العروس الخائنة
(1) العروس المرذولة (ع1-6):
1- وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، عَرِّفْ أُورُشَلِيمَ بِرَجَاسَاتِهَا، 3- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأُورُشَلِيمَ: مَخْرَجُكِ وَمَوْلِدُكِ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. أَبُوكِ أَمُورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ.
4- أَمَّا مِيلاَدُكِ يَوْمَ وُلِدْتِ فَلَمْ تُقْطَعْ سُرَّتُكِ، وَلَمْ تُغْسَلِي بِالْمَاءِ لِلتَّنَظُّفِ، وَلَمْ تُمَلَّحِي تَمْلِيحًا، وَلَمْ تُقَمَّطِي تَقْمِيطًا. 5- لَمْ تَشْفُقْ عَلَيْكِ عَيْنٌ لِتَصْنَعَ لَكِ وَاحِدَةً مِنْ هذِهِ لِتَرِقَّ لَكِ، بَلْ طُرِحْتِ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ بِكَرَاهَةِ نَفْسِكِ يَوْمَ وُلِدْتِ. 6- فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ، فَقُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي، قُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي.
ع1، 2: طلب الله من حزقيال أن يعلن لأورشليم الشرور التى تسلك فيها، فبداية الإصلاح أن يعرف الإنسان خطاياه.
ع3: كنعان : هى أكبر القبائل التى تعيش غرب نهر الأردن، وهى تمثل قبائل كثيرة.
الأموريين: من أقوى القبائل الكنعانية وتعيش شرق البحر الميت وجنوبه.
الحثيين : من نسل كنعان ومن الشعوب الوثنية القديمة، تزوج منهم إسماعيل وعيسو.
يقول الله لأورشليم أن أصلك من أرض كنعان، وأن أباك من الأموريين، وأمك من الحثيين. ويقصد أنها ارتبطت بهذه الشعوب الوثنية؛ فأخذت منها عبادتها للأوثان، وعاداتها، وتقاليدها، وأخلاقها، وهى كلها غريبة عن حياة أولاد الله، فصارت كأنها من نسلهم، مع أنها من نسل عبرانى، أى من نسل إبراهيم الذى عبر من أور الكلدانيين إلى كنعان. فقد تركت أورشليم أصلها الروحى وهو إبراهيم، وارتبطت بالوثنيين، أى بكنعان الملعون من أبيه، فصارت وكأنها من نسلهم.
ع4: تقمطى : تُلفى بلفائف.
يشبه أورشليم بطفلة مولودة مرذولة لم يعتنِ بها أحد، فلم تقطع سرتها، أى ظلت مرتبطة بالحبل السرى الذى يغذيها من أصلها الوثنى، أى استمرت تتغذى بالشر. وهذا يرمز لبقاء الخطية الجدية فى الإنسان الذى لم يتمتع بفداء المسيح. ولم تجد هذه الطفلة من يهتم بحميمها بالماء لينظفها من أوساخها، ولم تجد من يستخدم الملح لحفظها من الفساد، إذ أن الملح دائماً مادة تستخدم للحفظ، أى تركت مهملة، ولم تجد من يلفها بأى قطعة قماش، بل ألقيت عارية على الأرض.
ع5: هكذا نجد أورشليم فى أسوأ صورة كطفلة عارية ملوثة بأوساخها، ملقاة فى الحقل، ومحوطة بكل ما هو كريه، ويقصد كل ما يتصل بعبادة الأوثان المكروهة من الله. أى أنها عاشت فى أرض كنعان ملوثة بالشرور.
ع6: هذه هى الحالة التى رآها فيها الله وحزن جداً لابتعادها عنه، بعد أن أخرجها من مصر بذارع رفيعة، وسكن فى وسطها فى برية سيناء، وأدخلها إلى أرض الميعاد، لكنها تركته وانغمست فى عبادة الأوثان. ومرور الله بها يرمز للتجسد الإلهى الذى تقدم ليحل مشكلتها؛ لأنها تكاد تموت من الرذل والإهمال التى هى ملقاة فيه. ومعنى بدمك عيشى، أى تركها الله مدة طويلة لعلها ترجع إليه، ولكنها رفضت، فتخلى عنها لتختبر نتيجة الشر وتُذل، وهذا ما أختبرته فى عصر القضاة، لعل هذا يدعوها للعودة إليه بالتوبة. فتخلى الله عنها معناه طول أناة منه، فعاشت مُذلة بالدم الذى يحوطها، أى الخطية والشر الذى ارتبطت به. ومدوسة من الوثنيين الذين ارتبطت بهم، فأصبحت تنزف ومحاطة بالدم فى ذل شديد. وتكرار عبارة بدمك عيشى يؤكد أن الله تركها مدة طويلة ولم تتب.
- ليتك تحاسب نفسك لتكتشف خطاياك مهما كانت ثقيلة وصعبة، ولكن هذا هو بداية الحل لتقدم توبة وتجد بسرعة يد الله ممدودة وهذا لمعونتك.
(2) الله يجمل عروسه ( ع7-14)
7- جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَرَبَوْتِ وَكَبُرْتِ، وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ. نَهَدَ ثَدْيَاكِ، وَنَبَتَ شَعْرُكِ وَقَدْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. 8- فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي.
9- فَحَمَّمْتُكِ بِالْمَاءِ، وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ، وَمَسَحْتُكِ بِالزَّيْتِ، 10- وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ بِالتُّخَسِ، وَأَزَّرْتُكِ بِالْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بَزًّا، 11- وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقًا فِي عُنُقِكِ. 12- وَوَضَعْتُ خِزَامَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطًا فِي أُذُنَيْكِ وَتَاجَ جَمَال عَلَى رَأْسِكِ.
13- فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ. وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ، وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ. 14- وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ، لأَنَّهُ كَانَ كَامِلاً بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع7: “جعلتك ربوة كنبات الحقل فربوت وكبرت”
جعلت أعدادك مثل نباتات الحقل تزداد بالربوة، وهى عشرة آلاف، أى أصبح عدد شعب الله كثير، عشرات الألوف. وهى بركة من الله فازدادوا جداً فى مصر رغم ظلم المصريين لهم ومحاولة استئصالهم وتقليل عددهم، فعلى قدر ما أذلوهم نموا وكثروا.
+ “وبلغت زينة الأزيان”
أصبحت عظيمة وجميلة مزينة بكل زينة، أى أن الله أعطى شعبه بركات كثيرة بين الشعوب.
والعجيب، رغم أن الله يعرف شر شعبه، ولكنه يراهم كعروس له قد بلغت زينة الأزيان، أى جميلة جداً فى نظره، وليس فى ذاتها فهى مملوءة شراً لاختلاطها بعبادة الأوثان لكنها جميلة جداً ببركته.
+ “نهد ثدياك ونبت شعرك”
أى كبر ثدياك وطال شعرك وهى كلها علامات البلوغ والنضج عند المرأة. وهذا يرمز إلى النضج الروحى، فأصحبت قادرة على الفهم والتمييز لتعيشى فى الخير وترفضى الشر. والثديان يستخدمان فى الرضاعة، أى أصبحت قادرة أن تغذى بنيك وتعليمهم وصايا الله. والثديان يرمزان أيضاً إلى الناموس والأنبياء فى العهد القديم.
