ختم الأبرار وقتل الأشرار
(1) السمة على جباه المؤمنين (ع1-4):
1- وَصَرَخَ فِي سَمْعِي بِصَوْتٍ عَال قَائِلاً: «قَرِّبْ وُكَلاَءَ الْمَدِينَةِ، كُلَّ وَاحِدٍ وَعُدَّتَهُ الْمُهْلِكَةَ بِيَدِهِ». 2- وَإِذَا بِسِتَّةِ رِجَال مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ الأَعْلَى الَّذِي هُوَ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ عُدَّتُهُ السَّاحِقَةُ بِيَدِهِ، وَفِي وَسْطِهِمْ رَجُلٌ لاَبِسٌ الْكَتَّانَ، وَعَلَى جَانِبِهِ دَوَاةُ كَاتِبٍ. فَدَخَلُوا وَوَقَفُوا جَانِبَ مَذْبَحِ النُّحَاسِ. 3- وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ صَعِدَ عَنِ الْكَرُوبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِلَى عَتَبَةِ الْبَيْتِ. فَدَعَا الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الْكَتَّانِ الَّذِي دَوَاةُ الْكَاتِبِ عَلَى جَانِبِهِ، 4- وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اعْبُرْ فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ، فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَسِمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَتَنَهَّدُونَ عَلَى كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الْمَصْنُوعَةِ فِي وَسْطِهَا».
ع1: صرخ الله بصوت عالٍ في أذنى حزقيال؛ لأن غضبه كان شديداً على أورشليم، بسبب كثرة شرورها. وقرر أن يؤدبها تأديباً شديداً، بتدميرها وحرقها وقتل أبنائها.
وكلاء المدينة هم الملائكة المسئولون عن رعايتها، إما بالحماية وفيض نعمة الله عليهم، إن ساروا مع الله، أو تأديبهم إن عصوا الله ورفضوا التوبة. فطلب الله من حزقيال أن يقرب هؤلاء الملائكة إلى أورشليم، أى أمر الله بقرب تنفيذ التأديب للمدينة.
وعدَّتَهم المهلكة هى العقاب الإلهى على أورشليم، وهو السيف والجوع والوبأ، أى الوسائل التى سيهلك بها سكانها الأشرار (ص6: 11).
ع2: الستة رجال هم الستة ملائكة المسئولون عن تأديب أورشليم، وكان عددهم ستة لما يلى :
- رقم ستة رقم ناقص؛ لأن الشر عمل ناقص، ولذا من أجل شر أورشليم سيؤدبها الله بهؤلاء الملائكة الستة. أماعدد سبعة، فهو الكمال، الذى يرمز لعمل الروح القدس.
- كانت أبواب أورشليم ستة، أى أن التأديب الإلهى والهجوم البابلى سيكون من الستة أبواب، فيكون تدمرها شاملاً.
- كان قادة جيش بابل ستة، أى أن الملائكة الستة سيساعدون هؤلاء القادة؛ لإتمام تأديب الله لأورشليم.
أتى التأديب بواسطة الملائكة الستة من الباب الذى من جهة الشمال؛ لأن بابل أقبلت على أورشليم من الشمال ودمرتها.
حمل الرجال الستة عدتهم الساحقة، أى أدوات الهلاك، التى ستسحق أورشليم ومن بها. فى وسط الستة رجال الذين سيؤدبون أورشليم ظهر رجل لابس كتان، والكتان هو ما تصنع منه ملابس الكهنة، ويرمز للنقاوة والبر، وعلى جانبه دواة الكاتب، التى يوضع فيها المادة التى سيكتب بها. فهذا الرجل هو رمز للمسيح، رئيس الكهنة الأعظم، وكلمة الله ليست فقط المكتوبة فى الكتاب المقدس، بل الإبن الأزلى الأبدى، والذى خرج من جنبه عندما طُعن دم وماء، به طهر أولاده الذين آمنوا به وبفدائه. والمذبح النحاسى، الذى وقف بجواره لابس الكتان، يرمز للفداء، الذى يهبه المسيح للمؤمنين به، وبه أيضاً يدين الأشرار الذين لم يؤمنوا. وهكذا تظهر محبة الله وسط الضيقات، فالمسيح المخلص الفادى لأولاده يظهر بين الملائكة المؤدبين للأشرار.
