حلق شعر حزقيال
(1) حلق شعر الرأس والذقن (ع1-4):
1- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ سِكِّينًا حَادًّا، مُوسَى الْحَلاَّقِ تَأْخُذُ لِنَفْسِكَ، وَأَمْرِرْهَا عَلَى رَأْسِكَ وَعَلَى لِحْيَتِكَ. وَخُذْ لِنَفْسِكَ مِيزَانًا لِلْوَزْنِ وَاقْسِمْهُ، 2- وَأَحْرِقْ بِالنَّارِ ثُلُثَهُ فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ إِذَا تَمَّتْ أَيَّامُ الْحِصَارِ. وَخُذْ ثُلُثًا وَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ حَوَالَيْهِ، وَذَرِّ ثُلُثًا إِلَى الرِّيحِ، وَأَنَا أَسْتَلُّ سَيْفًا وَرَاءَهُمْ. 3- وَخُذْ مِنْهُ قَلِيلاً بِالْعَدَدِ وَصُرَّهُ فِي أَذْيَالِكَ. 4- وَخُذْ مِنْهُ أَيْضًا وَأَلْقِهِ فِي وَسْطِ النَّارِ، وَأَحْرِقْهُ بِالنَّارِ. مِنْهُ تَخْرُجُ نَارٌ عَلَى كُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ.
ع1: يقدم هنا نبوة رابعة، يستخدم فيها الله شخص حزقيال، كمثال أمام الشعب، فقد أكل الدرج قبلاً، ثم نام على جنبه وبعد ذلك أكل وشرب بالوزن.
وحلق الشعر والذقن يرمز إلى :
- الرأس هو المسيح والشعر يرمز للمؤمنين الثابتين فيه، فحلق الشعر يعنى انفصال شعب الله عنه بالخطية.
- الشعر والذقن ترمز للكرامة، فكانوا يحلقون شعر العبيد، أو الملوك عند أسرهم. وهنا يرمز حلق الشعر لفقدان الكرامة، إذ ابتعدوا عن الله مصدر مجدهم وكرامتهم.
- كان الكهنة والنذيرون لا يحلقون شعورهم، فحلق الشعر معناه فقدان التكريس والحب لله بسبب الخطية، كما حدث مع شمشون عند حلق شعره، ففقد قوته وصار ذليلاً بسبب شهوة النساء. ومعنى ذلك عدم وجود كهنة ومكرسين فى شعب الله، أى أنه يرفض عبادتهم وذبائحهم، فليس من يقدمها.
- يرمز حلق الشعر إلى الحزن على الموتى، كما كانت تفعل الأمم، وها هى أورشليم ميتة بسبب الخطية ومدمرة ومحروقة وأهلها حزانى عليها.
- قام حزقيال بحلق شعره بنفسه، رمزاً لأن شعب الله انفصلوا عنه بإرادتهم.
- أمره الله أن يستخدم سكيناً حادة، إشارة لعنف المعركة وقسوة الهجوم البابلى على أورشليم.
- أمره أن يزن الشعر المحلوق وسيجده خفيفاً، رمزاً لضعف شعب الله كما قيل عن بلشاصر ملك بابل أنه عند وزنه وجد ناقصاً (دا5: 27).
- الميزان يعنى أن الله يقيس ويقيم أعمال الإنسان بدقة، فينتج عن هذا ضرورة اهتمام الإنسان بكل أعماله من نحو الله.
ع2: أمره الله أن يقسم الشعر المحلوق إلى ثلاثة أجزاء، يحتفظ بالثلث الأول؛ ليحرقه عند كمال حصار أورشليم بيد بابل، ثم اختراقهم للمدينة؛ ليحرقونها، فيحرق هنا هذا الجزء من الشعر، رمزاً لحرق أورشليم وموت بعض سكانها حرقاً. وإذا سأله المسبيون لماذا تحتفظ بهذا الثلث ؟ يقول لهم أنه سيحرقه عند حرق أورشليم؛ لعلهم يتوبون.
والثلث الثانى، فأمره أن يضربه بالسيف فى وسطه وحواليه، كما سيضرب جيش بابل شعب أورشليم بالسيف.
أما الثلث الثالث، فيلقيه ليتطاير مع الرياح، رمزاً لتشتيت بنى إسرائيل بالسبى ونقلهم إلى بلاد العالم المختلفة والتى تسيطر عليها بابل.