+ “وقد كنت عريانة وعارية”
أى متجردة من ثيابك بسبب الخطية الجدية، وعارية بسبب خطاياك الخاصة. وتعنى أيضاً أنها عريانة بسبب الخطية، وعارية بسبب حاجتها للبر الذى فى المسيح. والمعنى أن عريسها وجدها غير مكتسية بثياب العرس، أى ثياب البر. وتكرار وصفها بالعرى هو لتأكيد شرها وابتعادهاعن الله.
بارك الله شعبه الذى يشبهه بطفلة صغيرة ملقاة فى الحقل، أى فى العراء، وملطخة بدمها، ومدوسة من الأمم الوثنية المحيطة. ومع هذا لم يتركها بل باركها، فزادت عدداً، ونضجت فى الفهم الروحى، أى صارت عروساً يمكن أن تتزوج بعريسها. ولكن للأسف كانت عارية من ثياب البر، ومع هذا فهى جميلة فى عينى عريسها رغم نجاستها وتلطخها بالدم وازدراء الناس بها وإهمالها، فهى مازالت ملقاة على الأرض بعريها.
ع8: “فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب”
يشير هنا إلى تجسد المسيح، عندما نظر الله إلى شعبه فوجده مذلولاً بواسطة الرومان الذين يحتلونه واليونانيين بأفكارهم وعبادتهم النجسة، أى أن شعبه شعر بحاجته، بل والعالم كله شعر بحاجته لله. فزمن الحب ليس الوقت الذى أحبها فيه الله، بل وجدها مستعدة وشعرت باحتياجها لحبه، فتجسد ليفديها.
+ “فبسطت ذيلى عليك”
كانت الوسيلة المعروفة قديماً لإعلان زواج إنسان من امرأة، أن يبسط ذيل ثوبه، أو عباءته عليها، كما فعل بوعز مع راعوث (را3: 9). وهذا يرمز إلى أن المسيح أعلن مسئوليته عنها بموته على الصليب لفدائها هى والبشرية كلها.
+ “وسترت عورتك”
غطى بحبه ومجده خزى الخطية، وأزاله بدفع الدين على الصليب، فأسس كنيسة نقية، وصار هذا هو شعبه، أى إسرائيل الجديد.
+ “فحلفت لك ودخلت معك فى عهد يقول السيد الرب فصرت لى”
قطع الله عهداً مع شعبه، أى كنيسته بالدم الفادى على الصليب، والذى يعطيه لكنيسته فى الأسرار المقدسة. وبهذا اشترى كنيسته بدمه فصارت ملكاً وعروساً له.
عندما نضج شعب الله وشعر باحتياجه إليه، تجسد المسيح وفداه وستر عليه وقطع عهداً معه بالدم، فصار المؤمنون به ملكاً وعروساً له.
ع9: “فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءك”
قام العريس بتطهير عروسه من خطاياها بدمه الفادى، وأعطاها هذا الحميم فى سر المعمودية.
+ “ومسحتك بالزيت”
وبعد ذلك دهنها العريس بالزيت لتصير جميلة بتكريسها له فى سر الميرون وحلول الروح القدس وسكناه فيها.
بدأ إعدادها للزواج بحميمها فى سر المعمودية ومسحها بالزيت فى سر الميرون.
ع10: “وألبستك مطرزة”
إذ كانت عارية احتاجت إلى ثياب البر، فألبسها عريسها ثياباً مطرزة، أى حياة نقية مزينة بالفضائل.
+ “نعلتك بالتخس”
التخس هو نوع سميك من جلد الحيوانات البحرية، وكانوا يغطون به خيمة الاجتماع من الخارج لحمايتها. وهو جلد قوى، ولكن ليس له بهاء فى شكله، فهو يصلح أن يكون نعلين لعروس المسيح لأن المسيح لا صورة له ولا منظر وهو معلق على الصليب، ولكن فيه كل القوة لفداء وحماية عروسه. فإذ تلبس التُخس، لا تخاف أن تصاب بالشوك والحسك اللذين فى الأرض وهما نتجا عن الخطية، لأنها محمية بهذا الجلد السميك الذى يرمز لفداء المسيح.
+ “أزرتك بالكتان”
الإزار هو الثوب الخارجى، وصنعه من الكتان يعنى النقاوة، فغطاها عريسها بالنقاوة.
+ “وكسوتك بزاً”
البز هو الحرير الخالص، فتغطية العريس لعروسه بالبز يعنى تجميلها بحياة البر والفضيلة؛ لأن البز هو تبررات القديسين (رؤ19: 8). بدأ العريس يكسو عروسه بالبر والفضائل ويحمى رجليها من الخطية لتحيا له فى القداسة.
ع11: “وحليتك بالحلى”
استمر العريس فى تجميل عروسه فأعطاها حلى هى الفضائل.
+ “فوضعت إسورة فى يديك”
الأساور هى نعمة الله التى تبارك أعمال العروس؛ لأن اليد ترمز للعمل.
+ “وطوقاً فى عنقك”
الطوق الذهبى الذى يوضع حول الرقبة يعلن المُلك والبهاء والعظمة، وبعد أن كان العنق مذلاً تحت نير الخطية أصبح مزيناً بالفضيلة. اهتم العريس بحلى عروسه التى فى يديها وفى عنقها فتكون بارة فى أعمالها وفى اشتياقاتها.
ع12: “ووضعت خزامة فى أنفك”
يستكمل العريس تزينها فيضع خزامة، وهى حلقة من الذهب تثبت فى الأنف لتشم هذه الأنف رائحة البخور الذى هو صلوات القديسين (رؤ5: 8) فتشاركهم الصلاة.
+ “وأقراطاً فى أذنيك”
الأقراط هى حلقات ذهبية توضع فى الآذان لتجميلها والمقصود تجميل أذنى العروس لتسمع صوت الله، أى تجميلها بكملة الله.
+ “وتاج جمال على رأسك”
التاج يوضع على رأس الملكة ليعطيها جمالاً وعظمة، فاعتبرها عريسها ملكة؛ لأنها اقترنت به الذى هو ملك الملوك.
اهتم العريس بتقديس حواس عروسه وتتويجها ملكة لتملك معه فى السماوات.
ع13: “فتحليت بالذهب والفضة”
الذهب يرمز للسماويات، والفضة لكلمة الله، أى أن الكنيسة عروس المسيح صار فكرها سماوياً ومتحلياً بكلمة الله.
+ “ولباسك الكتان والبز والمطرز”
تمتعت العروس بملابس البر والنقاوة والفضيلة.
+ “وأكلت السميذ والعسل والزيت”
السميذ هو أفخر أنواع الدقيق والذى يعمل منه القربان المقدس، أى أن العروس تغذت بجسد الرب فى سر التناول.
والعسل هو كلام الله الذى مثل الشهد (حز3: 3).
والزيت هو عمل الروح القدس الدائم فى الكنيسة فى الأسرار ووسائط النعمة. أى أن العروس تمتعت بالغذاء والحياة وعمل الروح القدس فيها.
+ “وجملت جداً جداً فصلحت لمملكة”
صارت العروس جميلة جداً واستحقت بمسيحها أن تملك وترث ملكوت السموات.
إذ لبست العروس ملابس البر والنقاوة، وتزينت بكلمة الله والميل السماوى وكل فضيلة وتغذت بالأسرار المقدسة وعمل النعمة، واستحقت أن يملك على قلبها المسيح وتملك معه فى السماء.
