مجد أورشليم
ع1: يبشر باروخ أورشليم بنبوة واضحة عن عودة بنيها من السبى وإعادة بناتها، وامتلائها بأولادها. فيقول لها كفاك تعباً، واخلعى عنك ثوب الذل والبكاء الذى عشتِ فيه سنوات بعد تخريبك وسبى بنيك. وإلبسى البهاء الذى يهبه لك الله الأزلى. أى تعودى مدينة عظيمة، وأعظم ما فيك هيكلك المقدس، الذى يظهر فيه مجد الله.
هذه الآية تنطبق جزئياً على أورشليم بفرحها، عندما ترى أبناءها المسبيين يعودون إليها. ولكنها تنطبق تماماً على الكنيسة بعودة الذين سباهم الشيطان إلى الإيمان بالمسيح في ملء الزمان، فتفرح الكنيسة بمجد المسيح الأزلى الساكن فيها، ويدوم مجدها إلى الأبد في ملكوت السموات. فكلمة إلى الأبد لا تنطبق إلا على الكنيسة.
ع2: تسربلى : إلبسى.
يستكمل باروخ كلامه مع أورشليم، وبالأكثر مع الكنيسة، فيقول لها إلبسى ثوب البر الذى يمنحه لك الله، أى عيشى في حياة مقدسة ترضى الله في نقاوة وكل عمل صالح. هذه هى أورشليم بعد السبى، والتى اهتم عزرا ونحميا بوعظها لتسلك في شريعة الله. والمعنى الأوضح في الكنيسة التى يولد فيها المؤمنون من جرن المعمودية، فيحيوا بطبيعة جديدة، ويسلكوا بالبر الإلهى.
تنال أورشليم، أو الكنيسة أيضاً تاج مجد من الله الأزلى، نتيجة سلوكها بالبر. فيكون في أورشليم هيكل الله، الذى هو مجدها الممنوح لها من الله.
أما الكنيسة فتاج مجدها الأزلى هو المسيح رأس الكنيسة، وكل المؤمين أعضاء في جسده. فالمسيح الأزلى الأبدى هو مجد كنيسته.
ع3: سناك : مجدك.
وسيظهر مجد أورشليم بين الأمم المحيطة بها، بل وينتشر خبرها في أماكن كثيرة تحت السماء.
لكن المعنى الواضح لهذه الآية هو في الكنيسة، التى يظهر مجدها لكل من تحت السماء، فيؤمن الكثيرون من الأمم في أقطار المسكونة، وتنتشر المسيحية ليس فقط بالتبشير، وبسلوك أولادها بالبر، فيصيروا نوراً للعالم، ولكن أيضاً بأولادها الذين يحتملون العذابات، ويستشهدون من أجل المسيح، فيؤمن الكثيرون من أجل إيمان وثبات الشهداء على الإيمان.
ع4: إن أورشليم معنى اسمها مدينة السلام، ولكن بعد عودة بنيها إليها، أى إلى الله؛ ليعبدوه في هيكله، ويسلكوا في البر يصير اسمها سلام البر. ويكون اسمها أيضاً مجد عبادة الله، بعد أن تخلصت من عبادة الأوثان، فتصير ممجدة من أجل عبادتها لله.
وترمز وتشير هذه الآية إلى الكنيسة التى يصير اسمها إلى الأبد، وليس فقط على الأرض سلام البر، إذ يحيا أبناؤها في البر، ويتمتعون بالسلام الداخلى. ويكون اسمها أيضاً مجد عبادة الله؛ لأن المؤمنين في الكنيسة يحيون لله، ويعبدونه في الأرض؛ حتى يمتدوا إلى الحياة السماوية، فيتمجد الله فيهم، ويمجدهم في الأرض، وفى السماء.
ع5: ينادى باروخ أورشليم لتقوم، وتقف أمام الله، بل وتقف في الأعالى، أى تقف بعز ومجد، تاركة عنها كل العبودية والخراب. ثم تنظر نحو المشرق، أى نحو بابل لترى بنيها يجتمعون من أنحاء المملكة البابلية من الشرق والغرب، حسب أمر الله الذى صدر على فم كورش الملك الفارسى، والذى طلب من زربابل القائد اليهودى أن يجمع إخوته اليهود من كل مكان؛ ليعودوا إلى أورشليم. فاجتمعوا فرحين وهم يرددون اسم الله القوى، الذى يعيدهم بإعجاز عظيم إلى أورشليم؛ ليبنوا الهيكل ويعبدوه فيه.
