أكل الدرج وإنذار الشعب
(1) أكل الدرج (ع1-3):
1- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ مَا تَجِدُهُ. كُلْ هذَا الدَّرْجَ، وَاذْهَبْ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ».
2- فَفَتَحْتُ فَمِي فَأَطْعَمَنِي ذلِكَ الدَّرْجَ. 3- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَامْلأْ جَوْفَكَ مِنْ هذَا الدَّرْجِ الَّذِي أَنَا مُعْطِيكَهُ». فَأَكَلْتُهُ فَصَارَ فِي فَمِي كَالْعَسَلِ حَلاَوَةً.
ع1: نادى الله حزقيال بلقب يا بن آدم، الذى تعود أن يناديه به فى هذا السفر؛ ليذكره أنه إنسان، فيشعر بإخوته البشر الضعفاء الساقطين فى الخطية حوله، وليكن فى خشوع وخوف أمام إعلانات الله وبركاته.
وأمره الله أن يأكل الدرج، الذى يحوى كلمة الله؛ ليشبع به ويعمل فيه؛ فيستطيع حينئذ أن يتكلم بكلمة الله النابعة من أعماقه. ونلاحظ أنه أمره أولاً أن يأكل ما يجده، أى يكون مطيعاً فى تسليم حياته، فيأكل أى شئ يأمر به الله، أى ما يجده أمامه.
ليتك تقرأ وتتأمل في الكتاب المقدس وتطبقه في حياتك، حتى تستطيع أن تكلم به الناس فيكون كلامك عملياً، خارجاً من اختبار شخصى، فيؤثر في الناس ويخضعون له.
ع2: نرى هنا محبة الله، الذى يهتم بأولاده، كما تهتم الأم برضيعها فيطعم بنفسه حزقيال ويعطيه الدرج؛ ليأكله. والمطلوب من حزقيال أن يفتح فمه ويتجاوب ويخضع لله.
ع3: يبدو أن حزقيال لم يبلع الدرج، بل تركه فى فمه، فطلب الله منه أن يبلعه؛ ليطعم جوفه ويشبع به، فلا تقتصر معرفة الإنسان لكلمة الله على المعرفة النظرية، فهذا لا يكفى “والشياطين يؤمنون ويقشعرون” (يع2: 19). ولا يكفى أن يتكلم الإنسان بكلمة الله بفمه، دون أن يكون قد شبع به وتعمق فى معرفته وطبقه فى حياته.
وعندما أطاع حزقيال وأكل وبلع الدرج، شعر حينئذ بحلاوة كلمة الله فى فمه، فلايستطيع الإنسان أن يشعر بحلاوة كلمة الله إن لم يتأمل فيها ويطبقها فى حياته.
(2) تمرد الشعب (ع4-9):
4- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، اذْهَبِ امْضِ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكَلِّمْهُمْ بِكَلاَمِي.5- لأَنَّكَ غَيْرُ مُرْسَل إِلَى شَعْبٍ غَامِضِ اللُّغَةِ وَثَقِيلِ اللِّسَانِ، بَلْ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. 6- لاَ إِلَى شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ غَامِضَةِ اللُّغَةِ وَثَقِيلَةِ اللِّسَانِ لَسْتَ تَفْهَمُ كَلاَمَهُمْ. فَلَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى هؤُلاَءِ لَسَمِعُوا لَكَ. 7- لكِنَّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَسْمَعَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لاَ يَشَاؤُونَ أَنْ يَسْمَعُوا لِي. لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ صِلاَبُ الْجِبَاهِ وَقُسَاةُ الْقُلُوبِ. 8- هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ وَجْهَكَ صُلْبًا مِثْلَ وُجُوهِهِمْ، وَجَبْهَتَكَ صُلْبَةً مِثْلَ جِبَاهِهِمْ، 9- قَدْ جَعَلْتُ جَبْهَتَكَ كَالْمَاسِ أَصْلَبَ مِنَ الصَّوَّانِ، فَلاَ تَخَفْهُمْ وَلاَ تَرْتَعِبْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ».
ع4: بعد أن شبع حزقيال بكلام الله عندما أكل الدرج وابتلعه فى جوفه، أمره الله أن يذهب؛ ليكلم الشعب بكلام الله، فقد أصبح مؤهلاً لذلك. فالخادم الذى يعيش بكلمة الله، يستطيع أن يتحدث بها ويعلم غيره.
