عرش الله
(1) المقدمة (ع1-3) :
1- كَانَ فِي سَنَةِ الثَّلاَثِينَ، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، أَنَّ السَّمَاوَاتِ انْفَتَحَتْ، فَرَأَيْتُ رُؤَى اللهِ. 2- فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَهِيَ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ سَبْيِ يُويَاكِينَ الْمَلِكِ، 3- صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ ابْنِ بُوزِي فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ.
ع1: نهر خابور : عبارة عن قناة سميت مجازاً نهر، وتقع جنوب شرق مدينة بابل، واستقر على ضفافه كثير من اليهود المسبيين، وبينهم حزقيال النبى، حيث رأى كثيراً من رؤياه.
غالباً يقصد “فى سنة الثلاثين” عمر حزقيال، فهو إذ بلغ الثلاثين من عمره يستطيع أن يباشر خدمته الكهنوتية. وسن الثلاثين عند اليهود هو سن الرجل الكامل. وقد أعطاه الله هذه الرؤيا فى السن الكامل حتى لا يتشكك اليهود فى صغر سنه، ولأن الرؤيا عظيمة جداً؛ لأنها تتكلم عن عرش الله.
كان حزقيال يشعر بالحزن؛ لأنه محروم من ممارسة كهنوته، إذ هو بعيد عن الهيكل الذى فى أورشليم. فأنعم عليه الله برؤيا العرش الإلهى السماوى، وليس أشباه السماويات الموجودة فى هيكل سليمان.
ولأن الشعب فى حزن بسبب السبى، الذى أدبهم به الله، أعطاهم – على يد حزقيال – رؤية عرشه السماوى؛ ليعزيهم. فالله يظهر نفسه بالشكل المناسب لأولاده، أى عندما تزداد الضيقة تظهر التعزيات الكثيرة.
وهذه الرؤيا تعزى كل نفس بشرية وترفعها؛ لتكون عرشاً لله. فهذه الحيوانات الأربع، التى سيتكلم عنها تحمل عرش إلهنا العظيم، فكم هى عظمة النفس البشرية التى تنال سر المعمودية وتصير عضواً فى جسد المسيح، فتتأهل لسكنى الروح القدس فيها بسر الميرون.
وهذه الرؤيا تعلن دور الخادم الذى يتشبه بإلهه النار الآكلة، فيكون نقياً ويرفض الشر ويوبخه؛ لينقى كل من يخدمهم، ويصيروا آنية صالحة لسكن الله.
ففى اليوم الخامس من الشهر الرابع من السنة الثلاثين، فيما كان حزقيال جالساً رأى السموات قد انفتحت؛ ليرى هذه الرؤيا التى تعلن للبشر عرش الله العظيم.
نلاحظ أن الله قد سمح أن نبيه حزقيال يعيش بين المسبيين بجوار بابل ؛ حتى يتألم بآلامهم، فيشعر بأتعابهم، ويكون كلامه مقبولاً منهم، أكثر من كلامه لو كان فى مكان مريح، كما قيل عن المسيح “لأنه فى ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين” (عب2: 18).
ووجود حزقيال فى السبى متكلماً بكلام الله يعلن حقيقة هامة، أن كلام الله ليس محصوراً فى أورشليم، بل هو فى كل مكان، فالمسيح سيأتى لخلاص اليهود والأمم.
وقد بدأت نبوته بعد خمس سنوات من سبيه، عانى فيها المسبيون من الغربة والذل فكانت نبوته مهمة ومعزية للمسبيين، لعلهم يقبلونها ويتعزون بها ويخضعون لها.
ع2: يعلن أيضاً ميعاد هذه الرؤيا وهو السنة الخامسة لسبى يهوياكين ملك يهوذا، الذى سبته بابل عام 597 ق.م وسبت معه الشبان، حتى لا يقوموا بثورة ضد بابل، ولكيما تستفيد بهم بابل إن أرادت. وكان بين هؤلاء الشبان حزقيال النبى الذى كان قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره وبعد قضائه خمس سنوات في السبى، أى صار عمره ثلاثين عاماً رأى هذه الرؤيا، أى عام 592 ق.م. وقد رآها في اليوم الخامس من الشهر الرابع.
