مراحم الله
لإمام المغنين. لبنى قورح. مزمور
“رضيت يا رب على أرضك …” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : بنو قورح الذين لم يشتركوا في تمرد أبيهم قورح على الكهنوت، فعاشوا وباركهم الله.
- متى كتب ؟ كتب بعد الرجوع الأول من السبى، وقبل استكمال رجوع الدفعات التالية من الراجعين.
- هذا المزمور يذكر بمراحم الله السابقة لشعبه، ويطلب استكمال مراحمه في الحاضر للرجوع من السبى، واستكمال بناء الهيكل وأورشليم، وأسوارها. ويترجى دوام مراحم الله في المستقبل.
- هذا المزمور نبوة عن التحرير من سبى إبليس وأسره بالمسيح الفادى؛ ولذا يعتبر من المزامير المسيانية.
- يناسب هذا المزمور النفس التي بدأت التوبة، ونوال غفران الله، فتطلب معونته لتستكمل توبتها، وتحيا حياة جديدة مع الله.
- يوجد هذا المزمور في صلاة الساعة السادسة التي نتذكر فيها صلب المسيح ونداءه الذي يحررنا من سبى الشيطان، ويقيده.
(1) مراحم الله السابقة (ع1-3):
ع1: 1- رضيت يارب على أرضك. أرجعت سبى يعقوب.
- بعد أن ذاق شعب الله ذل العبودية في السبى تاب، ورجع إلى الله فرضى الله عنه، ورضى بالتالي على الأرض التي وهبها لشعبه، وهي أرض كنعان؛ لأنهم دنسوها بخطاياهم، فدمرها الأشوريون والبابليون. ولكنها تقدست بتوبة شعبه ورضاه بالتالي عن أرضهم. ويقول كاتب المزمور أرضك لأن الله هو خالق الأرض وكل العالم، وهو أيضاً واهب أرض كنعان لشعبه، وهو الذي قدسها بوجود هيكله فيها.
- يشكر المزمور الله الذي بدأ في إرجاع شعبه من السبى على يد زربابل، وهو الرجوع الأول. فيشكره على جمع شعبه من الشتات، وإرجاعهم بسلطان الملك نفسه ليسكنوا في أرضهم، ويبنوا هيكل الله. ويقول المزمور “سبى يعقوب” ولم يقل إسرائيل؛ لأن يعقوب هو البار، والذي شهد عنه الكتاب أنه الكامل الذي يسكن الخيام (تك25: 27) ثم باركه الله بيد اسحق وظهر له على السلم الصاعد إلى السماء، ثم كلمه مرات كثيرة، وظهر له بعد هذا في فنوئيل، وأنقذه من يد عيسو. فهو محبوب لدى الله، ولذا يرجع نسله إلى الأرض التي وعد بها يعقوب، أي يرد سبى يعقوب.
- هذه الآية نبوة عن رضا الله عن العالم، وفدائه بالصليب ليرجع أولاده المؤمنين به من سبى الشيطان بعد أن قيده.
ع2: 2- غفرت إثم شعبك سترت كل خطيتهم سلاه.
- عندما تاب شعب الله في السبى غفر لهم الله كل آثامهم وخطاياهم؛ لأن الله مشتاق لرجوع شعبه إليه، وستر على كل شرورهم فمحاها، ولم تظهر للناس؛ لأنه إله حنون يريد ليس فقط خلاص شعبه، بل يمجدهم أمام باقي الشعوب، خافياً خطاياهم.
- إن كان الله قد غفر لشعبه المسبى، ولكن على رجاء فدائهم بالصليب، فالغفران لم يكمل إلا بالمسيح الذي غفر، وستر، ومازال يستر، ويغفر خطايا شعبه عندما يتوبون.
- كلمة سلاه وقفة موسيقية للتأمل في مراحم الله وغفرانه
ع3: 3- حجزت كل رجزك رجعت عن حمو غضبك.
