رجائى فى الله مخلصى
لإمام المغنين . مزمور لداود
“عليك يا رب توكلت” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : داود النبى.
- ضمن مزامير الشكر، وهى من (مز30-34).
- متى قيل ؟
أ – عندما كان هارباً من وجه شاول، وغالباً كان فى منطقة معون.
ب – هناك رأى آخر أنه كان هارباً من أبشالوم ابنه.
ج – لعله عندما أخطأ داود خطيته مع إمرأة أوريا الحثى، ثم رجع إلى الله بالتوبة واتكل عليه، فكتب هذا المزمور.
- هذا المزمور يدعو إلى الاتكال على الله وتسليم الحياة له، ثم شكره على أعماله، فهذا المزمور يثبت إيمان كل من تقابله مشاكل.
- هذا المزمور غير موجود بالأجبية.
(1) الله حصنى ومتكلى (ع 1-8)
ع1 : 1- عليك يا رب توكلت لا تدعني اخزى مدى الدهر بعدلك نجني.
- يبدو من كلمات هذه الآية أن داود كان معرضاً لمتاعب من أعدائه تفوق طاقته، ولكنه آمن بالله واتكل عليه، فاطمأن قلبه ولم يعد منزعجاً رغم استمرار مقاومة الأعداء.
- يظهر إيمان داود الكامل بالله فى ثقته أن الله قادر على مساندته طوال عمره؛ حتى ينقله من هذه الحياة إلى الحياة الأفضل؛ أى الأبدية.
- قد يكون داود تعرض لخطية وتاب عنها، فسامحه الله واتكل داود عليه؛ ليحميه من السقوط مرة أخرى، بل فى ثقة يشعر أن الله قادر أن يرفعه دائماً فى علاقة حب دائمة معه.
- من أجل قسوة مقاومة الأعداء الذين يظلمونه، طلب من الله أن ينجيه بعدل، إذ أن الله لا يرضى بالظلم، ويساند أولاده الضعفاء.
ع2: 2- أمل إليَّ أذنك سريعا أنقذني كن لي صخرة حصن بيت ملجأ لتخليصي.
- يظهر اتضاع داود بقوله أمل إلىَّ أذنك، فهو يشعر بضعفه أمام سمو الله، ويطلب إليه أن يميل أذنه إليه.
- لعل الضيقة التى يمر بها داود جعلته يتكلم بصوت منخفض، وهذا يظهر مدى معاناته من تهديدات الأشرار له. وإذ كان صوته منخفضاً طلب من الله أن يتنازل ويميل أذنه؛ ليسمعه.
- يبدو أن داود كان فى ضيقة شديدة وتهديدات من الأعداء قوية، وكادوا يلحقون به، فطلب من الله بدالة البنوة أن يسرع إليه، فهو يثق فى أبوة الله وحنانه واهتمامه بنجدته.
- من أجل كثرة الأعداء احتاج داود أن يختبئ منهم، ولم يكن أمامه إلا الله؛ ليختبئ فيه كحصن وملجأ، وبهذا ينقذه الرب من أعدائه.
- إنها نبوة عن المسيح صخرة الحصن، وكذلك بيت الملجأ، وذلك بفدائه لنا على الصليب. فمن يلتجئ إلى صليب المسيح يخلص من حروب الشياطين.
ع3: 3- لأن صخرتي و معقلي أنت من أجل اسمك تهديني و تقودني.
معقل : حصن.
- إن رجاء داود هو إسم الله الذى ينجيه ولا يتكل على شئ سواه، إذ ليس له قوة أخرى تحميه، ولا يعتمد على قوته، أو قوة رجاله، ولكن رجاءه فى الخلاص معتمدة على نعمة الله، التى يفيضها عليه لأجل اسمه القدوس.
- إن داود يعتمد أيضاً فى سلوكه وتحركاته على الله الذى يرشده، وإذ يرشده الله لا يستطيع أعداؤه أن يلحقوا به، فالله يخفيه عن أعينهم، ويعطيه مهرباً بعيداً عنهم.
