تعزية أورشليم
(1) التمسك بالشريعة (ع1- 4):
1- هذَا كِتَابُ أَوَامِرِ اللهِ وَالشَّرِيعَةُ الَّتِي إِلَى الأَبَدِ كُلُّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا فَلَهُ الْحَيَاةُ وَالَّذِينَ يُهْمِلُونَهَا يَمُوتُونَ. 2- تُبْ يَا يَعْقُوبُ وَاتَّخِذْهَا وَسِرْ فِي الضِّيَاءِ تُجَاهَ نُورِهَا. 3- لاَ تُعْطِ مَجْدَكَ لآخَرَ وَمَزِيَّتَكَ لأُمَّةٍ غَرِيبَةٍ. 4- طُوبَى لَنَا يَا إِسْرَائِيلُ لأَنَّ مَا يُرْضَى عِنْدَ اللهِ مَعْرُوفٌ لَدَيْنَا.
ع1: إن كتاب شريعة الله هو الوصايا العشر وشريعة موسى، وهى الحكمة الإلهية المعلنة في كلمات محددة ليحيا بها أولاد الله، فمن ينفذها يحيا (لا18: 4). أما من يهمل شريعة الله فيموت، أى يصبح ميتاً في نظر الله؛ لأنه سيعمل الخطية، والخطية أجرتها موت (رو6: 23).
وهكذا نرى آخر خطوة في موضوع الحكمة، الذى بدأه باروخ في الإصحاح السابق، ومذكور في الخلاصة التى في نهاية الإصحاح، فاكتمال الحكمة في حياة الناس أن يحيوا بكلام الله.
ع2: ينصح باروخ شعب إسرائيل بثلاثة أمور لينالوا الحكمة عملياً في حياتهم وهى :
- التوبة عن الخطايا التى تغضب الله لنوال غفرانه.
- اتخاذ الشريعة، أى العمل بها ليحيوا أمام الله.
- السير في ضياء الشريعة لنوال نورها، أى ترشدهم في كل حياتهم، كما يتأكد هذا المعنى في (مز119: 105).
ع3: مزيتك : تميزك.
ينبه باروخ شعب الله ألا يتنازل عن مجده وميزته عن باقى الشعوب، فمجده هو وجود الله في وسطه في هيكله المقدس، والاقتراب إلى الله وإرضاؤه هو عن طريق التمسك بشريعته وعبادته، وهذا هو كمال الحكمة.
ع4: يفتخر باروخ مع شعبه بأن الله قد كشف لهم كيف يرضونه، وذلك ليس فقط بالإيمان به، بل بتطبيق كلامه والتمسك بشريعته، فيباركهم الله ويفرح قلوبهم.
إن ما يميزك يا أخى هو معرفتك لله، وتوبتك، وتناولك من الأسرار المقدسة، فاحرص ألا تهتز هذه الثلاثة في حياتك، ودليلك على ثباتك في الله هو صلواتك المتزايدة نحوه.
[2] السبى تأديب (ع5-8)
5- ثِقُوا يَا شَعْبِي يَا تَذْكَارَ إِسْرَائِيلَ 6- فَإِنَّكُمْ لَمْ تُبَاعُوا لِلأُمَمِ لِهَلاَكِكُمْ وَلكِنْ بِمَا أَنَّكُمْ أَسْخَطْتُمُ اللهَ قَدْ أُسْلِمْتُمْ إِلَى أَعْدَائِكُمْ 7- لأَنَّكُمْ أَغْضَبْتُمْ صَانِعَكُمْ إِذْ ذَبَحْتُمْ لِلشَّيَاطِينِ لاَ للهِ
8- وَنَسِيتُمْ رَازِقَكُمُ الإِلهَ الأَزَلِيَّ وَحَزَنْتُمْ مُرَبِّيَتَكُمْ أُورُشَلِيمَ.
ع5، 6: يظهر هنا إيمان باروخ الذى به يحرك الرجاء في قلوب شعبه، فيعلن ما يلى :
- أنكم إسرائيل شعبى الذى قطعت عهداً معه عن طريق الآباء، فأنا أذكركم دائماً ولا أتخلى عنكم.
