أمجاد الملك والملكة
لإمام المغنين “على السوسن”. لبنى قورح. قصيدة. ترنيمة محبة
“فاض قلبى بكلام صالح …” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه :
أ – بنو قورح كما هو مكتوب فى عنوان المزمور.
ب – داود وأعطاه لبنى قورح حتى يرنموه، وهو الرأى الأرجح.
- كان المزمور يرنم على السوسن كما فى عنوان المزمور، والمقصود بالسوسن :
أ – آلة موسيقية.
ب – نغمة موسيقية.
- هذا المزمور مسيانى؛ لأنه يتكلم بوضوح عن المسيا الملك.
- هذا المزمور يتحدث عن تجسد المسيح؛ لذا يقرأ فى عيد الميلاد فى هوس العيد.
- هذا المزمور يتحدث أيضاً عن العروس التى هى :
أ – الكنيسة
ب – العذراء مريم
ج – النفس البشرية المحبة للمسيح.
- هذا المزمور هو ترنيمة محبة كما فى عنوانه؛ لأنه تسبيح ومحبة لله، ثم محبة مقدمة للكنيسة المتعلقة بالمسيح.
- هذا المزمور يظهر عظمة الحياة مع الله، وتمتع أولاده ببركات على الأرض، وأمجاد فى السماء.
- هذا المزمور موجود فى صلاة الساعة الثالثة، حيث يحل الروح القدس على الكنيسة، ويمتعها بالمجد مع عريسها المسيح الملك.
(1) قوة الملك ومجده (ع1-9):
ع1: 1- فاض قلبي بكلام صالح متكلم أنا بانشائي للملك لساني قلم كاتب ماهر.
إنشائى : تعبيرى.
- داود يتكلم بكلام صالح، ناتج ليس فقط من فكره، بل من مشاعره، أى من قلبه، فبعمل الروح القدس فى قلبه نطق بهذه الكلمات العظيمة الصالحة. فهو يعبر للملك، أى ملك الملوك الله، وليس ملك أرضى، فهو بالطبع لا يقصد نفسه. ويقول أن لسانه يشبه قلب كاتب ماهر، أى أن الروح القدس الفائض فى قلبه يحرك لسانه، فيكتب وينطق بهذه الكلمات. فهو يشعر أن الروح القدس حول قلبه إلى ينبوع غزير، يفيض بهذه الكلمات عن الله.
- هذا المزمور يحدثنا عن المسيح الإله المتجسد. فالله الآب فاض بكلمته، الذى هو المسيح المتجسد. ويظهر هذا من وصف صفات المسيح فى الآيات التالية.
- إن داود بروح النبوة رأى المسيح، فانبهر به، وبدأ يتكلم بالروح القدس قدر ما استطاع بالتعبيرات التى سنراها فى الآيات التالية، ولم يستطع أن يعبر عن كل شئ، ولكن قدر ما استطاع.
ع2: 2- أنت ابرع جمالا من بني البشر انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الأبد.
- رأى داود أن المسيح أبرع جمالاً من كل البشر، فهو إن كان قد تجسد وصار إنساناً مثل باقى البشر، ولكن جماله وكماله يفوق الكل، ليس بالطبع فى شكل الجسد، ولكن فى البر والقداسة. أما كلماته فكانت كلها بالنعمة الإلهية، تفيض من روحه القدوس، منسكبة لتشبع سامعيه.
- إن المسيح هو مخلص المؤمنين به على مدى الأجيال، وإلى الأبد يمتعهم فى الملكوت بخلاصه، ببركات لا يعبر عنها. وكذلك الرسل، والكهنة، والخدام، يتكلمون على مدى الأجيال بكلام المسيح ويباركهم الله، فيصيرون بركة لكل من يسمعهم، ويمجدهم معه فى الملكوت إلى الأبد.
- انسكاب النعمة على شفتى المسيح أعطانا وهيأ لنا التمتع به فى :
أ – التناول من الأسرار المقدسة.
ب – التلذذ بكلامه الذى يعطينا استنارة روحية، فنشبع به كل أيامنا.
ع3: 3- تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك و بهاءك.
- السيف هو كلمة الله والفخذ هو الجسد، فتقلد السيف والتصاقه بالفخذ يشير لتجسد الأقنوم الثانى الكلمة. وهذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت يفوق عقل الإنسان، فلا يقوم به إلا الله الجبار. والتجسد أظهر جلال وبهاء، أى عظمة ونور الآب. فالله لم يره أحد قط، ولكن الإبن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر (يو1: 2).