- توصى الكنيسة فى حربنا الروحية أن نعتمد على اسم الله ونردده كثيراً – سواء من خلال صلاة يسوع، أو الابصاليات فى التسبحة – فهو ينقذنا من فخاخ الشياطين.
ع4: 4- اخرجني من الشبكة التي خبأوها لي لأنك أنت حصني.
- حماية الله لداود لا تعنى فقط إيقاف الحروب الموجهة ضده، ولا تعنى أيضاً منع احتمال سقوطه، ولكنها تعنى إنقاذه إن سقط، وبالتالى لا يهلك. فداود يثق فى الله حصنه الذى ينجيه إن سقط فى الشبكة.
- إنه اعتراف من داود بضعفه وحاجته لله، عندما قال أخرجنى من الشبكة، والإنسان المتضع ينال كل مراحم الله.
- داود معرض لحروب كثيرة من شاول، ليست فقط هجوم مباشر، بل أيضاً فخاخ مخفية، مثل تحايل بعض من يظهرون صداقة لداود؛ حتى يسقطوه فى يد شاول؛ حتى لو كان داود أحسن إليهم كما حدث فى قعيلة (1صم23: 12)، ولكن صلوات داود تنجيه لأن الله حصنه، والله يعرف الغيب، فينقذه من كل شر.
ع5: 5- في يدك استودع روحي فديتني يا رب اله الحق.
- عندما يقول داود فى يدك أستودع روحى يعنى اتكاله الكامل على الله، وإيمانه بالله الذى يحمى ليس فقط جسده، بل روحه من كل خطية، ويحفظها فيه.
- عندما يستودع داود روحه فى يد الله يظهر مدى روحانية داود، الذى يهتم بخلاص نفسه أكثر من راحة جسده، فحتى لو تعرض لأتعاب وضيقات من شاول، أو غيره، فإن روحه محفوظة فى يد الله.
- وضع داود روحه فى يد الله تبين إيمانه وانشغال قلبه بالأبدية التى تتمتع فيها روحه بالوجود مع الله؛ لأنه إن كان مشتاقاً للتمتع بعشرة الله وهو على الأرض، فكم بالأحرى أشواقه للتمتع بالوجود الدائم فى الأبدية.
- داود يشكر الله الذى أنقذه مرات كثيرة من يد أعدائه، فبحسب المنطق كان لابد أن يموت داود، ولكن الله فداه، وأنقذه بمعجزات، فلم تصل إليه سهام العدو، ولكنها طارت فى الهواء، وظل هو محفوظاً فى يد الله.
- الله هو الذى فدى داود، وهو إلهه الحق، فهذا يعنى أن داود مظلوم، وبرئ، والله يعرف هذا؛ لذا أنقذه من يد أعدائه.
- هذه الآية نبوة واضحة عن المسيح، فقد رأى داود بعين النبوة المسيح وهو يموت على الصليب، ويستودع روحه فى يد الآب؛ ليفدى داود، ويفدى كل البشرية. وقد نطق المسيح بهذه الكلمات وهو على الصليب قبل أن يموت مباشرة (لو23: 46).
ع6: 6- أبغضت الذين يراعون أباطيل كاذبة أما أنا فعلى الرب توكلت.
- أعداء داود اتكلوا على قوتهم ومركزهم وأموالهم، وكل هذه أباطيل كاذبة؛ لأنها لا شئ أمام قوة الله، وداود اتكل على الله وحده، وليس على أية قوة أخرى؛ لذا كان مطمئناً.
- إن كانت الظروف قد جعلت داود فى هروبه من وجه شاول يلتجئ للسكن بين الوثنيين، ولكنه يرفض ويبغض عبادتهم الوثنية، وأسلوب حياتهم الشرير، فهى فى نظره أباطيل كاذبة، والحق هو الله وحده؛ لذا اتكل عليه.
- إن داود لم يرفض فقط الاتكال على قوى العالم، ولكنه أيضاً أبغضها؛ لأن محبته لله جعلت أى شئ آخر مرفوض من قلبه ومكروه؛ لأن الله قد ملأ قلبه وأشبعه.