ع3: مجد الله قد يكون بشكل سحاب، أو نور كان حالاً فى قدس الأقداس بين الكاروبين اللذين على غطاء التابوت، والذى يسمى بكرسى الرحمة. فالكاروبان يمثلان العدل الإلهى، ومجد الله يرمز لرحمته، فعندما تزايد شر شعب الله، فارق مجد الله قدس الأقداس وانتقل من فوق الكاروبين، ولكنه لم يخرج من بيته، بل وقف على عتبة البيت. فشر شعبه هو السبب فى تركه لبيته، ولكن محبته جعلته يقف عند العتبة لما يأتى :
- حتى يحمى أولاده القليلين المؤمنين به من العقاب، كما سيظهر فى (ع4).
- يعطى آخر فرصة للأشرار لعلهم يتوبوا، قبل أن يفارق بيته ويستحقوا العدل الإلهى العقاب.
دعى صوت الله لابس الكتان، الذى هو المسيح، فى حين أمر حزقيال بتقريب الوكلاء الستة، فالملائكة يقربهم، أما المسيح فيدعوه ويقول له “قال له الرب” (ع4) إظهاراً لعظمة المسيح عن الملائكة. كما يقول المزمور “قال الرب لربى” (مز110: 1).
ع4: طلب الآب من الابن، أى الصوت من لابس الكتان أن يعمل علامة على جباه المؤمنين بالله، والمطيعين وصاياه داخل أورشليم، والذين تظهر مشاعرهم الروحية فى كراهيتهم للخطايا المصنوعة فى أورشليم، فتئن قلوبهم، وتبكى، وتتأثر، بسبب وجودها فى مدينة الله، فيشبهون أباهم السماوى، الذى يتضايق بسبب سقوط أولاده فى الشر، ولذا استحقوا أن ينجيهم الله من الهلاك، ويعطيهم علامة على جباهم، هى علامة الخلاص، أى الصليب، الذى به ينالون خلاصهم.
ويلاحظ أن هؤلاء المؤمنين المحبين لله لم يستطيعوا إيقاف الشر فى أورشليم بسبب عناد الأشرار، ولكنهم أظهروا كراهيتهم وضيقهم من الشر، فاعتبر الله لهم هذا براً، وبسببه نجاهم من الهلاك.
الله في محبته يبحث عن أولاده المطيعين لينجيهم مهما كان الشر محيطاً بهم، فليتك تبحث عن فضائل الآخرين؛ لتحبهم وتسعى لخلاصهم، وتصلى من أجلهم، وتحاول إبعادهم عن الشر؛ لتنجيهم وتشكر الله كل حين، الذى ينجيك؛ بسبب الصلاح الذى وهبه الله لك ويسامحك على شرورك.
(2) قتل الأشرار (ع5-11):
5- وَقَالَ لأُولئِكَ فِي سَمْعِي: «اعْبُرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَرَاءَهُ وَاضْرِبُوا. لاَ تُشْفُقْ أَعْيُنُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا.
6- اَلشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ، اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ. وَلاَ تَقْرُبُوا مِنْ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ، وَابْتَدِئُوا مِنْ مَقْدِسِي». فَابْتَدَأُوا بِالرِّجَالِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَمَامَ الْبَيْتِ. 7- وَقَالَ لَهُمْ: «نَجِّسُوا الْبَيْتَ، وَامْلأُوا الدُّورَ قَتْلَى. اخْرُجُوا». فَخَرَجُوا وَقَتَلُوا فِي الْمَدِينَةِ. 8- وَكَانَ بَيْنَمَا هُمْ يَقْتُلُونَ، وَأُبْقِيتُ أَنَا، أَنِّي خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ وَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ! هَلْ أَنْتَ مُهْلِكٌ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ كُلَّهَا بِصَبِّ رِجْزِكَ عَلَى أُورُشَلِيمَ؟». 9- فَقَالَ لِي: «إِنَّ إِثْمَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا عَظِيمٌ جِدًّا جِدًّا، وَقَدِ امْتَلأَتِ الأَرْضُ دِمَاءً، وَامْتَلأَتِ الْمَدِينَةُ جَنَفًا. لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الرَّبُّ قَدْ تَرَكَ الأَرْضَ، وَالرَّبُّ لاَ يَرَى.