- السيف يرمز أيضاً إلى الصليب، فبالتصاق المسيح بالصليب، أعلن جبروته وسلطانه، إذ قيد الشيطان بموته، وداس الموت وظهرت عظمة الله فى صلبه، وحرر المسبيين فى الجحيم؛ آدم وبنيه وأصعدهم للفردوس، إذ وفَّى الدين الذى عليهم. وهكذا فى ضعف الصليب أعلن المسيح جبروته، وكمال قوته بتخليص أولاده، وأظهر هذا لنا فى قيامته.
ع4: 4- و بجلالك اقتحم اركب من اجل الحق و الدعة و البر فتريك يمينك مخاوف.
- يطلب داود من المسيح أن يقتحم مملكة الشيطان؛ ليحرر أولاده من سلطان الشر، ويركب على الصليب، وهو البار والحق والمتضع، وبقوته يمينة يخيف الشيطان ويقيدهِ.
- إن المسيح الملك الداخل فى الحرب لا يحارب مثل باقى الملوك ليعظم نفسه، بل هو كامل فى عظمته، فيقتحم ليملك على قلوب أولاده (يركب)، ويزيل عنهم سلطان وتملك اشيطان؛ ليسلكوا بالحق والبر والاتضاع مثله بقوة روحه القدوس، بل يعطيهم بيمينه أن يخيفوا الشياطين، ويدوسوا كل قوة العدو، كما داس هو الشيطان بصليبه.
ع5: 5- نبلك المسنونة في قلب اعداء الملك شعوب تحتك يسقطون.
نبال : سهام.
- النبل المسنونة، أى الحادة والقوية الخارقة التى تهلك من تصيبه ترمز للصليب الذى قيد الشياطين وهم أعداء الملك. والنبل أيضاً هى الكرازة بالمسيح على يد الرسل، ثم الكهنة والخدام على مر الأجيال. وقد ترمز أيضاً للرومانيين الذين دمروا أورشليم عام 70م، وأهلكوا أعداء الملك، أى أعداء المسيح وهم اليهود.
- الشعوب التى سقطت تحت يد المسيح هم الشياطين الذين قيدهم المسيح بصليبه، أو هم الأمم واليهود الذين آمنوا بالمسيح، وسقطوا تحت يده، أى سلطانه، مؤمنين بخلاصه.
ع6: 6- كرسيك يا الله الى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك.
- يتكلم الكاتب هنا مباشرة عن المسيح، فيقول له “كرسيك يا الله” دائم إلى دهر الدهور، ولا يمكن لأى ملك أن يملك إلى الأبد إلا المسيح. وكرسى الله هو الصليب الذى صلب عليه؛ ليملك على قلوب أولاده إلى الأبد. ولذا فالكنيسة ترتل هذا المزمور بلحن متميز طويل يوم الجمعة العظيمة ويوم ثلاثاء البصخة.
- إن قضيب ملك المسيح هو الصليب، وهو قضيب استقامة؛ لأنه الملك الوحيد الذى لا يخطئ، وهو مستقيم فى حنانه وتأديبه، وبقضيبه يوجهنا إلى الحياة المستقيمة.
ع7: 7- احببت البر و ابغضت الاثم من اجل ذلك مسحك الله بدهن الابتهاج اكثر من رفقائك.
- لأن المسيح هو وحده الذى بلا خطية، وهو البار القدوس، الذى يبغض الشر، كان هو وحده القادر على فداء البشرية ، فتم مسحه بالروح القدس فى نهر الاردن، وظهر الروح القدس بشكل حمامة. وهذا المسح لا يحتاج المسيح إليه لنفسه، ولكن حل عليه، أى ظهر لنا حلول الروح القدس على رأسه؛ ليتمم فداءنا، فهو حلول لحسابنا. وبهذا يخطو المسيح خطواته نحو السرور الموضوع أمامه، وهو إتمام خلاصنا على الصليب، لذا قال فى هذه الآية أن المسح تم بزيت الابتهاج، وليعبر عن عمل الروح القدس فى كل أولاد الله، الذين سيؤمنون بالمسيح الفادى، إذ يملأهم الروح القدس بالفرح.
- حلول الروح القدس على المسيح كان حلولاً أقنومياً كاملاً، وظهر بشكل حمامة. أما حلول الروح القدس على الرسل والمؤمنين فكان على شكل ألسنة نارية منقسمة، أى حلول جزئى، بحسب قدرتهم على الاحتمال، فيعمل فيهم وبهم فى الخدمة.
