مسئولية كل إنسان عن نفسه
(1) مسئولية الإنسان عن أخطائه (ع1-4):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً :2- »مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هذَا الْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، قَائِلِينَ: الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟ 3- حيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لاَ يَكُونُ لَكُمْ مِنْ بَعْدُ أَنْ تَضْرِبُوا هذَا الْمَثَلَ فِي إِسْرَائِيلَ. 4- كُلُّ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ، كِلاَهُمَا لِي. اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ.
ع1، 2: الحصرم : هو العنب غير مكتمل النضج، ويكون جافاً وطعمه حمضياً لاذعاً.
ضرست : احتكت الأسنان ببعضها وتعبت من تناول طعام حمضى لاذع.
فالطبقة الخارجية للأسنان تسمى “المينا” (Enamel)، وهى مادة شفافة تغطى مادة أخرى تسمى بالعاج (dentin). فإذا احتكت طبقة المينا بين ضرسين، ثم أتت عليها المادة الحمضية، فإنها تكشف جزء من المينا غير الحساسة وتظهر طبقة العاج الحساسة لاتصالها بالشعيرات العصبية الآتية من عصب الضرس الموجود فى اللب (Pulp)، فتعطى إحساساً بالتضريس، أو القشعريرة.
قال الله لحزقيال معاتباً انتشار فكر غريب بين شعب الله فى صورة مثل يضربونه وهو أن الآباء يأكلون الحصرم، ثم يفاجأ الناس بأن أبناءهم يعانون من تعب فى أسنانهم. وهذا معناه أن خطية الآباء يعانى الأبناء من نتائجها.
وقد اعتمد شعب الله فى ضرب هذا المثل على تفسيرهم الخاطئ للوصية الثانية
(خر20: 5)، وهى التى تنادى بافتقاد الله لذنوب الآباء فى الأبناء. ففهموا أن الآباء يخطئون والأبناء يعاقبون، ونسوا بقية الآية (خر20: 5) وهى كلمة من مبغضى، أى استمرار الأبناء
فى ممارسة خطايا آبائهم ولكن إن تابوا فلا تنطبق عليهم الوصية الثانية، وبالتالى يعتبر هذا المثل خاطئاً عند تعميمه على الكل؛ لأنه يمكن أن يخرج أبناء أشرار من أب صالح، مثل الملك منسى الشرير ابن حزقيا الملك الصالح (2مل20: 21)، وكذلك يهوآحاز الملك الشرير ابن يوشيا الملك الصالح (2أى 36: 1)، ويمكن أن ينشأ ابن بار فى وسط شرير، مثل صموئيل الذى نشأ فى الهيكل المدنس بأخطاء حفنى وفينحاس (1صم2).
ع3: يشهد الله على شعبه بحياته التى هى أزلية أبدية، فيأمرهم بعد أن أعلن وجوده وحياته أن لا يضربوا هذا المثل، ولا يقتنعوا بتفسيره الخاطئ.
ع4: يعلن أيضاً محبته ومسئوليته عن كل البشر فكلهم من الله وملكاً له، سواء نفس الأب، أو نفس الإبن، الاثنان لهما قيمة كبيرة فى نظر الله. والنفس التى تخطئ هى فقط تعاقب بعقاب الخطية وهو الموت، كما قال الكتاب المقدس إن “أجرة الخطية هى موت” (رو6: 23). والمقصود هنا بالموت، العذاب والهلاك الأبدى، وهو يختلف عن الموت الجسدى الذى يسود على الأبرار والأشرار. وكذلك يختلف عن موت الخطية، وهو ما يحدث فى حياتنا على الأرض ولكن يمكن التخلص منه بواسطة التوبة. أما الموت الأبدى فهو الجزاء الذى لا يمكن تغييره فى حالة الأشرار الذين أصروا على شرورهم.
ثم يقسم فى الأعداد التالية البشر إلى أربعة أقسام هى :
1- البار 2- الشرير 3- ابن شرير لأب بار 4- ابن بار لأب شرير
لا تلتمس الأعذار لنفسك وتبرر خطاياك بسبب الظروف المحيطة في بيتك، أو في أى مكان توجد فيه. ولكن ارجع إلى الله بالتوبة إن أخطأت، واطلب معونته فسينجيك ويحفظك مهما أحاط بك الشر.
