شكر الله وطاعته
“هلم نرنم للرب نهتف لصخرة خلاصنا… ع1”
مقدمة :
- كاتبه : هناك آراء فى هذا الأمر
أ – ليس له عنوان فى النسخة البيروتية أى غير معروف كاتبه، فهو يعتبر من المزامير اليتيمة.
ب – ينسب بولس الرسول هذا المزمور لداود (عب4: 7)، وكذلك فى الترجمة السبعينية يوجد فى عنوان هذا المزمور أنه لداود.
- متى كتب ؟ قد يكون عندما نقل داود تابوت عهد الله من بيت عوبيد أدوم الجتى إلى أورشليم وتقدم أمام التابوت بالترنيم والرقص والذبائح.
- هذا المزمور ليتورجى كان يردد من الجماعة أمام الهيكل، وخاصة عند تدشين الهيكل الجديد بعد الرجوع من السبى أيام زربابل، ويهوصاداق رئيس الكهنة، وأيام زكريا وحجى النبيين.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير الملكية التى تتكلم عن الله الملك، وتمجد اسمه القدوس، وهذه المزامير هى من (مز95-99) ويضاف إليها (مز93).
- يوجد تشابه بين هذا المزمور ومزمور 81 فى الدعوة للترنيم للرب، بالإضافة إلى التحذير من عدم طاعته.
- كان هذا المزمور يردد عندما يتحرك الموكب من مكان مقدس، مثل جيحون ووادى قدرون، وهى منطقة تقع شرق أورشليم، ويتجهون نحو الشمال إلى أن يدخلوا من باب أورشليم إلى الهيكل ويسجدون أمامه. وكان الشعب يرددون الآيتين الأوليتين فى هذا المزمور، ويرد عليهم الخورس، أى باقى المرنمين، بالآيات من (ع3-5)، ثم يعود الشعب فيردد الآية (ع6) ثم يرد عليه الخورس بالآية (ع7).
- لا يوجد هذا المزمور فى صلاة الأجبية.
(1) الترنيم للرب (ع1-5):
ع1، 2: 1- هلم نرنم للرب نهتف لصخرة خلاصنا. 2- نتقدم أمامه بحمد و بترنيمات نهتف له.
- لا يستطيع أن يرنم إلا التائب، فهنا دعوة للتائبين المؤمنين بالله ليرنموا له؛ بل يرفعوا أصواتهم بالحمد والشكر فى هتاف لأنه قدم الخلاص الجبار الثابت مثل الصخرة، قدمه للعالم كله، فهو وحده مخلص العالم، وهذه نبوة واضحة عن تجسد المسيح الفادى للبشرية.
- الهتاف يعنى إيمان داخلى وصوت مرتفع ليدعو البعيدين. فهذه الآية دعوة من المؤمنين لغير المؤمنين ليؤمنوا ويشتركوا فى الترنيم والحمد لله المخلص. وهذا الاشتراك هو فى فرح روحى، وليس مثل أفراح العالم الزائلة.
- إن الترنيم للرب والهتاف؛ أى الحمد بصوت عالٍ لله مخلصنا، يفرح بالتأكيد قلوبنا، ويؤثرفيمن حولنا. فيجذبهم للشكر والترنيم والمشاركة فى الفرح؛ كما يحدث فى الأعياد الكنسية التى نسبح فيها الله وأعياد القديسين، وفيها نتقدم أمام الله بالحمد والترانيم، ونصرخ ليس فقط بأصواتنا، بل بقلوبنا متهللين.
ع3: 3- لأن الرب إله عظيم ملك كبير على كل الآلهة.
- فى تمجيد الله يعلن كاتب المزمور أن الله إله عظيم، وليس مثل الأمم الوثنية؛ هذه الآلهة الضعيفة فهو أسمى من كل الآلهة، وروحانى، أما آلهة الأمم فهى شياطين تميل إلى الخطايا والشهوات الردية.
- الرب ملك كبير على كل الآلهة وهذه الآلهة هى :
أ – الملائكة بكل رتبها بما فيها من رئاسات وسلاطين وأرباب.
ب – رؤساء وملوك العالم.
جـ- الأمم وآلهتها الوثنية التى يدعون أنها آلهة؛ مع أنها شياطين.
فالرب ملك يملك على كل هذه الأشكال من القوة والسلطان؛ لأنه أعظم من الكل.
ع4، 5: 4- الذي بيده مقاصير الأرض و خزائن الجبال له. 5- الذي له البحر و هو صنعه ويداه سبكتا اليابسة.
مقاصير الأرض : الأجزاء العميقة من الأرض.
يداه سبكتا : صنعتها وشكلتها كما تشكل المعادن بعد تسخينها.