ع3: أعلنت هذه الرؤيا لحزقيال الكاهن بن بوزى الكاهن، فهو وإن كان مهملاً وذليلاً في أرض السبى، امتدت يد الله لتباركه وتعلن له ما لا يستحق أحد أن يراه على الأرض كلها على مدى الأجيال. فبركة الله لأولاده تفوق التخيل.
ثق أن الله معك عندما تزداد الضيقة وتشعر أنك وحيداً لا يهتم بك أحد، ففى هذا الوقت تتعاظم عليك عطية الله وتتمتع بالإحساس به، فتشعر بسعادة لا يعبر عنها، بل تستطيع أن تفرح قلوب من حولك وتعزيهم.
(2) المخلوقات الحية الأربعة (ع4-14):
4- فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ مِنْ وَسْطِ النَّارِ. 5- وَمِنْ وَسْطِهَا شِبْهُ أَرْبَعَةِ حَيَوَانَاتٍ. وَهذَا مَنْظَرُهَا: لَهَا شِبْهُ إِنْسَان. 6- ٍوَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَة. 7- وَأَرْجُلُهَا أَرْجُلٌ قَائِمَةٌ، وَأَقْدَامُ أَرْجُلِهَا كَقَدَمِ رِجْلِ الْعِجْلِ، وَبَارِقَةٌ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ.
8- وَأَيْدِي إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. وَوُجُوهُهَا وَأَجْنِحَتُهَا لِجَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ.
9- وَأَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ.
10- أَمَّا شِبْهُ وُجُوهِهَا فَوَجْهُ إِنْسَانٍ وَوَجْهُ أَسَدٍ لِلْيَمِينِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ ثَوْرٍ مِنَ الشِّمَالِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ نَسْرٍ لأَرْبَعَتِهَا.11- فَهذِهِ أَوْجُهُهَا. أَمَّا أَجْنِحَتُهَا فَمَبْسُوطَةٌ مِنْ فَوْقُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ مُتَّصِلاَنِ أَحَدُهُمَا بِأَخِيهِ، وَاثْنَانِ يُغَطِّيَانِ أَجْسَامَهَا.12- وَكُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ. إِلَى حَيْثُ تَكُونُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ تَسِيرُ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا.13- أَمَّا شِبْهُ الْحَيَوَانَاتِ فَمَنْظَرُهَا كَجَمْرِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ، كَمَنْظَرِ مَصَابِيحَ هِيَ سَالِكَةٌ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ. وَلِلنَّارِ لَمَعَانٌ، وَمِنَ النَّارِ كَانَ يَخْرُجُ بَرْقٌ.14- الْحَيَوَانَاتُ رَاكِضَةٌ وَرَاجِعَةٌ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ.
ع4: رأى حزقيال أربعة مظاهر تعلن وجود الله قبل أن يرى تفاصيل رؤياه التى هى عرش الله العظيم.
هذه الأربع مظاهر هى :
1- الريح :
رأى حزقيال ريحاً عاصفة، أى قوية وشديدة تأتى من الشمال. والشمال يعنى مملكة بابل التى تقع شمال شرق بلاد اليهود، وهى الأداة التى استخدمها الله لتأديب شعبه، فهى إعلان عن وجود الله العادل المؤدب.
والريح فى الكتاب المقدس تعلن عن حضرة الله، لأنها عاصفة قوية، كما ظهر الله لإيليا فى الريح (1مل19: 11) وكما حدث يوم حلول الروح القدس على التلاميذ (أع2: 2-4). والريح كما يقول المسيح “الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتى ولا إلى أين تذهب” (يو3: 8)، فهى تعلن حضرة الله المالئ كل مكان، وترمز لعمل الروح القدس، الذى يعمل عملاً سرياً فينا لتجديد النفس، كما فى سر المعمودية ويشعلها بمحبة الله، كما فى سر الميرون.