(2) مكافأة البار (ع5-9):
5- وَالإِنْسَانُ الَّذِي كَانَ بَارًّا وَفَعَلَ حَقًّا وَعَدْلاً، 6- لَمْ يَأْكُلْ عَلَى الْجِبَالِ وَلَمْ يَرْفَعْ عَيْنَيْهِ إِلَى أَصْنَامِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يُنَجِّسِ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ، وَلَمْ يَقْرُبِ امْرَأَةً طَامِثًا، 7- وَلَمْ يَظْلِمْ إِنْسَانًا، بَلْ رَدَّ لِلْمَدْيُونِ رَهْنَهُ، وَلَمْ يَغْتَصِبِ اغْتِصَابًا بَلْ بَذَلَ خُبْزَهُ لِلْجَوْعَانِ، وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْبًا، 8- وَلَمْ يُعْطِ بِالرِّبَا، وَلَمْ يَأْخُذْ مُرَابَحَةً، وَكَفَّ يَدَهُ عَنِ الْجَوْرِ، وَأَجْرَى الْعَدْلَ الْحَقَّ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَالإِنْسَانِ،
9- وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظَ أَحْكَامِي لِيَعْمَلَ بِالْحَقِّ فَهُوَ بَارٌّ. حَيَاةً يَحْيَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع5: يعرف هنا الإنسان البار بأنه من يسلك بالحق، أى بحسب وصايا الله ويخافه، ويكون عادلاً فى حكمه على الأمور، فلا تكون له أغراض شخصية، أو تحيز لأحد ضد الآخر وهذا هو سلوكه الإيجابى.
ع6: يستكمل فى هذه الآية شرح سلوك الأبرار من الناحية السلبية ويفصل ذلك فيما يلى:
- لم يأكل على الجبال : أى لم يقدم ذبائح للأوثان على الجبال، ولم يأكل منها. إذ كانوا يقدمون ذبائح لآلهة السماء، مثل الشمس والقمر والنجوم على الأماكن المرتفعة فى طقوس العبادة الوثنية. والخلاصة فالمقصود عدم اشتراكه فى العبادة الوثنية.
- ولم يرفع عينيه إلى أصنام بيت إسرائيل : عندما وجد الشر فى أورشليم والبلاد اليهودية فى شكل إقامة أصنام والتعبد لها رفض الاشتراك فى هذه العبادات.
- ولم ينجس امرأة قريبه : أى لم يضطجع ويزنى مع امرأة، أى إنسان يعيش معه من اليهود، والمقصود أنه عاش بطهارة، ورفض تماماً خطية الزنى بكل صورها مع آية إنسانة.
- ولم يقرب امرأة طامثاً : كانت الشريعة (لا20: 18) تنص على أن مضاجعة الرجل لامرأته وهى طامث، أى عندها عادة النساء الشهرية يعتبر نجاسة وكسر للوصية. فهو بار، أى يتمسك بكل ما فى الشريعة، وكان الطمث قديماً يعتبر نجاسة لأن فيه نزف دم، والدم يرمز للحياة، ولم يكن المسيح قد تمم الفداء بسفك دمه على الصليب، فكان الموت والدم يعتبران من الأمور النجسة، أما فى العهد الجديد فكل شئ طبيعى يعتبر طاهراً فى المسيح. ولكن الكنيسة توصى فى العهد الجديد بعدم المضاجعة فى حالة الطمث بسبب الظروف الصحية وللتعفف.
ع7: يستكمل هنا صفات البار من الناحية الإيجابية والسلبية التى بدأها فى (ع6) وهى :
- ولم يظلم إنساناً : أى يأخذ ويسلب حقوق غيره سواء بالقوة، أو بأى تحايل ومكر.
- رد للمديون رهنه : أى عندما يدفع المديون ماعليه ينبغى أن يعطيه ما ارتهنه ولا يماطل فى ذلك، أو يطلب مزيداً من المال والمقتنيات. فالمقصود الإسراع بإرجاع الشئ المرتهن. وإن امتلأ قلب البار بالحب يساعد أيضاً هذا المديون من ماله الخاص لسد احتياجاته الضرورية.
- لم يغتصب اغتصاباً : لم يستخدم مركزه وسلطانه ليسلب بالقوة حقوق غيره، مثل حفنى وفينحاس الكاهنين أولاد عالى الكاهن، اللذين استخدما سلطانهما للزنى مع النساء الآتيات للهيكل وسرقة اللحوم من مقدمى الذبائح فى الهيكل (1صم2).