ع8: 8- كل ثيابك مر و عود و سليخة من قصور العاج سرتك الأوتار.
مر : سائل صمغى يستخرج من أحد الأشجار التى تكثر فى المغرب، وهو ذو رائحة عطرة. وقدمه المجوس للمسيح.
العود : ويسمى أحياناً الميعة، وهو سائل صمغى يسيل من أحد الأشجار التى تكثر فى فلسطين، وهو ذو رائحة ذكية، وكان يستخدم كعطر، وفى تكفين الموتى.
السليخة: قشور تؤخذ من أحد الأشجار التى تشبه شجر القرفة، وله طعم ورائحة القرفة.
العاج : هو سن الفيل وتزين به القصور؛ لأنه غالى الثمن.
- تحدثنا هذه الآية عن المسيح الذى تعطرت ثيابه، أى جسده بعطور المر والميعة والسليخة؛ لأنه احتمل الآلام من أجلنا، وهى التى يرمز إليها المر. وكذلك أسس كنائسه؛ أى القصور المزينة بالعاج بموته على الصليب؛ لأن أسنان العاج لا تؤخذ من الفيل إلا بعد موته.
- ثياب المسيح هى كنائسه وأولاده الملتصقين بجسده، وهؤلاء المؤمنين به يتعطرون بعطور كثيرة هى فضائلهم، التى يكتسبونها إذا حملوا الصليب واحتملوا الآلام مثله. هذه الآلام التى يرمز إليها المر، والعطور أى الفضائل هى الروائح العطرة التى للمر والعود والسليخة. وقصور العاج كما ذكرنا هى الكنائس المزينة بالعاج الأبيض، الذى يرمز للبهاء والمجد. ونفوس المؤمنين الذين فى الكنائس بتسبيحهم لله يفرحونه ويبهجونه؛ لذا يقول “سرتك الأوتار”. والروائح السابق ذكرها مختلفة ولكن كلها جميلة، كذلك الفضائل وثمار الروح مختلفة، ولكنها تجمل نفوس المؤمنين.
ع9: 9- بنات ملوك بين حظياتك جعلت الملكة عن يمينك بذهب اوفير.
حظياتك : النساء المقربات والمحبوبات والمكرمات.
أوفير : منطقة تقع جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، وهى دولة اليمن الحالية، وتتميز بوجود مناجم لأنقى أنواع الذهب.
- بنات الملوك هم بنات عظماء العالم، أو نفوس الأغنياء وذوى المراكز، الذين لم تعطلهم مراكزهم وغناهم عن الإيمان بالمسيح، فصرن من المؤمنات والمقربات لله، وبين الحظيات، وهن كل نفوس المؤمنين بالمسيح، سواء الأغنياء والفقراء، من اليهود، أو الأمم؛ لأن محبة المسيح وفداءه ستجتذب نفوس المؤمنين من كل العالم بكل فئاته.
- الملكة هى الكنيسة، أو العذراء، أو النفس البشرية المؤمنة بالمسيح. هذه قد جعلها المسيح الملك عن يمينه. واليمين يرمز للقوة والبركة، أى أعطاها المسيح نعمة وقوة أكثر من جميع البشر؛ لأنها تحلَّت بذهب أوفير النقى، الذى يرمز للسماء، والروحانية، والفضائل السامية.
- ذهب أوفير يرمز للثمن الغالى الذى دفعه المسيح؛ ليشترى به كنيسته، أى دمه المسفوك على الصليب، أى أغلى شئ فى العالم قدمه محبة لعروسه الكنيسة، ولذا فالكنيسة تحبه جداً من أجل بذله حياته لأجلها.
إن كان المسيح يدعوك للاقتراب إليه ليهبك بركات كثيرة، بل يعطيك محبة العريس لعروسه، ويزينك بكل فضيلة، فلا تتكاسل، بل أسرع إليه بنشاط، وانتهز كل فرصة لتكون معه، فتتمتع بعشرته.
(2) الملكة العروس ومجدها (ع10-17):
ع10: 10- اسمعي يا بنت و انظري و اميلي أذنك و انسي شعبك و بيت أبيك.
- إن الله ينادى على الكنيسة، أو العذراء، أو كل نفس مؤمنة ويقول لها يا بنت، فهو الآب الذى يرعاها، وهو المسيح الذى فداها. وداود أيضاً ينادى على العذراء التى ستأتى من نسله لتسمع إرشاده الروحى.