2- السحابة :
رأى حزقيال سحابة عظيمة، والسحاب يعلن الغموض فلا ترى ما خلفه. هكذا أيضاً أسرار الله، فعندما ترى أعمال الله تدرك شيئاً عن الله، ولكن لا يمكن أن تدرك كل جوهره.
وقد أعلن الله عن وجوده فى السحاب، عندما ظهر لموسى على الجبل وأعطاه الوصايا، وكان يقود شعبه فى برية سيناء بعمود السحاب، وكان هذا العمود يقف أمام خيمة الإجتماع؛ ليعلن حضور الله (خر33: 9، 10) وعند تدشين الهيكل أيام سليمان ظهر الله فى شكل سحابة، (1مل8: 11) وعندما تجلى المسيح على الجبل مع موسى وإيليا ورآه تلاميذه الثلاثة غطتهم السحابة (مت17: 5).
والسحابة ترمز لجماعة القديسين (عب12: 1). وترمز أيضاً للخدام والكارزين والأنبياء، كما قال القديس أوغسطينوس والقديس امبروسيوس. وأما القديس ديونسيوس فيشعر أنهم الملائكة.
وترمز السحابة أيضاً لناسوت المسيح، الذى أخفى فيه لاهوته عند تجسده. وكذلك فإن الريح تزيح فى طريقها الماديات المعطلة؛ ليرى الإنسان الله، فعندما ينظر إلى الله الذى تعلن السحابة وجوده، يرى شيئاً من مجده قدر ما يحتمل، فالسحابة تحجب مجده الذى يفوق قدرة الرؤيا عند البشر.
3- النار :
رأى حزقيال مع الريح والسحابة ناراً متواصلة. والنار ترمز لله القوى، الذى يحرق كل شر، إذ يقول الكتاب “إلهنا نار آكلة” (عب12: 29). وقد ظهر بشكل ألسنة نارية عند حلوله على التلاميذ يوم الخمسين (أع2: 3). ويقول أيضاً المزمور “قدامه تذهب نار” (مز97: 3). والفضة والذهب، أى الأقوياء فى الإيمان لا يخافون النار؛ لأنها تخلصهم من الشوائب، أما القش والتبن والخشب – أى الضعفاء فى الإيمان والمحبة – فيحترقون من النار، وهذه النار لها لمعان يرمز إلى بهاء الله ومجده.
4- النحاس :
رأى حزقيال شيئاً لامعاً مثل النحاس من وسط النار، وهو يرمز لصليب المسيح، الذى يشير إليه المذبح النحاسى فى العهد القديم، كما رأى يوحنا الرائى خروفاً قائماً فى الوسط كأنه مذبوح، أى المسيح المصلوب (رؤ5: 6).
ع5: الأربعة حيوانات هى أربعة كائنات حية، أى طغمة ملائكية على مستوى عالٍ؛ لأنها تحمل العرش الإلهى، ويذكر حزقيال فى (ص10: 1) أنها من رتبة الكاروبيم، أو الشاروبيم، وهم طغمة ملائكية مملوءة عيوناً، أى معرفة، ولها وجه إنسان، أى تشفع فى البشر. وسنكتشف فى الآيات التالية أن لها أربعة أوجه، سنتكلم عنها بالتفصيل. كل هذا المنظر ظهر وسط النار والسحابة والريح التى تعلن حضرة الله، فهؤلاء الأربعة حيوانات، أو الكائنات الحية هى الحاملة عرش الله.
ع6: يذكر أن لكل حيوان أربعة أوجه، ويرمز هذا إلى أنه ينظر إلى الله من جميع الاتجاهات. فهو منتبه يعلن اليقظة الروحية، التى تتميز بها هذه الحيوانات، وليس مثل البشر عندما يخطئون فى حق الله، ويعطونه القفا وليس الوجه (إر2: 27).
وكل حيوان له أربعة أجنحة، بإثنين يغطى جسمه، خشوعاً أمام الله، وباثنين يطير، إشارة إلى الروحانية والسمو، وبهما أيضاً يتصل بالحيوان الآخر، إشارة للوحدانية والترابط. كل هذه الصفات التى تظهر فى الحيوانات يعلنها لنا الوحى الإلهى؛ لنقتدى بها.