ع5: يشجع الله حزقيال بأنه مرسل إلى شعبه، بيت إسرائيل، الذين يفهمون لغته وكلامه، وليسوا مثل الأمم ذوى اللغات الغريبة. والمفروض أنهم ماداموا شعب الله، فسيقبلون كلامه، أما الأجانب والغرباء عن كلمة الله فسيعانون متاعب، حتى يفهموا هذه الكلمة. ولكن للأسف كان شعب الله فى الصورة قريباً من الله، أما بالقلب فبعيدون؛ لذلك لم يفهموا ولم يقبلوا كلمة الله.
إن كنت معتاداً أن تقرأ كلمة الله وأن تتحدث معه في الصلاة، فستفهم مشيئته وتقبل كلامه. ولكن إن انشغل قلبك بشهوات العالم، فسيصبح الله غريباً عنك، مهما كان كلامه واضحاً. لذا عد إلى الله بالتوبة وتجرد من ماديات العالم وكرامته، أى تغرب عن العالم، لتصر قريباً من الله وتتمتع بأمجاده
ع6: غامضة اللغة : لغة غريبة عن العبرانية والأرامية التى يتكلمها اليهود.
ثقيلة اللسان : إن حاولوا أن يتكلموا بلغة اليهود، الذين عاشوا بينهم، ينطقونها بطريقة ضعيفة من الصعب فهمها لغرابة أحرف اللغة اليهودية عن لغتهم.
العجيب أن الأمم، الذين يتكلمون لغات غريبة وبعيدون عن الله؛ لأنهم يعبدون الأوثان، لهم بساطة قلب ومستعدون أن يسمعوا ويقبلوا كلمة الله، كما حدث عند التبشير بالإنجيل، فآمن الأمم ولم يقبل الإيمان من اليهود إلا القليلين.
ع7: صلاب الجباه : تعبير عن العند والرفض لله.
قساة القلوب : أى قلوبهم رافضة لا تشعر بمحبة الله.
أوضح الله لحزقيال أن الشعب لن يسمعوا له، ليس لضعف فيه؛ فيرفضونه، بل لأنهم يرفضون الله الذى أرسله ويصفهم بالقسوة والعناد.
ع8: وعده الله أن يعطيه قوة؛ لمواجهة هؤلاء المعاندين المتمردين، فيستطيع بقوة الله أن يوبخهم؛ لعلهم يتوبون ولا يفزع من عنادهم.
ع9: الماس : حجر كريم يتميز بشدة الصلابة.
الصوان : هو حجر الجرانيت المتميز بالصلابة الشديدة.
يعد الله حزقيال أن يعطيه قوة أكبر من قوة شعبه المتمرد، فيعطيه صلابة متميزة لا تفوقها صلابة، يعبر عنها بالماس والصوان.
(3) ضيق حزقيال (ع10-14):
10- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، كُلُّ الْكَلاَمِ الَّذِي أُكَلِّمُكَ بِهِ، أَوْعِهِ فِي قَلْبِكَ وَاسْمَعْهُ بِأُذُنَيْكَ.
11- وَامْضِ اذْهَبْ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ، إِلَى بَنِي شَعْبِكَ، وَكَلِّمْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا». 12- ثُمَّ حَمَلَنِي رُوحٌ، فَسَمِعْتُ خَلْفِي صَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ: «مُبَارَكٌ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ مَكَانِهِ». 13- وَصَوْتَ أَجْنِحَةِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَلاَصِقَةِ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ وَصَوْتَ الْبَكَرَاتِ مَعَهَا وَصَوْتَ رَعْدٍ عَظِيمٍ. 14- فَحَمَلَنِي الرُّوحُ وَأَخَذَنِي، فَذَهَبْتُ مُرًّا فِي حَرَارَةِ رُوحِي، وَيَدُ الرَّبِّ كَانَتْ شَدِيدَةً عَلَيَّ.
ع10: طلب الله من حزقيال، أن يفهم بعمق، كل الكلام، الذى حدثه به الله؛ ليستفد منه لنفسه، ثم يحدث به الشعب، فلا يكتفى بالمعرفة النظرية، التى يشار إليها بسمع الأذن، بل أن يحيا بكلمة الله، التى يشير إليها بوعى القلب.
ع11: طلب منه الله أن يكلم الشعب، سواء استجابوا وخضعوا لكلامه، أو رفضوه. فيكون الكلام شاهداً عليهم. فالله يشجعه، حتى يتم تعليم الشعب ولا يتأثر برفضهم الخضوع لله.
ع12: من أجل خضوع حزقيال لله تمتع بأن يحمله روح الله، فمن يتكل على الله يتمتع بمساندة وقيادة الله له.
