مغادرة الله لأورشليم وأسبابه
(1) مثل اللحم والقدر (ع1-12):
1- ثُمَّ رَفَعَنِي رُوحٌ وَأَتَى بِي إِلَى بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرْقِيِّ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَإِذَا عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلاً، وَرَأَيْتُ بَيْنَهُمْ يَازَنْيَا بْنَ عَزُورَ، وَفَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا رَئِيسَيِ الشَّعْبِ.
2- فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هؤُلاَءِ هُمُ الرِّجَالُ الْمُفَكِّرُونَ بِالإِثْمِ، الْمُشِيرُونَ مَشُورَةً رَدِيئَةً فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ.
3- اَلْقَائِلُونَ: مَا هُوَ قَرِيبٌ بِنَاءُ الْبُيُوتِ! هِيَ الْقِدْرُ وَنَحْنُ اللَّحْمُ. 4- لأَجْلِ ذلِكَ تَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ. تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ». 5- وَحَلَّ عَلَيَّ رُوحُ الرَّبِّ وَقَالَ لِي: «قُلْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هكَذَا قُلْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، وَمَا يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ قَدْ عَلِمْتُهُ. 6- قَدْ كَثَّرْتُمْ قَتْلاَكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ وَمَلأْتُمْ أَزِقَّتَهَا بِالْقَتْلَى.
7- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: قَتْلاَكُمُ الَّذِينَ طَرَحْتُمُوهُمْ فِي وَسْطِهَا هُمُ اللَّحْمُ وَهِيَ الْقِدْرُ. وَإِيَّاكُمْ أُخْرِجُ مِنْ وَسْطِهَا. 8- قَدْ فَزِعْتُمْ مِنَ السَّيْفِ، فَالسَّيْفُ أَجْلِبُهُ عَلَيْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
9- وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ وَسْطِهَا وَأُسَلِّمُكُمْ إِلَى أَيْدِي الْغُرَبَاءِ، وَأُجْرِي فِيكُمْ أَحْكَامًا. 10- بِالسَّيْفِ تَسْقُطُونَ. فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 11- هذِهِ لاَ تَكُونُ لَكُمْ قِدْرًا، وَلاَ أَنْتُمْ تَكُونُونَ اللَّحْمَ فِي وَسْطِهَا. فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ، 12- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي لَمْ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِهِ، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهِ، بَلْ عَمِلْتُمْ حَسَبَ أَحْكَامِ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ».
ع1-3: هذه رؤيا أخرى، يراها حزقيال فى الهيكل، إذ رفعه روح الله فى الهواء، ووضعه عند الباب الشرقى الرئيسى للهيكل. وهناك رأى خمسة وعشرين رجلاً من رؤساء الشعب، يذكر إثنين منهما بالتحديد، وقد يكون ذلك لأنهما أكثر شهرة. فقد كانت أورشليم مقسمة أربعة وعشرين قسماً، فوقف الرؤساء الأربعة والعشرون ورئيسهم، أى خمسة وعشرون رئيساً، وهم بخلاف الخمسة والعشرين كاهناً، المذكورين فى (ص8: 16). ووجهت التهمة للكهنة، بتنجيس الهيكل، أما الرؤساء فتهمتهم تضليل الشعب.
ع2، 3: للأسف انساق رؤساء الشعب هؤلاء فى تضليل المدينة، بدلاً من أن يقودوهم نحو الله. وتعجبوا من نبوات إرميا، ثم حزقيال عن خراب أورشليم، والهجوم البابلى. وقد تعجبوا؛ لأن المنطق يعلن أنهم قد بنوا بيوتاً جديدة فى المدينة، فكيف تنهدم؛ بل ظنوا أن أورشليم مدينة الله وهيكلها يحميهم من أى شر، أو اعتداء، وهم كاللحم وسط القدر، يحميهم من الانسكاب على الأرض، أو أية مشاكل. فلو كانت المدينة ستهدم، لما سمح لهم الله ببناء بيوتاً جديدة، منذ فترة قريبة، ونسوا أن الله يحفظهم، إذا سلكوا بالبر، وليس بعبادتهم الشكلية لله فى هيكله. وكانوا يظنون أنهم محصنون داخل أورشليم، كاللحم داخل القدور. ولأن اللحم ساخن جداً، فمن يحاول أن يمد يده ستحرقه النار، أى لا يستطيع أى عدو الاعتداء عليهم. وقد أخذوا مثل القدر من رؤيا إرميا المذكورة (أر1: 13) ولكن فسروها بحسب أفكارهم وليس فكر الله.