10- وَأَنَا أَيْضًا عَيْنِي لاَ تَشْفُقُ وَلاَ أَعْفُو. أَجْلِبُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ». 11- وَإِذَا بِالرَّجُلِ اللاَّبِسِ الْكَتَّانِ الَّذِي الدَّوَاةُ عَلَى جَانِبِهِ رَدَّ جَوَابًا قَائِلاً: «قَدْ فَعَلْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي».
ع5: قال الله للملائكة الستة أن يتحركوا فى أورشليم، وينفذوا تأديب الله عليها، بقتل الأشرار، وتخريبها ولا يشفقوا على الشر ويتهاونوا فى التأديب، لأن هذا يجعل الشر يتزايد، فلابد من إتمام العدل الإلهى للمصريين على عدم التوبة.
ع6: مقدس : بيت الرب.
طلب الله من الملائكة أن يقتلوا جميع الأشرار كباراً وصغاراً ورجالاً ونساءً. وهذا معناه أن الشعب بكل فئاته قد انغمسوا فى الخطية. وقال لهم أن يبدأوا بقتل الأشرار القريبين من الهيكل، أى الكهنة واللاويين والشيوخ، الذين انحرفوا عن الحياة مع الله، مع أنه كان يجب أن يكونوا قدوة لباقى الشعب. ولكن نبههم ألا يمسوا المؤمنين به والمطيعين وصاياه، الذين على جباههم سمة الله، فإن الفضائل تبين أولاد الله واحتمالهم الآلام من أجله، فإنهم يحملون الصليب برضا وشكر متمسكين بالإيمان.
ع7: طلب منهم الله أن يخرجوا لتدمير أورشليم وقتل من فيها، فتصير نجسة من جثث الموتى، الملقاة فيها بكثرة.
ع8: يظهر قلب حزقيال الرحيم، الذى يتضرع إلى الله، حتى لا يقتل كل شعبه، فقد انزعج عندما رأى فى الرؤية معظم الشعب يسقط ويهلك، فتضرع إلى الله أن يبقى ولو قليل من الشعب، حتى لا يفنى شعبه، فأبوة حزقيال ومحبته هى التى جعلته يتضرع إلى الله.
ع9: جنفاً : ظلماً.
أجاب الله على حزقيال وأوضح له أن سبب كثرة القتلى، هو أن شرورهم عظيمة جداً وكثيرة، فقد ملأوا أورشليم ظلماً، الواحد لصاحبه، وتركوا عبادة الله، بل قالوا أن الله قد ابتعد عن العالم (ترك الأرض) وليس له تأثير، أو قيمة.
ع10: يقرر الله أن تأديبه لأورشليم ناتج من شرور أبنائها، فيحل على رؤوسهم نتيجة أخطائهم، أى يهلكوا.
ع11: أجاب اللابس الكتان الله بأنه قد أتم المطلوب، وهو وضع سمة على جباه المؤمنين بالله والمتمسكين بوصاياه. فالمسيح أتم الفداء وصعد إلى السموات؛ ليعد لأولاده المؤمنين به مكاناً؛ ليكونوا معه. ويلاحظ أنه رد جواباً؛ لأن الأخبار التى يحملها طيبة، أما الملائكة فلم يردوا جواباً؛ لأن النتيجة صعبة وهى هلاك شعب الله الأشرار. ورد اللابس الكتان يطمئن حزقيال أن البقية ستخلص من شعبه. قدم أخباراً طيبة قدر ما تستطيع لمن حولك، وليتك تقدم أيضاً أخباراً طيبة لله عن حياتك بإتمام واجباتك الروحية من عبادة وخدمة.