الله المعين في الضيقات
ترنيمة المصاعد
مقدمة :
- كاتبه : لا يذكر في عنوان هذا المزمور اسم الكاتب، فهو من المزامير اليتيمة الغير معروف كاتبها.
- يبين هذا المزمور أن الكاتب يعاني من خداعات ورياء المحيطين به وكلام كاذب كثير؛ حتى أنه شعر بغربته وسطها. فهو يمثل صرخة إنسان بار يريد أن يحيا مع الله وسط عالم مملوء بالشر.
- تلمس في هذا المزمور طمأنينة وإيمان في قلب كاتبه وسلام عجيب، وهذا يؤكد علاقته القوية مع الله.
- يناسب هذا المزمور كل إنسان يمر بضيقة، أو يتعرض لمشاكل من المحيطين به.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ لأنه يعبر عن الآلام النفسية التي تعرض لها المسيح من اليهود الذين اضطهدوه، وخادعوه، وحاولوا اصطياده بكلمة، مستترين وراء كلمات مدح كاذبة (ع2).
- يوجد هذا المزمور بصلاة الأجبية في صلاة الغروب ونصف الليل، فهو يعبر عن الآلام التي عانى منها الإنسان الروحي طوال النهار ويلقيها أمام الله في اتكال عليه؛ ليستعيد سلامه.
النجاة من المرائين (ع 1 – 4) :
ع (1) :
- يعاني كاتب المزمور من ضيق شديد؛ حتى أنه صرخ إلى الله، ولم يقدم مجرد صلاة عادية، أو طلبة، ولكنه يتمتع بإيمان عظيم؛ حتى أنه آمن أن الله استجاب له رغم أن الاستجابة لم تظهر بعد، ولكنه يثق في استجابة الله مما أعطاه سلاماً داخلياً؛ لأنه يعتمد على خبرة روحية سابقة مع الله الذي أنقذه من آلام كثيرة.
- هذه الآية نبوة عن المسيح وسط آلامه واحتماله الصليب، فهو يثق في استجابة صلاته سواء في بستان جثيماني أو على الصليب، وأنه سيفدي البشرية ويقوم من الأموات، معلناً نصرته على الخطية لأجلنا.
ع (2 ، 3) :
- يتعجب كاتب المزمور من الإنسان ذى اللسان الغاش الكاذب؛ لأنه ماذا يستفيد من هذا الشر والرياء، وتماديه في هذا الغش الذى لابد وأن يؤدي به للهلاك الأبدي. ويقصد بصاحب اللسان الغاش الشيطان، وكل شرير يتبع الشيطان، والعذاب الذي ينتظر الكذاب ليس فقط في نهاية حياته بل أيضاً فإن الغش والخداع يعذبان صاحبه، إذ يشعر بانقسام وازدواجية في داخله، فيكون مضطرباً وليس له سلام، وإن كان المخادع يظن أنه يحصل بكذبه على بعض ماديات العالم فهي زائلة.
- في بداية الطريق الروحي عندما يحاول الإنسان أن يصعد إلى الله؛ لأن هذا هو أول مزامير المصاعد؛ أي أول درجة في طريق الجهاد الروحي، عندما يقرر أن يحيا الإنسان مع الله، تلتف حوله الشياطين بخداعاتهم، فتمتدحه، وتغريه بالشهوات، لعله يسقط في الكبرياء، أو الدنس، فيتعطل عن الصعود إلى الله.
- هذه الآيات أيضاً نبوة عن المسيح ويهوذا الإسخريوطي، الذي سلمه بقبلة غاشة، وفي رياء أظهر نفسه كصديق للمسيح.
ع (4) :
الرتم : نوع من أشجار الشيح الموجود فى الصحاري مثل صحراء شبه الجزيرة العربية ويسمى العرع، ويعمل منه الفحم، الذي يتميز بشدة حرارته، وطول مدة اشتعاله.
- الأشرار المخادعون يشبههم كاتب المزمور بسهام جبارة مسنونة يريدون بها قتل من يسيئون إليهم، ويشبههم أيضاًَ بنار مشتعلة بشدة لتحرق من حولهم، ولكن الأبرار أولاد الله يحتمون فيه فلا تصيبهم إساءات هؤلاء الأشرار.
- الأشرار الكذابون سينالون عذاباً شديداً يشبههم بسهام مسنونة قوية ونار شديدة الاشتعال، فيكون عذابهم مؤلماً جداً.
- على الجانب الأخر يرى القديس أوغسطينيوس أن السهام المسنونة هي سهام كلمة الله التي تنخس الأشرار، وتقودهم للتوبة، وجمر الرتم هو نار الروح القدس، التي تحرق بالتوبة خطاياهم، وتشغل محبتهم نحو الله.
لا تتأثر بالغش والخداع المحيط بك في العالم، بل التجئ إلى الله بالصلاة، ليثبتك في وصاياه، فلا تنجرف مع تيار الشر، ولا تنزعج من خداع الأشرار، بل تحيا في سلام بقوة إيمانك.
غربة العالم (ع 5– 7) :
ع (5 ، 6) :
ماشك : هم نسل يافث ابن نوح (تك 10 : 2) وهم قبائل سكنت شمال شرق بلاد اليهود وعملوا بالتجارة، وهم يمثلون أهل العالم البعيدين عن الله، والمنشغلين بالماديات.
قيدار : الابن الثاني لإسماعيل، وهم قبائل تجولت في شبه الجزيرة العربية، وتميزت بالعنف والشراسة، وكانوا يسكنون خيام مصنوعة من جلد الماعز الأسود، فخيامهم ترمز للظلمة والشر.
- يعلن كاتب المزمور عن ضيقه من السكن ليس بين قبائل ماشك أو قبائل قيدار، ولكن السكن بين أناس أشرار يشبهون قبائل ماشك البعيدة عن الله، أو قبائل قيدار المملوءة شراً وعنفاً، ولذا فقد شعر بغربته عمن حوله، فطلب معونة الله ليطمئنه، ويحوطه بمحبته.
- يشعر الإنسان الروحي السالك بوصايا الله أنه غريب وسط العالم، لأجل سلوك من حوله في الشر والخداع والكذب، فيطلب معونة الله ليخلصه من هذا الضيق النفسي، ويسانده بمحبته، ويعيد إليه سلامه.
ع (7) :
- رغم إحساس كاتب المزمور بالغربة وسط الأشرار أهل العالم، وانشغالهم بالخداع والكذب لكنه تمسك بالله ووصاياه، فوهبه الله سلاماً لا يتزعزع.
- كان متمسكاً بالسلام والحب، فلم يحتملوا كلامه، وأصروا على الحرب مع الآخرين، ومعه هو أيضاً. ولم ينزعج لأن الله يحميه، ويثبتة في السلام والحب لهم، ولكل البشر.
- هذه الآية نبوة عن المسيح الذي هو إله السلام واحتمل مقاوميه وأعداءه الذين حاولوا اصطياده بكلمة وشتموه، وحاولوا قتله، ولكنه ظل يحبهم ومات لأجلهم.
كن راسخاً في إيمانك بالله، واطلب معونته لتحيا في سلام مهما استفزك الأشرار، لاتسلك بعنف وقسوة رداً على إساءاتهم، وثق أن محبتك تطفئ لهيب الشر وتظل نوراً للعالم.