- بذل خبزه للجوعان : يتميز بعمل الرحمة، فيطعم الفقراء. وهذا سلوك إيجابى يظهر بر البار.
- وكسا العريان ثوباً : يستكمل الأعمال الإيجابية للبار وهى الاهتمام بملابس وكسوة الفقراء، فلا يتركهم بثياب بالية، أو فى عرى نتيجة فقرهم.
ع8: الربا : هو الاقتراض مع أخذ فوائد.
المرابحة : هى بيع شئ ما بثمن أغلى من ثمنه الأصلى.
الجور : الظلم.
يضيف هنا صفات جديدة للبار بعد ما ذكره فى ع6، 7 وهى :
- لا يعط بالربا ولم يأخذ مرابحة : البار لا يستغل الآخرين الفقراء، فلا يقرض أحداً لاحتياجاته الضرورية ويأخذ منه فوائد، وإن احتاج إنسان لشراء شئ من ممتلكاته لا يأخذ أكثر من ثمنه الأصلى، وهذا غير نظام القروض فى البنوك، أو أنواع التجارة المختلفة التى يأخذ فيها التاجر هامش ربح معقول.
- كف يده عن الجور وأجرى العدل الحق بين الإنسان والإنسان : يتميز البار بالعدل، فلا يظلم أحداً محاباة لشخص آخر، بل يحكم بالحكم دون أى غرض شخصى، أو تحيزاً لإنسان ضد آخر. وإن رأى شخصاً مظلوماً لا يكون سلبياً بل يعلن الحق وينصفه.
ع9: فرائضى : العبادات الطقسية التى أمرت بها الشريعة.
أحكامى : وصاياى وأوامرى.
يختم الله فى كلامه مع حزقيال صفات البار (ع6-8).
فيقول :
- سلك فى فرائضى : أى اهتم بإتمام كل نواحى العبادة التى أمر بها الله فى الشريعة من جهة الذبائح والتطهيرات وكل شئ.
- حفظ أحكامى : أى أطاع وصاياى، وداوم على تنفيذها.
كل هذه الصفات الثلاثة عشر السابقة تؤكد أن هذا البار يعمل أعمال الحق، أى المرضية لله. فهذا يعده الله بالحياة معه، ليس فقط على الأرض، بل أيضاً فى السماء لأنه بار بالحقيقة، وليس بره ظاهرياً، والدليل على ذلك الصفات السابقة.
ليكن سلوكك يؤكد إيمانك ومحبتك لله، وإن كانت لك أخطاء ظاهرة فاهتم أن تتوب عنها وتصلحها، بالإضافة إلى توبتك عن خطاياك الداخلية من أفكار ومشاعر؛ حتى تكون إبناً حقيقياً لله ويتمجد في حياتك.
(3) إبن شرير لأب بار (ع10-13):
10- «فَإِنْ وَلَدَ ابْنًا مُعْتَنِفًا سَفَّاكَ دَمٍ، فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ هذِهِ، 11- وَلَمْ يَفْعَلْ كُلَّ تِلْكَ، بَلْ أَكَلَ عَلَى الْجِبَالِ، وَنَجَّسَ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ، 12- وَظَلَمَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ، وَاغْتَصَبَ اغْتِصَابًا، وَلَمْ يَرُدَّ الرَّهْنَ، وَقَدْ رَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى الأَصْنَامِ وَفَعَلَ الرِّجْسَ، 13- وَأَعْطَى بِالرِّبَا وَأَخَذَ الْمُرَابَحَةَ، أَفَيَحْيَا؟ لاَ يَحْيَا! قَدْ عَمِلَ كُلَّ هذِهِ الرَّجَاسَاتِ فَمَوْتًا يَمُوتُ. دَمُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ.
ع10: معتنفا : قاسى القلب وعنيف فى معاملاته.
سفاك دم : محب للقتل.
إن ولد البار إبناً ولم يسلك بحسب سلوك أبيه، بل على العكس صار قاسى القلب وعنيفاً، وفعل شروراً كثيرة حتى استباح القتل، أى فعل الشرور التى ابتعد عنها البار المذكـورة (ع6-8).