- إن كل الناس حول داود يهتمون، ويراعون أباطيل كاذبة، فيتعبدون للأوثان، أو يهتمون بالمال والمركز والقوة العسكرية، مثل شاول، ولكن داود اهتم بعبادة الله وترديد اسمه القدوس، والصلاة فى كل حين، فساعده هذا أن يتكل على الله.
ع7: 7- ابتهج و افرح برحمتك لأنك نظرت إلى مذلتي و عرفت في الشدائد نفسي.
- عندما استودع داود روحه فى يد الله (ع5)، بالطبع رفض كل خطية، وتنقى بالتوبة؛ ولهذا نال مراحم الله وعبر به الله داخل الضيقة بسلام، بل ومتعه بعشرته، ومن أجل هذا فهو فى بهجة وفرح عظيمين.
- يبين داود أبوة الله وحنانه فى اهتمامه به وإنقاذه من شدائده، فإن كان يسمح بالتجربة ولكن إلى حين ليستفيد منها الإنسان، ثم يرفعها ويعوض الإنسان بحنان عظيم.
- لقد نال داود وحقق الهدف من التجربة وهو التذلل أمام الله، أى الاتضاع والمسكنة والصلاة بانسحاق، فتحولت التجربة إلى بركة، ثم اختبر داود التفات الله إليه ونظره، فهو موضوع حب الله.
- إن الله يسمح بالتجارب ولكن بمقدار محدد بحسب احتمال الإنسان، والله الذى يراقب الإنسان وينظر إليه يرفع التجربة فى وقت مناسب، فهو يعرف الإنسان ومدى احتماله، فلا يمكن أن يعطيه شئ فوق طاقته، فقد نظر الله إلى مذلة داود، وعرفه فى شدائده.
ع8: 8- و لم تحبسني في يد العدو بل أقمت في الرحب رجلي.
- يشكر داود الله أنه نجاه من يد أعدائه، فلم يستطيعوا القبض عليه، أو سجنه، أو قتله، أو الإساءة إليه بأية إساءة جسدية.
- فى نفس الوقت يشكر الله على أنه وسع له الطريق للهرب من أعدائه، فاستطاع أن يجرى بعيداً عنهم، وذلك طوال حياته، وفى جميع حروبه، بل كان ينصره على أعدائه.
- عندما سقط داود فى خطية الزنا (2صم11: 4) أو عد الشعب (2صم24: 1) أعطاه الله مهرباً من يد الشيطان، أى نجاه بالتوبة، فعاد إلى وضعه الأول، أى بنوته.
إن الله يريد خلاصك مهما كان ضعفك، فلو سمح لك بضيقات لا تنزعج منها، ولكن اطلبه وثق أنه ينجيك من أيدى الشياطين، بل يمتعك برؤيته.
(2) آلامى وأحزانى (ع9-13):
ع9: 9- ارحمني يا رب لأني في ضيق خسفت من الغم عيني نفسي و بطني.
خسفت : تلفت.
الغم : الحزن.
- واجه داود ضيقات شديدة من مطاردة شاول، أو ضيقات أخرى ضغطت على نفسه وجسده، بل حتى وعلى تمييزه لما حوله، فصرخ إلى الله؛ ليرحمه ويخلصه من هذا الضيق وكل آثاره.
- صلاة داود لله تعنى معاناته الشديدة جسداً وروحاً، وأن ليس له ملجأ إلا الله، فهذا يؤكد أمرين :
أ – اتضاعه وإظهار احتياجه لله.
ب – إيمانه بالله.
- كلمات داود هذه تنطبق على الكنيسة التى تطلب رحمة الله بسبب الاضطهاد والضيقات التى تمر بها، فتلفت عيناها؛ أى استشهد وتعذب كثير من كهنتها وخدامها الذين هم عيون لها. والنفس ترمز لكل القديسين الروحانيين أعضاء الكنيسة، والجسد يرمز لكل الشعب. وعندما تتلف العين، أو النفس تؤثر على الجسد؛ لذا تطلب الكنيسة مراحم الله.