الله قدوس وعادل، ويتنافر ويغضب من أية خطية، والتوبة توقف غضب الله، وتحل كل قيود السخط، وهو الغضب الشديد، فيتمتع الإنسان بسلام الله ومحبته ورعايته. هذا ماحدث للمسبيين التائبين، وكمل بفداء المسيح.
ما أعظمك أيتها التوبة التي تفكي كل قيود الخطية، وتطلقى المؤمنين بك في الحياة الجديدة مع الله، فيتمتعون بعشرته. لذا يا نفسي لا تتركي التوبة عنك طوال حياتك، كل يوم وكل ساعة لأنها معينك، وفاتحة لأحضان الله.
(2) طلب مراحم الله (ع4-7):
ع4، 5: 4- إرجعنا يا إله خلاصنا و انف غضبك عنا. 5- هل إلى الدهر تسخط علينا هل تطيل غضبك إلى دور فدور.
إنف : إجعله منفياً ، أي ابعده.
- تظهر مشاعر كاتب المزمور الأبوية، فقد فرح برحمة الله في رجوع البعض من الشعب، فيطلب من الله أن يسامح الباقين، أي يحركهم للتوبة، ويغفر لهم فيرجعهم إليه، وبالتالي يرتفع غضبه عنهم، لأن الله رحوم ولا يريد أن يدوم غضبه من جيل إلى جيل وإلى الأبد.
- إن كان غضب الله الذي يظهر في تأديب شعبه بضيقات – مثل السبى – أمراً ثقيلاً جداً، فكم بالأحرى تكون صعوبة غضبه في العذاب الأبدي ؟! لذا نصرخ اليوم من كل قلوبنا ليقبل الله توبتنا، ويرفع غضبه عنا، فنعود إلى بنوتنا له، ونتمتع برعايته.
ع 6، 7: 6- ألا تعود أنت فتحيينا فيفرح بك شعبك. 7- أرنا يا رب رحمتك و اعطنا خلاصك.
بعد أن يرفع الله غضبه، ويقبل توبة شعبه يهبهم الحياة معه، وهي السعادة والفرح الحقيقي. وهذا هو الخلاص والرحمة الإلهية، التي كملت في المسيح الفادي الذي رفعنا إلى عشرته والفرح به على الأرض، بعد أن أبعد خطايانا عنا بدمه؛ لنتمتع بعربون الملكوت السماوي. هذا الخلاص وهذه الرحمة هي التي ننالها اليوم من خلال الأسرار المقدسة في كنيسة العهد الجديد.
- صلى داود من أجل أعدائه، ولكن صلاته عادت إلى حضنه، أى أن الله فرح بصلاة داود وباركه بالخير، ولكن لم يستجب لصلاته؛ لأجل شر أعدائه.
- إن عودة الصلاة إلى حضن داود حركت قلبه للصلاة مرة أخرى، وهكذا عاش فيما يسمى بالصلاة الدائمة، حتى قال عن نفسه أما أنا فصلاة (مز109: 4).
- صلى المسيح من أجل صالبيه وهو على الصليب ليغفر لهم الله، ولكنهم لم يستفيدوا؛ لإصرارهم على الشر وعدم الإيمان.
تمتع بالفرح الحقيقي بوجودك مع الله في الصلاة والتأمل؛ لأن الحياة هي في المسيح، أما أفراح العالم فباطلة وزائلة. وأثبت في كنيسته وأسرارها فتحيا في الخلاص إلى الأبد.
(3) الرجاء في مراحم الله (ع8-13):
ع8: 8- إني أسمع ما يتكلم به الله الرب لأنه يتكلم بالسلام لشعبه و لأتقيائه فلا يرجعن إلى الحماقة.
- يسمع كاتب المزمور صوت الله على لسان الأنبياء الذين يكلمون الشعب، وخاصة خائفي الله منهم حتى يثبتوا في الإيمان، والمخافة، ولا يعودوا إلى غباء الخطية والسلوك المتحرف عن الله في عبادة الأوثان، أو أي سلوك ردىء. فشرط سماع صوت الله والاستفادة منه هو مخافة الله، التي تبعد الإنسان عن الخطية.