وسمع صوت رعد عظيم، يرمز لقوة صوت الله، حتى يخافه حزقيال ويزداد فى طاعته ويتشجع، فيكلم شعبه بقوة؛ ليرضى الله. وصوت الرعد يذكرنا بما حدث فى يوم الخمسين عند حلول الروح القدس حيث كان هبوب الريح والعاصفة (أع2: 2). سمع أيضاً حزقيال صوت تسبيح يبارك ويمجد الله؛ ليرفع قلبه للتمتع بحضرة الله ويشارك فى تسبيحه.
اخضع لكلام الله، فتتمتع بقيادته ولا تتأثر بكلام الناس حولك، الذين يعارضون وصايا الله، فهم مضطربون، أما أنت فتتمتع وحدك بالسلام.
ع13: سمع أيضاً حزقيال صوت حركة أجنحة الملائكة الأربعة، الذى يرمز لمشاركة الملائكة له، وعملها المساند له، التى ترمز إليه البكرات. وكانت أصواتهم عظيمة كالرعد، كل هذا يعطى خشوعاً لحزقيال وتشجيعاً له، أنه ليس وحده فى مواجهة الشعب المتمرد، فالله يسانده فى صعوبة الخدمة التى هو مقبل عليها.
ع14: يعبر حزقيال بالضيق الذى كان يعانيه من إحساسه بصعوبة الخدمة، فإنه كان مر النفس، رغم أن روح الله كان يحمله، فقد شعر بصعوبة المواجهة مع الشعب المتمرد، الذى سيرفض كلام الله.
وكانت روح حزقيال حارة ملتهبة بمحبة الله، لكنه فى نفس الوقت فى ضيق نفس ومرارة؛ لأجل تصوره للشعب المتمرد.
وعموماً كان يشعر بصعوبة المسئولية التى كلفه الله بها. كان يشعر أن يد الله شديدة ولكنه فى نفس الوقت مستعد أن يطيع وينفذ الخدمة المطلوبة منه رغم صعوبتها.
(4) ضرورة الإنذار (ع15-21):
15- فَجِئْتُ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ تَلِّ أَبِيبَ، السَّاكِنِينَ عُِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَحَيْثُ سَكَنُوا هُنَاكَ سَكَنْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَحَيِّرًا فِي وَسْطِهِمْ. 16- وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ أَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ إِلَيَّ قَائِلَةً: 17- «يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَاسْمَعِ الْكَلِمَةَ مِنْ فَمِي وَأَنْذِرْهُمْ مِنْ قِبَلِي. 18- إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ، وَمَا أَنْذَرْتَهُ أَنْتَ وَلاَ تَكَلَّمْتَ إِنْذَارًا لِلشِّرِّيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ لإِحْيَائِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتْ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. 19- وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الشِّرِّيرَ وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ شَرِّهِ وَلاَ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ. 20- وَالْبَارُّ إِنْ رَجَعَ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَجَعَلْتُ مُعْثِرَةً أَمَامَهُ فَإِنَّهُ يَمُوتُ. لأَنَّكَ لَمْ تُنْذِرْهُ، يَمُوتُ فِي خَطِيَّتِهِ وَلاَ يُذْكَرُ بِرُّهُ الَّذِي عَمِلَهُ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. 21- وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الْبَارَّ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ الْبَارُّ، وَهُوَ لَمْ يُخْطِئْ، فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا لأَنَّهُ أُنْذِرَ، وَأَنْتَ تَكُونُ قَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ».
ع15: تل أبيب : مدينة صغيرة بجوار نهر خابور جنوب شرق بابل، وهى غير تل أبيب الحالية عاصمة إسرائيل.
بعد أن رأى حزقيال رؤياه العظيمة وسمع صوت الله وأكل الدرج، ثم جاء إلى مدينة يسكن فيها كثير من اليهود المسبيين وهى مدينة تل أبيب ومن كثرة انتشار الشر بينهم، تضايق وتحير وهو يسأل نفسه، ماذا يقول وهم متمردون رافضون لسماع صوت الله ؟ وأخذ يفكر هل يصمت أم يتكلم ؟ هل يعلن النبوة التى قالها له الله فى الأصحاح الثانى ؟ أم يصمت؛ لأنهم متمردون ؟ وظل فى هذه الحيرة صامتاً لمدة سبعة أيام.
ع16: لما رأى الله حيرة حزقيال، لمدة سبعة أيام، كلمه بوضوح، مرشداً له كيف يتصرف، فالله يحب أولاده، مهما كان ضعفهم، ويشعر بضيقاتهم، فيرشدهم بوضوح للتصرف الصحيح.