- إن كان قد حل بكم السبى نتيجة خطاياكم ورفضكم لله، لكن هذا مجرد تأديب وليس المقصود به إهلاككم، أو إفنائكم، ولكنه مجرد تأديب للتوبة حتى ترجعوا لله.
ع7، 8: يبين باروخ هنا أسباب التأديب بالسبى، أى ما اضطر الله أن يسمح به لشعبه وهو :
- أغضبتم صانعكم وهو الله، بترك وصاياه.
- ذبحتم للشياطين : وليس لله، أى قدمتم عبادتكم وذبائحكم للآلهة الوثنية، ورفضتم وأهملتم عبادة الله.
- نسيتم رازقكم : أهملتم الله الذى أحبكم منذ الأزل، واعتنى بكم، وأطعمكم ورعاكم، ورزقكم خيرات كثيرة. فهو مصدر حياتكم المادية والروحية.
- أحزنتم مربيتكم : وهى أورشليم أمكم المدينة المقدسة، التى سكنتم فيها آمنين، وممجدين، ولكن عندما أغضبتم الله تهدمت بسببكم، فمن يغضب الله يحزن الكنيسة كلها.
[3] أورشليم تبكى على أولادها (ع9-20)
9- إِنَّهَا رَأَتِ الْغَضَبَ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ فَقَالَتِ اسْمَعْنَ يَا جَارَاتِ صِهْيُونَ إِنَّ اللهَ قَدْ جَلَبَ عَلَيَّ نَوْحاً عَظِيماً 10- فَإِنِّي رَأَيْتُ سَبْيَ بَنِيَّ وَبَنَاتِيَ الَّذِي جَلَبَهُ عَلَيْهِمْ الأَزَلِيُّ. 11- إِنِّي رَبَّيْتُهُمْ بِفَرَحٍ ثُمَّ وَدَّعْتُهُمْ بِبُكَاءٍ وَنَوْحٍ. 12- لاَ يَشْمَتَنَّ أَحَدٌ بِي أَنَا الأَرْمَلَةَ الَّتِي ثَكِلَتْ كَثِيرِينَ فَإِنِّي قَدْ أُوحِشْتُ لأَجْلِ خَطَايَا بَنِيَّ لأَنَّهُمْ زَاغُوا عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ 13- وَلَمْ يَعْرِفُوا رُسُومَهُ وَلَمْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِ وَصَايَا اللهِ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي سُبُلِ التَّأَدُّبِ بِبِرِّهِ. 14- هَلُمَّ يَا جَارَاتِ صِهْيُونَ فَاذْكُرْنَ سَبْيَ بَنِيَّ وَبَنَاتِيَ الَّذِي جَلَبَهُ عَلَيْهِمْ الأَزَلِيُّ. 15- فَإِنَّهُ جَلَبَ عَلَيْهِمْ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ أُمَّةً وَقِحَةً أَعْجَمِيَّةَ اللِّسَانِ
16- لَمْ تَهَبْ شَيْخاً وَلَمْ تُشْفِقْ عَلَى طِفْلٍ فَذَهَبُوا بِأَحِبَّاءِ الأَرْمَلَةِ وَأَثْكَلُوا الْمُتَوَحِّدَةَ بَنَاتِهَا.
17- بِأَيِّ شَيْءٍ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُغِيثَكُمْ. 18- الَّذِي جَلَبَ عَلَيْكُمُ الشَّرَّ هُوَ يُنْقِذُكُمْ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِكُمْ.
19- سِيرُوا يَا بَنِيَّ سِيرُوا. إِنِّي بَقِيتُ مُسْتَوْحِشَةً. 20- قَدْ خَلَعْتُ حُلَّةَ السَّلاَمِ وَلَبِسْتُ مِسْحَ التَّضَرُّعِ. أَصْرُخُ إِلَى الأَزَلِيِّ مَدَى أَيَّامِي.
ع9-11: الأزلى : الذى لا بداية له وهو الله.