ع14: “وخرج لك اسم فى الأمم لجمالك”
صارت العروس جميلة ومنيرة وسط العالم لأن أولاد الله نور العالم.
+ “لأنه كان كاملاً ببهائى الذى جعلته عليك يقول السيد الرب”
كان جمال العروس كاملاً لأنها اخذته من عريسها الذى هو الله الكامل، وصارت كاملة فى مجدها.
صارت عروس المسيح الكنيسة جميلة بجماله ومنيرة للعالم كله؛ لتعلن المسيح فى حياتها، فتؤثر فى الكثيرين.
- ما أعجب عملك يا الله فى ضعفى، فأنت تعرف خطاياى ونجاساتى، ومع هذا تحبنى وتطيل أناتك علىّ حين أحتاج إليك، وتدعونى للتوبة، وتسندنى بنعمتك، وتكسونى ببرك، وتجملنى بفضائلك. فأعطنى يا إلهى أن أشعر بعظمة مكانى عندك لأتمسك بالحديث الدائم معك، وأظل أتمتع بأحضانك، وإن سقطت فى الخطية أعود بالتوبة إلى أحضانك ثانية.
(3) خيانة العروس لعريسها ( ع15-34)
15- «فَاتَّكَلْتِ عَلَى جَمَالِكِ، وَزَنَيْتِ عَلَى اسْمِكِ، وَسَكَبْتِ زِنَاكِ عَلَى كُلِّ عَابِرٍ فَكَانَ لَهُ.
16- وَأَخَذْتِ مِنْ ثِيَابِكِ وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَاتٍ مُوَشَّاةٍ، وَزَنَيْتِ عَلَيْهَا. أَمْرٌ لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يَكُنْ.
17- وَأَخَذْتِ أَمْتِعَةَ زِينَتِكِ مِنْ ذَهَبِي وَمِنْ فِضَّتِي الَّتِي أَعْطَيْتُكِ، وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ صُوَرَ ذُكُورٍ وَزَنَيْتِ بِهَا. 18- وَأَخَذْتِ ثِيَابَكِ الْمُطَرَّزَةَ وَغَطَّيْتِهَا بِهَا، وَوَضَعْتِ أَمَامَهَا زَيْتِي وَبَخُورِي. 19- وَخُبْزِي الَّذِي أَعْطَيْتُكِ، السَّمِيذَ وَالزَّيْتَ وَالْعَسَلَ الَّذِي أَطْعَمْتُكِ، وَضَعْتِهَا أَمَامَهَا رَائِحَةَ سُرُورٍ. وَهكَذَا كَانَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 20- «أَخَذْتِ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ الَّذِينَ وَلَدْتِهِمْ لِي، وَذَبَحْتِهِمْ لَهَا طَعَامًا. أَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ زِنَاكِ 21- أَنَّكِ ذَبَحْتِ بَنِيَّ وَجَعَلْتِهِمْ يَجُوزُونَ فِي النَّارِ لَهَا؟ 22- وَفِي كُلِّ رَجَاسَاتِكِ وَزِنَاكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، إِذْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً وَكُنْتِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ. 23- وَكَانَ بَعْدَ كُلِّ شَرِّكِ. وَيْلٌ، وَيْلٌ لَكِ! يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، 24- أَنَّكِ بَنَيْتِ لِنَفْسِكِ قُبَّةً وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَةً فِي كُلِّ شَارِعٍ.
25- فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق بَنَيْتِ مُرْتَفَعَتَكِ وَرَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ وَأَكْثَرْتِ زِنَاكِ.26- وَزَنَيْتِ مَعَ جِيرَانِكِ بَنِي مِصْرَ الْغِلاَظِ اللَّحْمِ، وَزِدْتِ فِي زِنَاكِ لإِغَاظَتِي. 27- «فَهأَنَذَا قَدْ مَدَدْتُ يَدِي عَلَيْكِ، وَمَنَعْتُ عَنْكِ فَرِيضَتَكِ، وَأَسْلَمْتُكِ لِمَرَامِ مُبْغِضَاتِكِ، بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، اللَّوَاتِي يَخْجَلْنَ مِنْ طَرِيقِكِ الرَّذِيلَةِ. 28- وَزَنَيْتِ مَعَ بَنِي أَشُّورَ، إِذْ كُنْتِ لَمْ تَشْبَعِي فَزَنَيْتِ بِهِمْ، وَلَمْ تَشْبَعِي أَيْضًا. 29- وَكَثَّرْتِ زِنَاكِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَبِهذَا أَيْضًا لَمْ تَشْبَعِي. 30- مَا أَمْرَضَ قَلْبَكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِذْ فَعَلْتِ كُلَّ هذَا فِعْلَ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ سَلِيطَةٍ، 31- بِبِنَائِكِ قُبَّتَكِ فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق، وَصُنْعِكِ مُرْتَفَعَتَكِ فِي كُلِّ شَارِعٍ. وَلَمْ تَكُونِي كَزَانِيَةٍ، بَلْ مُحْتَقَرةً الأُجْرَةَ.
32- أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ الْفَاسِقَةُ، تَأْخُذُ أَجْنَبِيِّينَ مَكَانَ زَوْجِهَا. 33- لِكُلِّ الزَّوَانِي يُعْطُونَ هَدِيَّةً، أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ أَعْطَيْتِ كُلَّ مُحِبِّيكِ هَدَايَاكِ، وَرَشَيْتِهِمْ لِيَأْتُوكِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلزِّنَا بِكِ. 34- وَصَارَ فِيكِ عَكْسُ عَادَةِ النِّسَاءِ فِي زِنَاكِ، إِذْ لَمْ يُزْنَ وَرَاءَكِ، بَلْ أَنْتِ تُعْطِينَ أُجْرَةً وَلاَ أُجْرَةَ تُعْطَى لَكِ، فَصِرْتِ بِالْعَكْسِ.
ع15: أعطى الله شعبه إسرائيل بركات كثيرة، ولكن للأسف استخدم هذه البركات أسوأ استخدام، إذ قدمها لعبادة الأوثان التى عبدتها الشعوب الوثنية المحيطة، بالإضافة إلى اتكاله على نفسه وشعوره بعظمته الشخصية، وبالتالى فأى نجاح يحققه فى كل نواحى الحياة ينسبه لنفسه وليس لله، فهو زنى روحى لتعلقه بنفسه وليس بالله؛ لأن الكبرياء زنى مع النفس. فأعطت عروسه قلبها لكل من يعبر بها، أو يخالطها من الشعوب الوثنية، فتأثرت بهم بدلاً من أن تؤثر فيهم، وتعلن لهم إلهها القدوس، بل أصبحت معثرة للآخرين لكثرة الآلهة الوثنية التى فيها، وبدلاً من أن تستخدم اسمها العظيم الذى أعطاها لها الله بقوته لمجده صار للشر.
ع16: ثيابك : بركات الله وخيراته المعطاة لشعبه.
بدلاً من تقديم ذبائح لله وعبادة مقدسة، عمل شعبه مرتفعات بنى عليها معابد ومذابح للأوثان، وزينها بالأعمدة والتماثيل المختلفة، وزاد عدد العبادات الوثنية بدرجة لم توجد مثلها فى كل الشعوب المحيطة.