- إن الله يطلب أربعة أفعال هامة من كل نفس تؤمن به، وهى :
أ – “اسمعى” أن تسمعه باهتمام لتطيع وصاياه.
ب – “انظرى” أن تنظر إلى جماله وتتأمله، فكما عاش المسيح تقتدى به النفس المؤمنة.
ج – “أميلى أذنك” : أن تتضع وتميل رأسها نحو الأرض، كما حمل المسيح صليبه وطأطأ رأسه إلى الأرض من أجلها، وكما غسل أرجل تلاميذه.
د – “أنسى شعبك” أى تترك عنها كل حياتها القديمة فى الشر، وكل التعلقات المادية، لتفرغ قلبها لمحبة الله، ويصير هو أبوها الذى يرعاها، وتخضع له بكل قلبها، كما ترك إبراهيم أهله وعشيرته وخرج إلى البرية؛ ليحيا مع الله (تك12: 1، 4)، وكما تركت راعوث أهلها وذهبت مع حماتها إلى أرض إسرائيل لتعبد الله مع شعبه (را 1 : 16)، وكما ترك الرسل كل شئ وتبعوا المسيح (مر10: 28).
ع11: 11- فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له.
- عندما تترك الكنيسة، أو النفس البشرية حياتها القديمة المملوءة بالشر، أى تتوب وتؤمن بالله تصبح جميلة؛ لأن الله يسامحها فتصير نقية. والعجيب أن المسيح الملك يشتهيها لحسنها الذى وهبه لها، فهى اكتسبت جمالها من جماله.
- ومن ناحية أخرى المسيح هو خالق هذه النفس، فهو ربها وسيدها، وهى ملكة وليست ملكاً لأحد آخر، وبالتالى تخضع له النفس، وتتجاوب مع حبه، فتشتهيه هى أيضاً، وتفرح بحياتها معه وتسبحه.
ع12: 12- و بنت صور اغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية.
- كانت صور أكبر مركز تجارى فى العالم، وكانت قريبة من بلاد اليهود، إذ تقع شمالها على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكانت غنية، ولكن للأسف انغمست فى الفساد والوثنية. وبنت صور يقصد بها النفوس التى آمنت بالمسيح، وتركت عنها غناها وشرورها، واقتربت إلى الكنيسة طالبة رضاها.
- اقتراب بنات صور، أى شعبها، يرمز لكل شعوب الأمم التى آمنت بالمسيح، وقدمت له هديته، وهى الإيمان والتوبة. وبهذا أرضت الكنيسة، فقبلتها فى عضويتها. وعلى هذا المثال سار المجوس، وأتوا للمسيح، وهم عظماء، وأغنياء العالم، وقدموا له الهدايا.
ع13: 13- كلها مجد ابنة الملك في خدرها منسوجة بذهب ملابسها.
خدرها : حجرة العروس الداخلية.
- يصف العروس، أى الكنيسة، أو النفس المؤمنة، بأن مجدها كله داخلى، كما كان مجد خيمة الاجتماع فى داخلها، حيث يوجد تابوت العهد الذهبى، والمذبح، والمنارة، ومائدة خبز الوجوه المصنوعة من الذهب. أما الخارج فكانت جلود تخس لا منظر لها، بل المسيح نفسه كان لا صورة له ولا جمال (اش53: 2). ولكنه الله مخلص العالم. وكذلك النفس المؤمنة بالمسيح يكون جمالها فى فضائلها الداخلية، ولا تسعى أن تتكلم عنها لئلا تسقط فى الكبرياء، وتحيا حياة الخفاء؛ ليمجدها الله بأمجاد لا يعبر عنها فى السماء، وتتمتع بعلاقة خفية سرية مع المسيح من خلال الأسرار المقدسة، فظاهرها يبدو متألماً، متجرداً، مهاناً، ولكن داخلها فرح، وشبع بعريسها السماوى.
- إن ملابس العروس منسوجة بالذهب، كما فى خيمة الاجتماع وهيكل سليمان. والذهب يرمز للسماء، فالعروس تحيا حياة سماوية، وتتزين بالفضائل، بل هى هيكل الروح القدس، وقلبها متعلق بالسماء، حيث عريسها الذى يهتم بالنظر إلى قلبها وجمالها الداخلى.
ع14: 14- بملابس مطرزة تحضر الى الملك في إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك.
إثرها : خلفها.