ونلاحظ اختلاف وصف الحيوانات هنا عن سفر الرؤيا (رؤ4: 6-8) ففى الرؤيا يصفهم بأن لكل حيوان ستة أجنحة، أما هنا فأربعة. وفى سفر الرؤيا للحيوان جناحان يغطى بهما وجهه، خشوعاً من بهاء مجد الله، أما هنا فيقابلهما المقبب الذى على الرأس (ع22).
ع7: يصف هذه الحيوانات بما يلى :
- أرجلها قائمة : أى مستقيمة، فهى ترمز للحياة المستقيمة والعلاقة المستقيمة مع الله، فليس هناك انشغال، أو التواء، أو خداع، سواء فى الممارسات الروحية، التى نمارسها، أو فى العلاقة بالآخرين.
- أقدام أرجلها كقدم رجل العجل : فتمثل الثبات كما نعلن هذا فى تسبحة كيهك؛ عند حديثنا عن الحيوانات الأربعة أنها واقفة بثبات أمام الله تسبحه وتمجده. ويلاحظ أن رجل العجل تكون مشقوقة الظلف؛ لأنه من الحيوانات الطاهرة بحسب شريعة موسى، وهذا يرمز لطهارة هذه المخلوقات السماوية.
- بارقة : أى لامعة وبهية، من المجد الذى تناله بوجودها فى حضرة الله، وهى مثل النحاس المصقول، أى المنقى من الشوائب. فهو نحاس نقى يرمز للمذبح النحاسى، أى الذبيحة والفداء والبذل. فالحيوانات تمثل الحب المبذول؛ لأنها قائمة فى حضرة الله المخلص والفادى.
ع8: لها أيدى إنسان تحت أجنحتها. وترمز الأيدى للعمل، فالحيوانات تسبح الله وتعمل لخدمة البشر بحسب أمر الله.
ع9: نلاحظ أن الأجنحة متصلة، فجناح الحيوان متصل بجناح الحيوان الآخر، أى أنها مرتبطة وممتدة بفكر واحد هو فكر الله، وتعمل بمشيئة واحدة هى مشيئة الله.
هذه الحيوانات كانت تسير نحو الله متعمقة فى معرفته متلذذة بعشرته. ولأن كل حيوان يسير جهة وجهه ولها أربعة أوجه، فهى بذلك تسير فى الأربعة اتجاهات، فهى لا تدور عند حركتها، بل تسير دون دوران، أى لها حيوية كاملة ونمو فى معرفة الله كل حين.
والأربعة أوجه ترمز إلى أربعة جهات العالم، فهى تنظر إلى الله الموجود فى كل مكان ومالئ كل مكان.
ع10: يعلن شكل الأوجه الأربعة وهو الإنسان والأسد والثور والنسر، وهذه الأشكال ترمز لأمور كثيرة كما فهم الآباء القديسون منها :
- التشفع فى الخليقة : فوجه الإنسان يرمز للتشفع فى البشر، وكذلك فى الحيوانات المتوحشة التى يرمز إليها وجه الأسد، والتشفع فى الحيوانات الأليفة التى يرمز إليها وجه الثور، وفى الطيور التى يرمز إليها وجه النسر.
- النفس البشرية : التى فى بداية حياتها مع الله تتسم بالهمجية والوحشية، والتى يرمز إليها وجه الأسد، ثم تنتقل إلى العمل الجسمانى ويصاحبه الشهوات ويرمز إليه وجه الثور، وبعد ذلك ترتفع إلى التعقل والسلوك البشرى المتزن، الذى يرمز إليه وجه الإنسان. وفى النهاية تسمو وتسير فى السلوك الروحى، الذى يرمز إليه وجه النسر.