وهكذا الإنسان المتهاون يترك حواسه تتدنس بالشر، مع أنه كان ينبغى أن يحيا مكرساً لمحبة الله.
ع17: استخدم شعب الله الغنى الذى وهبه الله له، والممثل بالذهب والفضة، لعمل معابد للأوثان وتماثيل ذكور إرضاء للآلهة الوثنية، ولم يفطن أنها بركات الله التى ينبغى أن تقدم له، وليس للشياطين أعدائه.
ع18: يظهر هنا مدى فجور شعب الله، إذ استخدموا بركاته لشرورهم وعبادتهم السخيفة المقدمة للأوثان. فبعد أن كانت العروس عريانة وتغطت بالثياب المطرزة، أخذت هذه الثياب وغطت بها الأصنام التى صنعتها، فابتعدت عن عريسها، وصارت عارية من كل بر. وبدلاً من أن تقدم الزيت والبخور لله قدمته للأوثان.
فالزيت يرمز لعمل الروح القدس الذى يقدس أرواح شعب الله، ولكن للأسف تعلقت أرواح شعب الله بالأوثان، أى تعلقت مشاعر العروس الزانية بالشر. والبخور يرمز إلى صلوات القديسين المرفوعة أمام الله. الآن هذه العروس الزانية تقدم صلواتها للأوثان، وهكذا عادت إلى خزيها وعريها بفقدها ثياب البر وحب عريسها السماوى.
ع19: أطعم الله عروسه، أى شعبه بخيرات كثيرة. بالمعنى المباشر أعطاها أرضاً تفيض لبناً وعسلاً، أى مملوءة من الخيرات، مثل الحنطة التى ينتج منها أفخر أنواع الدقيق (السميذ)، والأطعمة المستخرجة من ثمار الأرض اللذيذة التى يعبر عنها بالعسل، والزيتون المنتشر فى أرض الميعاد المستخرج منه الزيت.
وبالمعنى الروحى يرمز السميذ إلى جسد الرب ودمه، والعسل إلى كلمة الله، والزيت لعمل الروح القدس.
كل هذه العطايا بدلاً من أن تتحول إلى طاقة شكر لله، أخذتها عروسه الزانية، وقدمتها لإرضاء الآلهة الغريبة، وقدمت نفسها بكل ما تغذته من هذه الأطعمة؛ لتكون حياتها إرضاءً لهذه الآلهة، كم يكون هذا قاسياً على قلب الله عريسها ؟!
- راجع نفسك يا أخى لتعرف قدراتك وعطايا الله لك، وهل تقدمها لله أو يسرقها الشيطان فى شرور كثيرة لحسابه ؟ راجع نفسك وتب لتعيد لله ممتلكاته، أى نفسك الغالية، وكل عطاياه تكون لمجده.
ع20، 21: يعاتب الله عروسه الخائنة، أى شعبه بأنه قد وهبها بنين وبنات بكثرة، حتى أثناء وقت الذل والعبودية فى مصر، وأيام الاجتياز فى برية سيناء القاحلة فكيف تتعلق بالآلهة الوثنية ؟! وتقدم لها ليس فقط ممتلكاتها المادية التى وهبها إياها الله، بل أكثر من هذا تقدم بنيها وبناتها ذبائح بشرية للآلهة الوثنية، مثل الإله مولك إله العمونيين، الذى كانوا يقدمون له الأطفال ليحترقوا على يديه الملتهبتين بالنار، وأصوات الطبول العالية تغطى على صراخ الأطفال حتى يموتوا. فهذا الإله كان تمثاله مصنوعاً من النحاس الأجوف يمثل رجلاً جالساً ممدود اليدين، ويضعون النار تحته، فيصير النحاس ساخناً جداً حتى درجة الإحمرار، ثم يضعون على يديه الأطفال. إلى هذه الدرجة سيطر الشيطان على عقول الناس وقلوبهم، فعملوا هذه الأعمال الوحشية ضد أبنائهم. ويتساءل الله هل هذا الزنى قليل، أو هل هناك زنى روحى وتعلق بالأصنام أكثر من هذا.
وهذا يرمز إلى إنشغال الإنسان بالمال، أو الجنس، أو الكبرياء، فيقدم طاقاته لها مهما فقد من أمور غالية، وحتى لو فقد حياته، ظاناً بهذا أنه يصير قوياً وسعيداً، مع أنه يحترق لأجل الشيطان وهو لا يدرى.
ع22: وفيما العروس الخائنة تجرى وراء الشيطان نسيت حالتها الأولى، عندما كانت عارية من نعمة الله، وعريانة من كل بر وفضيلة، ومدوسة ومذلولة وملطخة بدمائها وشكلها قبيح. فها هى عادت إلى هذا الشكل بعد أن نقاها الله وجدد حياتها ومجدها. إنها فقدت مجدها وعادت إلى ذلها مرة أخرى.
ع23: الله لم يهدأ عن تنبيه عروسه الخائنة وتوبيخها وتحذيرها بالويلات حتى تتوب، ولكنها تتمادى للأسف فى شرها فى عبادة الأوثان.
ع24: أكثر شعب الله من بناء معابد للأوثان، فصنع أماكن لها قباب فى الشوارع المختلفة للمدن، وأيضاً على الأماكن العالية أقاموا عبادات لآلهة السماء، مثل عبادة الشمس والقمر والنجوم وهذا يرمز إلى كثرة الشهوات التى يسقط فيها الإنسان، فيدنس حواسه وأعضاءه المختلفة.
ع25: فى بداية كل طريق من طرق المدينة الرئيسية، بنت العروس معابد على المرتفعات. فأتلفت جمالها الذى وهبه الله إياها. فأصبحت مستعدة للزنى مع أى أجنبى يعبر بها، فتفتح رجليها له لتزنى معه، أى تقبل الآلهة الوثنية الجديدة التى للشعوب المحيطة، وتبنى لها معابد وتقدم لها عبادات. وهكذا أصبح الزنى هو الشئ الطبيعى فى كل طرق المدينة، أى انتشرت عبادة الأوثان فى كل مكان.
وهذا يرمز إلى سيطرة الأفكار والكلمات والأعمال الشريرة على أولاد الله، وجريهم وراء كل جديد من الشر؛ ليلتصقوا به، فيصيروا زناة كل يوم أكثر مما قبله. ويتكلم الله هنا بكلام مباشر عن تفاصيل الزنى الروحى لشعبه؛ ليبين لهم شناعة خطيتهم.
ع26: الغلاظ اللحم : المتكبرون.
لم تكتفِ عروس الله الخائنة بالزنى، أى الالتصاق بالآلهة الوثنية للشعوب المحيطة بها، مثل الفلسطينيين والموآبيين والعمونيين والآدوميين، بل أكثر من هذا تذكروا آلهة مصر الوثنية، وعادوا ليعبدوها فى أرض كنعان. وهكذا عادت للزنى مع مصر المتكبرة التى أذلتها مئات السنين. وقد زنى شعب الله مع مصر عندما اتكل عليها وعقد معاهدات معها، بدلاً من أن يتكل على الله.
ويرمز أيضاً لتذكر الإنسان خطاياه القديمة، فيستعيدها ويسقط فيها ثانية.
وهذا يرمز إلى جرى الإنسان وراء الخطية فيقبلها حتى ممن يتكبر عليه ويذله.