- صوت الله هو المسيح الذي تجسد في ملء الزمان؛ ليعلن الخلاص لكل البشرية، وخاصة من يخافون الله من اليهود، أو من الأمم، فيؤمنون به ولا يعودون إلى حماقة الخطية.
ع9: 9- لأن خلاصه قريب من خائفيه ليسكن المجد في أرضنا.
- من يخاف الله يحفظ وصاياه لذا يقترب منه الله، ويهبه خلاصه، أي يخلصه من خطاياه، ويفيض عليه بركاته، بل أيضاً ليتمجد فيه، ويسكن هذا المجد، ويستقر في أولاد الله، لأنه ظاهر في أعمالهم وحياتهم التي تمجد الله.
- الخلاص يتم بالمسيح، وهو قريب من خائفي الله المنتظرين المسيا المنتظر، وقد رأى كاتب المزمور بروح النبوة أن تجسد المسيح أصبح قريباً، وسيأتي ويعطي الخلاص لخائفي الرب، وهكذا يسكن المجد في أرضنا بتجسد المسيح عليها.
ع10 : 10- الرحمة و الحق التقيا البر و السلام تلاثما.
- في المسيح يسوع كملت الرحمة والحق – الذي هو العدل – فالحق يقتضي موت الخاطئ، والرحمة تقتضي رفع الموت عنه. فهكذا مات المسيح وقام من بين الأموات، ليرفع عنا خطايانا، وننال الرحمة فيه.
- وكذلك في المسيح تلاثم البر والسلام، أي قبل كل منهما الآخر، واتحدا، بل وأعطاهما المسيح لكل من يؤمن به. فصار للمؤمن السلام، والميل للبر، أي عمل الخير والصلاح.
ع11 : 11- الحق من الأرض ينبت و البر من السماء يطلع.
- الحق هو المسيح الذي ينبت من الأرض بتجسده. والمسيح هو الإله النازل من السماء، أو هو البر الذي أشرق علينا من السماء. فالذي على الأرض هو الذي من السماء في نفس الوقت.
- إيماننا بالحق الذي هو المسيح، ينبت في داخلنا، أي نحيا الإيمان بالمسيح، فيطلع علينا البر، أي نستطيع بالإيمان أن نحيا البر، ونحيا كسمائيين على الأرض، فنسلك بالروح ونتحلى بالفضائل.
ع12: 12- أيضا الرب يعطي الخير و أرضنا تعطي غلتها.
الله هو مانح الخير لأولاده، أي يعطيهم الميل لعمل الخير، لأن الله يجدد طبيعة أولاده في سر المعموديه، فيصبح لها الميل في التشبه بالله، وحفظ وصاياه، وخدمة الآخرين. وهكذا تظهر الغلة الصالحة للأرض، أي الثمار الروحية، أي أن الله إن لم يعط الميل لعمل الخير لا نستطيع أن نثمر ثماراً روحية. والله يعطي كل البشر هذه العطية وينتظر تجاوبنا معه.
ع13: 13- البر قدامه يسلك و يطأ في طريق خطواته
يطأ : يدوس
- البر هنا هو التوبة التي تسلك أمام المسيح؛ ليحل في قلوب أولاده. وبهذا يدوس كل شر في النفس المؤمنة، ويسكن المسيح في القلب، ويملأه سلاماً وفرحاً.
- البر أيضاً هو المسيح الذي يسلك قدام الآب، ويدوس الخطية وأثرها الذي هو الموت. فبموته داس الموت على الصليب وقام وصعد إلى السموات، وفتح الطريق للمؤمنين به، لكي يدخلوا للسماء.
التوبة هي طريقك للأبدية، فعش فيها كل يوم تنال بركات السماء، وتشعر بالمسيح في حياتك، فتتذوق حلاوة الأبدية، وأنت على الأرض، فتحيا في فرح يدوم إلى الأبد.