تأديب الله ورحمته لشعبه
هذا الإصحاح يحمل صلاة توبة عميقة تشبه صلوات التوبة المذكورة في (عز9، نح9، دا9). ويلاحظ أن هذه الصلاة تبدأ (ص1: 15-3: 8).
أى أن هذا الإصحاح كله جزء من الصلاة.
وتشمل هذه الصلاة ثلاثة معانى روحية هامة :
- الاعتراف بالخطايا كما في (ص2: 5).
- طلب الرحمة والنجاة كما في (ص2: 14-17).
- الحمد والتسبيح كما فى (ص3: 6، 7).
(1) العقاب الإلهى (ع1- 10):
1- فَأَقَامَ الرَّبُّ كَلاَمَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْنَا وَعَلَى قُضَاتِنَا الَّذِينَ يَقْضُونَ فِي إِسْرَائِيلَ وَعَلَى مُلُوكِنَا وَرُؤَسَائِنَا وَعَلَى رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا 2- جَالِباً عَلَيْنَا شَرًّا عَظِيماً بِحَيْثُ لَمْ يَحْدُثْ تَحْتَ السَّمَاءِ بِأَسْرِهَا مِثْلُ مَا أَحْدَثَهُ فِي أُورُشَلِيمَ عَلَى حَسَبِ مَا كُتِبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى 3- حَتَّى أَكَلَ بَعْضُنَا لَحْمَ ابْنِهِ وَالآخَرُ لَحْمَ بِنْتِهِ. 4- وَأَخْضَعَهُمْ تَحْتَ أَيْدِي جَمِيعِ الْمَمَالِكِ الَّتِي حوْلَنَا وَجَعَلَهُمْ عَاراً وَدَهَشاً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ شَتَّتَهُمُ الرَّبُّ بَيْنَهُمْ 5- فَإِذَا هُمْ فِي الاِنْحِطَاطِ بَدَلَ الرِّفْعَةِ لأَنَّا خَطِئْنَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا غَيْرَ سَامِعِينَ لِصَوْتِهِ. 6- لِلرَّبِّ إِلهِنَا الْعَدْلُ وَلَنَا وَلآبَائِنَا خِزْيُ الْوُجُوهِ كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ 7- لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ عَلَيْنَا بِجَمِيعِ هذَا الشَّرِّ الَّذِي حَلَّ بِنَا 8- وَنَحْنُ لَمْ نَسْتَعْطِفْ وَجْهَ الرَّبِّ تَائِبِينَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ أَفْكَارِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ. 9- فَسَهِرَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ وَجَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْنَا لأَنَّ الرَّبَّ عَادِلٌ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهِ الَّتِي أَوْصَانَا بِهَا 10- فَلَمْ نَسْمَعْ لِصَوْتِهِ لِنَسْلُكَ فِي أَوَامِرِ الرَّبِّ الَّتِي جَعَلَهَا أَمَامَ وُجُوهِنَا.
ع1، 2: أسرها : جميعها.
يواصل باروخ اعترافه بخطايا شعبه أمام الله، معلناً أنه من أجل هذه الخطايا عاقب الله شعبه جالباً عليهم شروراً، فأصابهم بضيقات عظيمة لم يحدث مثلها في العالم كله، وذلك على كل فئات الشعب. ويذكر قادة الشعب قبل العامة، فيقول القضاة والملوك والرؤساء وكل رجال اليهود؛ سواء من مملكة إسرائيل، أو مملكة يهوذا. فكان السبى الأشورى، ثم البابلى الذى دمَّر البلاد وأذل الشعب، وكان عقاباً شنيعاً.
ع3: يذكر باروخ بعض أمثلة الضيقة العظيمة التى أتى بها الله على شعبه، فيعلن في هذه الآية أمراً فظيعاً، وهو حلول الجوع الشديد بشعب الله؛ حتى أنهم أكلوا أطفالهم. ويذكر الكتاب المقدس حدوث هذا الأمر مرتين؛ مرة أيام يشوع (2مل6: 24-31) والأخرى عندما حدث السبى البابلى (مرا 4 : 10).