- الأناجيل : فإنجيل متى يتكلم عن نسب المسيح حسب الجسد، الذى يرمز إليه وجه الإنسان، وإنجيل مرقس يتكلم عن المسيح القوى، الذى يرمز إليه وجه الأسد، وإنجيل لوقا يتكلم عن المسيح الفادى المحب لكل البشر، الذى يرمز إليه وجه الثور، وإنجيل يوحنا يتكلم عن لاهوت المسيح والسمو الروحى، الذى يرمز إليه وجه النسر.
- المسيح : فترمز الأربعة أوجه لحياة المسيح على الأرض، فالجسد يرمز إليه وجه الإنسان، والصليب والفداء يرمز إليه وجه الثور، والقيامة القوية يرمز إليها وجه الأسد، أما الصعود فيرمز إليه وجه النسر.
- الكنيسة : فوجه الأسد يرمز للمسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا، وهو رئيس الكهنة الأعظم ومنه كل الكهنة. أما وجه الثور فيرمز للمسيح الذبيح الموجود على المذبح بجسده ودمه. ووجه الإنسان يشير للمتناولين، أى الإكليروس والشعب. وأخيراً وجه النسر يرمز لكل المؤمنين، الذين تسمو حياتهم مثل النسر بعدما يتناولون.
ع11: يؤكد هنا استخدام الأجنحة، فإثنان للطيران، إذ هما من فوق ويتصلان بالحيوانات الأخرى دليلاً على الوحدانية. أما الجناحان الآخران؛ فلتغطية الملاك خشوعاً أمام الله.
ع12: المحرك للحيوانات الأربع هو الروح القدس، وبسيرها فى كل الاتجاهات بلا دوران ، فهى ثابتة فى تبعية الروح القدس.
ع13: إن كان إلهنا نار آكلة، فهو إذ يعمل بروحه القدوس فى الحيوانات الأربع، يجعلها متقدة بنار حبه. والنار تسرى فيها وبينها، وتجعلها منيرة كالمصباح، فهى تنير للعالم كما المؤمن لكل من حوله. وهى لامعة ويخرج من النار برق، أى أنها مملوءة بهاءً ومجداً وتنير بقوة كالبرق لكل العالم.
ولعلها، لأنها متقدة بالنار، يرى البعض أن هذه الحيوانات الأربعة من رتبة السيرافيم وهى جمع ساراف ومعناه المتقد بالنار، أى نار الحب الإلهى.
وهناك رأى آخر بأن هذه الحيوانات من رتبة العروش، أو الكراسى؛ لأنها تحمل العرش الإلهى.
ع14: راكضة : أى تجرى.
من صفات هذه الحيوانات أنها تجرى نحو الله وترجع من عنده محملة بالبركات الإلهية، فهى تتميز بالحيوية والنمو الروحى المستمر.
لا تنس أنك كائن روحانى، هدفك الوحيد هو أن تتمتع بعشرة الله على الأرض، حتى تكمل معه فى السماء. وإذ تهتم بالنمو فى معرفته بالقراءة والتأمل والصلاة، تستطيع أن تشبع وتنير لكل من حولك.
(3) البكرات (ع15-21) :
15- فَنَظَرْتُ الْحَيَوَانَاتِ وَإِذَا بَكَرَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الأَرْضِ بِجَانِبِ الْحَيَوَانَاتِ بِأَوْجُهِهَا الأَرْبَعَةِ.
16- مَنْظَرُ الْبَكَرَاتِ وَصَنْعَتُهَا كَمَنْظَرِ الزَّبَرْجَدِ. وَلِلأَرْبَعِ شَكْلٌ وَاحِدٌ، وَمَنْظَرُهَا وَصَنْعَتُهَا كَأَنَّهَا كَانَتْ بَكَرَةً وَسْطِ بَكَرَةٍ.17- لَمَّا سَارَتْ، سَارَتْ عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا.18- أَمَّا أُطُرُهَا فَعَالِيَةٌ وَمُخِيفَةٌ. وَأُطُرُهَا مَلآنَةٌ عُيُونًا حَوَالَيْهَا لِلأَرْبَعِ.19- فَإِذَا سَارَتِ الْحَيَوَانَاتُ، سَارَتِ الْبَكَرَاتُ بِجَانِبِهَا، وَإِذَا ارْتَفَعَتِ الْحَيَوَانَاتُ عَنِ الأَرْضِ ارْتَفَعَتِ الْبَكَرَاتُ.20- إِلَى حَيْثُ تَكُونُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ يَسِيرُونَ، إِلَى حَيْثُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ وَالْبَكَرَاتُ تَرْتَفِعُ مَعَهَا، لأَنَّ رُوحَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَتْ فِي الْبَكَرَاتِ.
