شكر لله الحصن
“هللويا احمد الرب بكل قلبى في مجلس المستقيمين وجماعتهم” ع1
مقدمة :
- كاتبه : غير معروف.
- متى كتب ؟ يوجد عنوان فى الترجمة السبعينية لهذا المزمور، وهو “من أجل عودة حجاى وزكريا”. وبهذا يكون ميعاد كتابته بعد الرجوع من السبى.
- يتحدث هذا المزمور عن أعمال الله، وعظمتها، وصفاتها، فهو يدعو الإنسان إلى شكر الله وتسبيحه مع الثبات في الإيمان به.
- توجد علاقة بين هذا المزمور، والذى يليه فى أن الأول يتكلم عن صفات أعمال الله، أما المزمور 112 فيتكلم عن صفات خائفى الله.
- هذا المزمور ليتورجى، وكان يردد في عيد الفصح، كما يخبرنا القديس أغسطينوس.
- هذا المزمور والذى يليه مرتبان على الأبجدية العبرية. فينقسم هذا المزمور إلى إثنين وعشرين جزءاً (يمكن أن تحتوى الآية على جزئين أو ثلاثة) وكل جزء يبدأ بحرف من الحروف الأبجدية العبرية. ويلاحظ أن هذين المزمورين فيهما آيات تتشابه مع سفرى المزامير والأمثال.
- لأن المزمور 110 السابق لهذا المزمور يتكلم عن صعود المسيح، فهذا المزمور والمزموران التاليان له يبدأ كل منهما بكلمة هللويا. فتعبر هذه المزامير الثلاثة عن الفرح بصعود المسيح.
- يوجد هذا المزمور بالأجبية في صلاة الساعة التاسعة، التى مات فيها المسيح على الصليب وأتم فداءنا؛ لذا فنمجد أعمال الله العظيمة التى بها نلنا خلاصنا وفداءنا.
(1) شكر الله على أعماله (ع1-4):
ع1: هَلِّلُويَا. أَحْمَدُ الرَّبَّ بِكُلِّ قَلْبِي فِي مَجْلِسِ الْمُسْتَقِيمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ.
- يبدأ المزمور بالتهليل والحمد والشكر لله؛ لأجل كل إحساناته. وهذا التسبيح من كل القلب، أى بكل المشاعر، وليس فقط باللسان، أى أن كيان المرتل كله يشكر الله، ويسبحه، فهو غير منشغل بشهوات العالم، أو همومه، ولكن انشغاله الوحيد هو بتسبيح الله. وبهذا يحقق وصية الله أن يحبه بكل قلبه (تث6: 5).
- لا يكتفى بالشكر والحمد فى المخدع، ولكن أيضاً يحمد الله فى مجلس، ومجمع المستقيمين، أى المؤمنين بالله، والمستقيمين فى عبادته. فهو يتشجع ويشجع من حوله على تسبيح الله، وهذا يؤكد أن هذا المزمور مزمور ليتورجى.
ع2: عَظِيمَةٌ هِيَ أَعْمَالُ الرَّبِّ. مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ الْمَسْرُورِينَ بِهَا.
- أعمال الله عظيمة تظهر مدى حكمته وقدرته فى الخلق، وتدبير الكون وحفظه إياه فى إتزان. بل تظهر عظمته أيضاً فى جعل المخلوقات أن تعمل عكس عملها لتمجيد اسمه، ولخلاص أولاده؛ فيجعل النار لا تحرق الثلاثة فتية، والأسود المفترسة الجائعة لا تضر دانيال. وعلى العكس يجتمع البرد والنار لإهلاك المصريين، والشمس والقمر لا يضيئان فى ضربة الظلام.
- أعمال الله يطلبها المؤمنون؛ أى يتأملوا فيها، ويعاينوا الله خالقها، فتسر قلوبهم، وتسبح الله على عظمته، بل يطلبون التأمل فى أعمال الله دائماً ليكتشفوا الله المختفى وراءها، ويظلوا فى تمجيد وتسبيح دائم له.
ع3: جَلاَلٌ وَبَهَاءٌ عَمَلُهُ، وَعَدْلُهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ.
جلال : عظمة.
بهاء : حسن وجمال.
قائم : ثابت.
- أعمال الله عظيمة وجميلة جداً، ليس فقط فى الكائنات الضخمة مثل الشمس والقمر، ولكن فى أصغر المخلوقات، مثل الحشرات، أو الميكروبات غير المرئية بالعين المجردة. فكلها بحكمة خلقت، ولها نظام فى الحياة يحفظها، مهما بدا ضعفها، أو تعرضت للظروف المقاومة لها. كل هذا خلقة الله لأجل الإنسان، فكم يتعاظم عمله فى خلقه الإنسان، ورعايته، وتدبير حياته.