ع11، 12: هذا الإبن الشرير لم يفعل الصالحات التى يفعلها أبوه البار، والمذكورة فى (ع5، 8، 9)، بل فعل الشرور السابق شرحها فى (ع6-8).
ع13: يستكمل هنا الشرور التى يفعلها هذا الابن الشرير والسابق شرحها فى (ع8)، ويتساءل الله هل يستحق هذا الشرير أن تكون له حياة أمام الله ؟ ويرد الله على الفور لا بل يستحق الموت، أى الهلاك الأبدى. ويكون سبب هلاكه هو خطاياه. وهذا هو المقصود بكلمة دمه على نفسه، أى هو المسئول عن هلاكه ولا يطالب أحد بدمه؛ لأن أباه كان قدوة له فى البر ولكنه أصر على الشر.
ليتك تتعلم من فضائل المحيطين بك، فقد وضعهم الله في طريقك لتتلمذ عليهم. ولكن إن أهملت هذا فأنت معرض لمزيد من السقوط في الخطية، وبالتالى الهلاك الأبدى.
(4) إبن بار لأب شرير (ع14-20):
14- «وَإِنْ وَلَدَ ابْنًا رَأَى جَمِيعَ خَطَايَا أَبِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا، فَرَآهَا وَلَمْ يَفْعَلْ مِثْلَهَا. 15- لَمْ يَأْكُلْ عَلَى الْجِبَالِ، وَلَمْ يَرْفَعْ عَيْنَيْهِ إِلَى أَصْنَامِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَلاَ نَجَّسَ امْرَأَةَ قَرِيبِهِ، 16- وَلاَ ظَلَمَ إِنْسَانًا، وَلاَ ارْتَهَنَ رَهْنًا، وَلاَ اغْتَصَبَ اغْتِصَابًا، بَلْ بَذَلَ خُبْزَهُ لِلْجَوْعَانِ، وَكَسَا الْعُرْيَانَ ثَوْبًا 17- وَرَفَعَ يَدَهُ عَنِ الْفَقِيرِ، وَلَمْ يَأْخُذْ رِبًا وَلاَ مُرَابَحَةً، بَلْ أَجْرَى أَحْكَامِي وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِي، فَإِنَّهُ لاَ يَمُوتُ بِإِثْمِ أَبِيهِ. حَيَاةً يَحْيَا. 18- أَمَّا أَبُوهُ فَلأَنَّهُ ظَلَمَ ظُلْمًا، وَاغْتَصَبَ أَخَاهُ اغْتِصَابًا، وَعَمِلَ غَيْرَ الصَّالِحِ بَيْنَ شَعْبِهِ، فَهُوَذَا يَمُوتُ بِإِثْمِهِ. 19- «وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا لاَ يَحْمِلُ الابْنُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ؟ أَمَّا الابْنُ فَقَدْ فَعَلَ حَقًّا وَعَدْلاً. حَفِظَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَعَمِلَ بِهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. 20- اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ.
ع14: يحدثنا الله هنا عن النوع الأخير من البشر، وهو أب شرير ولد ابناً، فلما رأى شرور أبيه اتعظ منها وتجنبها، فعاش فى البر.
ع15، 16: يشرح هنا الشرور التى رفضها هذا الابن البار والصالحات التى تمسك بها، وهى السابق شرحها فى (ع5-9)، وخاصة اهتمامه بالفقراء واحتياجاتهم الضرورية، وعدم قبول أخذ الرهن من الفقير إن كان من ضروريات حياته، بل يساعده ليعيش مثل الباقين الذين حوله.
ع17: يستكمل هنا ما سبق شرحه فى (ع8) ويؤكد أنه لا يستغل الفقراء بأى شكل من الأشكال ليحصل على مكاسب خاصة به، واهتم بوصايا الله وعبادته السابق شرحها فى (ع9). ويحكم الله هنا أن هذا الابن البار الذى رفض شرور أبيه لا تأتى عليه أية نتائج من هذه الشرور المهلكة، بل يحيا أمام الله إلى الأبد فى ملكوت السموات.
ع18: على العكس، أبوه الشرير الذى فعل شروراً مختلفة – يذكر بعضها هنا – فإنه يهلك هلاكاً أبدياً.
عندما ترى أخطاء الآخرين لا تدينهم، بل اعلم أن هذه رسالة من الله لك حتى تحترس لئلا تسقط فيها، وتصلى لأجل نفسك، ولأجلهم، ليرحمهم الله، فيحميك وينقذهم من الخطية.
