حصار بابل النهائى لأورشليم
(1) القدر والنار (ع1-14):
1- وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ قَائِلاً:
2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اكْتُبْ لِنَفْسِكَ اسْمَ الْيَوْمِ، هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ. فَإِنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ. 3- وَاضْرِبْ مَثَلاً لِلْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ضَعِ الْقِدْرَ. ضَعْهَا وَأَيْضًا صُبَّ فِيهَا مَاءً. 4- اِجْمَعْ إِلَيْهَا قِطَعَهَا، كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ: الْفَخِذَ وَالْكَتِفَ. امْلأُوهَا بِخِيَارِ الْعِظَامِ. 5- خُذْ مِنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَكُومَةَ الْعِظَامِ تَحْتَهَا. أَغْلِهَا إِغْلاَءً فَتُسْلَقَ أَيْضًا عِظَامُهَا فِي وَسْطِهَا.
6- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ، الْقِدْرِ الَّتِي فِيهَا زِنْجَارُهَا، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا زِنْجَارُهَا. أَخْرِجُوهَا قِطْعَةً قِطْعَةً. لاَ تَقَعُ عَلَيْهَا قُرْعَةٌ. 7- لأَنَّ دَمَهَا فِي وَسْطِهَا. قَدْ وَضَعَتْهُ عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ. لَمْ تُرِقْهُ عَلَى الأَرْضِ لِتُوَارَيهُ بِالتُّرَابِ. 8- لِصُعُودِ الْغَضَبِ، لِتُنْقَمَ نَقْمَةً، وَضَعْتُ دَمَهَا عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ لِئَلاَّ يُوارَى. 9- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ. إِنِّي أَنَا أُعَظِّمُ كُومَتَهَا. 10- كَثِّرِ الْحَطَبَ، أَضْرِمِ النَّارَ، أَنْضِجِ اللَّحْمَ، تَبِّلْهُ تَتْبِيلاً، وَلْتُحْرَقِ الْعِظَامُ. 11- ثُمَّ ضَعْهَا فَارِغَةً عَلَى الْجَمْرِ لِيَحْمَى نُحَاسُهَا وَيُحْرَقَ، فَيَذُوبَ قَذَرُهَا فِيهَا وَيَفْنَى زِنْجَارُهَا. 12- بِمَشَقَّاتٍ تَعِبَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا كَثْرَةُ زِنْجَارِهَا. فِي النَّارِ زِنْجَارُهَا. 13- فِي نَجَاسَتِكِ رَذِيلَةٌ لأَنِّي طَهَّرْتُكِ فَلَمْ تَطْهُرِي، وَلَنْ تَطْهُرِي بَعْدُ مِنْ نَجَاسَتِكِ حَتَّى أُحِلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ. 14- أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ. يَأْتِي فَأَفْعَلُهُ. لاَ أُطْلِقُ وَلاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَنْدَمُ. حَسَبَ طُرُقِكِ وَحَسَبَ أَعْمَالِكِ يَحْكُمُونَ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع1: يحدد هنا الله موعد حصار جيوش بابل لمدينة أورشليم، وكان ذلك في اليوم العاشر من الشهر العاشر في السنة التاسعة لملك صدقيا آخر ملوك يهوذا، واستمر هذا الحصار مدة عام ونصف، بعده سقطت أورشليم في يد بابل.
ع2: طلب الله من حزقيال أن يكتب هذا اليوم بالتحديد، وهو اليوم العاشر من الشهر العاشر للسنة التاسعة لصدقيا؛ إذ فيه تبدأ آخر مرحلة في حياة أورشليم قبل أن تسبى. فأحداث الحياة كلها بترتيب من الله وسابق علمه، ويستخدمها لخلاص أولاده وتوبتهم، ولكى إذا ما حدثت هذه الأحداث يتأكد الشعب من صدق نبوة حزقيال، وتم هذا بالفعل (2مل25: 1).
ع3، 4: يشبه الله نهاية أورشليم بقدر، يضع فيها حزقيال الماء، الذى يرمز إلى ميوعة وتهاون شعب الله في عبادته. ثم يأمر حزقيال بوضع اللحم في القدر بعد تقطيعه، ويرمز إلى تدمير أورشليم. وقطع اللحم الطيبة، وخيار العظام ترمز إلى عظماء أورشليم، فالتأديب سيأتى على الشعب كله بما فيهم عظمائه، بل سيكون القتل والتعذيب أولاً للرؤساء، الذين أشار إليهم بالقطع الطيبة وخيار العظام التى فيها نخاع.