21- فَإِذَا سَارَتْ تِلْكَ سَارَتْ هذِهِ، وَإِذَا وَقَفَتْ تِلْكَ وَقَفَتْ. وَإِذَا ارْتَفَعَتْ تِلْكَ عَنِ الأَرْضِ ارْتَفَعَتِ الْبَكَرَاتُ مَعَهَا، لأَنَّ رُوحَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَتْ فِي الْبَكَرَاتِ.
ع15: البكرة : العجلة.
رأى حزقيال بكرة واحدة بجوار الحيوانات وهى متصلة ولها علاقة بالحيوانات. والروح فى الحيوانات، هو الذى فى البكرة وهو الروح القدس. وهذه البكرة ترمز لعمل الحيوانات وخدمتها على الأرض، فالملائكة فى هذه الطغمة العالية تتشفع فى الأرضيين وتقدم خدمات مختلفة لها. وقد رآها بكرة واحدة، أى أن خطة الله واحدة؛ لخدمة أولاده على الأرض، ينفذها هؤلاء الحيوانات الأربعة.
ع16: الزبرجد : حجر كريم يتميز بالصلابة ولونه أخضر فاتح.
بعد ذلك رأى حزقيال أمامه أربع بكرات، بجوار كل حيوان بكرة. وهذا معناه أن لكل حيوان عمله وخدمته للأرضيين، أى الكنيسة التى على الأرض. ورأى أن هذه البكرات مصنوعة من الزبرجد، أى لها صلابة وقوة، فخدمة الملائكة قوية. ولونها أخضر أى مملوءة حيوية؛ لأن اللون الأخضر يرمز للحياة التى فى النباتات.
لاحظ أيضاً حزقيال أن الأربع بكرات متشابهة، لها منظر واحد، فى أن محبة الملائكة لنا واحدة.
ورأى أيضاً وجود بكرة وسط كل بكرة، وهذا معناه تداخل عمل الله وخدمة الملائكة لنا، بشكل يصعب فهمه ولكن هدفه خلاصنا. والبكرتان ترمزان للعهد القديم والعهد الجديد، فواحدة داخل الأخرى، أى العهد القديم داخل العهد الجديد يعلن المسيح المخلص، أى أن الملائكة تعيش بكلمة الله وتحرك الكنيسة لتحيا بها، وكلمة الله تعمل فينا أعمالاً كثيراً متداخلة لخلاصنا.
ع17: البكرة على شكل إسطوانة لها سطح قاعدة كل منهما بشكل دائرة، ولها أيضاً جانب يمكن أن يدور. فقد رأى حزقيال أن هذه الأربعة بكرات تدور على جانبها، مثل أية عجلة مثبتة فى سيارة، ولكن العجيب أنها لم تدر عند سيرها، بل كانت ثابتة، وهذا يؤكد أن هذه المعانى رمزية وليست مادية حسية؛ لأن أية أسطوانة تدور لابد أن تتحرك، وعدم حركتها يعلن ثباتها، أى أن عمل الملائكة ثابت لا يتغير، حتى لو تغير الأرضيون، لأن محبة الله ثابتة وخدمة الملائكة لنا ثابتة وتدعونا للخلاص.
ع18: أطرها : جمع إطار وهو شئ دائرى يحيط بالبكرة، مثل الكاوتشوك المحيط بالعجلة الحديدية فى أية دراجة.
رأى حزقيال إطارات البكرات عالية؛ لأن هذه الحيوانات سماوية ومخيفة؛ لأن لها مكانة عظيمة فى السماء وتحمل العرش الإلهى.