ثم يؤكد الله فى نهاية هذه الآية، أنه سيظل يضرب بسيفه شعب الله، أى سيسمح لهم بالضيقات المتوالية حتى يرجعوا إليه بالتوبة.
ع3: صره : أربط قليل من الشعر فى طرف ذيل ثوبك.
يظهر حنان الله أنه يبقى لشعبه بقية، إذ أمر حزقيال أن يأخذ قليلاً من الشعر ويربطه فى ذيل ثوبه، أى أن الله سينجى القليل من شعبه المؤمنين به، الذين يرفضون عبادة الأوثان والشهوات الشريرة، ولعلهم هم اليهود الذين بقوا فى أورشليم تحت حكم جدليا (إر40: 7).
ع4: أمره الله أيضاً أن يأخذ قليلاً من الشعر الذى صره فى ذيله ويلقيه فى النار رمزاً لما يلى :
- المؤمنون الثابتون فى الله سيعانون أيضاً آلاماً كثيرة.
- بعض المؤمنين الباقين مع الله سيتحولون عنه ويسيرون فى الشر، فسيستحقون الهلاك، أى الجزء المحروق من الشعر الذى صره فى ذيله.
وينبهه أيضاً أن من هذا الشعر الملقى فى النار، ستخرج نار تحرق الباقين، أى أن بعض اليهود الذين سيبقون فى أورشليم وما حولها، سيصيرون مصدراً للإساءة والتأديب للباقين فى أورشليم، مثل إسماعيل بن نثنيا الذى قتل جدليا حاكم أورشليم الطيب أيام إرميا (إر41: 2).
لا تتهاون مع الخطيئة؛ حتى لا تذلك وتفقدك كرامتك، وتفصلك عن الله. بل احترس من مصادرها وتنازل عما يعثرك، مهما كان محبباً وغالياً عندك، واسأل نفسك هل تختار الله ونقاوة قلبك أم هذه الأمور المحببة المعثرة لك ؟
(2) عقاب الله لأورشليم (ع5-17):
5- «هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هذِهِ أُورُشَلِيمُ. فِي وَسْطِ الشُّعُوبِ قَدْ أَقَمْتُهَا وَحَوَالَيْهَا الأَرَاضِي.
6- فَخَالَفَتْ أَحْكَامِي بِأَشَرَّ مِنَ الأُمَمِ، وَفَرَائِضِي بِأَشَرَّ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي حَوَالَيْهَا، لأَنَّ أَحْكَامِي رَفَضُوهَا وَفَرَائِضِي لَمْ يَسْلُكُوا فِيهَا. 7- لأَجْلِ ذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ ضَجَجْتُمْ أَكْثَرَ مِنَ الأُمَمِ الَّتِي حَوَالَيْكُمْ، وَلَمْ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي، وَلَمْ تَعْمَلُوا حَسَبَ أَحْكَامِي، وَلاَ عَمِلْتُمْ حَسَبَ أَحْكَامِ الأُمَمِ الَّتِي حَوَالَيْكُمْ، 8- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَا إِنِّي أَنَا أَيْضًا عَلَيْكِ، وَسَأُجْرِي فِي وَسْطِكِ أَحْكَامًا أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، 9- وَأَفْعَلُ بِكِ مَا لَمْ أَفْعَلْ، وَمَا لَنْ أَفْعَلَ مِثْلَهُ بَعْدُ، بِسَبَبِ كُلِّ أَرْجَاسِكِ. 10- لأَجْلِ ذلِكَ تَأْكُلُ الآبَاءُ الأَبْنَاءَ فِي وَسْطِكِ، وَالأَبْنَاءُ يَأْكُلُونَ آبَاءَهُمْ. وَأُجْرِي فِيكِ أَحْكَامًا، وَأُذَرِّي بَقِيَّتَكِ كُلَّهَا فِي كُلِّ رِيحٍ. 11- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ قَدْ نَجَّسْتِ مَقْدِسِي بِكُلِّ مَكْرُهَاتِكِ وَبِكُلِّ أَرْجَاسِكِ، فَأَنَا أَيْضًا أَجُزُّ وَلاَ تُشْفُقُ عَيْنِي، وَأَنَا أَيْضًا لاَ أَعْفُو. 12- ثُلُثُكِ يَمُوتُ بِالْوَبَإِ، وَبِالْجُوعِ يَفْنَوْنَ فِي وَسْطِكِ. وَثُلُثٌ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ مِنْ حَوْلِكِ، وَثُلُثٌ أُذَرِّيهِ فِي كُلِّ رِيحٍ، وَأَسْتَلُّ سَيْفًا وَرَاءَهُمْ. 13- وَإِذَا تَمَّ غَضَبِي وَأَحْلَلْتُ سَخَطِي عَلَيْهِمْ وَتَشَفَّيْتُ، يَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ فِي غَيْرَتِي، إِذَا أَتْمَمْتُ سَخَطِي فِيهِمْ.