- الله كامل فى عدله، وعدله دائم إلى الأبد، لكنه يطيل أناته على الأشرار ليعطيهم فرصة للتوبة، وبالتالى لا ينزعج الإنسان إذا تعرض لظلم؛ لأن الله عادل، وسيعوضه فى الأرض جزئياً، وفى الأبدية بلا حدود. ومن ناحية أخرى لا يندفع أحد ويظلم غيره حتى لو أتيحت له الفرصة. فالله لابد أن يعاقبه سواء فى هذه الحياة، أو بالأكثر فى الحياة الأخرى إن رفض التوبة.
ع4: صَنَعَ ذِكْرًا لِعَجَائِبِهِ. حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ هُوَ الرَّبُّ.
- أعمال الله العجيبة من المهم أن يتذكرها الإنسان؛ حتى يثبت إيمانه، وتدفعه للحمد والشكر. ولذا أمر الله شعبه أن يحفظوا جزءً من المن فى قسط داخل تابوت العهد طوال حياتهم، وكذا عصا هارون التى أفرخت، وفوق الكل لوحى الوصايا. وأمر الله شعبه أن يقدسوا أياماً للأعياد ليتذكروا فيها الله. وحتى اليوم الكنيسة تهتم بتذكر أعمال الله من خلال الأعياد والأصوام، وفوق الكل التذكار الحى العينى لجسده ودمه من خلال سر الافخارستيا.
- تذكر أعمال الله يعلن لمن يحرص عليه حنان الله ورحمته، وبهذا يتعلق شاكرو الله بشخصه ويحبونه من كل قلوبهم، فتفيض عليهم مراحم أوفر؛ حتى أنهم يمتلئون حباً ورحمة من نحو الآخرين، فيخدمونهم ويكرمونهم.
ليتك تخصص ولو دقائق كل يوم أو كل أسبوع لتتأمل فى أعمال الله ، سواء فى الطبيعة، أو تدبيرها، أو خلقتك، أو رعايته لك، ليهدأ قلبك ويمتلئ حباً له، وينطلق لسانك بتسبيحه.
(2) صفات أعمال الله (ع5-10):
ع5: أَعْطَى خَائِفِيهِ طَعَامًا. يَذْكُرُ إِلَى الأَبَدِ عَهْدَهُ.
- ذكر الله عهده مع الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب، فاهتم بشعبه فى برية سيناء، وأعطاهم المن طعاماً طوال أربعين سنة؛ لأنهم يؤمنون به، ويخافونه. فأطعمهم فى برية جرداء هى برية سيناء، كما أطعم أولاده على مر الأجيال مثل إيليا الذى أطعمه بواسطة الغراب (1مل 6:17) وكما أطعم المسيح الجموع من السمكتين والخمس خبزات ( مت 14: 13-21 ).
- يقصد بالطعام الفصح ولذا يرنم هذا المزمور فى عيد الفصح، كما ذكرنا فى المقدمة. والفصح يرمز لذبيحة المسيح، أى جسده ودمه ، التى يعطيها فى كنيسته كل يوم لخائفيه كعهد أبدى، أى يطعمهم روحياً إلى الأبد. والله لا ينسى عهده ويريد من أولاده المؤمنين أيضاً ألا ينسوا عهده، فيتناولون من جسده ودمه دائماً لغفران خطاياهم، وليعطهم حياة روحية قوية. كما أمر شعبه أيام موسى أن يضعوا مناً فى القسط الذهبى داخل تابوت العهد، ليتذكروا دائماً كيف أطعمهم، ذاكراً عهده مع إبراهيم ليتكلوا عليه ويشكروه.
ع6: أَخْبَرَ شَعْبَهُ بِقُوَّةِ أَعْمَالِهِ، لِيُعْطِيَهُمْ مِيرَاثَ الأُمَمِ.
- أخبر الله شعبه بنى إسرائيل الذى كان مستعبداً فى مصر بقوة أعماله ، ليس فقط بالوعود والكلام، بل عملياً من خلال الضربات العشر، وشق البحر الأحمر وعبورهم وغرق فرعون وكل جيشه.