ع4: دهشا : يندهش ويتعجب كل من يراهم لسوء حالتهم وانحطاطهم، بعد أن كانوا عظماء أيام ملوكهم الأقوياء، مثل داود، وسليمان، وحزقيا، ويوشيا.
العقاب الإلهى ظهر أيضاً لشعب إسرائيل في :
- استعبادهم لمملكتى أشور وبابل.
- صاروا عاراً وسط الشعوب المحيطة بهم، والذين تشتتوا بينهم، خاصة وأن بعضهم شمتوا ببنى إسرائيل، وقبضوا على المنفلتين منهم، والهاربين، وأخذوهم عبيداً لهم، أى ذُل شعب الله ذلاً شديداً، واستهزأ بهم كل الشعوب المحيطة.
ع5: يوضح باروخ أن العقاب الإلهى لبنى إسرائيل أدى إلى انحطاطهم بين جميع الشعوب. وسبب هذا الانحطاط واضح وهو خطاياهم ورفضهم سماع كلام الله.
ع6، 7: يكرر في ع(6) نص الآية المذكورة في (ص1: 15)، وهى التى تعلن عدل الله وخطية شعبه التى أدت إلى معاقبتهم، وخزيهم أمام جميع الشعوب. وهذا ما سبق وحذرهم منه الله في وصاياه وشريعته على يد موسى النبى.
ع8، 9: أنذر الرب شعبه على فم الأنبياء ليتوبوا، ولكنهم استهانوا ورفضوا كلامه، ولم يتركوا خطاياهم، فاضطر الله إلى معاقبتهم بالسبى. ولم يعاقبهم بحدث مؤقت، بل بفعل مستمر – وهو السبى – الذى دام سبعون عاماً؛ لأن الله عادل ولابد للشر من عقاب، وغرض الله من العقاب هو التوبة والرجوع إليه.
ع10: رغم العقاب الإلهى لم يسمع شعب الله لصوته وتأديبه، ورفضوا الخضوع لوصاياه وشريعته، وهذا يبين مدى قساوة قلوبهم، وعنادهم ضد الله.
ليتك تقبل كلام الله من الكتاب المقدس وفى تعليم الكنيسة، وخاصة إرشاد أب اعترافك، ولا تهمل كلام الله، أو تعانده، فتنال حينئذ مراحم الله وغفرانه لخطاياك، وقبوله لتوبتك.
[2] طلب مراحم الله (ع11-20) :
11- فَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَخْرَجَ شَعْبَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِيَدٍ قَدِيرَةٍ وَبِآيَاتٍ وَمُعْجِزَاتٍ وَقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَذِرَاعٍ مَبْسُوطَةٍ وَأَقَامَ لَهُ اسْماً كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ. 12- إِنَّا خَطِئْنَا وَنَافَقْنَا وَأَثِمْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا فِي جَمِيعِ رُسُومِكَ 13- لِيَنْصَرِفْ غَضَبُكَ عَنَّا فَقَدْ بَقِينَا نَفَراً قَلِيلاً فِي الأُمَمِ الَّذِينَ شَتَّتَّنَا بَيْنَهُمْ. 14- اسْمَعْ يَا رَبُّ صَلاَتَنَا وَتَضَرُّعَنَا وَأَنْقِذْنَا لأَجْلِكَ وَأَنِلْنَا حُظْوَةً أَمَامَ وُجُوهِ الَّذِينَ أَجْلَوْنَا 15- لِكَيْ تَعْرِفَ الأَرْضُ بِأَسْرِهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهُنَا وَأَنَّهُ بِاسْمِكَ دُعِيَ إِسْرَائِيلُ وَعَشَائِرُهُ.