إطمئن فإن الله يشعر بك، مهما كان ضعف إيمانك ويقدر صعوبة مسئولياتك، وهو مستعد أن يرشدك، بل ويساندك، حتى تنفذ وصاياه وتنجح في إتمام كل مسئولياتك، فأنت لست وحدك؛ لأن الله معك كل حين.
ع17: رقيباً : كانوا قديماً يقيمون أسواراً للمدن ويبنون أبراجاً على السور، يجلس فيها رقباء؛ ليراقبوا الأعداء إذا اقتربوا إلى المدينة فيأمرون بغلق الأبواب والاستعداد. فالرقيب وظيفته حراسة المدينة، وهذا هو المقصود هنا أن حزقيال أقامه الله حارساً وراعياً ومسئولاً عن شعبه.
يوضح الله لحزقيال، أنه رغم ضعفه كإنسان (ابن آدم)، فالله دعاه لخدمته وأقامه مسئولاً وراعياً لشعبه؛ ليعلمهم ويوبخهم على أخطائهم، بإنذارهم بالعقاب لو أصروا على الشر. وما يقوله للشعب هو كلام الله، الذى يسمعه بإصغاء واهتمام وينقله بدقة إليهم. وهذا هو عمل كل خادم فى الكنيسة.
ع18: يوضح الله لحزقيال أهمية التوصيل والتوبيخ والإنذار للأشرار مهما كانت هذه المسئولية صعبة، فإن أخطأ إنسان واستحق الموت عقاباً له وأمر الله بذلك وخاف حزقيال من توصيل كلام الله إلى هذا الشرير، فإن الشرير سيموت عقاباً لخطاياه، ولكن الله سيطالب حزقيال بدمه، أى بنفسه ويعاقبه على خوفه وإهماله. فالخادم مسئول، ليس فقط أن يشجع المخدومين، بل أيضاً أن يوضح لهم خطورة شرورهم وعقابها “أجرة الخطية هى موت” (رو6: 23). إذاً كان فى مقدور حزقيال أن ينقذ الشرير؛ فيحيا، إن أعلمه بعقوبة خطاياه، فكيف يتهاون ويتخاذل ويترك شعبه يموت فى شره ؟ وبهذا أجاب الله على تساؤلات حزقيال وأخرجه من حيرته، وأعلمه بضرورة توصيل كل كلام الله، مهما كان صعباً إلى شعبه.
ع19: أعلم الله حزقيال أيضاً، أنه إن قام بواجبه وأنذر شعبه الشرير بخطورة خطاياهم وعقابها، ولكنهم أصروا على شرورهم، فإنهم سيموتون نتيجة عصيانهم، ولكن الله لن يعاقب حزقيال، فبهذا ينجى حزقيال نفسه من دينونة الله.
ع20: يؤكد الله هنا على حزقيال ضرورة توبيخ الكل، سواء الأشرار، أو الأبرار إن سقطوا فى خطية ما، أى إن سمح الله بوجود عثرة أمامهم، ولم يحترسوا وسقطوا فيها. لأنه إن سقط الأبرار فى الخطية وتركوا الله، يستحقون الموت؛ لأن برهم السابق كان مؤقتاً، أو زائفاً، فإن لم ينبههم حزقيال سيموتون بخطاياهم، ولكن الله سيطالب حزقيال بنفوسهم لإهماله إنذارهم.
ع21: إن قام حزقيال بواجبه، كراعٍ لشعبه، وأنذر الأبرار؛ حتى لا يسقطوا فى الخطية وسمعوا لصوته، فهو بها ينجيهم من الموت وينجى نفسه أيضاً من دينونة الله له.
والخلاصة من هذه الآيات أنه لابد للخادم أن يُنذر أى إنسان، لكى لا يخطئ، حتى لو كان هذا الإنسان متمرداً ورافضاً لكلام الله، فالله قادر ليس فقط أن ينقذ الأبرار من الموت، بل أيضاً أن يحول الأشرار عن تمردهم وإن أصروا على شرهم، فكلام الله، على لسان حزقيال، يدينهم فى اليوم الأخير. وكذلك تلزم التوبة والجهاد الروحى، حتى لو كان الإنسان باراً، ومهما كانت صعوبة الخطية، ونعمة الله تطلب خلاص الكل لتساندهم وتخلصهم.
(5) أهمية الخلوة (ع22-27):
22- وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيَّ هُنَاكَ، وَقَالَ لِي: «قُمُ اخْرُجْ إِلَى الْبُقْعَةِ وَهُنَاكَ أُكَلِّمُكَ».
