دعوة حزقيال للخدمة
(1) إرساليته لشعب الله المتمرد (ع1-7):
1- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، قُمْ عَلَى قَدَمَيْكَ فَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ».2- فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي، وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ فَسَمِعْتُ الْمُتَكَلِّمَ مَعِي.3- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَا مُرْسِلُكَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى أُمَّةٍ مُتَمَرِّدَةٍ قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ. هُمْ وَآبَاؤُهُمْ عَصَوْا عَلَيَّ إِلَى ذَاتِ هذَا الْيَوْمِ.4- وَالْبَنُونَ الْقُسَاةُ الْوُجُوهِ وَالصِّلاَبُ الْقُلُوبِ، أَنَا مُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ. فَتَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ.5- وَهُمْ إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ، فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيًّا كَانَ بَيْنَهُمْ.6- أَمَّا أَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَلاَ تَخَفْ مِنْهُمْ، وَمِنْ كَلاَمِهِمْ لاَ تَخَفْ، لأَنَّهُمْ قَرِيسٌ وَسُلاَّءٌ لَدَيْكَ، وَأَنْتَ سَاكِنٌ بَيْنَ الْعَقَارِبِ. مِنْ كَلاَمِهِمْ لاَ تَخَفْ وَمِنْ وُجُوهِهِمْ لاَ تَرْتَعِبْ، لأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ.7- وَتَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ بِكَلاَمِي، إِنْ سَمِعُوا وَإِنِ امْتَنَعُوا، لأَنَّهُمْ مُتَمَرِّدُونَ.
ع1: بعد أن رأى حزقيال عرش الله العظيم فى الرؤية والذى تحمله الأربعة حيوانات غير المتجسدين، تعجب جداً؛ ومن عظمة المنظر سقط على وجهه، فسمع صوت الله يناديه ويأمره أن يقوم ويعطيه قوة للقيام، حتى يكون مستعداً للعمل. وهكذا تحول من الحزن بسبب عجزه عن العمل الكهنوتى؛ لابتعاده عن الهيكل إلى ممارسة عمله النبوى العظيم بأمر الله.
ويناديه يا ابن آدم؛ ليتضع، فرغم رؤيته لعظمة الله لا يتكبر ويعلم أنه مجرد إنسان، وقد دُعى ابن آدم 85 مرة خلال هذا السفر. وهو يرمز للمسيح الذى كان يدعى ابن الإنسان.
وهكذا تمتع بسماع صوت الله والتحدث معه وهو أسمى شئ فى العالم.
ع2: هنا يعطيه الله قوة لينفذ أمره بالقيام، إذ دخل فيه الروح القدس؛ ليعطيه قوة للقيام، بل أيضاً قوة لسماع وفهم صوت الله المتكلم معه، فعندما تكلم الله أعطاه فى نفس الوقت قوة الروح القدس؛ لتنفيذ أمره بالقيام.
إقبل وصايا الله مهما بدت صعبة، واثقاً أنه يعطيك القوة لتنفيذها، فتتمتع بعمل الروح القدس فيك وتنعم ببركات الوصية فى حياتك، وتسير بخطى واسعة فى طريق الملكوت.
ع3: أظهر الله لحزقيال صعوبة الإرسالية؛ لأن بنى إسرائيل قساة القلوب يرفضون سماع صوت الله ويتمردون عليه، فهم مصرون على التمرد.
ولكن رغم صعوبة الإرسالية فلا خوف منها؛ لأن الله هو الذى يرسله وبالتالى يعطيه القوة للقيام بها.
ع4: يؤكد هنا أن الشعب قاسى القلب؛ لأنهم أبناء الآباء قساة القلوب.
ع5: يعلن الله لحزقيال أنه إن سمع الشعب لنبوته سيتوبون وينالون بركات الله. وبهذا يؤمنون بأنه نبى الله. وإن رفضوا سماع نبوته ولم يتوبوا، ستأتى عليهم الويلات، فيعرفون أيضاً أنه نبى الله. ففى الحالتين سيعرفون أنه نبى.
ولم يقل الله أنهم سيتمردون؛ حتى لا يعتمدوا على هذا ويقولوا، أن الله قد قال، فيخطئون ويتمادون فى شرهم ولكن نفهم هنا أنه بسابق علم الله يعرف أنهم سيتمردون.
ع6: قريس : هو القريص وهو العوسج، الذى هو نبات شوكى، أشواكه سامة وينمو فى البرارى المهجورة.
سلاء : شوك النخل.
