة، بل وتشبع وتخدم من حولها.
- “المعطى للبهائم طعاماً” إن البهائم لا تستطيع الكلام، ولكنها تعبر عن جوعها بأصوات يسمعها الله، فيسرع لإطعامها بالنباتات المختلفة. وأنت كلما اتضعت صورت كبهيم عند الله، كما قال المزمور (مز73) ليس فقط مادياً، بل روحياً أيضاً.
- “لفراخ الغربان التى تصرخ” إن الله يطعم أيضاً فراخ الغربان التى تصرخ إليه؛ لأن الغراب إذ خرجت أفراخه من البيض تكون بيضاء فيخاف منها ويتضايق أبواها الغربان الكبيرة، فتطير بعيداً وتتركها. وهنا تفتح الأفراخ أفواهها وتصرخ إلى الله بأصوات ضعيفة، فيرسل لها أعداداً كبيرة من الحشرات التى تنجذب نحو رائحة أفواهها، فتأكلها، وتكبر الأفراخ، ويتغير لون ريشها إلى السواد، فيألفها أبواها الغربان وتأتى إليها لتساعدها وتهتم بها.
ع10، 11: لاَ يُسَرُّ بِقُوَّةِ الْخَيْلِ. لاَ يَرْضَى بِسَاقَيِ الرَّجُلِ. يَرْضَى الرَّبُّ بِأَتْقِيَائِهِ، بِالرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ.
الله الذى نسبحه يفرح بالمتضعين المتكلين عليه ويشتاق لتسبيحهم، فهو لا يفضل من يعتمد على قوة المعدات الحربية، وكانت قديماً أهمها الخيل، ويضاف إليها القوة البدنية للرجل، التى تظهر في ساقيه القادرتين على الجرى السريع لمهاجمة وسحق الأعداء، بل يسر الله بأتقيائه الراجين رحمته باتضاع. فالشيطان يدعو البشر للاعتماد على قوتهم وأسلحتهم وترك الله، والعلاج هو مخافة الله، وترك الخطية، والاتضاع أمامه بصلوات كثيرة، طالبين رحمته، فننتصر على أعدائنا الشياطين مهما كانت قوتهم. فسليمان الذى اعتمد على كثرة الخيل (2أى9: 25، 28) مخالفاً الشريعة (تث17: 16) انشقت المملكة بعده، أما جدعون الذى خاف الله واعتمد عليه انتصر على عشرات الآلاف من الأعداء بثلاث مئة رجل بدون أسـلحة (قض7: 7).
لا تنزعج من ضعف إمكانياتك، أو قوة من يهاجمونك؛ لأن قوة الله التى معك تعطيك نصرة على كل المعوقات التى أمامكِ، أسلك في مخافة الله، وترجى رحمته تنال كل البركات التى تحتاجها.
(3) بركة الله لأورشليم (ع12-20):
ع12-14: سَبِّحِي يَا أُورُشَلِيمُ الرَّبَّ، سَبِّحِي إِلهَكِ يَا صِهْيَوْنُ. لأَنَّهُ قَدْ شَدَّدَ عَوَارِضَ أَبْوَابِكِ. بَارَكَ أَبْنَاءَكِ دَاخِلَكِ. الَّذِي يَجْعَلُ تُخُومَكِ سَلاَمًا، وَيُشْبِعُكِ مِنْ شَحْمِ الْحِنْطَةِ.
عوارض أبوابك : قوائم أبوابك، أى ألواح الخشب الرئيسية التى تكون الأبواب.
تخومك : حدودك.
شحم الحنطة : أفضل أنواع القمح المشبعة وكأنها طعام دسم.
- بدءاً من (ع12) يبدأ المزمور 147 في الترجمة السبعينية وهو المزمور الأخير من صلاة النوم.
- من أجل كل البركات السابق ذكرها يدعو المزمور أورشليم – التى هى صهيون – لتسبح الرب إلهها، فهو إله خاص بها يحبها؛ لأنها مدينته المقدسة، وسكانها أولاده، الذين يعبدونه فى هيكله العظيم القائم داخل أورشليم.