وكذلك اللحم الطيب وخيار العظام ترمز للصالحين في أورشليم، فسيأتى التأديب عليهم لتزكيتهم، أما الأشرار فلإهلاكهم.
ع5: يطلب الله من حزقيال أن يضع في القدر خيار الغنم، الذين يرمزون للعظماء، أو الصالحين. وكذلك يضع كومة العظام تحتها في القدر، وهذه العظام جافة وميتة، فترمز للأشرار، أو عامة الشعب.
كل هذا يجعله في الماء الذى على النار، حتى يغلى الماء، فيُسلق كل ما في القدر، وهذا يرمز للتأديب الذى يحل على كل الشعب بفئاته المختلفة.
لا تنزعج من الضيقات، فهى تظهر مدى تمسكك بالله، وتكتسب فيها فضائل كثيرة، فتتزكى أمامه. ولا تتأثر بتذمر الأشرار، بل اثبت في شكرك لله، فتنال المجازاة العادلة والبركات الوفيرة في النهاية.
ع6: زنجارها : صدأها.
يعلن الله أن وضع القدر على النار هو تأديب لأورشليم التى امتلأت ظلماً، إذ يظلم كل واحد صاحبه، وخاصة ذوى السلطة للضعفاء، فيسمى أورشليم مدينة الدماء، وهذا بدلاً من إسمها القديم المدينة المقدسة التى يحل الله فيها في هيكله المقدس. وقد تعاظم ظلمهم وتعدوا على الله فوضعوا الأصنام في هيكله وفى مدينته ليغيظوه. ويوضح الله أن القدر فيها زنجارها، ويرمز هذا لفسادها الذى مازال فيها لإصرار الشعب على خطاياهم.
ويطلب الله أن يتم سلق جميع قطع اللحم في القدر، ولا يلقوا قرعة على الشعب ليؤخذ بعضهم ويؤدب، والبعض يعفى عنه، ولكن التأديب سيقع على الكل.
ع7، 8: ضح الصخر : المكان البارز من الصخر الذى تسطع عليه أشعة الشمس.
يبين الله أن أورشليم قد أراقت الدماء الزكية على أعلى الصخر، أى ظاهراً بلا خجل؛ لأنها فاجرة ولم تحاول أن تواريه التراب، أى تعمله في خفية، فالدم يرمز لحياة الإنسان، أى أن الشعب ظلم بعضه، وأراق دماء زكية ولم يخافوا الله؛ لذا سيؤدبهم الله علناً على مرأى من كل الأمم، عندما تحاصرهم بابل وتدمر مدينتهم. كل هذا الفجور أثار غضب الله عليها. وقد تشير هذه الآيات إلى الذبح للأوثان في أورشليم على المرتفعات في فجور وبلا خجل، وفى تحدى لله.
ع9: يعلن الله عقاب أورشليم مدينة الدماء، أى الظلم، أنه سيسمح بتدميرها وتحطيمها فتصير كومة من الحجارة بدلاً من أبنية ضخمة، أى تنتهى معالمها التى افتخرت بها.
ع10: يطالب الله حزقيال أن يضع حطباً كثيراً ويوقد النار فيه، فيشتعل بشدة، ويضع القدر الذى به اللحم عليه، فيسلق، ويأمره الله أن يضع عليه توابل ليصبح طعم اللحم لذيذاً. كل هذا نفذه حزقيال فعلاً أمام الشعب؛ لينظروه ويسألوه عن سبب ما يعمل، فيشرح لهم معنى النبوة، وهو أن بابل ستهجم على أورشليم وتحرقها بالنار بشدة، فيتعذب الكثيرون، الذين يرمز إليهم باللحم ويعانون ضيقاً شديداً، أما جيوش بابل فتتلذذ بتحطيم أورشليم وقتل سكانها، كما يستطعم الإنسان اللحم المتبل جيداً.
أما العظام فلن تحتمل النار الشديدة، بل ستحرق، وهى ترمز لموت الكثيرين من سكان أورشليم.
اللحم إذاً يرمز للمؤمنين الأتقياء الذين في أورشليم ويحتملون آلام الجوع والوبأ والضرب والجرح، فيؤدى كل هذا إلى تمسكهم بالله ورفضهم للخطية، فينمون في حياتهم الروحية وهذا ما يشير إليه إنضاج اللحم وتتبيله أيضاً، فيصير لذيذاً وعظيماً في نظر الله. فهو لذيذ في نظر البابليين لإهلاك وتعذيب الآخرين، ولكن الله يحول الشر إلى خير وهو إنضاج ونمو روحيات شعبه، فيصير ذا طعم لذيذ أمام الله.
