تأديب فرعون مصر
فى هذا الاصحاح والأصحاحين التاليين، يتكلم حزقيال عن مصر العظيمة التى أدبها الله [خريطة رقم (1)].
(1) تشبيه فرعون بالتمساح ( ع1- 7):
1- فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، كَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ وَعَلَى مِصْرَ كُلِّهَا. 3- تَكَلَّمْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ، التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ الرَّابِضُ فِي وَسْطِ أَنْهَارِهِ، الَّذِي قَالَ: نَهْرِي لِي، وَأَنَا عَمِلْتُهُ لِنَفْسِي. 4- فَأَجْعَلُ خَزَائِمَ فِي فَكَّيْكَ وَأُلْزِقُ سَمَكَ أَنْهَارِكَ بِحَرْشَفِكَ، وَأُطْلِعُكَ مِنْ وَسْطِ أَنْهَارِكَ وَكُلُّ سَمَكِ أَنْهَارِكَ مُلْزَقٌ بِحَرْشَفِكَ. 5- وَأَتْرُكُكَ فِي الْبَرِّيَّةِ أَنْتَ وَجَمِيعَ سَمَكِ أَنْهَارِكَ. عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ تَسْقُطُ فَلاَ تُجْمَعُ وَلاَ تُلَمُّ. بَذَلْتُكَ طَعَامًا لِوُحُوشِ الْبَرِّ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ.
6- وَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِمْ عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 7- عِنْدَ مَسْكِهِمْ بِكَ بِالْكَفِّ، انْكَسَرْتَ وَمَزَّقْتَ لَهُمْ كُلَّ كَتِفٍ، وَلَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ وَقَلْقَلْتَ كُلَّ مُتُونِهِمْ.
ع1: يحدد حزقيال ميعاد هذه النبوة، وهو اليوم الثانى عشر من الشهر العاشر فى السنة العاشرة، وهو يقابل شهر كانون الثانى، الذى هو شهر يناير من عام 587 ق.م. وفى هذا الوقت تحرك فرعون مصر بجيوشه لمساندة مملكة يهوذا، التى تحاصرها بابل؛ لأن شعب الله تحالف واعتمد على مصر، مخالفاً كلام الله على فم أنبيائه (اش20: 5) فكانت هذه النبوة على فرعون مصر المتكبر، معلناً أنه سيتحطم هو وشعبه؛ ليظهر بوضوح أن الاتكال هو على الله فقط وليس على البشر مهما كانت قوتهم.
ع2: هذه النبوة لا تقتصر على فرعون مصر، بل على مصر كلها؛ لأنها انقادت إلى خطية الكبرياء التى سقط فيها فرعون، فقد جعلوه إلهاً وعبدوه، وهم أنفسهم شعب مصر شعروا بكبرياء أنهم أفضل جميع الشعوب؛ لأن مصر هى أول إمبراطورية ظهرت فى العالم، وكانت تضم فلسطين والشام وسوريا وكذا النوبة والسودان والحبشة.
وكان هذا الفرعون هو خفرع الذى ظل على العرش 25 عاماً، وساد الرخاء على أيامه مما دفعه إلى الكبرياء، مرجعاً فضل القوة فى كل هذا إلى نفسه وقوته.
ع3: الرابض : المستقر، أو المسترخى.
كثرت التماسيح فى نهر النيل، ولأن مصر تعتمد على نهر النيل فى زراعتها وحياتها، وإذ يعتبر التمساح من الحيوانات المفترسة التى تعيش فى النيل؛ لذا شبه الله فرعون بالتمساح الكبير؛ لأن فرعون مصر اعتمد على النيل وكل خصوبة مصر ونسبها إلى نفسه، واعتبر نفسه مصدر كل رخاء، وأنه لا يستطيع أحد أن يقاومه، ولا الله نفسه، فشبهه بالتمساح المفترس، أى الذى لا يقاوم، الرابض فى النيل، أى المعتمد على النيل. ويقول “أنهاره”، إذ للنيل فروع تخرج منه تروى أماكن كثيرة فى مصر.
ويقول الله لفرعون مصر “ها أنذا عليك”، أى سأعاقبك وأهلكك؛ لأنك تكبرت ونسيت أنك مجرد إنسان، أما أنا فالله الذى فوق الكل.
ع4، 5: خزائم : حلقات معدنية توضع فى أنف العبيد، إعلاناً لخضوعهم وعبوديتهم لسيدهم.