ع19: يرد الله على الأفكار الخاطئة التى يرددها شعبه، وهى أن الإبن البار يصيبه عقوبات نتيجة شر أبيه. ويقرر هنا الله عكس هذا الكلام، فيقول لشعبه أن الابن البار نتيجة فعله الصالحات يحيا إلى الأبد أمام الله.
ع20: يؤكد الله حقيقة مسئولية الإنسان عن أخطائه، فيعلن أن شر الأشرار يأتى على رؤوسهم فيهلكوا بها، أما الأبرار فينالون مكافأة برهم حياة أبدية. ولا يتأثر البار بشرور الأشرار، ولا الشرير يستفيد من بر الأبرار، بل كل إنسان بحسب ما فعل. كل هذا الكلام ليؤكد حقيقة النهاية المحددة لكل منهما، فالشرير يهلك، والبار يحيا فى الملكوت. ولكن هناك بركات للأبرار تعم على أولادهم إن كانوا يعيشون فى البر، فتزداد لهم البركات نتيجة بر أبيهم لتساندهم وتنميهم فى البر. والأبناء الأبرار لآباء أشرار يساعدهم الله أيضاً ليحيوا فى البر، فيعطيهم معونة خاصة حتى لا يتأثروا بسلوك آبائهم، بل يبتعدوا عن شرورهم.
(5) رجوع الإنسان عن طريقه (ع21-32):
21- فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقًّا وَعَدْلاً فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. 22- كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا.
23- هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ 24- وَإِذَا رَجَعَ الْبَارُّ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَفَعَلَ مِثْلَ كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشِّرِّيرُ، أَفَيَحْيَا؟ كُلُّ بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَهُ لاَ يُذْكَرُ. فِي خِيَانَتِهِ الَّتِي خَانَهَا وَفِي خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا يَمُوتُ. 25- «وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً. فَاسْمَعُوا الآنَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: أَطَرِيقِي هِيَ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ؟ أَلَيْسَتْ طُرُقُكُمْ غَيْرَ مُسْتَوِيَةٍ؟ 26- إِذَا رَجَعَ الْبَارُّ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْمًا وَمَاتَ فِيهِ، فَبِإِثْمِهِ الَّذِي عَمِلَهُ يَمُوتُ.
27- وَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ شَرِّهِ الَّذِي فَعَلَ، وَعَمِلَ حَقًّا وَعَدْلاً، فَهُوَ يُحْيِي نَفْسَهُ. 28- رَأَى فَرَجَعَ عَنْ كُلِّ مَعَاصِيهِ الَّتِي عَمِلَهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. 29- وَبَيْتُ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً. أَطُرُقِي غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ أَلَيْسَتْ طُرُقُكُمْ غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ؟ 30- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، كُلِّ وَاحِدٍ كَطُرُقِهِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. تُوبُوا وَارْجِعُوا عَنْ كُلِّ مَعَاصِيكُمْ، وَلاَ يَكُونُ لَكُمُ الإِثْمُ مَهْلَكَةً. 31- اِطْرَحُوا عَنْكُمْ كُلَّ مَعَاصِيكُمُ الَّتِي عَصَيْتُمْ بِهَا، وَاعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا وَرُوحًا جَدِيدَةً. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ 32- لأَنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَارْجِعُوا وَاحْيَوْا.
ع21: يعلن الله حقيقة أخرى، وهى أن الشرير إن رجع عن شره يقبله الله، ويسامحه، ويرفع عنه عقوبة خطاياه، وهى الهلاك الأبدى، ويهبه حياة أمامه، فيتمتع بعشرة الله، وينتظره ملكوت السموات.
ع22: يمسح الله كل شروره، فيبقى له البر الذى يفعله، فيحيا فيه أمام الله إلى الأبد. وهذا بالطبع فى حالة التائب الحقيقى، الذى رفض الخطية مهما طال زمانها، مثل اللص اليمين، فهى ليست فقط لحظة توبة، فينال بها ملكوت السموات، ولكنها توبة حقيقية رفض فيها الشر تماماً، وطلب البر، فيكافئه الله بالحياة الأبدية.