14- وَأَجْعَلُكِ خَرَابًا وَعَارًا بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي حَوَالَيْكِ أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ عَابِرٍ، 15- فَتَكُونِينَ عَارًا وَلَعْنَةً وَتَأْدِيبًا وَدَهَشًا لِلأُمَمِ الَّتِي حَوَالَيْكِ، إِذَا أَجْرَيْتُ فِيكِ أَحْكَامًا بِغَضَبٍ وَبِسَخَطٍ وَبِتَوْبِيخَاتٍ حَامِيَةٍ. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ. 16- إِذَا أَرْسَلْتُ عَلَيْهِمْ سِهَامَ الْجُوعِ الشِّرِّيرَةَ الَّتِي تَكُونُ لِلْخَرَابِ الَّتِي أُرْسِلُهَا لِخَرَابِكُمْ، وَأَزِيدُ الْجُوعَ عَلَيْكُمْ، وَأُكَسِّرُ لَكُمْ قِوَامَ الْخُبْزِ، 17- وَإِذَا أَرْسَلْتُ عَلَيْكُمُ الْجُوعَ وَالْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ فَتُثْكِلُكِ، وَيَعْبُرُ فِيكِ الْوَبَأُ وَالدَّمُ، وَأَجْلُبُ عَلَيْكِ سَيْفًا. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ».
ع5: يقول الرب بتأسف، هذه أورشليم، ويقصد أورشليم المعاقبة بسبب شرها، كما ذكر فى (ع1-4)؛ لأن الله قد أقامها وسط أراضى الشعوب، لتكون مثالاً لهم فى التقوى وعبادته وحفظ وصاياه.
ع6: أحكامه : وصاياه.
فرائضه : عبادته.
يعلن الله أن شعبه قد رفض وصاياه وأهمل عبادته وصار أشر من الأمم لما يأتى :
- كل أمة تعبد إله وثنى واحد، أما أورشليم فأدخلت فيها عبادة آلهة وثنية كثيرة.
- لأن أورشليم تعلم الإله الحقيقى وهو الله؛ لذا فشرها أعظم من الأمم، التى تسلك فى ضلال العبادة الوثنية وتجهل الله.
وهناك علاقة بين حفظ الوصايا والإلتزام بالعبادة، فمن يهمل أحدهما سيهمل الأخرى.
ع7، 8: ضججتم : تمردتم بصياح.
من أجل تمرد شعب الله عليه ورفضهم وصاياه وإهمالهم عبادته، وسلوكهم الذى صار أسوأ من الأمم؛ إذ أنهم جمعوا انحرافات كثيرة من كل أمة، وصاروا مثالاً للشر. من أجل كل هذا يقف الله خصماً لشعبه، وكما أخطأوا علانية، يعاقبهم علانية أمام كل الشعوب؛ لأنه عادل ويكره الشر، خاصة وأنه نبههم للتوبة والرجوع إليه كثيراً على فم إرميا النبى فى معظم نبوته.
لا تتمرد على الله وتصر على خطاياك، فيصير الله ضدك وليس معك. ولكن إسرع إليه بالتوبة، فتنال مراحمه وتتمتع ببنوته؛ لأنه حتى ولو أدب أولاده، فبرفق وحنان، فاحرص على التوبة فى نهاية كل يوم.
ع9: أرجاسك : جمع رجاسة وهى القذارة، والمقصود خطاياك القذرة.
يضيف الله انه سيعاقب أورشليم عقاباً شديداً، لم يصنعه بها قبلاً، تأديباً على شرورها، وما لم يفعله أيضاً طوال عمرها، أى سيكون عقابه فوق تخيل كل سكان أورشليم، إذ أُحرقت المدينة والهيكل، وهُدمت الأسوار، وقُتل عدد كبير من أهلها، بالإضافة للجوع والمرض، كل ذلك بسبب خطاياها الكثيرة.