ع10: 10- لأن حياتي قد فنيت بالحزن و سنيني بالتنهد ضعفت بشقاوتي قوتي و بليت عظامي.
- يعبر داود عن آثار الضيقات عليه، أو سقوطه فى الخطية، وهذه الآثار هى :
أ – حزن داخلى.
ب – تنهدات.
ج – ضعف جسدى.
- إذا استمرت المشاكل والضيقات يتعب الجسد والنفس، ولذا داود يعبر عن آلامه فيلتجئ إلى الله؛ ليرحمه ويرفع عنه أتعابه؛ لأنه قاسى متاعباً لمدة سنين طويلة، هى فترة مطاردة شاول له.
- التجاء داود لله بالصلاة والتنهد هو اتضاع من داود يجعله ينال مراحم الله الكثيرة.
ع11: 11- عند كل اعدائي صرت عارا و عند جيراني بالكلية و رعبا لمعارفي الذين رأوني خارجا هربوا عني.
- عندما هرب داود من وجه شاول ظن من يعرفونه أنه أخطأ، ولذا غضب عليه شاول، واستحق الموت، فصار داود فى نظرهم مثالاً للعار، فابتعدوا عنه.
- عندما علم أعداء داود بهروبه من وجه شاول شمتوا به، وتأكدوا أنه شرير يستحق العقاب، بل لعلهم ساعدوا شاول حتى يقبض عليه.
- عندما علم جيران ومعارف داود بهروبه من وجه شاول خافوا على أنفسهم، فابتعدوا عنه ولم يحاولوا مساعدته لئلا يؤذيهم شاول.
- كلام داود هذا ينطبق على المسيح، عندما قبض عليه اليهود وعذبوه، ثم صلبوه، وينطبق أيضاً على آبائنا الشهداء وكل من احتمل اضطهادات شديدة.
ع12: 12- نسيت من القلب مثل الميت صرت مثل اناء متلف.
- كان مؤلماً جداً على نفس داود إحساسه بأن جيرانه ومعارفه وأحباءه، عندما وجدوه يهرب من شاول لم يتحركوا، ومع الوقت اعتبروه مفقوداً وميتاً، فنسوه ولم يعودوا يشعرون به. هذا الإهمال الشديد كان مؤلماً لنفسه.
- عندما هرب داود اعتبره معارفه إناء متلف، أى نفاية وشئ بلا قيمة قد ألقى بعيداً وتخلصوا منه، فلم يعد أمام داود إلا الله الذى يشعر به ويسنده ويعزيه.
- هذه الآية أيضاً نبوة عن المسيح، الذى اعتبروه مثل ميت مرذول عند صلبه ودفنه، ولم يعرف العالم أنه مخلصه الذى مات لأجله.
ع13: 13- لأني سمعت مذمة من كثيرين الخوف مستدير بي بمؤامرتهم معا علي تفكروا في أخذ نفسي.
- لم تقف أوجاع داود على هروبه من شاول الذى يريد قتله، ولكنه أيضاً تعرض لكلمات شريرة وإساءات من الآخرين، الذين شمتوا به، وانتهزوا فرصة هروبه ليختلقوا من قلوبهم الشريرة كلمات ردية عليه، واحتملها من أجل الله.
- تعاون أعداء داود مع شاول ليهلكوه، ودبروا مؤامرات للقبض عليه، ولكن الله نجاه من أيديهم من أجل بره، ولأجل اتهاماتهم الزور عليه.
- إن تهديدات شاول وكل أعداء داود جعلت من يرافق داود فى خوف، أى صار الخوف مستديراً حوله، ولكنه ظل ثابتاً فى إيمانه.
? إن توالت الضيقات عليك، فاثبت فى إيمانك، وارفع قلبك بالصلاة، وثق أن الله لن يتركك وحتماً سيحول الضيقات إلى بركات فى حياتك، ويخرجك بعد هذا إلى الراحة.
(2) الله رجائى ومخلصى ( ع14-18)
ع14: 14- أما أنا فعليك توكلت يا رب قلت إلهي أنت.
- أمام الضيقات التى قابلت داود لم يجد أمامه إلا الله ليتكل عليه ويشعر بالطمأنينة بين يديه.