إمتلاء الإطارات بالأعين يرمز للمعرفة، التى تتميز بها هذه الحيوانات الأربعة، فهى ترى الله وترى البشر وتشفع فيهم.
ع19: البكرات هى عمل الحيوانات ومتصلة بها، فإن سارت الحيوانات، أى تحركت فى حيوية نحو الله تتحرك البكرات؛ أى عملها فى خدمة البشر، وإذا ارتفعت الحيوانات، ترتفع معها البكرات، أى يرتفع عمل الحيوانات؛ لتسبح الله.
ع20: روح الحيوانات هو الروح القدس، وهو الذى فى البكرات التى هى عمل الحيوانات، فعمل الحيوانات يتحرك مع الحيوانات إلى الروح القدس وليس لها هدف إلا إرضاؤه وبه تتحرك وتعمل.
ع21: يؤكد هنا ثانية ما جاء فى الآية السابقة وهو ارتباط البكرات بالحيوانات، فهى عملها، الذى يتم بقوة الروح القدس.
ما أجمل أن تكون أعمالك نابعة من عمل الروح القدس فيك، فلا تتكلم، أو تتصرف إلا بدافع روح الله الساكن فيك. فتخدم وتجذب الكل إلى المسيح ولا تتأثر بأفكار العالم الغريبة المحيطة بك.
(4) المقبب والعرش والجالس عليه (ع22-28) :
22- وَعَلَى رُؤُوسِ الْحَيَوَانَاتِ شِبْهُ مُقَبَّبٍ كَمَنْظَرِ الْبِلَّوْرِ الْهَائِلِ مُنْتَشِرًا عَلَى رُؤُوسِهَا مِنْ فَوْقُ.
23- وَتَحْتَ الْمُقَبَّبِ أَجْنِحَتُهَا مُسْتَقِيمَةٌ الْوَاحِدُ نَحْوَ أَخِيهِ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ يُغَطِّيَانِ مِنْ هُنَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ يُغَطِّيَانِ مِنْ هُنَاكَ أَجْسَامَهَا.24- فَلَمَّا سَارَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَجْنِحَتِهَا كَخَرِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، كَصَوْتِ الْقَدِيرِ. صَوْتَ ضَجَّةٍ، كَصَوْتِ جَيْشٍ. وَلَمَّا وَقَفَتْ أَرْخَتْ أَجْنِحَتَهَا.25- فَكَانَ صَوْتٌ مِنْ فَوْقِ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا. إِذَا وَقَفَتْ أَرْخَتْ أَجْنِحَتَهَا.26- وَفَوْقَ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا شِبْهُ عَرْشٍ كَمَنْظَرِ حَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ، وَعَلَى شِبْهِ الْعَرْشِ شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ.
27- وَرَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ كَمَنْظَرِ نَارٍ دَاخِلَهُ مِنْ حَوْلِهِ، مِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَمِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى تَحْتُ، رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ نَارٍ وَلَهَا لَمَعَانٌ مِنْ حَوْلِهَا.28- كَمَنْظَرِ الْقَوْسِ الَّتِي فِي السَّحَابِ يَوْمَ مَطَرٍ، هكَذَا مَنْظَرُ اللَّمَعَانِ مِنْ حَوْلِهِ. هذَا مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ. وَلَمَّا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي، وَسَمِعْتُ صَوْتَ مُتَكَلِّمٍ.
ع22: مقبب : شكل قبة فوق رؤوس الحيوانات.
رأى حزقيال فوق رؤوس الكائنات الحية مقبب وهو يقابل الجناحين اللذين تغطى بها الحيوانات وجوهها فى سفر الرؤيا (رؤ4: 8).
وهذا المقبب يرمز إلى قبة السماء ويعلن أنهم مخلوقات سماوية سامية روحانية.
هذا المقبب منظره شبه البلور، أى زجاج نقى جداً، يرمز لنقاوة هذه الكائنات والبلور؛ لأنه شفاف، فينفذ من خلاله صورة الله الجالس على العرش وتصير هذه الكائنات صورة نقية لله.