- أسباب تسبيح أورشليم لله كثيرة أهمها :
أ – “شدد عوارض أبوابك” : والمقصود أنه جعل أبوابك قوية وحصينة، فتحمى المؤمنين الساكنين داخل أورشليم. وهذا يعلن قوة الله التى تحمى أولاده. والباب هو المسيح، كما أعلن ذلك بنفسه (يو10: 7). والأبواب أيضاً ترمز لحواس الإنسان، فالله يشددها لتصير طاهرة ونقية، وتدخل للإنسان كل ما هو طاهر.
ب – “بارك أبناءك داخلك” : وذلك بأن يكثر الأبناء المؤمنين، وأيضاً يقدسهم، ويملأهم بقوته. والأبناء أيضاً ترمز لحواس الإنسان وفضائله، فالله يبارك الحواس ويكثر الفضائل.
جـ- “يجعل تخومك سلاماً” أى يحفظ الله حدود الأراضى التابعة لأورشليم، وهى منطقة اليهودية، فيحيا سكانها بسلام، ويرد عنهم الأعداء، فتستطيع أورشليم ومن فيها أن يحبوا لله ويسبحوه.
د – “يشبعك من شحم الحنطة” : يعطيها الله بركات مادية، وطعام مشبع، فيهبها أفضل أنواع القمح، فتأكل وتشبع بغنى، وهذا من نعمة الله، وليس بسبب جودة الأرض، أو الظروف الجوية. وشحم الحنطة يرمز لجسد المسيح ودمه، وهو أفضل طعام روحى.
ع15: يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فِي الأَرْضِ. سَرِيعًا جِدًا يُجْرِي قَوْلَهُ.
- كلمة الله هى أمره لكل خليقته أن تخدم الإنسان، وهى وصاياه وشريعته التى أعطيت للإنسان ليحيا بها، وهى أيضاً كلمته على لسان الأنبياء، وكلمته الحية في رجاله الأتقياء في العهد القديم، مثل إبراهيم واسحق ويعقوب.
- كلمة الله هى المسيح المتجسد في ملء الزمان، الذى أعطى الخلاص للبشرية، وهى كلمة الله على لسان الرسل، الذين بشروا المسكونة كلها. وكذلك الآباء الأساقفة والكهنة والخدام في كل الأجيال.
ع16، 17: الَّذِي يُعطِي الثَّلْجَ كَالصُّوفِ، وَيُذَرِّي الصَّقِيعَ كَالرَّمَادِ. يُلْقِي جَمْدَهُ كَفُتَاتٍ. قُدَّامَ بَرْدِهِ مَنْ يَقِفُ؟
يذرى : ينثر.
الصقيع : الجليد.
جمده : ثلجه.
برده : شرائح ثلجية مدببة تقتل من تسقط عليه، إذ تسقط بكثرة من علو كبير.
أسباب أخرى يقدمها المزمور لتسبيح الله، وهى :
- “يعطى الثلج كالصوف” : قدرته على تحويل الطبيعة لتعمل عكس غرضها. فالثلج البارد جداً يصير كالصوف الذى يدفئ من يلتصق به، كما عبر بنو إسرائيل بثيابهم البسيطة أربعين سنة في برية سيناء القاسية البرودة ليلاً، والتى يتحول فيها الماء إلى ثلج، ولكن أعطاهم الله دفئاً كمن يتغطون بالصوف. وهذا يرمز إلى أن الله يحول البرودة الروحية إلى حياة روحية دافئة، بل حارة.
- “يذرى الصقيع كالرماد” : الصقيع بارد والرماد هو ناتج الاحتراق، أى ساخن. وهذا يرمز لتحويل الله البرودة الروحية إلى توبة وانسحاق أمام الله، فتحترق الخطية وتصير رماداً، كما أحرق الروح القدس الخطية داخل المؤمنين عندما حل عليهم، فأحرق فيهم كل شهوة وخطية بالتوبة.
- “يلقى جمده كفتات” : فالجمد هو الثلج الصلب يتفتت إلى أجزاء صغيرة. وهذا يرمز إلى انسحاق القلوب الحجرية القاسية فتصير كالفتات. بل إن الفتات أيضاً يرمز لفتات الخبز، أى يصيروا نافعين لغيرهم، فيكونوا مأكلاً وشبعاً روحياً لمن حولهم، مثل شاول الطرسوسى القاسى القلب الذى صار بولس الرسول وبذل حياته لأجل المسيح؛ ليشبع النفوس الجائعة من الأمم، وصار قلباً حساساً يشعر بكل أولاده إذ قال “من يضعف وأنا لا أضعف ومن يعثر وأنا لا ألتهب” (2كو11: 29).