ع4، 5: تكلم الله مع حزقيال؛ ليعلن للشعب أنه يعرف أفكارهم، التى فى قلوبهم، أو رددوها فيما بينهم.
ع6: أزقتها : شوارع صغيرة ضيقة وهى جمع زقاق.
يعاتب الله هؤلاء الرؤساء، لأن بمشورتهم الردية وطمأنتهم الكاذبة للشعب، جعل الكثيرين يسقطون قتلى بيد بابل، بالإضافة إلى ظلمهم بعضهم لبعض، فأساءوا لبعضهم إساءات، هى فى مكانة القتل.
ع7: يستخدم الله نفس المثل الذى استخدمه اليهود وهو اللحم والقدر. فيقول لهم إن قتلاهم فى أورشليم، الذين ستقتلهم بابل هم اللحم، وأورشليم هى القدر، أى أن القدر يحوى موتى ولايحمى أحداُ. أما باقى الأحياء، فتقبض عليهم بابل وتأخذهم سبايا. فقوة المدينة لا تحمى من فيها؛ لأن الله فقط، هو الذى يحمى أولاده، إن اتكلوا عليه وأطاعوا وصاياه.
وكما طردوا الله بشرورهم من هيكله هكذا يسمح الله أن يخرجوا من أورشليم مدينتهم، عبيداً مسبيين إلى بابل.
ع8: يهدد الله شعبه، الذى خاف من سيف جيش بابل وعصى الله ورفض أن يخضع لبابل، كما أمره الله؛ لذلك يسمح الله أن يدخل جيش بابل ويقتل الكثيرين ويسبى الباقين.
ع9: يستكمل الله كلامه، فيعلن أنه سيخرج شعبه من أورشليم، مسبيين وخاضعين لبابل. ويسمح بأحكام فيهم، أى تأديبات، فيذلهم البابليون، لعل كل هذا يقودهم للتوبة.
ع10: تُخم : حدود.
سيقتل جيش بابل الكثير من اليهود داخل حدود بلادهم، مثلما قتل نبوخذنصر رؤساء أورشليم فى ربلة، التى على حدود بلادهم (2مل25: 18-21). وعندما تتم هذه الأحداث، يعلمون أن كلام الله صادق الذى أعلنه على فم حزقيال، لعلهم يؤمنون به، ويرفضون عبادة أوثان الأمم الباطلة.
ع11: يؤكد الله هنا بطلان أفكارهم، من جهة حماية أورشليم لهم، التى شبهوها بالقدر، الذى يحميهم، وشبهوا أنفسهم باللحم، الذى داخل القدر، ولا يستطيع أحد أن يلمسه من أجل ارتفاع حرارته. فيحدث العكس، أى يقتلهم جيش بابل فى حدود بلادهم، أى داخل القدر، الذى يعجز أن يحميهم؛ لأن الله أمر بتأديبهم.
ع12: عندما تتم هذه الأحداث، يشعر شعب الله بخطاياهم فى حقه؛ لأنهم رفضوا وصاياه، وعبدوا الأوثان، وخضعوا لها ولتعاليم الوثنيين.
إعلم أن القوة التى تحميك هى الله وحده، بالتوبة والخضوع لوصاياه، وليست قوى العالم، التى يعتمد عليها كل من حولك، مثل المركز والمال والعلاقات.