- شعر داود بدالة وعلاقة خاصة مع الله، فقال له إلهى، ورفع صلوات إليه سكب فيها نفسه أمامه، واطمأن لرعايته وحمايته له.
ع15: 15- في يدك آجالي نجني من يد أعدائي و من الذين يطردونني.
آجالى : جمع أجل وهو النهاية.
- الآجال هى النهايات وداود تعرض للموت مرات كثيرة، والله كان ينقذه ويعطيه عمراً جديداً، فهو مطمئن أن كل نهايات حياته فى يد الله، ومن أجل هذا يتفرغ هو للصلاة والتمتع بعشرة الله الذى يحميه.
- الآجال أيضاً هى المراحل التى يمر بها داود فى حياته، بعضها كان ثقيلاً مثل مطاردة شاول له، وبعضها كان أخف فى المتاعب، مثل تملكه على سبط يهوذا، وحروبه لمدة سبعة سنين مع إيشبوشث ابن شاول، وبعضها أكثر راحة عند تملكه على كل بنى إسرائيل. فى كل هذه يشعر داود أنه فى يد الله، فيحيا فى مخافته، متمتعاً بحبه.
- حيث أن داود مطمئن فى يد الله، يطلب منه فى ثقة أن ينجيه من يد شاول الذى يطارده، ومن يد كل أعدائه؛ لأن الله أقوى من الكل وقادر أن يحميه.
ع16: 16- أضئ بوجهك على عبدك خلصني برحمتك.
- انشغال قلب داود هو بالله، فهو يريد أن يتمتع بالوجود معه، وهو غير منزعج من الأعداء؛ لأنه يضمن حماية الله. وهذا يبين مدى تعلق داود بمحبة الله.
- ضياء الله على داود وكل البشرية كمل فى تجسد المسيح، فداود بروح النبوة ينتظر ظهور المسيا المنتظر، مخلص العالم كله؛ لينير قلوب المؤمنين به.
- فى اتضاع يقول داود لله أنا عبدك وخلصنى برحمتك؛ إذ يشعر داود بعدم استحقاقه فى شئ، وفى نفس الوقت يثق فى رحمة الله القادرة أن تخلصه من كل من يضايقونه.
ع17: 17- يا رب لا تدعني اخزى لأني دعوتك ليخز الأشرار ليسكتوا في الهاوية.
- إذ رفع داود صوته بالصلاة، وتمتع بضياء الله، فرح قلبه وعاش متمتعاً بعشرته، لذا فهو يثق بالنصرة على أعدائه فى الأرض، ثم بالمجد الذى ينتظره فى الحياة الأبدية.
- الصلاة هى وجود مع الله، ويتذوق فيها الإنسان عربون الملكوت، أى يشعر بحلاوة عشرة الله، ويمتد بعد هذا إلى صلاة دائمة هى الحياة الأبدية. فمن يحب عشرة الله يرفعه الله إلى عشرة دائمة معه فى السماء.
- الأشرار الذين رفضوا الوجود مع الله، وفضلوا الوجود مع الخطية لا ينتظرهم إلا الخزى فى الجحيم؛ لينالوا عقاب خطاياهم، وهناك يشعرون بالحرمان من الله إلى الأبد، وهذا فى حد ذاته عذاب شديد.
- فى الجحيم يسكت الأشرار من خوفهم، ومن خزيهم، إذ ليس لهم ما يبررون به خطاياهم التى فعلوها على الأرض، ويعلمون يقيناً أنهم متسحقون هذا العذاب؛ لذلك يصمتون. وإن كان لهم فرصة للكلام مع الله على الأرض فقد فقدوها فى الجحيم، فيصمتون ويحرمون من الله إلى الأبد.
ع18: 18- لتبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصديق بوقاحة بكبرياء و استهانة.
لتبكم : لتصمت لأن الأبكم هو الأخرس.
- يطلب داود من الله، ويتمنى سكوت ألسنة الأشرار التى تنسب الشر للأبرار؛ لئلا تعثرهم، وتعبهم.