يتكلم باروخ هنا عن أورشليم التى رأت الغضب الإلهى قد حل على بنيها لأجل خطاياهم، فدُمرت أورشليم، وأُحرق الهيكل، وسُبى البنون إلى المملكة البابلية، وتشتتوا فيها.
ثم كلمت أورشليم جاراتها الدول المحيطة بها، وقالت لها إن الله سمح لى بحزن وبكاء شديد بسبب سبى أبنائى وبناتى وتشتيتهم في أرجاء المملكة البابلية. فقد تمتعت بتربيتهم ونموا أمام عينى، وكانت سعادتى عظيمة، ولكنى فقدتهم الآن، فقد أخذهم العدو عبيداً، وأبعدهم عنى؛ لذا فأنا حزينة جداً.
ع12-13: ثكلت : فقدت بنيها وبناتها.
أوحشت : صرت خربة وخالية.
تنبه أورشليم الدول جاراتها ألا يشمتن بها؛ لأنها تثق في محبة الله لها، وأن ما حل من عقاب إلهى لها هو تأديب ليتوب أبناؤها، وبناتها. بل وتعلن أنها فقدت كثيرين من أبنائها وبناتها لما يلى :
- زاغوا عن شريعة الله : أى زاغ البنون عن شريعة الله.
- لم يعرفوا رسومه : أهملوا رسوم الله، أى شريعته حتى كادوا ينسونها ولا يعرفونها، ولم يعرفوها معرفة التنفيذ، بل كانت معرفة نظرية، بعيداً عن التطبيق والحياة.
- لم يسيروا في طرق التأدب ببره : لم يفهموا تأديب الله لهم من خلال قتل ملوكهم، مثل يهوياقيم، وسبى بعضهم مثل يهوآحاز ويهوياكين. فاضطر الله إلى تأديبهم بشدة عن طريق السبى البابلى الكامل، وتدمير أورشليم؛ حتى يتوبوا، ويعودوا لحياة البر التى علمها لآبائهم.
ع14: تواصل أورشليم مخاطبة جاراتها لتقودهم للتوبة. فتطلب منهم أن يذكروا سبى بنيها، وهو تأديب إلهى سمح به الله؛ حتى يتوبوا، ولم يقصد أبداً معاقبتهم بالفناء. فتنبه جاراتها إلى أن الله قد صنع هذا بها؛ أى أورشليم أمام أعين الأمم؛ حتى تخافه الأمم، وتؤمن به، وترجع إليه. فإن كان الله قد أدب شعبه، فكم يكون انتقامه ممن يرفضونه، أى الأمم. وهذا يبين محبة الله للأمم، واهتمامه بتوبتهم، وليس فقط شعبه. وهذه مسئولية الكنيسة في كل جيل أن تكون نوراً للعالم، وملحاً للأرض، وتنبه العالم كله ليتوب ويرجع إلى الله.
ع15، 16: أعجمية : غريبة اللغة.
تهب : تخاف.
يستكمل باروخ تنبيهه للأمم المحيطة بأورشليم؛ ليتوبوا؛ ليصف تأديب الله الذى حل بشعبه بوصف شرور بابل الذى أدب الله بها شعبه فقال :
- “أمة من بعيد” : أى قوية استطاعت أن تعبر فوق بلاد كثيرة وتدمرها.
- وقحة : أى غير مهذبة وليس لها مبادئ، وغير خاضعة لله، وبالتالى فهى قاسية لا ترحم أحداً.
- أعجمية اللسان : لا تفهم لغة من تدمر بلادهم، وبالتالى لا يمكن أن يتوسل إليها أحد، أو ترحم إنساناً.
- لم تهب شيخاً : إذ أن ليس لها مبادئ، فلا تحترم كبار السن، وهذا يؤكد قسوتها.
- لم تشفق على طفل، لا تشفق على الأطفال، أو الضعفاء لأجل قساوة قلبها.
- ذهبوا بأحباء الأرملة واثكلوا المتوحدة بناتها : أى قتلوا أبناء الأرملة وإخوتها الرجال، الذين يحبونها ويدافعون عنها. والتى ليس لها رجال وبقى معها بناتها فقط – وهى المتوحدة – يقتلون بناتها أيضاً.
