كيف نسلك بالكمال
لداود. مزمور
“رحمة وحكماً أغنى لك يا رب .. ع1”
مقدمة :
- كاتبه : داود النبى كما يذكر عنوان هذا المزمور.
- متى كتب ؟
بعد موت عزة الذى مد يده ليسند التابوت أثناء نقله من قرية يعاريم إلى بيت عوبيد أدوم الجتى (2 صم : 6)، وقد بقى التابوت فى بيت عوبيد مدة ثلاثة أشهر إلى أن نقله داود إلى أورشليم. وفى هذه الفترة كتب داود هذا المزمور، حيث كان داود فى صراع بين خوفه من الله بسبب موت عزة واشتياقه لبركة التابوت فى أورشليم.
- يبين هذا المزمور أشواق داود لحياة الكمال، ورفضه الشر.
- يرمز هذا المزمور لحياة أولاد الله في كنيسة العهد الجديد التى تسعى نحو الكمال.
- يتمنى داود في هذا المزمور أن تكون مملكته نقية من كل شر، ويرمز للمسيح الذى يريد أن تكون كنيسته طاهرة وبلا غضن (أف5: 27).
- يوجد هذا المزمور بصلاة الأجبية في صلاة الساعة التاسعة، التى فيها أتم المسيح الفداء على الصليب ليؤسس كنيسته الطاهرة.
(1) السلوك بالكمال (ع1-3) :
ع1: رَحْمَةً وَحُكْمًا أُغَنِّي. لَكَ يَا رَبُّ أُرَنِّمُ.
- إن الرحمة الإلهية تسبق حكم الله ودينونته، فالله يريد أن الجميع يخلصون. من أجل هذا يغنى ويرنم داود أن الرحمة تسبق الحكم، بل إن الله رحيم فى حكمه؛ كما أوقف الوباء الذى عاقب به الله داود لإحصائه الشعب (2صم24: 15، 16). والله أيضاً حكيم فى رحمته، فقد سمح أن يمرض الطفل المولود من زنا داود وإمرأة أوريا الحثى؛ ليعلم داود أن نتيجة الزنا مكروهة عند الله، فقد سامح داود ولكن الطفل مات (2صم12: 13-15).
- إن رحمة الله هى فى هذه الحياة لتعطينا فرصة للتوبة، أما الحكم فهو فى يوم الدينونة الأخير.
- إن مراحم الله كثيرة، ومن الطبيعى أن يغنى لها داود، ولكن العجب أن يغنى أيضاً لحكم الله وعدله. فهو يرنم لعدل الله الذى سيتم في ملء الزمان، عندما يوفى المسيح الدين الذى للبشرية على الصليب. ويغنى داود لحكم الله ودينونته التى بها يعاقب الشياطين، ويهلكهم في العذاب الأبدى.
- إن كانت رحمة الله تتقدم حكمه، فينبغى أن أولاد الله تتقدم الرحمة في مشاعرهم وأعمالهم مع الآخرين على حكمهم، فيطلبون خلاص نفوس الكل مثل الله.
ع2: أَتَعَقَّلُ فِي طَرِيق كَامِل. مَتَى تَأْتِي إِلَيَّ؟ أَسْلُكُ فِي كَمَالِ قَلْبِي فِي وَسَطِ بَيْتِي.
- يعلن داود منهجه في الحياة بوعده لله أن يسلك بالكمال، وبتعقل؛ أى يتفهم كل ما يعمل، ويدقق فيه، ويسلك بحسب وصايا الله. وكان يسلك بالكمال ليس فقط قدام الناس ولكن أيضاً في وسط بيته في معاملة أسرته وعبيده، وفى كل أموره الشخصية. وسلوكه بالكمال نابع من قلبه، وليس تصرفات ظاهرية سطحية.
- عندما ذكر داود سعيه للسلوك بالكمال تذكر ضعفه وقصوره، فطلب أن يأتى إليه الله؛ ليسنده في تنفيذ وصاياه. وهو أيضاً يترجى الله معلناً أشواقه أن يأتى إليه ويباركه، كما وعد موسى قديماً (خر20: 24). وكذلك طلبه أن يأتى الله هو نبوة عن تجسد المسيح ليفدى البشرية.
ع3: لاَ أَضَعُ قُدَّامَ عَيْنَيَّ أَمْرًا رَدِيئًا. عَمَلَ الزَّيَغَانِ أَبْغَضْتُ. لاَ يَلْصَقُ بِي.