16- أَيُّهَا الرَّبُّ اِلْتَفِتْ مِنْ بَيْتِ قُدْسِكَ وَانْظُرْ إِلَيْنَا وَأَمِلْ أَيُّهَا الرَّبُّ أُذُنَكَ وَاسْتَجِبْ. 17- افْتَحْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ فَإِنَّهُ لَيْسَ الأَمْوَاتُ فِي الْجَحِيمِ الَّذِينَ أُخِذَتْ أَرْوَاحُهُمْ عَنْ أَحْشَائِهِمْ يَعْتَرِفُونَ لِلرَّبِّ بِالْمَجْدِ وَالْعَدْلِ 18- لكِنَّ الرُّوحَ الْكَئِيبَ مِنَ الشِّدَّةِ وَالَّذِي يَمْشِي مُنْحَنِياً ضَعِيفاً وَالْعُيُونَ الْكَلِيلَةَ وَالنَّفْسَ الْجَائِعَةَ هُمْ يَعْتَرِفُونَ لَكَ بِالْمَجْدِ وَالْعَدْلِ يَا رَبُّ. 19- فَإِنَّا لاَ لأَجْلِ بِرِّ آبَائِنَا وَمُلُوكِنَا نُلْقِي تَضَرُّعَنَا أَمَامَكَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا 20- بَلْ لأَنَّكَ أَرْسَلْتَ سُخْطَكَ وَغَضَبَكَ عَلَيْنَا كَمَا تَكَلَّمْتَ عَلَى أَلْسِنَةِ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ.
ع11، 12: يذكر باروخ الله بأنه هو إلهنا القوى، الذى أخرج شعبه من مصر بقوة عظيمة وذراع ممدودة، عن طريق الضربات العشر، وشق البحر الأحمر. فحرر شعبه من عبودية مصر، وأخرجهم إلى برية سيناء، وغفر خطاياهم، وعبادتهم الأوثان في مصر، وحل وسطهم في خيمة الاجتماع، فهو قادر الآن أن يسامحهم عن خطاياهم، ويقر باروخ نيابة عن شعبه قائلاً إننا أخطأنا ونافقنا، وآثمنا، ولكننا نترجى غفرانك لخطايانا، ثم قوتك التى تحررنا من السبى، كما حررتنا قديماً من عبودية مصر.
ع13: يطلب باروخ من الله أن يوقف غضبه، ويبعده عن شعبه، أى يسامحهم على خطاياهم، ويكفى هذا العقاب؛ لأن بنى إسرائيل قد مات منهم الكثير بالجوع، أو الوبأ، أو السيف، ولم يبق منهم إلا عددٌ قليلٌ يقدم توبة لله، ويطلب رحمته؛ ليعيدهم إلى أرضهم.
ع14، 15: يطلب باروخ من الله مراحمه فيما يلى :
- يتنازل الله ويسمع صلوات شعبه، وتضرعاته لينقذهم من السبى. وذلك ليس لأجل استحقاقهم، بل من أجل نعمة الله عليهم، إذ يدعون شعبه، وينتسبون إلى اسمه القدوس.
- يعطى الله نعمة لشعبه في عيون من يسبونهم، وإذ ينالون رضا الحكام يسمحون لهم بالعودة إلى بلادهم.
- إذ يعيد الله شعبه إلى بلادهم، يتمجد اسمه القدوس أمام جميع أمم العالم، فبعد أن كانوا عاراً في أعين الأمم يصيرون أمة يمجدها كل من حولها، ويمجدون إله إسرائيل العظيم، القادر على كل شئ، وعلى إعادة أولاده إلى بلادهم بعد تشتتهم في الأمم سنيناً طويلة. وهذا يبين عظمة إيمان باروخ بالله.
ع16: يترجى باروخ من الله أن يلتفت إليه، هو وشعبه، وينظر إليه من بيت قدسه، أى السماء، ويشفق على شعبه، فيميل أذنه، أى يتنازل ويستجيب لصلوات شعبه الضعيف المستعبد؛ ليسامحه، ويحرره، ويعيده إلى بلاده.
ع17: يواصل باروخ تضرعه لله، فيطلب منه أن يفتح عينيه، كأن الله أغمض عينيه، والمقصود أن الله تركهم في السبى مدة؛ ليتوبوا. ولكن الآن يرجو من الله أن ينظر إلى شعبه الذى يطلبه قبل أن يموت من الغم والعبودية والذل في السبى.