ع11: يأمر الله حزقيال بأن لا يرفع القدر من على النار حتى بعد أن يأخذ اللحم الذى نضج داخلها، بل تظل فارغة وهى على النار، حتى تتخلى عن زنجارها، الذى يرمز إلى الشرور التى في أورشليم. فالله مضطر لتأديب أورشليم بشدة، حتى تضطر أن ترفض خطاياها، فتتنقى وتصبح مدينة الله المقدسة، حتى وإن كانت خربة ومن فيها ضعفاء ومذلولين لكنهم أمام الله مقدسون؛ لأنهم رجعوا بالتوبة إليه.
ع12، 13: يبين الله أن خطية أورشليم متغلغلة فيها، فتحتاج إلى استمرار التأديب؛ لأن القدر لن تتخلص من زنجارها بسهولة، بل تظل النار مشتعلة تحت القدر، حتى يكمل غضب الله على أورشليم، وحينئذ يتوقف الله عن تأديبها.
وهذا يبين مدى شر أورشليم وطول أناة الله، الذى اضطره أن يؤدبها كل هذا التأديب.
ع14: يظهر الله أن استمرار غضبه وتأديبه لأورشليم سبب خطاياها، فهذا التأديب هو حكم الله عليها بسبب شرورها؛ ليتوب المؤمنون به ويرجعون إليه. والله سيضبط مشاعر حبه وحنانه، حتى يكمل غضبه ليخلص شعبه من الهلاك الأبدى، فهو لن يشفق، أى لن يتراجع عن تأديب أورشليم؛ لأنه أمر بهذا لخلاصهم.
كن حازماً عندما يخطئ الآخرون الذين أنت مسئول عنهم. لا تتراجع عن حزمك لتقودهم إلى التوبة؛ لأن إشفاقك عليهم سيكون تهاوناً، على شرط أن يكون هذا من أجل الله، وأنت محتفظ بسلامك ومحبتك لهم، ثم تعود فتظهر حنانك وتشجيعك.
(2) موت زوجة حزقيال (ع15-18):
15- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 16- «يَا ابْنَ آدَمَ، هأَنَذَا آخُذُ عَنْكَ شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ بِضَرْبَةٍ، فَلاَ تَنُحْ وَلاَ تَبْكِ وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ. 17- تَنَهَّدْ سَاكِتًا. لاَ تَعْمَلْ مَنَاحَةً عَلَى أَمْوَاتٍ. لُفَّ عِصَابَتَكَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْ نَعْلَيْكَ فِي رِجْلَيْكَ، وَلاَ تُغَطِّ شَارِبَيْكَ، وَلاَ تَأْكُلْ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ». 18- فَكَلَّمْتُ الشَّعْبَ صَبَاحًا وَمَاتَتْ زَوْجَتِي مَسَاءً. وَفَعَلْتُ فِي الْغَدِ كَمَا أُمِرْتُ.
ع15، 16: الله هنا يستخدم حزقيال كمثال للشعب كله، فسمح له بضيقة شديدة، وهذه الضربة هى أخذ زوجته المحبوبة، وغالباً كانت الضربة مرض أصاب زوجته، التى تعلق بها قلبه؛ لأنها امرأة فاضلة، وطلب منه أنه عندما يراها تموت أمام عينيه لا يبكى ولا يصيح حزناً عليها. وكان هذا بالطبع أمر صعب ولكن حزقيال، كخادم مطيع لله نفذ الأمر بكل تدقيق، وكان هذا مثالاً أمام الشعب كله، ليتذكر ذلك عندما تدمر أورشليم بيد بابل ويقتل الكثيرون ويخاف ويهرب الباقون، فلا يكون لهم فرصة أن يبكوا على موتاهم. وهو بهذا يحاول تنبيه قلب حزقيال وقلوب شعبه إلى مشاعره هو نفسه عندما يرى أورشليم مدينته المقدسة وشعبه الخاص يبتعد عنه، فهذا يؤثر جداً في قلب الله، ولكنه صامت ويطيل أناته على شعبه ليتوبوا.