ع27: فريضتك : الخبز والأطعمة الأساسية لحياة الإنسان.
فى محاولة من الله لإرجاع عروسه الخائنة، أعلن غضبه عليها، فمنع عنها احتياجاتها المادية، أى سمح بالجوع والوبأ لعلها ترجع إليه وتتوب. وبعد هذا سمح لها أن تذل فى الحروب مع الفلسطينيين جيرانها، ورغم أن الفلسطينيين يعبدون الأوثان، ولكن تفوق شعب الله فى كثرة الأوثان أخجل الفلسطينيين من هذه العبادات الكثيرة، وكل ما يتصل بها من إتمام للشهوات الردية، أى أصبح أهل العالم غير محتملين لزيادة شر أولاد الله، وصاروا يوبخون أولاد الله من أجل شرورهم.
ع28: امتد زنى العروس الخائنة للأشوريين – الذين سيطروا على العالم واحتلوا مملكة إسرائيل، المملكة الشمالية – فأخذ اليهود آلهة الأشوريين أيضاً وعبدوها. وهذا يرمز للانسياق وراء المسيطرين والقادة فى العالم فى كل ما يتبعونه من خطايا لا ترضى الله.
ع29: وعندما قامت الإمبراطورية البابلية وسيطرت على العالم، بما فيه بلاد اليهود، وأخذت بالوثنيين اليهود وبعثرتهم فى أرجاء مملكتها، اختلطوا بالوثنيين وعبدوا آلهتهم، أى آلهة بابل التى كانت تقود العالم وقتذاك. ويرمز هذا لاتباع الرئاسات فى شرورها.
ع30: سليطة : وقحة وجريئة فى الشر.
يتعجب الله من أجل جرأة عروسه الخائنة فى الشر، فهى لا تعمل كل ما سبق بخجل، أو فى الخفاء، ولكنها تعمله بوقاحة وبجاحة غريبة.
- إن أخطأت راجع نفسك، خاصة إن وبخك أحد. وإياك أن تبرر خطاياك وتتمادى فيها؛ فتفقد تمييزك، وتفتخر بالشر، وتصير مصدراً للشر لكل من حولك.
ع31-34: من محبة العروس الخائنة للخطية أصبحت تكافئ كل من يزنى معها، أى كل من يدعوها لعبادة الأوثان، أو عمل أية شهوات شريرة، وهذا بخلاف العرف السائد فى العالم الشرير، أنهم يدفعون مكافآت لإسقاط الأبرياء.
عندما عقد شعب الله معاهدات مع البلاد المجاورة، مثل أشور؛ لتحميه، كان من شروط المعاهدة أن يقدم شعب الله العبادة لآلهة الأمم الغريبة، ويدفعون هدايا ثمينة لهذه الشعوب لتحميهم، أى اتكلوا على هذه الشعوب بدلاً من الله، وعبدوا أوثانهم بدلاً منه، وقدموا لهذه الشعوب هدايا تأكيداً لتعلقهم بالزنى الروحى. وهذا يرمز لمن يجرى وراء الخطية، ويبذل أمواله وممتلكاته وطاقاته حتى يحصل عليها، فهو أصبح مصراً على الشر، يدبر له، ويبذل من أجله، وليس إنساناً ساذجاً يغوونه بالمكافآت المادية حتى يفعل الشر. كل ما مر من شرور، أو صفات سيئة للعروس الخائنة تم مع شعب الله فى أوقات مختلفة وتزايد جداً فى النهاية، حتى اضطر الله أن يسمح لهم بالسبى الأشورى، ثم السبى البابلى.
4- الله يؤدب شعبه ( ع35-51)
35- «فَلِذلِكَ يَا زَانِيَةُ اسْمَعِي كَلاَمَ الرَّبِّ: 36- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أُنْفِقَ نُحَاسُكِ وَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُكِ بِزِنَاكِ بِمُحِبِّيكِ وَبِكُلِّ أَصْنَامِ رَجَاسَاتِكِ، وَلِدِمَاءِ بَنِيكِ الَّذِينَ بَذَلْتِهِمْ لَهَا، 37- لِذلِكَ هأَنَذَا أَجْمَعُ جَمِيعَ مُحِبِّيكِ الَّذِينَ لَذَذْتِ لَهُمْ، وَكُلَّ الَّذِينَ أَحْبَبْتِهِمْ مَعَ كُلِّ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ، فَأَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ حَوْلِكِ، وَأَكْشِفُ عَوْرَتَكِ لَهُمْ لِيَنْظُرُوا كُلَّ عَوْرَتِكِ. 38- وَأَحْكُمُ عَلَيْكِ أَحْكَامَ الْفَاسِقَاتِ السَّافِكَاتِ الدَّمِ، وَأَجْعَلُكِ دَمَ السَّخْطِ وَالْغَيْرَةِ. 39- وَأُسَلِّمُكِ لِيَدِهِمْ فَيَهْدِمُونَ قُبَّتَكِ وَيُهَدِّمُونَ مُرْتَفَعَاتِكِ، وَيَنْزِعُونَ عَنْكِ ثِيَابَكِ، وَيَأْخُذُونَ أَدَوَاتِ زِينَتِكِ، وَيَتْرُكُونَكِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. 40- وَيُصْعِدُونَ عَلَيْكِ جَمَاعَةً، وَيَرْجُمُونَكِ بِالْحِجَارَةِ وَيَقْطَعُونَكِ بِسُيُوفِهِمْ،
41- وَيُحْرِقُونَ بُيُوتَكِ بِالنَّارِ، وَيُجْرُونَ عَلَيْكِ أَحْكَامًا قُدَّامَ عُيُونِ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ. وَأَكُفُّكِ عَنِ الزِّنَا، وَأَيْضًا لاَ تُعْطِينَ أُجْرَةً بَعْدُ. 42- وَأُحِلُّ غَضَبِي بِكِ فَتَنْصَرِفُ غَيْرَتِي عَنْكِ، فَأَسْكُنُ وَلاَ أَغْضَبُ بَعْدُ.
43- مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، بَلْ أَسْخَطْتِنِي فِي كُلِّ هذِهِ، فَهأَنَذَا أَيْضًا أَجْلِبُ طَرِيقَكِ عَلَى رَأْسِكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَلاَ تَفْعَلِينَ هذِهِ الرَّذِيلَةَ فَوْقَ رَجَاسَاتِكِ كُلِّهَا. 44- «هُوَذَا كُلُّ ضَارِبِ مَثَل يَضْرِبُ مَثَلاً عَلَيْكِ قَائِلاً: مِثْلُ الأُمِّ بِنْتُهَا. 45- اِبْنَةُ أُمِّكِ أَنْتِ، الْكَارِهَةُ زَوْجَهَا وَبَنِيهَا. وَأَنْتِ أُخْتُ أَخَوَاتِكِ اللَّوَاتِي كَرِهْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وَأَبْنَاءَهُنَّ. أُمُّكُنَّ حِثِّيَّةٌ وَأَبُوكُنَّ أَمُورِيٌّ.