والموتى روحياً، أى البعيدون عن الله لا يطلبونه، ولكن شعبه الحى يطلب منه أن يرحمه، ويحرره من السبى.
والأموات عن الخطايا، أى التائبون هم الذين يفرح بهم الله ويسامحهم، ويرحمهم. هؤلاء بنو شعبه الذين يتضرعون إليه. وهذه الآية اقتبسها الآباء ووضعوها في القطعة الأولى من صلاة النوم، وهى أيضاً مشابهة للآية الموجودة في سفر المزامير (مز6: 5).
ع18: الكئيب : الحزين.
الكليلة : المجهدة وفى تعب شديد.
يعلن باروخ أن النفوس التى قاست من شدة السبى، فرجعت إلى الله بتوبة وأصوام وصلوات، تستطيع أن تمجد الله، وتقبل الضيقة خضوعاً لعدله، فتنال مراحم الله.
إن النفوس الخاضعة لله، والمعترفة بمجده، والتائبة عن خطاياها، أى الحزينة لسقوطها في الخطية، وتصوم وتجوع لدرجة انحناء الجسد، والتى تبكى أمام الله في ندم على خطاياها؛ حتى تكل وتتعب العينان؛ هذه النفوس هى الحزينة على خطاياها وتتضرع إلى الله فيسامحها ويغفر لها. النفس المتذللة أمام الله والزاهدة في شهوات العالم هى التى تجوع لكلمة الله والحياة معه، فيشبعها الله بغناه ومحبته.
ع19، 20: يؤكد باروخ أن تضرعات شعب الله إليه هى بسبب خضوعهم له، وتوبتهم أمام غضبه الشديد، الذى أعلنه مراراً على فم أنبيائه، وليس في صلواتهم أى اعتماد على برهم، أو بر ملوكهم وآبائهم.
إذا أتت عليك ضيقة فحاسب نفسك وقدم توبة عن خطاياك باتضاع، معتمداً على صلوات وأصوام ودموع، فتفيض عليك مراحم الله، مهما كانت خطاياك صعبة.
[3] ذل السبى (ع21-29) :
21- هكَذَا قَالَ الرَّبُّ احْنُوا مَنَاكِبَكُمْ وَتَعَبَّدُوا لِمَلِكِ بَابِلَ فَتَسْكُنُوا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لآبَائِكُمْ 22- وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ بِأَنْ تَتَعَبَّدُوا لِمَلِكِ بَابِلَ 23- فَإِنِّي أُبْطِلُ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا وَمنْ شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ صَوْتَ الطَّرَبِ وَصَوْتَ الْفَرَحِ صَوْتَ الْعَرُوسِ وَصَوْتَ الْعَرُوسَةِ وَتَكُونُ كُلُّ الأَرْضِ مُسْتَوْحِشَةً لاَ سَاكِنَ فِيهَا 24- فَلَمْ نَسْمَعْ لِصَوْتِكَ بِأَنْ نَتَعَبَّدَ لِمَلِكِ بَابِلَ فَأَقَمْتَ كَلاَمَكَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ أَن تُخْرَجَ عِظَامُ مُلُوكِنَا وَعِظَامُ آبَائِنَا مِنْ مَوَاضِعِهَا 25- وَهَا إِنَّهَا مَطْرُوحَةٌ لِحَرِّ النَّهَارِ وَقَرْسِ اللَّيْلِ وَقَدْ مَاتُوا فِي أَوْجَاعٍ أَلِيمَةٍ بِالْجُوعِ وَالسَّيْفِ وَالطَّرْدِ.
26- وَجَعَلْتَ الْبَيْتَ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِكَ كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ لأَجْلِ شَرِّ آلِ إِسْرَائِيلَ وَآلِ يَهُوذَا.