- فى الجحيم أيضاً يفقد الأشرار القدرة على الكلام الباطل الذى تكلموه على الأبرار، إذ كانوا يكذبون ويتهمونهم زوراً، فيشعر الأشرار بخطيتهم ولكن بيأس، فيصمتون فى العذاب.
- إن كان البار قد احتمل أكاذيب، واستهانة، ووقاحة، وكبرياء من الأشرار، فهو يتعزى بأفراح السماء التى تعوضه عن كل ما احتمله، أما الأشرار فيعذبون بسبب كل هذه الأخطاء التى عملوها. البار يتمتع بتسبيح الله، والشرير يصمت فى خزى.
? إن كنت تحتمل إساءات من الآخرين، فاطلب معونة الله، واعلم أن هذه المتاعب مؤقتة، بل وإذ تحتملها برضا، يعوضك الله عنها بأمجاد عظيمة فى السماء.
(4) شكر وتعزية ( ع19-24)
ع19: 19- ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك و فعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر.
جودك : كرمك.
ذخرته : ادخرته.
- يشكر داود الله من أجل بركاته التى أفاضها عليه، فقد أعطاه تعزيات وسلام فى قلبه، بل وفرح أثناء الضيقة، فلم ينزعج من مطاردة شاول وتهديداته.
- إن بركات الله لأولاده تفوق العقل، حتى أن داود لم يستطع أن يصفها، فقال ما أعظم جودك. فهى بالتالى ترفع الإنسان فوق الضيقة وتجعله يتذوق حلاوة السماء وهو على الأرض.
- إن بركات الله وجوده يعطيها الله لخائفيه فقط، وليس لكل البشر، فإن كان الله يعطى بركات عامة لكل البشر، لكنه يخص خائفيه ببركات روحية عظيمة، هى الإحساس به، والتمتع بعشرته، وهى تفوق كل البركات المادية والروحية.
- إن الله أحب أولاده الذين يتقونه ويخافونه، أحبهم من قبل تأسيس العالم، وادخر لهم منذ الأزل بركات لا تحصى. وهذا يبين محبة الله غير المحدودة لأولاده التى تشبعهم، فلا يحتاجون لشئ.
- إن من يخاف الله يبعد عن كل خطية، وينفذ وصاياه، ويتكل عليه، ويحيا مطمئناً وسط البشر المنزعجين، فيكون نوراً للعالم وملحاً للأرض.
ع20: 20- تسترهم بستر وجهك من مكايد الناس تخفيهم في مظلة من مخاصمة الألسن.
- الله يستر على خائفيه والمتكلين عليه، فيحميهم من مكايد الأشرار، وما دام الله يسترهم لا يستطيع أحد أن يصيبهم بشئ، فهو الذى حافظ على داود من كل مؤامرات شاول.
- الله يستر على أولاده بستر وجهه، فلا يرون أثناء الضيقة إلا وجه الله، فيتمتعون بحبه وعشرته، كما حدث مع الثلاثة فتية، فسبحوا الله ولم يشعروا بالنار.
- الله عندما يستر على أولاده بوجهه وينظر إلى مكايد الناس يفسدها ويتلفها، فتصبح بلا قيمة ولا تسئ إلى أولاده، كما أفسد مؤامرة الأشرار ضد دانيال، فاصبحت الأسود حيوانات أليفة، ولم تؤذِ دانيال.
- إذ يستر الله على أولاده يعطيهم حكمة وقوة فى الكلام، فلا يستطيع الأشرار أن يغلبوهم، وكل خصومهم يصبحون ضعفاء أمامهم، كما وعد فى العهد الجديد أن يعطى أولاده فماً وحكمة لا يستطيع جميع معانديهم أن يقاوموها، أو يناقضوها
(لو21: 15). - الله فى محبته يخفى أولاده من الشر والمؤامرات المدبرة لهم فى مظلة رعايته، وهى ترمز للكنيسة فى العهد الجديد. فإما يعطيهم حكمة فى كلامهم مع الأشرار، أو لا يستطيع الأشرار إثبات كلامهم، أو يبعدهم عن أولاده بأى شكل، فيشعر أولاد الله دائماً برعاية الله وحمايته لهم.