وقد اعتاد الله استخدام أنبيائه كأمثلة لشعبه، لعلهم ينتبهون ويرون النبوات منفذة عملياً أمام عيونهم، كما جعل حزقيال ينام على جنبه ويأكل طعاماً قليلاً (ص4) ليكون نبوة عن سبى شعبه وضيقهم، وكما جعل هوشع يتزوج زانية، ليبين لشعبه مدى انحرافهم عنه وإساءاتهم له.
ع17: يستكمل الله منع حزقيال من أى مظاهر للحزن على زوجته، فيطالبه بما يلى :
- أن يكون حزنه داخلياً، فيتنهد في قلبه، لكن لا يظهر أحزانه، كما سيفعل شعب الله عند تدمير أورشليم. وهذا إظهار لأن الله سيتمم هذه النبوة، ولن يتراجع عنها رغم أن قلبه حزين على مدينته.
- لا يرتب مناحة، إذ كانوا يحضرون بعض النساء الندابات ليثيروا أحزان الناس، ويعملوا استقبالاً للمعزين، فيمنع كل مظاهر الحزن على زوجته.
- يهتم بملابسه للخروج للعمل، فيلف عصابته – وهى قطعة طويلة من القماش تلف حول الرأس – إذ كانوا في أيام الحزن ينزعون هذه العصابة، دليل الوقار والاحترام.
- يلبس نعليه ليخرج ويعمل ولا يستقبل المعزين. وكانوا يخلعون نعالهم ويمشون حفاة في المآتم لإظهار زهدهم وحزنهم وتذللهم.
- كانوا في المآتم يغطون شواربهم التى تدل على الوقار، إعلاناً لتذللهم وحزنهم.
- كانت العادة قديماً وحتى الآن، أن يقدم الجيران والأقارب أطعمة في المآتم للمعزين، ولكن أمر الله حزقيال أن لا يعمل مأتم، وبالتالى لا يقبل هدايا الناس من أطعمة.
(3) حزقيال مثال للشعب عند تدمير أورشليم (ع19-27):
19- فَقَالَ لِيَ الشَّعْبُ: «أَلاَ تُخْبِرُنَا مَا لَنَا وَهذِهِ الَّتِي أَنْتَ صَانِعُهَا؟» 20- فَأَجَبْتُهُمْ: «قَدْ كَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 21- كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا مُنَجِّسٌ مَقْدِسِي فَخْرَ عِزِّكُمْ، شَهْوَةَ أَعْيُنِكُمْ وَلَذَّةَ نُفُوسِكُمْ. وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمُ الَّذِينَ خَلَّفْتُمْ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ،
22- وَتَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلْتُ: لاَ تُغَطُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلاَ تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ. 23- وَتَكُونُ عَصَائِبُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ، وَنِعَالُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ. لاَ تَنُوحُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَتَفْنَوْنَ بِآثَامِكُمْ. تَئِنُّونَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. 24- وَيَكُونُ حِزْقِيَالُ لَكُمْ آيَةً. مِثْلَ كُلِّ مَا صَنَعَ تَصْنَعُونَ. إِذَا جَاءَ هذَا، تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ. 25- وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، أَفَلاَ يَكُونُ فِي يَوْمٍ آخُذُ عَنْهُمْ عِزَّهُمْ، سُرُورَ فَخْرِهِمْ، شَهْوَةَ عُيُونِهِمْ وَرَفْعَةَ نَفْسِهِمْ: أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ، 26- أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الْمُنْفَلِتُ لِيُسْمِعَ أُذُنَيْكَ. 27- فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَتِحُ فَمُكَ لِلْمُنْفَلِتِ وَتَتَكَلَّمُ، وَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ أَبْكَمَ. وَتَكُونُ لَهُمْ آيَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
ع19: تعجب الشعب لعدم عمل حزقيال مناحة على زوجته المحبوبة، ولم يظهر أى مظاهر للحزن، رغم علمهم بتعلق قلبه بها. فسألوه، لماذا فعلت هذا ؟
ع20-24: أخبرهم حزقيال بكلام الله للشعب أن الله جعله مثالاً للشعب، فكما لم يظهر حزقيال أى مظاهر للحزن على زوجته، كذلك شعب الله في أورشليم، عندما يموت أبناؤهم وأحباؤهم أمام عيونهم عند هجوم بابل على أورشليم لن يستطيعوا البكاء، أو إظهار أى مشاعر حزن لفقدانهم هؤلاء الأحباء، وذلك بسبب فزعهم وهروبهم أمام جنود بابل.