والبلور يتميز بالصلابة والقوة، فهذه الكائنات قوية وثابتة فى حياتها وعلاقتها بالله.
والبلور هائل أى عظيم وضخم ومنتشر، فهو كالبحر كما يذكر سفر الرؤيا (رؤ4: 6) وهو بهذا يرمز إلى المعمودية، فهذه الكائنات تنادى؛ لأن المدخل إلى الله من خلال الكنيسة هو سر المعمودية.
ع23: لاحظ النبى أن أجنحة الحيوانات مستقيمة، فترمز إلى الحياة المستقيمة مع الله والأجنحة تغطى أجسام الحيوانات خشوعاً أمام عظمة الله.
ع24: خرير : صوت المياه.
عندما سارت الحيوانات أى تحركت ونمت فى حبها نحو الله، أحدثت أجنحتها صوتاً عظيماً؛ لتعلن حركتها وحيويتها واتجاهها نحو الله، وتعلن أيضاً عظمة الله، الذى تتجه نحوه، فعظمة صوتها يشبه عظمة صوت الله القدير. والضجة التى تحدثها توجه نظر النبى نحوها، ثم فى النهاية وقفت وأرخت أجنحتها وصمتت؛ لتسمع صوت الله الذى سيأتى فى (ع25).
ع25: أخيراً جاء صوت الله الجالس على عرشه فوق المقبب، عندما صمتت الحيوانات وأرخت أجنحتها؛ لتسمع صوته.
ع26: يصل فى النهاية إلى أهم شئ فى الرؤية وهو عرش الله، الذى فوق المقبب، أى فوق الحيوانات غير المتجسدة. ويذكر أنه شبه عرش؛ لأنه أعظم من أى عرش وهذا مجرد تشبيه لمكان وجود الله، فهو مالئ كل مكان وأسمى من كل شئ.
وعلى العرش شبه كمنظر إنسان، أى يعلن الإله المتجسد، الذى تواضع وظهر لنا فى ملء الزمان. فهذه الرؤيا كلها تقريب لمنظر السماء العظيم وعرش الله. والمقصود بالعقيق الأزرق السماء ذات اللون الأزرق.
ع27: رأى أيضاً على العروش النحاس، الذى يرمز لناسوت المسيح، والنار التى ترمز إلى لاهوته، أى أنه رأى المسيح، أو الإله المتجسد على العرش وله لمعان، أى مجد عظيم. ويتكلم عن منظر إنسان له حقوان، وهى منطقة الوسط فى جسم الإنسان، ليعلن المسيح المتجسد. نلاحظ أن النار داخله وحوله، فاللاهوت متحد به وحوله.
والنحاس يرمز للمذبح النحاسى، الذى تقدم عليه الذبائح، فهو يتكلم عن المسيح الفادى الذبيح عنا. والنار تعلن قوة الله، الذى يحرق كل خطية وينقينا منها.
ع28: رأى أيضاً منظر قوس وهو قوس قزح، الذى يظهر فى السماء عند المطر. رآه فى السحاب وهو إعلان وجود الله، كما وعد نوح أن يحفظ الأرض من الطوفان عندما تمطر السماء. فمنظر القوس هو إعلان إلهى يطمئن أولاد الله، أنه يحفظهم من كل شئ.
والقوس الذى يستخدم فى الحرب يكون معه سهام تجرح، أما هنا فالقوس بلا سهم، فالله يحفظنا دون أن يصيبنا أذى.
لما رأى النبى كل هذا المنظر العظيم، الذى يعلن الإله المتجسد، أى شبه الإنسان، سجد فى خشوع وسمع صوت الله يتكلم، فازداد فرحاً وخشوعاً أمام هذه الرؤية العظيمة.إن الله المخوف العظيم، الذى تخافه الملائكة، تنازل فى حبه متجسداً؛ ليظهر نفسه لك، بل يبذل حياته من أجلك، فليتك ترتفع به إلى الحياة السماوية وتسلك مستقيماً، مثل هذه الحيوانات الأربعة؛ فتتمتع بسكناه الدائم فيك ويملك على قلبك إلى الأبد.