ع21: 21- مبارك الرب لأنه قد جعل عجبا رحمته لي في مدينة محصنة.
- ظهرت محبة الله لداود البار فى حمايته له، كأنه فى مدينة محصنة، أسوارها العالية لا يمكن اقتحامها وهى الإيمان، وهذه المدينة ترمز للكنيسة فى العهد الجديد، المحوطة بالملائكة والقديسين، وتعتمد على المسيح رأس الكنيسة الذى يغذى أولاده بجسده ودمه. وهى أيضاً ترمز إلى المدينة الكاملة التحصين فى السماء، وهى أورشليم السمائية، حيث يتمتع أولاد الله بعشرته دون أى إزعاج من الشياطين.
- إن داود يشكر الله ويباركه؛ لأنه صنع معجزات فى حمايته له من مطاردات شاول، فرحمة الله صنعت عجباً يفوق العقل، بل وأوقعت شاول فى يدى داود مرتين، ولكن داود سامحه، فشعر شاول بالخزى واعترف بذلك أمام داود، وقال له أنت أبر منى
(1صم24: 17).
ع22: 22- و أنا قلت في حيرتي إني قد انقطعت من قدام عينيك و لكنك سمعت صوت تضرعي إذ صرخت إليك.
- عندما زادت مطاردات شاول لداود حاربه الشيطان بالتشكيك فى حماية الله له، وانشغل بمؤامرات شاول، فاحتار وقال فى نفسه هل نسينى الله ولم يعد ينظر إلىّ؟! فصار فى ضيق روحى ونفسى.
- لكن داود لم يستمر فى حيرته، بل عاد إلى ما تعوده، وهو الصلاة، وصرخ إلى الله، فاستعاد سلامه، وشعر بالله الذى معه ويحميه، ويسمع صلاته وتضرعاته.
ع23: 23- احبوا الرب يا جميع أتقيائه الرب حافظ الأمانة و مجاز بكثرة العامل بالكبرياء.
- يختم داود المزمور بدعوة الاتقياء الذين يخافون الله؛ ليتمتعوا بحبه، فإذ يتأملون محبته لهم، تنجذب قلوبهم إليه ويتعلقون به.
- إن الله يهتم جداً بأمانة أولاده معه، فيباركهم ويعطيهم سلاماً، خاصة عندما يتمسكون بالأمانة فى حفظ وصاياه، مهما أحاطت بهم الضيقات، ويباركهم فى النهاية ببركات كثيرة، كما حدث مع داود، وجعله ملكاً عظيماً على كل بنى إسرائيل، وأخضع أعداءه له، وكما حفظ يوسف الأمين فى بيت فوطيفار وفى السجن، ثم رفعه إلى عرش مصر.
- من ناحية أخرى، الأشرار المتكبرون، الذين يقاومون الله، ويسيئون إلى أولاده، يعاقبهم الله بشدة، كما حدث مع شاول وبنيه، إذ ماتوا فى الحرب مع الفلسطينيين
(1صم31).
ع24: 24- لتتشدد و لتتشجع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب
- فى النهاية يدعو داود المؤمنين بالله ليتشددوا، أى يثبتوا فى الإيمان، ولا يخافون من الأشرار، وكذلك يتشجعون، فيستطيعون أن يهاجموا أعداءهم بقوة؛ لأن النصرة مضمونة لهم بقوة الله.
- يدعو داود المؤمنين ويلقبهم بمنتظرى الرب، أى الذين يصبرون فى الضيقات، ويحتملون آلام الجهاد، فهؤلاء يتمتعون بعمل الله فيهم، الذى يثبتهم ويشجعهم، وإذ يشعرون بمساندة الله لهم، يفرحون بمعيته.
? إذا أحاطت بك الضيقات وألقى الشيطان إليك بشكوكه، لا تضطرب، ولكن أسرع باتضاع إلى الله، واطلبه واصرخ إليه، فهو قريب منك، ويسرع لنجدتك، ويطمئنك، ويخلصك من أعدائك.