(2) معاقبة الأشرار ومكافأة الأبرار (ع13-21):
13- وَكَانَ لَمَّا تَنَبَّأْتُ أَنَّ فَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا مَاتَ. فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، هَلْ تُفْنِي أَنْتَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ؟». 14- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً:
15- «يَا ابْنَ آدَمَ، إِخْوَتُكَ ذَوُو قَرَابَتِكَ، وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بِأَجْمَعِهِ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ: ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ. لَنَا أُعْطِيَتْ هذِهِ الأَرْضُ مِيرَاثًا. 16- لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَبْعَدْتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَدَّدْتُهُمْ فِي الأَرَاضِي، فَإِنِّي أَكُونُ لَهُمْ مَقْدِسًا صَغِيرًا فِي الأَرَاضِي الَّتِي يَأْتُونَ إِلَيْهَا. 17- لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَجْمَعُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَحْشُرُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَبَدَّدْتُمْ فِيهَا، وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. 18- فَيَأْتُونَ إِلَى هُنَاكَ وَيُزِيلُونَ جَمِيعَ مَكْرُهَاتِهَا، وَجَمِيعَ رَجَاسَاتِهَا مِنْهَا. 19- وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ، 20- لِكَيْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَيَحْفَظُوا أَحْكَامِي وَيَعْمَلُوا بِهَا، وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا. 21- أَمَّا الَّذِينَ قَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ قَلْبِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ، فَإِنِّي أَجْلِبُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع13: بعد نبوة حزقيال المذكورة فى الأعداد السابقة من هذا الأصحاح، أعلن الله فساد المشورة الخاطئة، التى ينادى بها رؤساء أورشليم، بأن الأمان هو فى البقاء داخل أورشليم وليس الخضوع لبابل، كماأمر الرب. وأظهر الله خطأ مشورتهم، بموت أحد الرؤساء المشهورين بينهم، وهو فلطيا بن بنايا، وذلك لتأكيد كلامه على فم حزقيال.
وكان من المتوقع أن يفرح حزقيال بتأكيد نبوته، ولكنه حزن وعاتب الله، عندما مات فلطيا، وقال له : هل ستهلك باقى الرؤساء وشعبك فى أورشليم ؟ وهنا تظهر أبوة حزقيال وإشفاقه على شعبه، مهما كانت خطاياهم، فهو يتمنى توبتهم ورجوعهم إلى الله قبل موتهم. ولكن الله فاحص القلوب، يعلم أن فلطيا مُصر على الشر، مثل فرعون أيام موسى؛ لذا سمح بموته. وحزقيال هنا يشبه إبراهيم، عندما تشفع فى سدوم، حتى لا يهلكها الله، لعل فيها أبراراً ولو عشرة، ولكن للأسف لم يوجد (تك18: 23-32). وكان قصد الله من موت فلطيا، إنذار باقى الرؤساء والشعب؛ للرجوع عن أفكارهم الباطلة، والخضوع لكلام الله ووصاياه، والإستسلام للسبى البابلى.
ع14، 15: “أخوتك، اخوتك ذو قرابتك” : المسبيون من مملكة يهوذا مع حزقيال بيد بابل “وكل بيت إسرائيل بأجمعه” : المسبيون من مملكة إسرائيل بيد أشور قبل السبى البابلى.
من العجيب أن يفرح الباقون فى أورشليم بعد سبى بعض سكان أورشليم والذين كان بينهم حزقيال. فقالوا لحزقيال والمسبيين معه من يهوذا وإسرائيل بأن ابتعادهم عن هيكل الرب بأورشليم، هو فائدة للباقين فى أورشليم؛ ليرثوا وحدهم الأرض ويتمتعوا بخيراتها، إذ ظنوا أنهم أفضل ممن تم سبيهم، وأن الله فضلهم وأعطاهم وحدهم أن يرثوا أرض الميعاد. وهذاعكس فكر الله، الذى أراد تأديب شعبه بالسبى للكثيرين، وإذلال الباقين فى أورشليم؛ حتى يتوب الكل. فللأسف مازال يعتقد الباقون فى أورشليم أن وجود الهيكل وبقاءهم فى أورشليم سيحميهم، غير عالمين أن الله سيؤدبهم أكثر ممن تم سبيهم، إذ ستحرق المدينة والهيكل ويُقتل الكثيرون منهم بيد بابل.
وكلام الباقين فى أورشليم يبين مدى أنانيتهم، فى شهوتهم لامتلاك الأرض كلها، وسلب حقوق إخوتهم المسبيين فى ميراث الأرض.