حرشفك : قطع جافة قوية تغطى جسم التمساح، متراصة لتغطى ظهره وتحميه.
يعلن الله أنه سيتحكم فى فرعون مصر، ويجرده من قوته التى يرمز إليها بالنيل، ويلقيه فى البرية ليموت. ولا تقتصر العقوبة على فرعون، الذى يُذل كعبد، بل أيضاً على كل التابعين له من قادة وضباط وكبار شعب مصر الذين يرمز إليهم بالسمك، فيلتصقون بهذا التمساح ليلقوا معه إلى البرية ويموتوا. وقد حدث هذا فعلاً، إذ علم خفرع بعزل ليبيا لملكهم، فذهب بجيش لنجدته، لكنه فشل فى مهمته، أما شعب مصر فكان قد قاسى الكثير من عبودية خفرع، الذى سخرهم فى بناء الأهرامات والأعمال المختلفة، فجمع جيشاً ومنع خفرع من الرجوع إلى مصر، فتبدد خفرع وكل جيشه فى برية ليبيا ولم يعد إلى مصر، أى أنه مات ميتة شنيعة فألقيت جثته وجثث رجاله على وجه الحقول، فأكلتهم وحوش البرية وطيور السماء. والوحوش ترمز للشهوات، أما طيور السماء فترمز للكبرياء، فمن أجل شهوات قلبه وكبريائه مات ميتة حقيرة، وحرم من تحنيط جثته ودفنها فى مدفنه الضخم، أى هرمه.
ع6، 7: قصب : بوص.
قلقلت كل متونهم : أضعفت الظهر، أى جعلت أقوى ما فيهم ضعيفاً.
بهذه النبوة تظهر مصر أنها ليست سنداً للشعوب المتحالفة معها، بل يشبهها بعكاز مصنوع من البوص، وهى ساق ضعيفة جداً لا يمكن الاستناد عليها، فيظهر ضعف مصر أمام سكانها وعجزهم عن مساندة بيت إسرائيل، أى مملكة يهوذا التى تحاصرها بابل، لأن بابل ستنتصر على مصر انتصاراً عظيماً، وتدمر وتحرق أورشليم ولا تستطيع مصر نجدتها.
فعندما اعتمدت مملكة يهوذا على مصر، انكسر هذا العكاز أى البوصة، وهى مصر بهزيمتها أمام بابل، أما مملكة يهوذا التى أمسكت بكفها هذه البوصة، فلم تجد شيئاً تستند عليه. ثم شبه تشبيهاً آخر لإظهار الضرر الكبير الذى حل بيهوذا عندما وضعت البوصة تحت إبطها، فتمزق كتفها، وضعفت قوتها.
إن الكبرياء تحدى لله، فاشكر الله على عطاياه واتضع أمامه وأمام الآخرين، فتنال مساندة الله، ويرفعك ويعليك، وتحيا مطمئناً بين يديه.
(2) تأديب مصر ( ع8-16):
8- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ سَيْفًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْكَ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. 9- وَتَكُونُ أَرْضُ مِصْرَ مُقْفِرَةً وَخَرِبَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لأَنَّهُ قَالَ: النَّهْرُ لِي وَأَنَا عَمِلْتُهُ. 10- لِذلِكَ هأَنَذَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَنْهَارِكَ، وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خِرَبًا خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ، إِلَى تُخْمِ كُوشَ. 11- لاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ بَهِيمَةٍ، وَلاَ تُسْكَنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 12- وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ مُقْفِرَةً فِي وَسْطِ الأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَمُدُنَهَا فِي وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ تَكُونُ مُقْفِرَةً أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الأَرَاضِي. 13- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: عِنْدَ نَهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَجْمَعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا بَيْنَهُمْ، 14- وَأَرُدُّ سَبْيَ مِصْرَ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِ فَتْرُوسَ، إِلَى أَرْضِ مِيلاَدِهِمْ، وَيَكُونُونَ هُنَاكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً.
15- تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ فَلاَ تَرْتَفِعُ بَعْدُ عَلَى الأُمَمِ، وَأُقَلِّلُهُمْ لِكَيْلاَ يَتَسَلَّطُوا عَلَى الأُمَمِ.