في طريق الكمال يعلن داود أنه لا يضع أمام عينيه كهدف أى أمر ردىء؛ لأنه يبغضه، ولا يريد أن يلتصق به. فهو وإن كان كإنسان معرض للسقوط في أية خطية، ولكنه لا يضع الخطية هدفاً لحياته، بل يتباعد عنها ويبغضها؛ لأنه يريد الالتصاق بالله، والسلوك بوصاياه.
ضع الله هدفاً فى بداية يومك لتتمسك بوصاياه، وترضيه فى أفكارك، وكلامك، وأعمالك، وابتعد عن الشر؛ حتى لو سار كل من حولك فى طريقه، واستمر ملتصقاً بالله، فتتمتع بسلامك دائماً.
(2) الابتعاد عن الأشرار والالتصاق بالأمناء (ع4-8) :
ع4: قَلْبٌ مُعْوَجٌّ يَبْعُدُ عَنِّي. الشِّرِّيرُ لاَ أَعْرِفُهُ.
يواصل داود حديثه عن الكمال، فيؤكد أنه يتباعد عن الملتويين، أى الذين قلوبهم معوجة عن الله، وكل الأشرار. فهو لا يريد أن يختلط بالشر لئلا يسقط فيه، وهذا يبين تدقيقه، ونقاوته. وهو في هذا يرمز للمسيح البار القدوس الذى يتنافر مع الشر.
ع5: الَّذِي يَغْتَابُ صَاحِبَهُ سِرًّا هذَا أَقْطَعُهُ. مُسْتَكْبِرُ الْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ الْقَلْبِ لاَ أَحْتَمِلُهُ.
يغتاب : يدين غيره فى غيابه
يضيف داود على سلوكه النقى أنه يتباعد عن الأشرار الذين يفعلون خطيتين كبيرتين هما:
- الإدانة والاغتياب : لأنها ضد محبة الآخر وكذلك تجريحاً له، وإعثار للسامعين، وفقدان سلام الذى يدين، فهى شر من جميع النواحى متعدد الإساءات.
- الكبرياء : سواء فى القلب، أو فى السلوك بالنظر، أو الكلام، أو التصرفات.
فداود النبى كان لا يحتمل هاتين الخطيتين، ويقاطع من يسلك بهما.
ع6: عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي. السَّالِكُ طَرِيقًا كَامِلاً هُوَ يَخْدِمُنِي.
لكى يبتعد داود الملك عن الظلم في أحكامه، وقرارته قاطع الأشرار، وفى نفس الوقت قرَّب إليه الأمناء مع الله، والسالكين بالكمال. فالحاكم العادل لا يكتفى فقط بمقاطعة الأشرار، بل لابد أن يحيط نفسه بالأمناء والكاملين، كما صادق داود يوناثان، وكما قرب المسيح إلى نفسه الإثنى عشر تلميذاً، والسبعين رسولاً، وكان يحب لعازر وأختيه مريم، ومرثا.
ع7: لاَ يَسْكُنُ وَسَطَ بَيْتِي عَامِلُ غِشٍّ. الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَذِبِ لاَ يَثْبُتُ أَمَامَ عَيْنَيَّ.
- يستكمل داود حديثه عن نقاوة الجو المحيط به، فيعلن أن من يعمل بالغش، أو يكذب لا يستقر داخل بيته. فحتى لو حاول الكذاب والغشاش التسلل إلى قصر داود، فهو يطرده ولا يدعه يستقر معه في البيت.
- إن حاولت أفكار الغش، أو الكذب الدخول إلى قلب الإنسان الروحى يرفضها، ولا يجعلها تستقر في داخله.
ع8: بَاكِرًا أُبِيدُ جَمِيعَ أَشْرَارِ الأَرْضِ، لأَقْطَعَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّبِّ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ.
- يختم داود المزمور بكراهيته للشر، فيبيده من مدينته أورشليم، ويسرع إلى هذا بأن يبكر للتخلص من الشر؛ حتى يحفظ نقاوة المدينة، وكل المحيطين به.
- المدينة ترمز إلى قلب الإنسان الروحى، وإلى الكنيسة التى ينبغى أن تظل طاهرة، كما فعل بولس الرسول وعزل الخاطئ في كنيسة كورنثوس حتى تاب (1كو5: 13).
حاسب نفسك كل يوم لتتخلص من خطاياك بالتوبة، بل وتقطع نفسك، وتبتعد عن مصادر الشر؛ لتحيا فى سلام ونقاوة، وتتمتع بعشرة الله.