ينبه الله حزقيال أن شعبه متمرد وسيرفض كلامه، ويشبههم بالنباتات الشوكية، مثل القريس والسُلاء، التى تؤذى من يلمسها، وبالعقارب التى تحاول قتل من يقترب إليها، ومع هذا يشجعه، حتى لا يخاف منهم ويعلن صوت الله لهم، مهما كان رفضهم وعصيانهم، معتمداً على أن الله هو الذى أرسله، فهو يعطيه القوة لإتمام خدمته. والله ينبهه للآلام التى ستقابله؛ حتى لا ينزعج منها ويثق أن الله الذى أنبأه بها سيسنده فيها.
ع7: يكرر الله أهمية الاستمرار فى خدمته، سواء استجاب الشعب لكلامه، أو رفضوه، ففى الحالتين يستمر يتكلم، فهذه أمانة فى خدمته، التى يقدمها لله، بغض النظر عن وجود ثمار لخدمته.
(2) طاعة النبى (ع8-10):
8- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَاسْمَعْ مَا أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهِ. لاَ تَكُنْ مُتَمَرِّدًا كَالْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ. افْتَحْ فَمَكَ وَكُلْ مَا أَنَا مُعْطِيكَهُ».9- فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِيَدٍ مَمْدُودَةٍ إِلَيَّ، وَإِذَا بِدَرْجِ سِفْرٍ فِيهَا.10- فَنَشَرَهُ أَمَامِي وَهُوَ مَكْتُوبٌ مِنْ دَاخِل وَمِنْ قَفَاهُ، وَكُتِبَ فِيهِ مَرَاثٍ وَنَحِيبٌ وَوَيْلٌ.
ع8: البيت : بيت إسرائيل، أى شعب الله.
الله بأبوته خشى على نبيه حزقيال أن يتأثر بتمرد الشعب ورفضهم كلام الله، فييأس ولا يطيع الله، فيمسك عن إعلان النبوة. ولذا حذره أن لا يكون متمرداً مثلهم، بل يظل يعلن صوت الله لهم؛ لعل البعض يطيعون ولو قليلين وبهذا يكون الله قد أعطاهم كل الفرص للتوبة.
وطلب منه أن يأكل ما سيعطيه له، حتى لو بدا صعباً، كما سيظهر فى الآيتين التاليتين، فهنا تظهر طاعة النبى.
كن مطيعاً لوصايا الله، حتى وإن بدت صعبة، واثقاً أن فيها خيرك، بل لا يوجد خير إلا من خلالها وثق أيضاً أن معونة الله ستساندك، فيصبح تنفيذ الوصية ميسوراً لك، بل وتتمتع أيضاً بفرح عشرة الله ووجوده معك.
ع9: درج سفر : ورقة كبيرة ملفوفة مكتوب فيها رسالة أى كتاب، فالدرج يقابل الكتاب اليوم.
رأى حزقيال يد ممدودة إليه، هى يد مرسلة من الله، قد تكون يد ملاك، أو أى إعلان إلهى. وفى اليد درج مكتوب فيه رسالة من الله.
واليد الممدودة معناها أن الله يمد يده بالمحبة لحزقيال، فهذا يسانده، ومن جهة أخرى إن تهاون، أو رفض التجاوب مع هذه اليد، يكون متمرداً ويستحق العقاب.
ع10: نشره : أى فتح الدرج الملفوف، فصار شريحة طويلة من الورق مكتوب عليها.
قفاه : الوجه الآخر للورقة، أو الجلد، أو أية مادة مكتوب عليها.
مراثٍ : كلمات تعبر عن الحزن.
نحيب : بكاء بصوت مسموع.
نشر الله – عن طريق اليد – هذا الدرج، أى فتحه، فظهر أنه يحوى كلمات حزينة وتهديدات بالعقاب الإلهى، بسبب تمرد الشعب. ووجد أن السفر مكتوب من الأمام ومن الخلف وهذا يعنى :
- كلام الله له معانٍ ظاهرة وله معانٍ مختفية عميقة، يظهرها الله لأتقيائه.
- كلام الله مكتوب فى الأسفار المقدسة ولكنه يختفى فى حياة أولاد الله، الذين يعيشون بالكلمة.
- وجه الدرج عليه خطايا الشعب، وقفاه عليه التأديبات التى تأتى عليهم ليتوبوا. والله يقصد أن نبيه يعيش بكلامه ويطبقه فى حياته؛ فيستطيع حينئذ أن يكلم الشعب عنه، فأكل الدرج معناه دخول كلمة الله إلى أعماق الإنسان، فيتأثر بها ويسلك بمقتضاها.