وقد كان شعب الله في أورشليم مخطئين؛ لذا سيأتى عليهم هذا الدمار، أما حزقيال فلم يخطئ حتى تموت زوجته هكذا فجأة، وذلك ليكون رمزاً للمسيح البار القدوس، الذى قتله اليهود بلا خطية منه؛ ليفدى شعبه. ونرى هنا أن الله قد سمح بتنجيس مقدسه، أى هيكله بدخول الأمم فيه، وسرقتهم لكل مقتنياته وتدميره وحرقه، وهذا الهيكل هو أعظم شئ يفتخر به اليهود، وتتعلق عيونهم وقلوبهم به، ثم يضيف إلى هذا التدمير للهيكل وكل المدينة، موت أعز الأحباء وهم الأبناء، أى أن اليهود الباقين في أورشليم قد فقدوا أغلى ما عندهم في الحياة، كما حدث لحزقيال.
يؤكد الله أن سبب هذا الدمار لأورشليم هو آثام الشعب في حق الله، عندما يقول “تفنون بآثامهم”، ولن يستطيعوا البكاء علناً أمام البابليين؛ لخوفهم، فيئنون ويبكون في الخفاء فيما بينهم.
موت زوجة حزقيال وكلام الله للشعب سيعرفهم – عند حدوث تدمير لأورشليم – أن كلام الله حق ونبوات حزقيال كانت سليمة؛ لعلهم يرجعون إلى الله ويتوبون عن خطاياهم.
لا تنزعج إن أتت عليك ضيقات دون أن يكون فيك خطأ واضح، وثق أن الله سيسندك بمعونته فلا تشعر بثقل التجربة، بل وتختبر أعماقاً جديدة في محبته، وتكون مثالاً للاحتمال وعمل الله فيك أمام الآخرين.
ع25-27: المنفلت : الذى يستطيع أن يهرب من أورشليم عند تدميرها بيد بابل، ويؤمن بالله، فيأتى إلى حزقيال ليخبره أن نبواته قد تحققت.
أبكم : أخرس غير قادر على الكلام.
يعلن الله لحزقيال أنه عندما تخرب أورشليم فخر اليهود وشهوة قلوبهم، ويقتل أعز ما عندهم وهم أبناؤهم سيستطيع القليلون أن يهربوا، وأحد المؤمنين منهم سيأتى إلى حزقيال؛ ليخبره بتحقيق نبواته، وتدمير وحرق أورشليم، وقتل الكثيرين من اليهود، وسبى الباقين. ولم يستطع أن يهرب إلا القليلون.
ويخبرنا حزقيال هنا أنه ظل مدة ساكتاً، هذه المدة غير محددة في الكتاب المقدس، ولكن يؤكد حزقيال صحته في (ص33: 22)، بعد هذا الصمت نطق وتكلم مع المنفلت الذى أتى إليه، فقد صمت عن الكلام، ثم بدأ يتكلم نبوات عن إسرائيل، وتكون النبوات المذكورة عن الأمم (ص25: 32) قد قيلت قبل هذا الزمن، ولكن وضعت في الكتاب المقدس بعد الأحداث المذكورة (ص24).
هناك رأى آخر بأن هذه الأعداد التى تكلم عنها الآن هى آخر ما قاله حزقيال عن بنى إسرائيل شعب الله. وابتداءً من الأصحاح الخامس والعشرين حتى الأصحاح الثانى والثلاثين سيتكلم حزقيال بنبوات عن الأمم، ثم بعد ذلك حتى نهاية السفر سيتكلم عن إسرائيل الجديد، أى نبوات عن المسيح والكنيسة. ومعنى هذا الرأى أن صمت حزقيال لم يكن صمتاً كاملاً، بل صمتاً عن التنبؤ على إسرائيل. وسكوت حزقيال عن التنبؤ على إسرائيل يرمز إلى أن إسرائيل كشعب الله سينتهى، والنبوات عن الأمم ترمز لسقوط الشيطان؛ لأنه يتكلم سبع نبوات عن الأمم ترمز للسقوط الكامل للشيطان. ثم النبوات من (ص33) التى تتكلم عن إسرائيل الجديد التى ترمز للكنيسة والأبدية.
تنبؤ حزقيال عن تدمير أورشليم، وتأديب شعب الله ليس معناه غضبه على شعبه أكثر من باقى الشعوب، بل الذى يعرف أكثر يطالب بأكثر فيؤدب أولاً، ويكون بهذا عظة للأشرار. ولكن للأسف لم تتعظ الأمم، فأتى الخراب عليها، كما يظهر في نبوات حزقيال عن السبعة أمم (ص25-32).