- “قدام برده من يقف” : فالبرد يمثل عدل الله، وعقابه للأشرار، فمن لا يتعلم من كل ما سبق ويقبل إلى الله، أى يتمادى في شره، يأتى عليه غضب الله، فيهلكه. كما حدث مع الشعوب الوثنية التى سكنت أرض كنعان وزاد شرها فأهلكهم الله،
(يش2: 8)، وكما حدث مع سدوم وعمورة (تك19: 28).
ع18: يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا. يَهُبُّ بِرِيحِهِ فَتَسِيلُ الْمِيَاهُ.
- الله قادر بكلمته أن يأمر الخلائق، فتعمل عكس طبيعتها، فالثلج والصقيع والجمد والبرد مواد صلبة، ولكن الله قادر أن يغيرها، فتتحول إلى سوائل تفيض على البشر والبهائم، فتشرب منها، ولا تؤذيهم، بل تفيدهم. كما غير الله طبيعة النار في الآتون مع الثلاث فتية فلم تؤذهم (دا3)، والأسود المفترسة أصبحت حيوانات أليفة طيعة مع دانيال (دا6: 22)، وماء البحر الأحمر السائل صار كحائط جامد ليعبر بنو إسرائيل (خر14: 22) أما الأرض الناشفة تحت أرجل داثان وأبيرام صارت لينة كماء البحر، فسقطوا وابتلعتهم الأرض (عد16: 31-33). وعصا هارون الجافة صارت لينة وأزهرت وأثمرت (عد17: 8)، أما حمارة بلعام الغير ناطقة فقد تكلمت بحكمة أفضل من فهم بلعام نفسه (عد22: 28).
- كلمة الله هو المسيح الذى بفدائه وروحه القدوس يغير النفوس القاسية عندما تتوب، فتصير لينة، مطيعة لوصايا الله، بل وتصير خادمة تفيد وتشبع الآخرين.
ع19، 20: يُخْبِرُ يَعْقُوبَ بِكَلِمَتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ بِفَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ. لَمْ يَصْنَعْ هكَذَا بِإِحْدَى الأُمَمِ، وَأَحْكَامُهُ لَمْ يَعْرِفُوهَا. هَلِّلُويَا.
فرائضه : طقوس العبادة.
أحكامه : وصاياه وشريعته.
- أعطى الله لشعبه كلمته، أى وصاياه، وعلمهم شريعته، أى أحكامه، وفرائض عبادته في الهيكل، وعلمهم كيف يسلكون أمامه عن طريق الآباء والأنبياء، بينما كان كل العالم وثنى غارق في الجهل وعبادة الأصنام، منغمسين في شهواتهم، فاختار الله شعبه بنى إسرائيل، وعلمهم الحياة معه؛ ليكونوا بعد هذا نورا للعالم.
- أعطى أيضاً الله كلمته المتجسد، أى ربنا يسوع المسيح؛ ليولد في يعقوب، أى بيت لحم اليهودية، وليبشر إسرائيل، أى كل شعب اليهود بشريعة العهد الجديد التى هى استكمال لشريعة العهد القديم، لكى يحيا حياة سامية في المسيح، ثم نشر البشارة بواسطة الرسل للعالم كله.
- بدأ المزمور بإرجاع شعبه إسرائيل من السبى؛ ليبنوا الهيكل ويعبدوه. ثم خاطب البشر جميعاً، فرفع الودعاء ورفض الأشرار، واعتنى بالطبيعة كلها لمنفعة الإنسان، وبعد ذلك عاد للكلام عن شعبه إسرائيل، فأظهر أنه أعطاهم بركات مادية وأخيراً يتحدث عن بركاته الروحية التى وهبها لشعبه. كل هذا ليكون شعبه نوراً لكل العالم. فالله يحب شعبه، ويحب كل البشر؛ لأنهم أولاده.
تأمل البركات المادية التى وهبك الله إياها، واشكره عليها. وليتك تكتبها عندك، ثم تأمل بركاته الروحية، واكتبها أيضاً عندك، وارفع قلبك بالتسبيح؛ ليرتفع قلبك إلى الله، وتسمو عن الخطية والشهوات الزائلة.