46- وَأُخْتُكِ الْكُبْرَى السَّامِرَةُ هِيَ وَبَنَاتُهَا السَّاكِنَةُ عَنْ شِمَالِكِ، وَأُخْتُكِ الصُّغْرَى السَّاكِنَةُ عَنْ يَمِينِكِ هِيَ سَدُومُ وَبَنَاتُهَا. 47- وَلاَ فِي طَرِيقِهِنَّ سَلَكْتِ، وَلاَ مِثْلَ رَجَاسَاتِهِنَّ فَعَلْتِ، كَأَنَّ ذلِكَ قَلِيلٌ فَقَطْ، فَفَسَدْتِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ فِي كُلِّ طُرُقِكِ. 48- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّ سَدُومَ أُخْتَكِ لَمْ تَفْعَلْ هِيَ وَلاَ بَنَاتُهَا كَمَا فَعَلْتِ أَنْتِ وَبَنَاتُكِ. 49- هذَا كَانَ إِثْمَ أُخْتِكِ سَدُومَ: الْكِبْرِيَاءُ وَالشَّبَعُ مِنَ الْخُبْزِ وَسَلاَمُ الاطْمِئْنَانِ كَانَ لَهَا وَلِبَنَاتِهَا، وَلَمْ تُشَدِّدْ يَدَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ،50- وَتَكَبَّرْنَ وَعَمِلْنَ الرِّجْسَ أَمَامِي فَنَزَعْتُهُنَّ كَمَا رَأَيْتُ. 51- وَلَمْ تُخْطِئِ السَّامِرَةُ نِصْفَ خَطَايَاكِ. بَلْ زِدْتِ رَجَاسَاتِكِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ، وَبَرَّرْتِ أَخَوَاتِكِ بِكُلِّ رَجَاسَاتِكِ الَّتِي فَعَلْتِ.
ع35، 36: يذكر الله عروسه الخائنة بخطاياها، وهى أنها قدمت كل خيراتها التى وهبها الله لها، كل ما على أرضها، بل وحتى ما فى باطن الأرض من معادن، كالنحاس وهو من المعادن الغالية القيمة، كل مقتنيات العروس قدمتها لعبادة الأوثان وللشر بكل نوع، حتى قدمت فى النهاية كل طاقاتها وأغلى ما عندها وهو بنيها، الذين قدمتهم ذبائح بشرية للأوثان. وهذا معناه أنها أضاعت كل ما عندها وبذلته للشيطان، ورفضت الله تماماً.
ع37: لذذت لهم : الذين تلذذوا بك.
يعلن الله تأديبه لعروسه، أى شعبه، بأنه سيفضحها ويظهر ضعفها وخزيها، عندما يعاقبها وتجتمع حولها كل الشعوب، التى أخذت عبادتهم الوثنية وتصادقت معهم فى الشر، أو الذين كانوا يعادونها، الكل سيجتمع لينظر فضيحتها وعقاب الله الشديد لها، عندما تدمرها بابل وتحرقها بالنار. والله يسمح بهذا حتى تتعظ كل الشعوب؛ لأنه إن كان قد فعل هكذا بعروسه فكم يفعل بباقى الشعوب ؟ فهى دعوة لكل الشعوب حتى تخاف الله، وينذرها بهذا لتؤمن به وترجع إليه.
ع38: الفاسقات : المتماديات فى الزنى والانحرافات الجنسية.
السافكات الدم : العنيفات جداً لدرجة قتل الآخرين.
عقوبة الله لعروسه الخائنة الزانية هى العقوبة التى توقع على الفاجرات والقاتلات. إن الإعدام هو أصعب عقوبة يعرفها العالم لمثل هذه الجرائم، والله سيدمر أورشليم ويحرقها بالنار. وهكذا تسيل دماء عروسه لأن سخط الله، أى غضبه الشديد قد أتى عليها، بسبب غيرته القوية عليها؛ لأنه أحبها محبة كاملة، وهى خائنة خيانة كاملة، أى استهانت ورفضت حبه تماماً.
ع39: عندما تهجم بابل على أورشليم ستدمرها تماماً، وتدمر كل معابد الأوثان التى فيها، مع هيكل الرب الذى ستحرقه، وتتعرى أورشليم من كل بهائها ومجدها، وتهدم قصورها وكل ما تزينت به، وهكذا تصير مهجورة وعريانة من كل بهائها. فالله لابد أن يزيل الشر تماماً ويبيد الأشرار، بعد أن أطال أناته عليهم طويلاً، وأعطاهم من محبته الكثير والكثير.
ع40: ستهجم جيوش بابل بأعداد ضخمة على أورشليم، ويصعدون مرتفعاتها، ويدمرونها، ويقتلون كل من يصادفهم فيها وخاصة العظماء والرؤساء.
وهذا يرمز إلى أن الله يسمح بأن يفقد الإنسان كل قوته وجماله الذى استخدمه فى الشر حتى يكاد يموت، لعله بهذا يتوب ويرجع عن شره، ومن ناحية أخرى عندما يقتل الكثيرين ويهلكون فالبقية، إذ تفقد كل قوتها وغناها، تعود لله، وهذا ما حدث مع سكان أورشليم.
ع41: نساء كثيرة : الشعوب المحيطة.
ستحرق جيوش بابل أورشليم والأسوار والهيكل والقصور، ويدمرون كل ما يقابلهم، ويقتلون بعنف، ويعملون فضائح لم تحدث من قبل، كل هذا يتم أمام الشعوب المحيطة بأورشليم، فهى إن كان يشبهها بعروس، فالنساء المحيطة، أى الشعوب المحيطة، ترى كل هذا التدمير وتتعجب لتخلى إلهها عنها. وعندما تتساءل هذه الشعوب ستعرف أن السبب هو تمادى أورشليم فى الزنى، وسيرون الباقين فى أورشليم قد ابتعدوا عن عبادة الأصنام وكل الشهوات الشريرة. ولا تطلب وقتذاك أجرة، أى ماديات، من الشعوب المحيطة كما كانت ترضى قديماً الشعوب الوثنية، وتضمن التحالف معهم بإقامة معابد لأوثانهم داخل أورشليم. أما الآن، بعد توبتها، لم تعد أورشليم محتاجة أن تعبد الأوثان، فالباقون فيها يعبدون الله، الذى يحفظهم ويباركهم ويكفيهم بخيراته، وهذا ما حدث بعد الرجوع من السبى.
ع42: بتنفيذ هذه العقوبة وتدمير أورشليم يكون الله قد سكب غضبه عليها، ونالت عقابها، فتهدأ غيرته على هيكله، وعلى نفوس أولاده، الذين باعوه، وأسلموا نفوسهم للشر. وبعد هذا لا يبقى فى أورشليم إلا القليلون الذين يخافون الله ويعبدونه، فيهدأ غضب الله ولا يعاقبهم بل يحفظهم ويباركهم.
ع43: يوضح الله سبب العقاب العنيف الذى سيحل بأورشليم، وهو أنها نسيت وأهملت محبة الله التى أعطاها لها حين أخرجها من مصر بالضربات العشر، وعبر بها البحر الأحمر، وعالها فى البرية 40 سنة، وسكن فى وسطها، وأدخلها أرض الميعاد التى تفيض لبناً وعسلاً، وأباد من أمامها شعوب كثيرة؛ كل هذا الحب أهملته وارتبطت بالأوثان.