ع16: مقدساً : مكان مقدس يسكن فيه الله، أى مكان حلول الله.
يبدأ هنا الله إظهار تميز المسبيين المؤمنين والخاضعين لأوامر الله عن الباقين فى أورشليم، ذوى الأفكار الخاطئة. ويعلن أن القداسة ليست بالسكن بجوار الهيكل؛ لأن الله فارقه؛ بسب شرور شعبه وتدنيسهم للهيكل بعبادة الأوثان. وفى نفس الوقت يصير الله مقدساً بين المسبيين وذلك بما يلى :
- يحل فى وسط شعبه المسبى ويعزيهم ويباركهم.
- يظهر عرشه فى الرؤى، التى رآها حزقيال وهو فى السبى (ص1، ص10).
- بسكناه فى قلوب المؤمنين به، فيصيرون هيكلاً له ومقدساً، يشع منه نور الله لمن حوله.
ع17: يعد الله شعبه المسبى بإعادته من السبى، بأعداد كبيرة إلى أورشليم واليهودية؛ لذا يذكر كلمة “أحشركم” أى ستمتلئ أورشليم بشعبها.
ع18: مكرهاتها : الأصنام التى يكرهها الله.
رجاساتها : كل أشكال العبادة الوثنية.
عند عودة الشعب من السبى يزيلون من أورشليم وما حولها عبادة الأوثان وكل ما يتصل بها. وهذا يحدث عند عودة الإنسان إلى الله بالتوبة، فيتخلص من كل أشكال الشر التى كان يحيا فيها، من أصدقاء أشرار وصور وكتب وكل شئ معثر.
ع19: من بركات الرجوع من السبى التخلص من انقسام اليهود إلى مملكتين، هما مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا. فعند عودة اليهود يصيرون مملكة واحدة وشعباً واحداً، بل يصيرون ليس فقط قلباً واحداً، بل قلباً جديداً نقياً يتمسك بالله ويرفض الشر. ويكون قلبهم حياً ينبض بحب الله، ويتخلص من كل قساوة يشير إليها بالحجر، ويعطيهم قلباً لحمياً، أى مملوءً حيوية روحية. كان آدم قديماً يحمل قلباً لحمياً، مكتوباً فيه وصايا الله، بواسطة الضمير، ولكن عندما انحرف الضمير بسقوط الإنسان، إحتاج إلى كتابة الوصايا على ألواح حجرية. أما فى العهد الجديد إذ يعمل الروح القدس فى القلب، يستعيد لحميته ويصير كلام الله فى قلب الإنسان وفى سلوكه.
كل هذه الآيات تنطبق على الرجوع من السبى، وهذا هو المعنى القريب للنبوة، أما التطبيق البعيد للنبوة فهو الرجوع لله فى الإيمان بالمسيح والحياة الواحدة فى الكنيسة، ثم يكمل عمل الروح القدس فى الإنسان، عندما يمجد الله كشعب واحد فى الملكوت الأبدى.
نلاحظ أنه يتكلم بصيغة الغائب فيقول أعطهم .. لحمهم .. أعطيهم، ولكن عند كلامه عن الروح الجديدة يتكلم بصيغة المخاطب “اجعل فى داخلكم”؛ لأن خلقه روح جديدة شئ عظيم جداً يهبه الله للمؤمنين به كما يقول المرنم “قلباً نقياً إخلق فىَّ يا الله” (مز51: 10).
ع20: فرائضى : العبادة المقدمة لله.
أحكامى : وصاياى وشريعتى.
الحياة الجديدة التى سيحياها الراجعون من السبى تشمل سلوكاً بحسب وصايا الله، وعبادة مقدسة، وخضوع لله، وتمتع بأبوة الله ورعايته لشعبه.
“يسلكوا فى فرائضى” : يقدمون طقوس العبادة الروحانية لله فى هيكله.
“ويحفظوا أحكامى” : يؤمنون بوصاياى ويتأملون فيها.
“يعملوا بها” : السلوك بحسب وصايا الله.
“يكونوا لى شعباً” : الإيمان والخضوع لله والالتصاق به.