16- فَلاَ تَكُونُ بَعْدُ مُعْتَمَدًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، مُذَكِّرَةَ الإِثْمِ بِانْصِرَافِهِمْ وَرَاءَهُمْ، وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع8: يحدد الله تأديبه لمصر بأنه سيقتل من فيها، سواء الإنسان، أو الحيوان وذلك بيد نبوخذنصر، الذى استولى على العالم وخضعت له مصر. وهذا العقاب كما قلنا تأديب من الله لكبرياء مصر وملكها.
الإنسان يرمز للعقل فى الشخص، والحيوان يرمز إلى الجسد وغرائزه، أى أن فرعون المتكبر، أو الإنسان المتكبر يتخلى عنه الله، فيهلك عقله وجسده ويذل، لعل هذا ينبهه، فيعود إلى الله بالتوبة.
أنظر آثار الكبرياء على حياتك وكم أتعبتك؛ حتى ترجع إلى الله وتتضع أمام الناس، فتحتملهم، حينئذ يرفع الله عنك خطاياك، وينقيك بل تختبر محبته وقوته.
ع9، 10: مجدل : مدينة فى شمال شرق مصر قرب حدوده. وكلمة مجدل معناها برج، فكانت المدينة كبرج مراقبة لحدود مصر الشرقية، وقد زالت هذه المدينة ولا توجد الآن.
أسوان : المدينة المعروفة بهذا الاسم وتقع شرق النيل قرب الحدود الجنوبية لمصر.
كوش : وهى الحبشة ويقصد بها هنا بلاد النوبة.
اعتمد فرعون على النيل الذى يروى مصر ويجعلها أرضاً زراعية خصبة، فالله يواصل عقابه لمصر بأن ينشف أنهارها، أى نهر النيل وفروعه المختلفة. وهذا من السهل حدوثه عندما يسمح الله بأن يكون الماء قليلاً فى فترة الصيف، إذ يمتنع الفيضان ولا تروى الأراضى الزراعية فى مصر، وبالتالى لا تنتج مزروعات وتحدث مجاعة. وقلة الفيضان حدثت مرات كثيرة فى تاريخ مصر، فيُفهم من هذا أن الله سمح بها فى هذا الوقت؛ حتى يشعر المصريون بضعفهم فى المجاعة فيتضعون. وكانت المجاعة والخراب فى مصر كلها، أى لم ترو كل أرض مصر من أقصى شمالها فى مجدل إلى أقصى جنوبها فى أسوان وحتى النوبة. التى كانت تتبع مصر وقتذاك، أى أن الخراب كان شاملاً لكل أرض مصر تأديباً لها.
ع11، 12: تظهر رحمة الله على مصر فى أن العقاب يكون مؤقتاً لمدة أربعين سنة وليس إفناءً لمصر؛ كماحدث مع بعض الدول والمدن، مثل صور وصيدون.
وبسبب المجاعة والخوف من الهجوم البابلى هرب المصريون وهاجروا إلى البلاد المحيطة، فتشتتوا، فزاد هذا مصر خراباً.
ع13، 14: فتروس : مصر العليا أى الصعيد الأعلى وهو جنوب مصر، فقد كانت مصر تقسم إلى مصر العليا وهى من أسوان إلى حوالى أسيوط، ومصر السفلى أى الأرض المنخفضة وهى الدلتا.
يكمل الله رحمته على مصر بعد خراب أربعين سنة وتشتت المصريين وقتل الكثيرين منهم، وتظهر هذه الرحمة فى أمرين :
- انتهاء العقاب بعد أربعين سنة ورجوع الحياة الطبيعية والسلام إلى مصر.
- تعود مصر ولكن كدولة ضعيفة صغيرة، حتى تكون متضعة وتحيا لله، تمهيداً لقبولها الإيمان بالمسيح.
ع15، 16: برجوع مصر كدولة حقيرة ضعيفة تحدث نتيجتان هامتان :
- اتضاع مصر.
- درس لشعب الله حتى يتذكر خطيته فى اعتماده على مصر، فعندما يراها ضعيفة يتأكد أن الاتكال هو على الله فقط، وليس على البشر.