- بعدما عالهم الله فى برية سيناء أربعين سنة بطريقة معجزية، فأعطاهم الماء فى الصخرة والمن من السماء، وكذلك السلوى، وحفظ ثيابهم ونعالهم فلم تبلى، وحفظهم من الأعداء ، فانتصروا عليهم مثل عماليق و أوصلهم فى النهاية إلى نهر، وشقه ليعبروا فيه، ثم أباد الوثنيين الساكنين فى كنعان لشرهم، وأعطى بنى إسرائيل أرضهم لإيمانهم به.
ع7، 8: 7- أَعْمَالُ يَدَيْهِ أَمَانَةٌ وَحَقٌّ. كُلُّ وَصَايَاهُ أَمِينَةٌ. 8-ثَابِتَةٌ مَدَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ، مَصْنُوعَةٌ بِالْحَقِّ وَالاسْتِقَامَةِ.
- أعمال الله أمينة؛ أى مؤكدة وحق ، بمعنى أنها لخير الإنسان، وكذلك كل وصاياه ثابتة؛ حتى لو لم يفهمها الإنسان فى وقتها، واحتمل ضيقات، لكنه يكتشف فى النهاية أن الباب الضيق والطريق الكرب هو المؤدى للحياة الأبدية. والله يطيل أناته على الشر، ولكن لابد أن يكافئ عاملى الخير.
- وصايا الله وأعماله ثابتة لا يمكن أن تتغير حتى لو تغير العالم كله، وكلها حقائق مهما حاول الشيطان التشكيك فيها. وهى وحدها المستقيمة وعكسها هو الانحراف، مهما كان الأمرمغرياً مثل شهوات العالم. ولذا ينبغى أن يتمسك المؤمن بإيمانه، ووصايا الله، ويرفض كل شك حتى لو كان كلام الشيطان مقنعاً؛ إذ سينكشف خداعه بعد هذا.
ع9: أَرْسَلَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ. أَقَامَ إِلَى الأَبَدِ عَهْدَهُ. قُدُّوسٌ وَمَهُوبٌ اسْمُهُ.
- أرسل الله فداءً لشعبه إسرائيل المستعبد فى مصر، فحرره وأخرجه من مصر وعبر البحر الأحمر ومات بدلاً منه فرعون وكل جيشه. وأقام الله عهده مع شعبه ليكون له إلهاً ويكون له شعباً، فحفظه وعاله فى برية سيناء، وملكه أرض كنعان، وأظهر قداسته له عندما سكن بيته فى خيمة الإجتماع ، بعدما ظهر بجبروته على الجبل، وقدم الشعب له الذبائح وخافه وعبده، فتمتع برعايته وعشرته.
- كل ماعمله الله مع شعبه فى العهد القديم كان رمزاً لفداء المسيح على الصليب، ثم أقام عهده فى كنيسته بسر الإفخارستيا. وهكذا سكن القدوس وسط أولاده، وقدسهم بالميرون وبتناول جسده ودمه.
- اسم الله قدوس، ففيه كل البر والصلاح، وهو أيضاً مهوب ومخوف، وعظيم جداً، فيستحق التمجيد والتسبيح. وفى نفس الوقت اسمه مخيف جداً للأشرار، خاصة فى يوم الدينونة عندما يلقيهم فى العذاب الأبدى.
ع10: رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. فِطْنَةٌ جَيِّدَةٌ لِكُلِّ عَامِلِيهَا. تَسْبِيحُهُ قَائِمٌ إِلَى الأَبَدِ.
- “رأس الحكمة” أى بدايتها وأصلها ومصدرها الأول هى مخافة الرب، ولا يمكن أن توجد حكمة بدون مخافة الرب؛ لأن المخافة تبعد الإنسان عن الشر، وتقوده للاتضاع، فيستطيع أن يعاين الله الذى يرشده فى كل أموره الروحية والمادية.
- والحكمة جيدة ليس لمن يعرفها معرفة نظرية، بل لمن يحيا، أى ينفذ وصايا الله، ويلتصق به فيخافه ويحبه، فيحيا فى سلام.
- إذ يعرف الإنسان الله بالحكمة يفرح جداً ويسبحه على الدوام. ويظل يسبح الله طوال حياته، بل يمتد التسبيح إلى الأبدية. وهكذا ينتهى المزمور بالتسبيح كما بدأ به بقوله هللويا. وهذه الآية إن كانت ختام هذا المزمور، فهى بداية للمزمور التالى الذى يحدث خائفى الله.
إن كان الله عمل فى حياتك أعمالاً كثيرة تظهر أبوته ورعايته، فلابد أن تؤمن به فتحيا مطمئناً متكلاً عليه، ويتفرغ قلبك لمحبته وتسبيحه، فتتذوق حلاوة الملكوت وأنت على الأرض.