إن بابل ترمز للشيطان القاسى القلب الذى يأتى من بعيد ليهجم على البشر، وهو قاسى ولغته غريبة عنهم، فيهاجم الشيخ، أى الضعيف في جهاده الروحى، والطفل، أى المبتدئ في الحياة الروحية، والأرملة أى النفس التى ليس لها استناداً على أب روحى ومرشد، والمتوحدة وهى التى تبتعد عن الكنيسة، فيقتل بناتها، أى فضائلها القليلة الباقية. فهو قاسى قسوة تفوق العقل، ولا يشفق على أى إنسان؛ لأن لغته غريبة عن الحب الإلهى الذى وضعه الله في البشر.
ع17-19: أغيثكم : أنجدكم وأساعدكم.
تعلن أورشليم عجزها عن أن تساعد بنيها المسبيين، وتوجه قلوبهم إلى الله القادر وحده أن يخلصهم من السبى. فهو سمح بتأديبهم، وهو القادر أن يرفع عبودية الأعداء عنهم. وتطلب منهم أن يسيروا في طريق التوبة؛ لينالوا مراحم الله، ويعودوا إليها، فإنها خربة وخالية وفى انتظار بنيها ليعمروها. وتؤكد على أبنائها ضرورة السير في طريق التوبة بتكرار كلمة سيروا.
ع20: في الختام تعلن أورشليم التى ترمز للكنيسة أنها إن كانت قد فقدت سلامها الخارجى بتأديب بنيها، لكن ليس أمامها الآن إلا أن :
- تحيا في زهد وتقشف وتذلل أمام الله (مسح).
- تتضرع في صلوات كثيرة إلى الله ليرحمها ويعيد إليها بنيها.
- تداوم على الصلاة طوال عمرها.
إن الصلاة باتضاع أمام الله هى مظهر التوبة الذى يحبه الله. فلا تهمله يا أخى، ليفيض عليك الله بمراحمه، ويعيد إليك بركاته المؤقتة على الأرض، ثم البركة التى لا توصف، وهى الحياة الأبدية.
[4] الله المخلص (ع21-30) :
21- ثِقُوا يَا بَنِيَّ وَاسْتَغِيثُوا بِاللهِ فَيُنْقِذَكُمْ مِنْ أَيْدِي الأَعْدَاءِ الْمُتَسَلِّطِينَ عَلَيْكُمْ
22- فَإِنِّي قَدْ رَجَوْتُ بِالأَزَلِيِّ خَلاَصَكُمْ وَحَلَّتْ بِي مَسَرَّةٌ مِنْ لَدُنِ الْقُدُّوسِ بِالرَّحْمَةِ الَّتِي تُؤْتَوْنَهَا عَمَّا قَلِيلٍ مِنْ عِنْدِ الأَزَلِيِّ مُخَلِّصِكُمْ.23- قَدْ وَدَّعْتُكُمْ بِبُكَاءٍ وَنَوْحٍ لكِنَّ اللهَ سَيَرُدُّكُمْ لِي بِفَرَحٍ وَمَسَرَّةٍ إِلَى الأَبَدِ. 24- فَكَمَا تَرَى الآنَ جَارَاتُ صِهْيَوْنَ سَبْيَكُمْ هكَذَا عَمَّا قَلِيلٍ سَيَرَيْنَ خَلاَصَكُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ تُؤْتَوْنَهُ بِمَجْدٍ عَظِيمٍ وَبِبَهَاءِ الأَزَلِيِّ. 25- يَا بَنِيَّ احْتَمِلُوا بِالصَّبْرِ الْغَضَبَ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مِنَ اللهِ. قَدِ اضْطَهَدَكَ الْعَدُوُّ لكِنَّكَ سَتَرَى هَلاَكَهُ عَنْ قَلِيلٍ وَتَطَأُ رِقَابَهُمْ. 26- إِنَّ مُتْرَفِيَّ سَلَكُوا طُرُقاً وَعْرَةً وَسِيقُوا كَغَنَمٍ نَهَبَتْهَا الأَعْدَاءُ. 27- ثِقُوا يَا بَنِيَّ وَاسْتَغِيثُوا بِاللهِ فَإِنَّ الَّذِي جَلَبَ عَلَيْكُمْ هذِهِ سَيَتَذَكَّرُكُمْ.28- وَكَمَا كُنْتُمْ تَهْوَوْنَ أَنْ تَشْرُدُوا عَنِ اللهِ فَبِقَدْرِ ذلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ تَلْتَمِسُونَهُ تَائِبِينَ
29- وَالَّذِي جَلَبَ عَلَيْكُمُ الشَّرَّ يَجْلُبُ لَكُمُ المَسَرَّةَ الأَبَدِيَّةَ مَعَ خَلاَصِكُم. 30- ثِقِي يَا أُورُشَلِيمُ فَإِنَّ الَّذِي سَمَّاكِ بِاسْمِهِ سَيُعَزِّيكِ.