وعلى العكس تذمرت على الله وغضبت عليه بشدة، فلم يعجبها المن فى البرية، وحاولت الرجوع إلى مصر، فأتاهها فى البرية واحتملها. فالله بعقابه يعاقب شرورها الكثيرة التى احتملها على مدى السنين، والتى زادت جداً قبل التدمير البابلى؛ حتى لا ترتبط بالأوثان، وهى الخطية الفظيعة التى زادت على كل خطاياها السابقة من التذمر والظلم والشهوات الشريرة مثل الزنى.
ع44: من كثرة شر العروس الخائنة صارت مضرباً للأمثال فى الشر بين شعوب العالم، فيقولون مثل الأم إبنتها، أى أن هذه العروس الخائنة مثل أمها، فأجيال الأمة اليهودية كلهم أشرار، بل ويتزايدون فى الشر؛ حتى زاد شرهم، فاستحقوا تدمير مدينتهم أورشليم، أى أنهم أصبحوا أشر من آبائهم. ويقصد أيضاً بالأم الشعوب الوثنية المحيطة ببنى إسرائيل، كما قال أن أمك حثية فى (ع3، 45) فهى تنسب لهن كأم لها بسبب تشابهها معهن فى عبادة الأوثان.
ع45، 46: يشبه شعبه بزوجة شريرة فى سلوكها، تكره زوجها وبنيها، وتعاملهم معاملة سيئة، والمقصود بزوجها هو الله، وبنوها هم أبناؤها الجسديون الذين تعلمهم الشر؛ ليكونوا بعيدين عن الله مثلها ويعبدون الأوثان.
وهى بهذا تشبه جيرانها الشهيرات بالشر وهن المملكة الشمالية مملكة إسرائيل، ويسميها الأخت الكبرى؛ لأنها تشمل عشرة أسباط. أما العروس الخائنة التى تحدث معها الله، فهى مملكة يهوذا، التى عاصمتها أورشليم، وكانت موجودة فى هذا الوقت؛ لأن المملكة الشمالية كانت قد سبيت بالأشوريين، وهى تمثل الشر لانشغالها بعبادة الأوثان.
وأختها الصغرى هى سدوم التى اشتهرت فى الكتاب المقدس بالشذوذ الجنسى أيام لوط، وهى مدينة أصغر من مملكة يهوذا، وقد احترقت بالنار من السماء (تك19: 24). ويقارن بها هنا، ليس لأنها موجودة، بل لأنها تمثل الشر، فهى تحت الماء الآن ولا يعرف مكانها إلا أنها جنوب البحر الميت. يوحد الله بين عروسه الخائنة وأختيها السامرة عاصمة مملكة إسرائيل وسدوم، حيث جميعهن أصلهن حثى وأمورى، أى شعوب وثنية، فانتشرت العبادات الوثنية فى الثلاثة بلاد، بل واشتهرن بهذه العبادات، إلى هذه الدرجة وصل شعب الله فى خيانته له.
- إذا تهاون الإنسان فى علاقته مع الله، واستباح بعض الشرور، يتعلق بها، بل يصير مثالاً للشر. فكن حريصاً واقطع الخطية من بدايتها، وإن كنت قد توغلت فيها فارجع الآن؛ لأن الله مازال يحبك، ومستعد أن يغفر لك كل خطاياك.
ع47، 48: يتعحب الله لتزايد عروسه فى شرها، ففاقت البلاد المشهورة فى عبادة الأوثان والشر التى دعاها أخواتها، أى مثيلاتها فى الشر، وهما السامرة وسدوم، ففاق شر العروس الخائنة شرهما.
ع49، 50: يعلن الله تفاصيل شرور البلاد المشهورة بالشر والتى تفوقت عليها عروسه، فيبدأ هنا بتوضيح شرور سدوم وكل بناتها، أى شعبها، وهى :
- الكبرياء : فلم تخضع لله وشعرت بقوتها فى ذاتها، وتكبرت على الشعوب المحيطة بها من اجل غناها.
- الشبع من الخبز : أى الانشغال بالماديات والترف والبعد عن الله.
- سلام الاطمئنان : من أجل غناها وقوة رجالها عاشت فى سلام، فأرجعت الفضل فى هذا لقوتها وخيراتها، وليس لله الذى أعطاها كل هذا الذى تفعله، أى سدت أبواب التوبة أمام نفسها، لذلك احترقت وفنيت تماماً، ولم تعد تشعر بوخز الضمير على الزنى.
- ولم تشدد يد الفقير : انشغل الأغنياء بلذاتهم وأهملوا الفقراء والمساكين الذين لا يجدون قوتهم اليومى.
- عملن الرجس : أى كل النجاسات، سواء عبادة الأوثان، أو الزنى والشذوذ الجنسى وكل الشهوات الشريرة.
فى النهاية بعد طول أناة كبير من الله اضطر أن يزيل الشر، كما فعل مع سدوم
وأحرقها.
ع51: يهوذا التى عاصمتها أورشليم، وفيها هيكل الله، والتى يسميها الله عروسه، لها أخت ثانية فى الشر هى السامرة، ويقصد المملكة الشمالية التى تسمى إسرائيل، وتشمل العشرة أسباط. هذه عبدت الأصنام التى أقامتها، رغم إيمانها بأسفار موسى، وسقطت فى شهوات كثيرة. ولكن يعلن الله أن عروسه قد زادت أضعاف عن شر السامرة، إذ يقول أن السامرة لم تفعل نصف شر يهوذا، وبهذا أصبحت السامرة وسدوم بارتين بالمقارنة بيهوذا.
5- الإصلاح والعودة إلى الله (ع52-63)
52- فَاحْمِلِي أَيْضًا خِزْيَكِ، أَنْتِ الْقَاضِيَةُ عَلَى أَخَوَاتِكِ، بِخَطَايَاكِ الَّتِي بِهَا رَجَسْتِ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ. هُنَّ أَبَرُّ مِنْكِ، فَاخْجَلِي أَنْتِ أَيْضًا، وَاحْمِلِي عَارَكِ بِتَبْرِيرِكِ أَخَوَاتِكِ. 53- وَأُرَجِّعُ سَبْيَهُنَّ، سَبْيَ سَدُومَ وَبَنَاتِهَا، وَسَبْيَ السَّامِرَةِ وَبَنَاتِهَا، وَسَبْيَ مَسْبِيِّيكِ فِي وَسْطِهَا، 54- لِكَيْ تَحْمِلِي عَارَكِ وَتَخْزَيْ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلْتِ بِتَعْزِيَتِكِ إِيَّاهُنَّ. 55- وَأَخَوَاتُكِ سَدُومُ وَبَنَاتُهَا يَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِهِنَّ الْقَدِيمَةِ، وَالسَّامِرَةُ وَبَنَاتُهَا يَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِهِنَّ الْقَدِيمَةِ، وَأَنْتِ وَبَنَاتُكِ تَرْجِعْنَ إِلَى حَالَتِكُنَّ الْقَدِيمَةِ .56- وَأُخْتُكِ سَدُومُ لَمْ تَكُنْ تُذْكَرْ فِي فَمِكِ يَوْمَ كِبْرِيَائِكِ، 57- قَبْلَ مَا انْكَشَفَ شَرُّكِ، كَمَا فِي زَمَانِ تَعْيِيرِ بَنَاتِ أَرَامَ وَكُلِّ مَنْ حَوْلَهَا، بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ اللَّوَاتِي يَحْتَقِرْنَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. 58- رَذِيلَتُكِ وَرَجَاسَاتُكِ أَنْتِ تَحْمِلِينَهَا، يَقُولُ الرَّبُّ. 59- »لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَفْعَلُ بِكِ كَمَا فَعَلْتِ، إِذِ ازْدَرَيْتِ بِالْقَسَمِ لِنَكْثِ الْعَهْدِ. 60- وَلكِنِّي أَذْكُرُ عَهْدِي مَعَكِ فِي أَيَّامِ صِبَاكِ، وَأُقِيمُ لَكِ عَهْدًا أَبَدِيًّا. 61- فَتَتَذَكَّرِينَ طُرُقَكِ وَتَخْجَلِينَ إِذْ تَقْبَلِينَ أَخَوَاتِكِ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ، وَأَجْعَلُهُنَّ لَكِ بَنَاتٍ، وَلكِنْ لاَ بِعَهْدِكِ. 62- وَأَنَا أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكِ، فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، 63- لِكَيْ تَتَذَكَّرِي فَتَخْزَيْ وَلاَ تَفْتَحِي فَاكِ بَعْدُ بِسَبَبِ خِزْيِكِ، حِينَ أَغْفِرُ لَكِ كُلَّ مَا فَعَلْتِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ«.