27- وَقَدْ عَامَلْتَنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا بِكُلِّ رَأْفَتِكَ وَكُلِّ رَحْمَتِكَ الْعَظِيمَةِ 28- كَمَا تَكَلَّمْتَ عَلَى لِسَانِ عَبْدِكَ مُوسَى يَوْمَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَكْتُبَ شَرِيعَتَكَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: 29- »إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي فَإِنَّ هذَا الْجَمْعَ الْعَظِيمَ الْكَثِيرَ لَيَصِيرَنَّ نَفَراً قَلِيلاً فِي الأُمَمِ الَّذِينَ أُشَتِّتُهُمْ بَيْنَهُمْ.
ع21: مناكبكم : منكب وهو الكتف.
أمر إرميا الشعب أن يخضعوا لعبودية ملك بابل، فيسكنوا ويستقروا في الأرض؛ أرض كنعان، ولكنهم رفضوا، فدمر ملك بابل أورشليم وأحرق الهيكل، وسمح الله بهذا من أجل كثرة خطاياهم. ولكن الآن ينادى باروخ بنفس الكلام لشعبه، أن يحنوا أكتافهم كعبيد لملك بابل، أى يقبلون تأديب الرب، ويتوبون عن خطاياهم، فحينئذ يسامحهم الله، ويعيدهم إلى أرضهم، ويبنون الهيكل، ويعبدون الله فيه.
ع22، 23: يكمل باروخ كلام الله لشعبه، فيحذرهم من عصيان وعدم طاعة كلام الرب. فيذكرهم بكلام إرميا لهم، الذى كرره أربع مرات بنفس النص تقريباً (إر7: 34؛ 16: 9؛ 25: 10 ؛ 33 : 11). فيقال هنا للمرة الخامسة، معلناً ما أتمه الله في تخريب أورشليم على يد ملك بابل، وإبطال الأفراح، وجعل أرض أورشليم موحشة وخربة؛ فلا يسكنها أحد.
ع24-26: قرس الليل : برودة الليل الشديدة؛ أى البرد القارس.
لأن شعب الله رفض طاعة كلامه على لسان الأنبياء بالخضوع لملك بابل وقبول تأديب الرب للتوبة؛ لذا هجم ملك بابل على أورشليم، وخرب كل ما فيها حتى المقابر، وهكذا طرح عظام الملوك والآباء، وتعرضت لحر النهار وبرودة الليل، وهذا إذلال واضح لليهود أن تتعرض عظام ملوكهم وآبائهم للتخريب والتدمير. ولعل البابليين قصدوا سرقة أى شئ نفيس في هذه المقابر.
ومن ناحية أخرى كان تأديب الله في تعرض اليهود الساكنين في أورشليم لما يلى :
- الجوع إذ لم يجدوا طعاماً وسط هذا الخراب، بل مات منهم الكثيرون جوعاً.
- الموت بالسيف عند هجوم البابليين عليهم، وقتلوا ما استطاعوا من اليهود.
- الطرد من أورشليم إذ هرب الباقون من اليهود من وجه البابليين. ولعل بعضهم لم ينج إذ قبض عليهم جيرانهم الوثنيون الأدوميون والموآبيون وبنو عمون، وأخذوهم عبيداً.
- تخريب هيكلهم وحرقه كما هو ظاهر في هذا اليوم، أى أيام كتابة نبوة باروخ؛ وهو الهيكل الذى دعى اسم الرب عليه. كل هذا لأجل شر اليهود في عبادة الأوثان وتمردهم على الله.
ع27-29: بالسبى البابلى وتخريب أورشليم وهيكلها وقتل اليهود، وتشتيتهم كعبيد في المملكة البابلية تحقق كلام الله الذى أعلنه لموسى النبى في الشريعة (تث28: 62). وهذا التأديب رغم قسوته لكن الله لم يعاقب شعبه به بحسب خطاياهم، بل عاملهم بالرحمة والرأفة، أى أنهم يستحقون عقاباً أكثر من هذا لكثرة شرورهم.
انتبه لتحذيرات الله فى الكتاب المقدس التى تدعوك للتمسك بوصايا الله حتى لا يتخلى عنك، فتتعرض لتجارب شديدة. وبهذا تبتعد عن الشر وتحفظ وصايا الله، فتحيا مطمئناً سعيداً.