“فأنا أكون لهم إلهاً” : حينئذ يتمتعون بكل بركات الرعاية الإلهية وأبوة الله لهم، ما داموا قد صاروا بنيناً خاضعين له.
ع21: من ناحية أخرى الذين سيرفضون الإيمان بالله والعودة من السبى والحياة الجديدة مع الله، ويعيشون فى عبادة الأوثان والشهوات الشريرة، سيعاقبهم الله بحسب طرقهم الردية؛ لأنهم تعلقوا بالشر ورفضوا الله.
إن أحضان الله مفتوحة لك، يريد أن ينقذك من شرور العالم ويقبل توبتك، مهما كانت خطاياك، ومهما كنت بعيداً عنه ويجدد حياتك، فتتمتع بحبه ورعايته، فلا تتوانى، بل أسرع بالرجوع إليه والالتصاق بكنيسته.
(3) الرب يترك أورشليم (ع22-25):
22- ثُمَّ رَفَعَتِ الْكَرُوبِيمُ أَجْنِحَتَهَا وَالْبَكَرَاتِ مَعَهَا، وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ.
23- وَصَعِدَ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ عَلَى وَسْطِ الْمَدِينَةِ وَوَقَفَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ.
24- وَحَمَلَنِي رُوحٌ وَجَاءَ بِي فِي الرُّؤْيَا بِرُوحِ اللهِ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ، فَصَعِدَتْ عَنِّي الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا. 25- فَكَلَّمْتُ الْمَسْبِيِّينَ بِكُلِّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي أَرَانِي إِيَّاهُ.
ع22: رأى حزقيال فى الرؤيا الكروبيم، الذى يحمل عرش الله، بدأ يتحرك وظهر فى حركة أجنحة الملائكة، وبدأت ترتفع فوق الأرض وتتبعها البكرات، التى هى عمل هذه الملائكة على الأرض، أى أن مجد الله بدأ يرتفع ويبتعد عن الأرض.
ع23: لاحظنا قبلاً أن مجد الرب كان فى هيكله، ثم تحرك ووقف على عتبة البيت (ص10: 4)، ثم تحرك إلى الباب الشرقى للبيت (ص10: 18)، ثم فارق البيت، لكنه ظل داخل أورشليم. وهنا نجد مجد الله يفارق مدينته أورشليم تماماً ويذهب إلى الجبل الشرقى الذى بجوار المدينة وهو المسمى جبل الزيتون، أى أن الله – بسبب الشرور التى صنعها شعبه فى هيكله وفى مدينته أورشليم – اضطر أن يتخلى عنهم تأديباً لهم، لعلهم يتوبون. ولكنه فى حزن يقف على الجبل الشرقى ينظر إلى المدينة والهيكل الذى سيخرب ويحترق نتيجة عصيان شعبه. ولعل هذا يذكرنا بكلمات المسيح، وهو جالس على جبل الزيتون مع تلاميذه، يعلن لهم أن الهيكل والمدينة سيخربان (لو19: 41-44).
إن الله يحبك ويريد أن يسكن فى داخلك إلى الأبد؛ ليمتعك بمجده فى ملكوت السموات. ولكنك بخطاياك، وإصرارك عليها، وتهاونك تغيظ الله وتتحداه، فيضطر بحزن أن يتخلى عنك، وحينئذ تتعرض لحروب شديدة من إبليس. فكن حكيماً وأسرع إلى التوبة إذا أخطأت. وتمسك بصلواتك وقراءاتك واثبت فى الكنيسة وأسرارها، فتضمن بقاء الله فيك؛ ليحميك ويدافع عنك.
ع24، 25: بعد أن رأى حزقيال رؤياه هذه ، أعاده روح الله من أورشليم إلى مكانه على نهر خابور بجوار بابل، حيث يقيم بين المسبيين. وأخبرهم بكل ما رآه فى الرؤيا؛ ليعزى قلوبهم، معلناً أن الله فى وسطهم، إن كانوا يطيعون وصاياه، فى حين أنه سيترك هيكله ومدينته أورشليم؛ بسبب شرور شعبه. فالله يبحث عن أولاده المطيعين الأتقياء؛ ليمتعهم بحضرته وعشرته.