ع10: يوضح الله بعض العقوبات التى ستحل بأورشليم وهى :
“تأكل الآباء الأبناء فى وسطك والأبناء يأكلون آباءهم”، أى تصير طبيعتهم وحشية، لدرجة أنه يستغل الآباء أبناءهم، والأبناء أيضاً يستغلون ويسرقون آباءهم. وقد حدث فعلاً بسبب الجوع أن أكل الآباء أطفالهم الصغار؛ ولأنهم ابتعدوا عن الله صاروا متوحشين وفقدوا طبيعتهم الإنسانية.
و”أجرى فيك أحكاماً” : أصنع بك عقوبات كثيرة مثل قتل أبنائك وجرح الكثيرين، وموت البعض بالجوع والمرض، ويعم الخراب والفقر المدينة كلها.
“وأذرى بقيتك كلها فى كل ريح” : أى يفرق ويشتت الكثير من اليهود، فيؤخذون سبايا إلى بابل وما يتبعها من ممالك، أو يهربون إلى الدول المحيطة، فتصير أورشليم واليهودية خاوية من أبنائها.
ع11: يعلن الله عقابه لأورشليم فيقول :
“حى أنا يقول السيد الرب”
وهو قسم الله بحياته، أى أن العقاب لابد أن يتم؛ لأن الله حى أزلى.
“نجست مقدسى بكل مكرهاتك”
أى وضعت الأصنام فى هيكلى فنجسته، من أجل ذلك استحقت عليك العقوبة.
“وبكل أرجاسك”
كل العبادات الوثنية التى قدمتها للآلهة الغريبة.
“أجز ولا تشفق عينى”
يستعير عملية جز صوف الغنم، فيوضح أنه سيزيل كرامة وقوة أورشليم ويهدمها من الأساس (كما يجز صوف الغنم) ولا يشفق عليها بأبوته؛ لأنها متمردة رافضة للتوبة. وهكذا تصير أورشليم بعد جزها بلا كرامة.
“لا أعفو”
الله لا يسامح؛ لأنهم لا يتوبون.
ع12: يواصل شرح عقابه لشعبه، فيعلن مصيرهم وهو :
“ثلثك يموت بالوبأ وبالجوع يفنون”
سيهلك ثلث سكان أورشليم؛ بسبب المجاعة والأمراض التى تنتشر، فجثث الموتى تملأ الشوارع وتنقل الأمراض.
“وثلث يسقط بالسيف من حولك”
سيموت ثلث سكان أورشليم، سواء من بداخلها، أو من يحاولون الهرب، فيلحقهم الأعداء ويقتلونهم حول أورشليم.
“وثلث أذريه فى كل ريح”
يتشتت الثلث الباقى من شعب أورشليم، فيؤخذون سبايا ويهربون فى بلاد العالم المختلفة.
“وأستل سيفاً وراءهم”
هذا الثلث الأخير لن ينجو من الموت، فسيموت الكثير منه من قسوة الحياة، أو اضطهاد الأعداء.
ع13: تشفيت : هدأ غضبى بإجراء عدلى وعقاب شعبى لعلهم يتوبون. وهذا يختلف عن تشفى الإنسان، أى انتقامه من غيره ومحاولة إهلاكه للتخلص منه.
يعلن الله أنه إذا تم عقاب أورشليم وهدأ غضب الله باتمام العقاب، حينئذ سيعلم اليهود أن الله هو الذى أدبهم، فلعلهم حينئذ يرجعون إليه بالتوبة، ويعلمون أنه بمحبته وغيرته عليهم قد أدبهم لأجل أن يتوبوا.
ع14، 15: دهشاً : يتعجب كل من يمر بأورشليم المخربة كيف زال مجدها.
ستصبح حينئذ أورشليم مثالاً بخرابها للعار والخزى بين الأمم، لتعلن رفض الله للشر وعقابه له، حتى لو صدر من أبنائه وشعبه، ولعل الأمم تخاف الله وتؤمن به.
ع16، 17: قوام الخبز : عصا تثبت أو تعلق فيها أرغفة الخبز لحفظها.
تثكلك : الثكلى هى الأم التى مات أبناؤها، أى يموت أبناؤك يا أورشليم.
يهدد الله أورشليم بالجوع الذى سيحل بها، ويكون جوعاً شديداً، فلا يوجد خبز فيها. وأكثر من هذا، لأنها أصبحت خربة، بلا أسوار، تهاجمها الوحوش وتجرح وتقتل الكثيرين من أبنائها، وتنتشر الأمراض وتمتلئ الشوارع بالدم ويموت الكثيرون.