[4] بركات الله لشعبه التائب (ع30-35) :
30- فَإِنِّي عَالِمٌ بَأَنَّهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ لِي لأَنَّهُمْ شَعْبٌ قُسَاةُ الرِّقَابِ لكِنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ إِلَى قُلُوبِهِمْ فِي أَرْضِ جَلاَئِهِمْ 31- وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ، وَأُعْطِيهِمْ قُلُوباً وَآذَاناً سَامِعَةً 32- فَيُسَبِّحُونَنِي فِي أَرْضِ جَلاَئِهِمْ وَيَذْكُرُونَ اسْمِي 33- وَيَتُوبُونَ عَنْ صَلاَبَةِ رِقَابِهِمْ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ لأَنَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ طَرِيقَ آبَائِهِمِ الَّذِينَ خَطِئُوا أَمَامَ الرَّبِّ 34- وَأُعِيدُهُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفْتُ عَلَيْهَا لآبَائِهِمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهَا وَأُكَثِّرُهُمْ فَلاَ يَقِلُّونَ 35- وَأُقِيمُ لَهُمْ عَهْداً أَبَدِيًّا فَأَكُونُ لَهُمْ إِلهاً وَيَكُونُونَ لِي شَعْباً وَلاَ أَعُودُ أُزَعْزِعُ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا لَهُمْ«.
ع30-32: جلائهم : سبيهم.
يقرر الله هنا قساوة قلوب بنى إسرائيل، الذين يرفضون سماع كلامه على فم الأنبياء، فيضطر الله إلى تأديبهم، ويشتتهم في العالم، ويستعبدون لملوك بابل، ولكن الضيقة تنقذهم، فيرجعون إلى الله بالتوبة، ويعودون للحياة مع الله والتمسك بوصاياه، وتعود قلوبهم للإحساس بالله، وآذانهم الداخلية تسمع صوته وتخضع له، فيصيرون بالحقيقة شعباً مقدساً لله، كما أعلن الأنبياء (إر24: 7؛ حز11: 16-20؛ زك10: 9).
ع33: يتذكر المسبيون خطايا آبائهم في عبادة الأصنام والشهوات الشريرة، وكيف أغضبت الرب، فأدبهم بالسبى؛ لذا يتوب المسبيون، ولا يصلبون رقابهم كآبائهم، أو يتمادون في شرهم؛ لكن يعودون للرب في توبة؛ ليحيوا معه.
ع34: إذ يرى الله توبة شعبه يعدهم بإرجاعهم إلى أرضهم، التى وعد الله بها الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب. فإن كانوا قد طردوا من أرضهم لأجل شرهم يعيدهم الله إليها من أجل توبتهم، وأكثر من هذا يباركهم الله، فيزدادون عدداً رغم عودتهم من السبى بعدد قليل.
ع35: هذا الوعد الأبدى الذى يعد به الله شعبه أن يكون لهم إلهاً، ويكونون شعبه ليس في هذا الدهر فقط، بل في الحياة الأبدية، يتحقق هذا في شعب إسرائيل الجديد، أى المسيحيين. فالكنيسة تثبت على مدى الأيام، وتمتد إلى الأبدية، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها؛ لأن أورشليم وهيكلها قد تهدم عام 70م بيد تيطس الرومانى، فالنبوة عن الكنيسة في هذه الآية. وقد ذكر كثير من الأنبياء هذا الوعد مثل (إر31 : 34؛ حز37: 26-28)، وكرره بولس الرسول في (عب8: 7-9).
أما قوله شعبى إسرائيل فهو لا يقصد بنى إسرائيل فقط، إنما يعنى أبناء الله الذين يعبدون الرب في كل زمان. وقد أكد بولس الرسول هذا المعنى في “لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون” (رو9: 6). الله حنون جداً ويحبك، وينتظر توبتك مهما كانت شرورك، فأسرع إلى التوبة الآن، فهو يقبلك، ويتعهدك بمحبته، ويثبتك فى كنيسته، وينتظرك فى ملكوته السماوى.