وهذه الآية أيضاً تتحدث عن الكنيسة التى تقف ببهاء وعظمة ورأسها في الأعالى وهو المسيح، ويحل روح الله القدوس عليها يوم الخمسين، وترى بنيها المجتمعين من مشرق الشمس إلى مغربها في أورشليم بأمر الله؛ ليعيدوا فيها. ولكن بالأكثر ليفرحوا عند قبولهم الإيمان بالمسيح، فيبتهجون ويسبحون اسمه القدوس. وتلا ذلك إيمان الكثيرين من الأمم في المشرق والمغرب، وانضمامهم إلى الكنيسة، وعاشوا فيها يعبدون الله، ويذكرون اسمه على الدوام.
ع6: راجلين : ماشيين بأرجلهم.
يظهر الله الفرق بين خروج بنى إسرائيل من أورشليم عند السبى البابلى، وهم يسيرون على أرجلهم، ويسوقهم البابليون كعبيد لهم في ذل ومهانة. ولكن عند عودتهم إلى أورشليم بعد السبى يعودون بكرامة راكبين الدواب، ويدخلون أورشليم بمجد؛ لأنهم أبناء الله ملك الملوك.
وتنطبق هذه الآية على الكنيسة، التى يخرج منها أولادها الذين يسقطون في شهوات العالم، وتذلهم الخطية، ولكن عند توبتهم يعودون بمجد عظيم، إذ يستعيدون بنوتهم وكرامتهم كأبناء لله الملك.
وكذا الأمم الذين خلقهم الله على صورته، وأذلهم الشيطان بعبادة الأصنام والشهوات الكثيرة، عندما يؤمنون بالمسيح، يعودون إلى أحضان الكنيسة بمجد كبنين لله إله الآلهة وملك الملوك.
ع7: عزم : قرر.
الآكام : التلال.
عثار : عثرات وعقبات.
الرب إله إسرائيل عزم أن يخفض الجبال والآكام الدهرية، أى الدول العظيمة مثل بابل، وكل تابعيها من عظماء. وفى نفس الوقت يملأ الأودية لتمهيد الأرض، والمقصود بالأودية المتضعين، والمذلين وهم بنى إسرائيل، فيرفعهم، وهكذا إذ تنخفض الأماكن العالية، وترتفع الأماكن المنخفضة تصير الأرض ممهدة؛ ليسير عليها الناس بسهولة. والمقصود أن يذل الله المتشامخين، ويرفع المتضعين، فيسهل عليهم أن يسيروا في الأرض دون عقبات؛ لذا يقول يسير إسرائيل بغير عثار، أى يحيون، ويعبدون الله بعيداً عن تحكم وذل البابليين، ويحيون بالبر، فيمجدون الله في حياتهم.
وقد حدث هذا الأمر مع الكنيسة التى قابلت اضطهادات كثيرة على مر التاريخ، وكان الله يخفض الملوك، والذين كانوا يضطهدون المسيحية ويزيلهم، مثل أباطرة الرومان في القرن الأول والثانى والثالث، ويظهر قسطنطين الملك، فيعيش المسيحيون في سلام، ويعبدون الله بحرية ويمجدونه.
ع8: الغاب : المقصود به هنا الأشجار الكثيفة التى تنمو في الغابات.
طيب العرف : طيب الرائحة.
من البركات الإلهية أن يظلل على أورشليم أشجار الغابات، ومن بينها الأشجار ذات الرائحة الطيبة، أى تصير أورشليم عامرة، ومملوءة بالأشجار الكثيرة، والروائح الطيبة، بعد أن كانت خربة، ومتهدمة ومحروقة وخالية من الحياة. كل هذا يحدث عند رجوع المسبيين إلى أورشليم.
والكنيسة يظلل عليها الله بملائكته وتفيح فيها رائحة عمل الروح القدس في فضائل المؤمنين.
ع9: وخلاصة عمل الله مع أورشليم أنه سيعيد إليها بنيها بسرور فرحين بالرجوع إلى عبادته؛ ليسلكوا في حياة نورانية تمجد الله، هذا هو نور مجد الله. ويسلكون بوصايا الله فيرضى عنهم العدل الإلهى، وأيضاً يرحمهم، ويسامحهم عن كل خطاياهم.
وعودة وإيمان الأمم، وانضمامهم للكنيسة يفرح قلوبهم، ويسلكون في حياة البر النورانية؛ كل هذا من بركات الفداء والصليب، الذى يكمل فيه الرحمة والعدل، إذ وفىَّ المسيح دين البشرية، وأرضى العدل الإلهى، وفى نفس الوقت قدم رحمة للبشرية كلها لكل من يؤمن به. لا تتشكك من أجل كثرة خطاياك القديمة، واعلم أن الله قادر أن يعطيك حياة جديدة نورانية، ويمتعك بعشرته، ويعطيك نعمة فى أعين الناس، ثم يهبك مجد لا يعبر عنه فى السماء.