(3) بابل تهجم على مصر ( ع17-21):
17- وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ، فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ قَائِلاً: 18- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ اسْتَخْدَمَ جَيْشَهُ خِدْمَةً شَدِيدَةً عَلَى صُورَ. كُلُّ رَأْسٍ قَرِعَ، وَكُلُّ كَتِفٍ تَجَرَّدَتْ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ وَلاَ لِجَيْشِهِ أُجْرَةٌ مِنْ صُورَ لأَجْلِ خِدْمَتِهِ الَّتِي خَدَمَ بِهَا عَلَيْهَا. 19- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَبْذُلُ أَرْضَ مِصْرَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَأْخُذُ ثَرْوَتَهَا، وَيَغْنَمُ غَنِيمَتَهَا، وَيَنْهَبُ نَهْبَهَا فَتَكُونُ أُجْرَةً لِجَيْشِهِ. 20- قَدْ أَعْطَيْتُهُ أَرْضَ مِصْرَ لأَجْلِ شُغْلِهِ الَّذِي خَدَمَ بِهِ، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَجْلِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 21- فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُنْبِتُ قَرْنًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَأَجْعَلُ لَكَ فَتْحَ الْفَمِ فِي وَسْطِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع17، 18: كل رأس قرع : كان حلق الرأس وعمل قرعة فيها تعبيراً عن الحزن.
كل كتف تجردت : أى تعبت جداً وتسلخ جلدها من كثرة الأحمال التى حملتها.
هذه نبوة ثانية لحزقيال على مصر، يحدد ميعادها فى اليوم الأول من الشهر الأول فى السنة السابعة والعشرين لسبى يهوياكين، الذى يسمى السبى العظيم الذى سبى فيه يهوياكين إلى بابل.
أعلن الله على فم حزقيال أن الله يرى مدى التعب الذى احتمله ملك بابل فى محاصرة صور مدة تقرب من خمسة عشر عاماً، احتمل فيها جيشه كثيراً، ولكنه لم يجد غنيمة؛ لأن صور البرية استطاعت أن تنقل نفائسها إلى صور البحرية، أى الجزيرة التى وسط البحر ولا يمكن الوصول إليها ومهاجمتها. وبهذا عندما دخل نبوخذنصر صور لم يجد فيها شيئاً، أى أنه تعب جداً ولم يأخذ مكافأته، ولكنه بهذا دون أن يقصد نفذ عقاب الله فى صور المتكبرة.
ع19، 20: مكافأة لبابل التى لم تغتنم شيئاً من صور، أعطاها الله قوة لتهجم على مصر وتأخذ خيراتها الكثيرة، فتكون مكافأة لها على تعبها؛ لأنها نفذت كلام الله فى صور. فهذا يبين أن بابل دون أن تشعر هى أداة فى يد الله ينفذ بها مشيئته.
ع21: عندما تحطم بابل صور وبعدها مصر تضعف الدول المحيطة بشعب الله، فيعطى الله لشعبه قوة، التى يعبر عنها بإنبات قرن لبيت إسرائيل، لأن القرن هو أقوى شئ فى الحيوان. ويقول لحزقيال أيضاً أنه سيفتح فمه ويشكر الله ويسبحه على صنيعه، أى أنه بعد تحطيم أورشليم تحطمت مصر، فحدث أمران هما :
- آمن شعب الله بأن الاتكال ليس على البشر مهما كانت قوتهم مثل مصر؛ لأنها تحطمت ولكن الاتكال على الله فقط. فبدأ شعب الله يستعيد إيمانه بالله، فينبت له قرن وقد كمل هذا القرن بالرجوع من السبى فى أول عهد المملكة الفارسية وبدء بناء الهيكل مرة ثانية.
- استطاع حزقيال حينئذ أن يفتح فمه ويشكر الله برجوع شعبه للإيمان، فيثبتهم ويشجعهم.
نلاحظ أنه قد مرت سبعة عشر عاماً بين النبوة الأولى (ع1) والنبوة الثانية (ع17) أى أنه تنبأ عن هلاك فرعون وتأديب مصر، ثم بعد سبعة عشر عاماً تنبأ عن الهجوم البابلى، واستعادة شعب الله قوته؛ فالله أعطى فرعون ولكل شعبه فرصة للتوبة ولكنهم لم يستجيبوا.
تحطمت مصر وظهر قرن لشعب الله وانفتح فم حزقيال، وكان هذا رمزاً لموت المسيح على الصليب وفدائه لشعبه، ثم إعلان قيامته ليقوم فيه المؤمنون به، أى كنيسته وينفتح فم تلاميذه بالبشارة فى العالم كله. فتحطيم مصر يرمز لموت المسيح، وإنبات القرن يرمز لقيامته، وانفتاح فم حزقيال يرمز لكرازة الرسل.
إن الله ينذرنا فى الكتاب المقدس لنرجع إليه، فليتنا نستجيب لوصاياه، فنخلص من شر العالم، ونجد حياتنا فيه إلى الأبد.