ع21: تنبه أورشليم التى ترمز للكنيسة أبناءها المستعبدين لبابل، التى ترمز إلى الخطيئة، أن يرجعوا إلى الله بأمرين هما :
- الإيمان بالله، فليس بغيره الخلاص (أع4: 12).
- بالصلاة والاستغاثة، أى الصراخ من كل القلب ليتدخل الله وينقذهم. حينئذ ينالون الخلاص من عبودية بابل المتسلطة عليهم.
ع22: لدن : عند.
تؤتونها : تنالونها.
تعلن الكنيسة أنه بعد صلاتها إلى الله الذى ترجوه ليخلص أبناءها من العبودية (ع19) شعرت براحة واطمئنان أنه حتماً سيتدخل، بل شعرت بفرح بأن أبناءها سيعودون إليها؛ لذا فهى تبشرهم بأنهم سينالون رحمة من الله. وهذه الرحمة ستتم قريباً، ويتخلصون من عبودية بابل، ويعودون إلى بلادهم ليعبدوا الرب.
وتصف الله في هذه الآية بثلاث صفات هى :
- الأزلى : أى الوحيد الذى ليس له بداية، وبالتالى فهو أيضاً الأبدى. ولذا تثبت بنيها في الإيمان بالله القادر على كل شئ. ونلاحظ أن كلمة الأزلى تكررت سبع مرات في هذا الأصحاح.
- القدوس : الذى يشترط في كل من ينال مراحمه أن يحيا بنقاوة وتوبة، ليستطيع أن يقترب إلى القدوس.
- مخلصكم : القادر أن يخلصهم من كل ذل العبودية.
ع23، 24: تعبر أورشلم عن بهجتها بعد صلواتها بأنها كانت تبكى وتنوح عندما ودعت أبناءها الذين سباهم البابليون، وصارت خربة وخالية بعدهم. ولكنها ستفرح عن قريب بعودتهم إليها؛ حتى أنها تعلن أن الدول جاراتها اللواتى رأين سبى اليهود، سينظرن عن قريب عودتهم، وخلاصهم من السبى، بل سينظرن بهاء وعظمة بنيها، عندما يعودن ويبنون أورشليم وهيكلها، ويفرحون بتدشينها في موكب عظيم. فيرون مجد الله مخلص شعبه في قوة وعظمة الراجعين من السبى، الذين يحملون أوامر من الملك ببناء أورشليم، فيُسكت جارات أورشليم، الذين يغيرون منها ويحسدونها.
وعودة بنى إسرائيل من السبى، وخلاصهم من عبودية بابل هو رمز لخلاص البشرية، وعودتها إلى الله، عندما تؤمن بالمسيح المخلص، المصلوب من أجلها.
ع25: تطأ : تدوس.
تشجع أورشليم بنيها ليصبروا على آلام الاستعباد، والذل لبابل. وتبشرهم بأنهم سيخلصون قريباً من هذه العبودية. وقد تم هذا الخلاص بواسطة مادى وفارس، التى هجمت على بابل، وقتلت البابليين، وداستهم بوحشية، بل وباعت بعضهم، واشترى اليهود بعضاً منهم كعبيد.