- إن بنت الملك، أى النفوس التى تدخل إلى الإيمان، وتحيا مع المسيح تلبس ملابس مطرزة، أى تتحلى حياتها بالفضائل. فهى لا تتقدم نحو المسيح الملك بأيدى فارغة، بل بفضائل وأعمال صالحة؛ لأنها تحبه، وقلبها متعلق به، وتعبر عن حبها بهذه الأعمال. فالحب تعبر عنه بجهاد روحى، إذ قال “تحضر”.
- وخلف النفوس التى بدأت مع المسيح بالإيمان – أى خلف الكنيسة الأولى التى تأسست على التلاميذ والرسل والذين آمنوا فى يوم الخمسين – أقبل الكثيرون للإيمان؛ إذ آمنوا على أيدى الرسل والمبشرين، وأقبلوا نحو المسيح، فاتسعت الكنيسة، وانتشرت فى العالم كله. فهل كان الرسل يصدقون أن يأتى وراءهم كل هؤلاء الكهنة والخدام على مدى الأجيال ؟! وكذلك استفانوس الشهيد الأول؛ هل كان يتخيل جموع الشهداء التى تأتى وراءه حتى اليوم ؟! والأنبا أنطونيوس أب الرهبان هل تخيل أن يأتى كل هؤلاء الرهبان فى العالم بعده ؟!
وهذه النفوس كلها عذارى ويقصد العذراوية الروحية، أى القلوب المكرسة لله، وليس للشر مكان فى داخلها. فهى ترفض الوثنية، وتبتعد عن كل شر بالتوبة.
ع15: 15- يحضرن بفرح و ابتهاج يدخلن الى قصر الملك.
- فرحت النفوس التى آمنت بالمسيح، ودخلت إلى المسيح الملك فى كنيسته؛ لتحيا حياة الفرح الدائم من خلال علاقتها بالمسيح الملك، ومن خلال أسرار الكنيسة ووسائط النعمة. فهذه النفوس أقبلت بإرادتها الحرة، وبفرح لتحيا مع المسيح، وتتمتع بحبه، وتعبر عن فرحها بالتسبيح الدائم له.
- نفوس المؤمنين تدخل إلى قصر الملك، أى تكون قريبة منه؛ لتتمتع بحبه. وإذ تكون أمينة فى محبتها له، داخل قصر الملك الأرضى، داخل الكنيسة، تتأهل للقصر السماوى، أى ملكوت السموات.
ع16: 16- عوضا عن أبائك يكون بنوك تقيمهم رؤساء في كل الارض.
إن بنت الملك لا تنطبق على الأمة اليهودية، فلم يكن لها أبناء عوضاً عن آبائها يصيروا رؤساء فى كل الأرض. ولكنه ينطبق فقط على الكنيسة، التى عوضاً عن آبائها إبراهيم، واسحق، ويعقوب، وكل الآباء والأنبياء، صار لها بنيناً رؤساء على الأرض كلها، وهم الاساقفة والكهنة، الذين قادوا الكنيسة والعالم كله فى طريق الحياة مع المسيح.
ع17: 17- اذكر اسمك في كل دور فدور من اجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر و الأبد
- يختم داود المزمور بعهد يقدمه لله، وهو أن يذكر الله ويمجده، ويحيا معه كل أيام حياته، بل من دور إلى دور، ويقصد بهذا أن نسله من اليهود المؤمنين يظلوا يذكرون اسم الله، ثم من يؤمن منهم بالمسيح يظل يسبح اسمه القدوس على مدى الأيام. وعندما يذكر المؤمن اسم الله يتمتع بعشرته ويحيا فى مخافته، فيبتعد عن كل خطية، ثم يصير قدوة لمن حوله؛ إذ يرون قوة الله فيه، فيؤمنون بإلهه. والمزامير التى كتبها داود يرنم بها المؤمنون من دور إلى دور، أى يصلون، ويسبحون بها على مدى الأجيال حتى اليوم.
- يعلن داود فى هذه الآية نبوة عن إيمان الأمم بقوله “تحمدك الشعوب”، أى الأمم الذين سيؤمنون بالمسيح فى العالم كله، ويذكرون اسمه مثل داود فيتمتعون بكل البركات الروحية، ويظلون يذكرون اسم الله على مدى الأجيال على الأرض، ثم يمتدون فى تسبيح اسم الله إلى الأبد فى ملكوت السموات.
تمتع بذكر اسم الله كل يوم مرات كثيرة ليرتفع ذهنك، ثم قلبك إليه، فيعطيك هذا سلاماً، ثم يكشف لك الله أسراره، ويمتعك بعشرته، فتحيا فى فرح إلى الأبد.