ع23: هذه الحقيقة المعلنة فى الآيتين السابقتين تظهر مدى محبة الله الذى يريد أن “الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تى2: 4). فهو يريد رجوع جميع الأشرار عن شرورهم، فيكافئهم بالحياة الأبدية. فالله يفرح برجوع الخاطئ، ويحزن لإصرار الكثيرين على شرورهم.
ع24: يعلن الله حقيقة أخرى، وهى عكس السابقة، وهى أن الذى يحيا فى البر إن رجع عن بره وسلك فى الشر، فإن بره الأول لا يحسب له، ويهلك هلاكاً أبدياً. وهذا معناه ضمنياً أن بره الأول كان ظاهرياً، ونتيجة بعض الظروف المحيطة، ولكن ليس من قلبه، لذا رجع عنه وعاش فى الشر وأصر عليه. بل يُجازى بعذاب أكثر من غيره؛ لأنه اختبر البر لفترة من حياته، فلماذا تركه؟ خاصة بعد أن سلك فى الشر وفقد بركة الله فى حياته وفقد سلامه الداخلى. فلماذا لم يرجع ؟ إنها خيانة كبيرة لله الذى أحبه وأعطاه فرصة أن يحيا فى البر، ولكنه إن كان قد خان الله وسلك فى الشر، ثم عاد بتوبة إليه وسلك فى البر، فإن الله يقبله، كما أوضح ذلك فى (ع21، 22).
ع25: إدعى وظن شعب الله أن الله يجازى البار شراً لأجل أبيه الشرير، والشرير خيراً لأجل أبيه البار. وعلى هذا الكلام الخاطئ اتهموا الله بعدم العدل، أى أن طرقه غير مستوية. ويرد الله أنه عادل، أما هم فطرقهم، أى أفكارهم وسلوكهم هى غير مستقيمة؛ لأجل تمسكهم بأفكارهم الخاطئة، التى تنحرف بأعمالهم، فيتمادوا فى الشر اعتماداً على بركة آبائهم، أو ييأسوا فى حالة الآباء الأشرار، فيتمادوا فى الشر أيضاً.
ع26: يؤكد هنا ما قاله فى (ع24)، وهو أن البار إن رجع عن بره وسلك فى الشر وأصر عليه، فإنه يهلك مهما كانت مدة بره؛ لأنه كان ظاهرياً، كما فى حالة يهوذا الاسخريوطى. وكذلك فى حالة من يترك البر، ويسير فترة طويلة فى الشر، مثل شاول الملك، الذى بدأ حسناً خاضعاً لله وصموئيل، ولكنه تكبر وسلك فى الشر حتى نهاية حياته.
ع27، 28: يؤكد الله ما قاله سابقاً، وهو أن الشرير إن تاب فإن الله يقبل توبته، فيستعيد حياته الأبدية فى الملكوت، وبهذا ينجو من الهلاك الأبدى. يعتمد كل هذا على مراجعته لنفسه، التى يرى فيها خطورة شروره فيتركها، ويرجع إلى الله، فينجى نفسه من الهلاك.
ع29: يؤكد الله هنا عدله وشر شعبه كما شرحنا فى (ع25).
ع30: لا يكون لكم الإثم مهلكة : لا تنالوا هلاكاً أبدياً بسبب شروركم.
يعلن الله أن كل إنسان سينال مجازاة ما فعل خيراً، أو شراً. وبالتالى يدعو شعبه للتوبة، وترك الشر؛ حتى ينجو من الهلاك.
ع31: يستمر الله فى دعوة شعبه للتوبة لترك شرورهم، والبدء الجديد مع الله بقلوب نقية ترغب فى الحياة معه، وبهذا ينجون أنفسهم من الموت الأبدى. وهنا تظهر رحمة الله الذى ينذر شعبه فى (ع30) حتى لا يهلكوا، ويدعوهم فى هذا العدد ليتمتعوا بالحياة فيه.
ع32: الخلاصة يظهرها فى هذه الآية، وهى رحمة الله ومحبته التى تجعله يريد خلاص الكل، ويحزن لهلاك الأشرار، وبالتالى يدعو شعبه للتوبة، فيجدوا حياتهم فيه. إن التوبة هى طريق الحياة لنا يا أخى مهما كانت شرورنا، فليتك تسرع إليها كل يوم لتغسل نفسك من كل شر، وتتمتع برحمة الله الذى يلح في طلب خلاصك؛ ليمتعك بملكوت السموات معه.