بالإضافة إلى أن هذه نبوة عن الرجوع من السبى، فهى نبوة أيضاً عن انتصار المؤمنين في العهد الجديد على الشيطان، كما نصلى في صلاة الشكر ونقول “ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو”. ويؤكد مرقس الرسول في نهاية إنجيله سلطان المؤمنين على الشياطين (مر16: 17، 18). وبعد هذا تكمل النصرة على الشيطان في نهاية الأيام، عندما يلقى في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت (رؤ20: 10).
ع26: مترفى : بنو إسرائيل الذين عاشوا في تنعم بلذات الحياة، ونسوا الله.
وعرة : غير ممهدة.
سيقوا : ساقتهم بابل كما يسوق الراعى غنمه.
لأن بنى إسرائيل انغمسوا في ترف ولذات الحياة، وابتعدوا عن عبادة الله، منشغلين بعبادة الأوثان، والشهوات المرتبطة بها؛ كل هذا هو طرق وعرة بعيدة عن الله، لذا أدبهم بأن سمح لبابل أن تسوقهم كالغنم، وتستعبدهم، وتشتتهم في البلاد التابعة لها.
ع27، 28: تهوون : تشتهون.
تشردوا : تضلوا وتبتعدوا.
تعود أورشليم، فتؤكد على بنيها أهمية الإيمان بالله، والتضرع إليه لكى ينقذ شعبه، كما سبق وذكرت في (ع21)، خاصة بعد أن تغير شعب الله. فإن كانوا قد أحبوا الخطية وعبادة الأوثان، فالآن بعد أن ذاقوا نتائج الخطية، وهى مرارة العبودية وذلها، يشتهون، ويشتاقون لله أضعاف ما اشتاقوا للخطية. وتقول أورشليم هنا عشرة أضعاف؛ لتعبر عن كمال الاشتياق للعودة إلى الحياة الروحية وعبادة الله. هذه كانت مشاعر بنى إسرائيل العائدين من السبى.
ع29: يعلن باروخ هنا أن الله هو ضابط الكل، الذى أدب شعبه بالسبى ليتوب، هو أيضاً الذى إذ يرى توبة شعبه يخلصه من عبودية السبى، ويعيده إلى بلاده ليبنى الهيكل ويعبده، والأكثر من هذا يهبه الفرح الأبدى في ملكوت السموات.
ومازال الله حتى الآن يسمح بتأديب كنيسته لتتوب، ثم يخلصها عندما ترجع إليه، ويهبها الفرح الأبدى في السماء.
ع30: يبشر باروخ في النهاية أورشليم، التى تسمت باسم الرب، إذ هى مدينته المقدسة؛ أنه سيعزيها، ويعيد إليها أبناءها ليبنوا هيكلها ويعمروها.
وكل نفس تسمت باسم الرب حتى الآن تثق أنه ما دامت متمسكة به، فحتى لو أخطأت ثم عادت إليه، فهو في النهاية سيعزيها بأفراح لا يعبر عنها؛ ليس فقط في الأرض، بل وأيضاً في السماء.
إن الله هو مخلصك فلا تنزعج من الضيقات؛ حتى لو كنت أنت السبب فيها. ولكن إرجع إليه بالتوبة، وهو يخلصك، بل يعوضك عن أحزانك ببركات لا يعبر عنها، وأفراح فى الأرض، وفى السماء.
[5] عقاب أعداء أورشليم (ع31-35) :
31- وَيْلٌ لِلَّذِينَ جَارُوا عَلَيْكِ وَشَمِتُوا بِسُقُوطِكِ. 32- وَيْلٌ لِلْمُدُنِ الَّتِي اسْتَعْبَدَتْ بَنِيكِ. وَيْلٌ لِلَّتِي أَخَذَتْ أَوْلاَدَكِ. 33- فَإِنَّهَا كَمَا شَمِتَتْ بِسُقُوطِكِ وَفَرِحَتْ بِخَرَابِكِ كَذلِكَ سَتَكْتَئِبُ عِنْدَ دَمَارِهَا 34- وَأُبْطِلُ مُفَاخَرَتَهَا بِكَثْرَةِ سُكَّانِهَا وَأُحَوِّلُ مَرَحَهَا إِلَى نَوْحٍ 35- لأَنَّ نَاراً تَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنْ عِنْدِ الأَزَلِيِّ إِلَى أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ وَتَسْكُنُهَا الشَيَّاطِينُ طُولَ الزَّمَانِ.