- إن الله له سلطان ليعرف كل ما فى أعماق الأرض، وكذلك كل الكنوز المخبأة فى الجبال، وهو صنع البحر العظيم الذى يحمل السفن الجبارة ويقلبها إذا شاء. والله أيضاً هو صانع الأرض التى يحيا عليها الإنسان وترتفع بين البحار والمحيطات.
- الله يعرف كل من يسعى إلى العمق وهو يحيا على الأرض، وكل من يسعى ليقتنى خزائن الجبال عندما يصعد عليها ويجاهد روحياً فى خلوة وصلوات وتأملات، ويسعى للسمو الروحى، ويعرف كل ما فى الأرض والبحر؛ أى كل الأسرار مكشوفة أمامه؛ حتى لو ارتفع الإنسان فوق قمم الجبال، أو اختفى فى بطن البحار. وهذا يبين مدى عظمة الله ومعرفته لكل شئ، وبالتالى يلزم أن تخضع له كل البشرية، وتقدم له التمجيد.
ما أجمل تأمل الله وعظمته حتى نمجده ونسبحه؛ لأن تسبيحه يملأ القلب فرحاً، ويشيع الفرح فى كل المحيطين.
(2) طاعة الرب (ع6-11):
ع6-8: 6- هلم نسجد و نركع و نجثو أمام الرب خالقنا. 7- لأنه هو إلهنا و نحن شعب مرعاه و غنم يده اليوم إن سمعتم صوته. 8- فلا تقسوا قلوبكم كما في مريبة مثل يوم مسة في البرية.
نجثو : نركع وننحنى.
مسة : كلمة بمعنى تجربة، ومريبة كلمة معناها مخاصمة والكلمتان تذكران بمكان فى بداية رحلة بنى إسرائيل فى رفيديم وهى منطقة غرب سيناء (خر17: 7). ثم يتكرر ذكر مريبة فى نهاية الرحلة عند قادش برنيع التى تقع شرق سيناء وجنوب أرض كنعان
(عد20: 13) وفى هذين المكانين تذمر الشعب على الله وسقطوا فى الشك، فغضب الله عليهم وعلى موسى وهرون
- فى فرحة التهليل والحمد يدعو كاتب المزمور للخضوع أمام الله، ويعبر عن هذا الخضوع بالسجود والركوع، والانحناء أمامه؛ لأنه هو وحده خالقنا فينبغى له الخضوع والتعبد، والتمجيد، وهو أيضاً راعينا ونحن غنمه التى تتبعه، وتخضع له، فتجد خلاصها وحياتها فيه؛ فقد هيأ لها المرعى والماء والراحة؛ إذ أنه مسئول عنها، فهى لهذا مرتبطة به، وخاضعة له فى كل حين لئلا تضل.
- السجود بالركوع ولمس الأرض يعلن الإنسان ضعفه وكثرة خطاياه أمام الله ويقدم توبة عنها، ثم يقوم ويقف منتصباً ليمجد الله غافر خطاياه، ويسبحه ويمجده على كل بركاته.
- بعد الحديث عن عظمة الله وضرورة تمجيده والخضوع له، يحذر كاتب المزمور شعب الله من أن يتذمر عليه، أو يرفض طاعته، كما حدث قديماً فى مريبة ومسة؛ لأن الشعب قديماً كان قاسى القلب، ولكن اليوم، ويقصد به عمر الإنسان الحالى وحياته على الأرض، فينبغى فيه الخضوع لله وطاعته.
ع9-11: 9- حيث جربني أباؤكم اختبروني أبصروا أيضا فعلي. 10- أربعين سنة مقت ذلك الجيل و قلت هم شعب ضال قلبهم و هم لم يعرفوا سبلي. 11- فأقسمت في غضبي لا يدخلون راحتي.
- الله قدم رعاية عظيمة جداً لشعبه فى برية سيناء، فرغم قسوة الظروف فى هذه البرية، فإن الله أعطاهم، بطريقة معجزية، الطعام والشراب، وقادهم بعمود النار والسحاب، وحفظ ثيابهم ونعالهم أربعين سنة، وحماهم من كل القبائل المعادية لهم، ولكنهم رفضوا طاعته، وضلوا عنه بقلوبهم وعقولهم، ورفضوا دخول أرض الموعد؛ أرض كنعان، فحرمهم الله منها.
- كل من يتذمر على الله ولا يطيع وصاياه الآن يحرمه الله من راحته؛ أى الحياة الأبدية.
تمسك بوصايا الله، وأطع كلامه؛ حتى لو بدا صعباً، وثق أنه سيسندك ويعينك على تنفيـذ وصاياه، بل يتلذذ قلبك بعشرته، ثم تفرح فى النهاية فرح لا يعبر عنه فى الملكوت الأبـدى.