23- فَقُمْتُ وَخَرَجْتُ إِلَى الْبُقْعَةِ، وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ وَاقِفٌ هُنَاكَ كَالْمَجْدِ الَّذِي رَأَيْتُهُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. 24- فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ، ثُمَّ كَلَّمَنِي وَقَالَ لِي: «اِذْهَبْ أَغْلِقْ عَلَى نَفْسِكَ فِي وَسْطِ بَيْتِكَ. 25- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهَا هُمْ يَضَعُونَ عَلَيْكَ رُبُطًا وَيُقَيِّدُونَكَ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُ فِي وَسْطِهِمْ. 26- وَأُلْصِقُ لِسَانَكَ بِحَنَكِكَ فَتَبْكَمُ، وَلاَ تَكُونُ لَهُمْ رَجُلاً مُوَبِّخًا، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. 27- فَإِذَا كَلَّمْتُكَ أَفْتَحُ فَمَكَ فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مَنْ يَسْمَعْ فَلْيَسْمَعْ، وَمَنْ يَمْتَنِعْ فَلْيَمْتَنِعْ. لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ».
ع22: يد الرب : محبته ومعونته التى تنادى الإنسان.
لم يأمر الله حزقيال ويكلفه بمسئوليات، ثم تركه، ولكنه سانده، إذ امتدت يد المعونة الإلهية، ليس فقط بإظهار الرؤيا المذكورة فى الأصحاح الأول، ولا أيضاً بإطعامه الدرج، بل يطلب منه هنا أن يخرج للخلوة مع الله، فى بقعة حددها الله؛ ليخرج إليها حزقيال ويبتعد عن الناس، فيشعر هناك بالله، وهذه البقعة هى مكان هادئ؛ لأنه عندما يتحرر الإنسان من مشاغله وتعلقاته بالبشر يستطيع أن يرى الله.
ع23: تظهر طاعة حزقيال فى إتمامه أمر الله سريعاً، فخرج ليختلى بالله فى المكان الذى حدده له؛ ولأنه أطاع، ظهر له الله بمجد عظيم، يشبه مجده، الذى ظهر فى الرؤيا المذكورة فى الأصحاح الأول. ولم يحدد شكل هذا المجد، هل هو نور وسحاب، ولكنه كان منظراً بهياً عظيماً، أشعر حزقيال أنه واقف أمام الله العظيم المحب، وأمام مجد الله خشع حزقيال وسجد أمامه.
إن كنت تريد أن تخدم الله فلابد أن تشعر به في حياتك أولاً، فتجلس في خلوة معه؛ لتتأمل جماله ومراحمه، ويفضل أن يكون هذا في مكان خلوى، أو في مكان مفتوح؛ لتشعر بالله غير المحدود وتتأمل في موضوع محدد. والله إذ يرى اهتمامك يساعدك ويمتعك بوجوده معك.
ع24: بعدما تمتع حزقيال برؤية الله فى المكان الهادئ المفتوح وسجد أمام عظمة الله فى خوف وإجلال، لم يستطع أن يقوم من رهبة المنظر، إلا بمعونة الله، فدخل فيه الروح القدس وأقامه؛ ليتمتع بسماع صوت الله ثانية، وحينئذ طلب منه الله أن يدخل بيته ويغلق على نفسه وحده؛ ليتمتع بنوع آخر من الخلوة مع الله بعيداً عن الناس، وهى الخلوة داخل الجدران، ففى هذا الهدوء أيضاً يشعر الإنسان بالله.
ع25: أراد الله من إختلاء حزقيال به داخل بيته، ليس فقط التمتع بالوجود مع الله، بل أيضاً ينبئه بالضيقات التى ستمر عليه وهى أنه يقيد من شعبه بالحبال، ويوضع فى مكان مغلق، فلا ينزعج، بل يعتبرها فرصة للإختلاء معه. ويعتبر أيضاً السبى وإبعاده عن خدمته فى الهيكل، أى هذه القيود، فرصة ليختلى بالله، الموجود فى كل مكان وفى بابل أيضاً.
ويلقبه “بابن آدم” بمعنى لا يتكبر وهو إنسان، لأنه تمتع برؤية الله فى الخلوة.
ع26: يوضح الله لحزقيال أنه ستأتى أيام يعجز فيها أن يكلم الشعب بكلام الله؛ لأجل رفضهم وتمردهم على الله، فعجز حزقيال عن الكلام بسماح من الله؛ حتى أنه يقول له، سألصق لسانك بفمك.
ع27: ثم يأتى وقت يسمح الله لحزقيال أن يتكلم بنبوات الله، أى يقل رفض الشعب لله، فيكلمهم وسيسمع البعض؛ فيخلصون وسيمتنع البعض، فيموتون فى خطاياهم.