ع31، 32: جاروا : ظلموا.
يعلن الله عقابه للدول المجاورة لشعبه، وذلك بسبب الشرور التى صنعوها وهى :
- جاروا عليك : بمساعدتهم لبابل فى تدمير، وقتل بنى إسرائيل.
- شمتوا بسقوطك : ظهر شرهم فى مشاعر الشماتة بخراب أورشليم، واليهودية، إذ كانوا يتمنون الشر لأورشليم من أجل مجد الله الذى كان فيها، وقوتها.
- استعبدت بنيك وأخذت أولادك : عندما هرب اليهود من أورشليم، واليهودية من وجه بابل، لم ترحب بهم هذه الدول، بل أمسكتهم، وباعتهم كعبيد، فساعدت بابل فى إذلال اليهود.
ع33-35: يقرر الله العقاب الإلهى الآتى على جارات أورشليم، وهى :
- الاكتئاب عندما يسمح الله بتدمير هذه الدول.
- يبطل في هذه الدول الافتخار بكثرة عدد السكان، ويبطل أيضاً الفرح والانطلاق، والسعادة، إذ يتحول كل هذا إلى أحزان.
- يحرق الله هذه الدول بالنار التى تنزل من عند الله.
- تسكن هذه الدول الشياطين لكثرة عبادة الأوثان بها، ولكثرة شهواتها الشريرة، وتظل الشياطين مستقرة فيها على مدى الايام؛ لانغماسها في الشر.
هذه العقوبات تأتى أيضاً على الشياطين التى تحارب الكنيسة، فتعيش هذه الشياطين في حزن، وتلقى في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت إلى الأبد.
لا تديـن غيرك، ولا تشمت به، لئلا يعاقبك الله، وعلى قدر ما تكون رحيماً تنال مراحم الله.
[6] عودة المسبيين (ع36، 37) :
36- تَطَلَّعِي يَا أُورُشَلِيمُ مِنْ حَوْلِكِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَانْظُرِي الْمَسَرَّةَ الْوَافِدَةَ عَلَيْكِ مِنْ عِنْدِ اللهِ.
37- هَا إِنَّ بَنِيكِ الَّذِينَ وَدَّعْتِهِمْ قَادِمُونَ. يَقْدَمُونَ مُجْتَمِعِينَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِكَلِمَةِ الْقُدُّوسِ مُبْتَهِجِينَ بِمَجْدِ اللهِ.
ع36، 37: فى نهاية الإصحاح يبشر باروخ أورشليم أنه سيأتى قريباً اليوم الذى يعود إليها بنوها من السبى. ويطلب من أورشليم أن تنظر نحو المشرق؛ لأن بنيها سيعودون من بابل والبلاد المحيطة بها، والتى تقع كلها شرق أورشليم. وستكون عودتهم بأمر الله وكلمته، كما تنبأ أشعياء النبى أنهم سيعودون فى عهد كورش الفارسى، ويكون فرح عظيم لأورشليم بعودة بنيها (اش44: 28).
وعودة بنى إسرئيل من السبى ترمز لعودة الكثيرين من الأمم إلى الله والإيمان بالمسيح، الذى هو كلمة الله الممجد من الملائكة وتفرح الكنيسة بعودة بنيها إليها بعد أن سباهم الشيطان فترة طويلة.
وعودة المسبيين إلى أورشليم ترمز لعودة الإبن الضال إلى حضن أبيه.
إن مكانك الطبيعى هو فى حضن ِأمك الكنيسة، فلا تدع مشاغل العالم، أو مشاكله، أو شهواته تشغلك عن كنيستك؛ لأن فيها حياتك، من خلال الأسرار المقدسة وكل تعاليمها الروحية.