ع52: قاضية : إذا قورنت خطايا يهوذا بخطايا الأمم المحيطة ، تحكم وتقضى بأنهن أبرّ منها.
يطالب الله عروسه مملكة يهوذا أن تحمل خزيها، أى تُنخس فى قلبها وتشعر بمدى جرمها فى حق الله، فهذا هو السبيل الوحيد لإصلاحها، أى أن بدء التوبة هو أن تشعر بخطيتها.
يذكرها الله بأن آثامها الشنيعة وزناها الروحى جعلاها قاضية على أخواتها السامرة وسدوم، فتجعلهن أفضل منها، أى تبررهن، ليس لأن خطاياها أكثر منهن، ولكن لأن فيها هيكل الله وتعرف وصاياه، فكيف تصنع الشر ؟! “ولكن الذى لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات، يضرب قليلاً. فكل من أعطى كثيراً يطلب منه كثير ومن يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر” (لو12: 48). فرجاسة ونجاسة مملكة يهوذا أكثر؛ لأن خطيتها تجازى بعقوبة أكبر من السامرة، حيث فى السامرة اختلطت عبادة الله بعبادة الأصنام التى أقامها يربعام بعد حكم سليمان، وخطايا السامرة أصعب من سدوم؛ لأن سدوم وثنية لا تعرف الله ولا وصاياه.
ثم يطالب الله عروسه مملكة يهوذا بأن تخجل، والخجل نتيجة الخزى، فبعد أن ينخس قلبها وتشعر بشناعة شرورها تكون متضعة أمام الله فى دموع التوبة وتخجل؛ لأنها أساءت إلى حبيبها وعريسها، وتطلب غفرانه ليعيدها إلى أحضانه. ويظل خجلها كلما نظرت إلى أخواتها فى الشر؛ السامرة وسدوم، وكيف زادت عنهن فى الشر وبررتهن ؟! فتزداد توبتها أمام الله. مثلما كان بولس الرسول يتذكر خطيته أنه اضطهد كنيسة المسيح، فيزداد اتضاعاً وتوبة. وكما كان يقول داود النبى “خطيتى أمامى دائماً” (مز51: 3) ليحتفظ بمشاعر التوبة والخجل أمام الله.
ع53: سبى مسبييك فى وسطها : شعب مملكة يهوذا المسبيين فى إسرائيل وسدوم. ويقصد رجوع المسبيين بيد الأمم إلى الله بالتوبة، وليس الرجوع إلى أورشليم.
تظهر هنا محبة الله الذى يشتاق إلى توبة عروسه، التى بسبب شرها تعرضت للسبى الأشورى والبابلى، وبعده احتلال مادى وفارس، ثم الاحتلال الإغريقى. ولكن يقصد بالأكثر سبى الخطية الذى خضعت له سنيناً طويلة، فتوبتها تعيدها إلى علاقتها الأولى مع الله فى محبة العروس لعريسها.
ولكن عندما يعيد المسبيين، يبدأ بإعادة سدوم وبناتها، أى شعبها؛ لأن سدوم أقل شراً بالقياس بشعب الله. ثم يعيد سبى السامرة وشعبها؛ لأنهم وإن كان أصلهم يهودى إلا أنهم اختلطوا بعبادة الأوثان. ويعود معهم المسبيون شعب مملكة يهوذا، أى بناتها، الذين كانوا يسكنون فى سدوم وفى السامرة، فيرجعون كلهم إلى الله. وحتى وقت كتابة هذه الآية لم يكن المسبيون قد عادوا إلى أورشليم؛ ولأنهم كانوا يسكنون حول الهيكل، فشرهم أعظم من الكل، لذلك لم يرحمهم الله إلا فى النهاية، أى ترك اليهود الذين كانوا يسكنون أورشليم فى احتقار، وذلك لعلهم يتوبون. وكان المفروض أن يكونوا أول التائبين بسبب قربهم من الهيكل، ومعرفتهم بالعبادة ولكن بسبب قساوة قلوبهم انغمسوا فى الخطية، ولكن فى النهاية تابوا، فأرجع إليهم المسبيين من اليهود بين الأمم، أى عادوا إلى أورشليم فى بداية مملكة مادى وفارس.
ع54: يرحم الله شعب سدوم الذين يعودون للإيمان بالله، وهذا يكمل فى الإيمان بالمسيح فى ملء الزمان. ويرحم أيضاً شعب السامرة، ويرحم كذلك المسبيين من شعب يهوذا فى سدوم وفى السامرة. وتخزى مملكة يهوذا، وتشعر بجرم خطيتها وعارها، إذ لم تستحق رحمة الله وبقيت للنهاية بعد هذه الشعوب. ولكثرة خطاياها جعلت هذه الشعوب تتعزى بغفران الله، والإيمان بالمسيح قبلها، فعندما يقول “بتعزيتك إياهن” يقصد أن شرورك جعلتهن يتعزين وينلن مراحم الله وغفرانه. وهذا واضح تاريخياً، إذ أن اليهود فى أورشليم هم الذين اضطهدوا المسيحية، أما الأمم واليهود الساكنين بينهم بعيداً عن أورشليم، فآمنوا خاصة على يد بولس الرسول. وحتى الآن مازال اليهود فى أورشليم وما حولها لم يرجعوا بعد إلى الله ويؤمنوا بالمسيح.
ع55: الحالة القديمة : العلاقة النقية مع الله، كما خلق الله آدم وحواء فى الجنة، أى حالة ما قبل السقوط.
أخيراً يرحم الله شعبه بأن يعيده إلى الحياة النقية قبل السقوط، وذلك من خلال الإيمان بالمسيح وسر المعمودية. وهذا حدث لسدوم أولاً، ثم السامرة، ثم يهوذا. وذلك كما شرحنا فى (ع52) لأن خطية يهوذا كانت أكبر من السامرة بسبب وجود هيكل الله عندها ومعرفتها الكاملة لوصاياه.
والمقصود بسدوم والسامرة ليس مدينة سدوم؛ لأنها قد اختفت الآن عن وجه الأرض، كما ذكرنا (ع45، 46) ولكن المقصود الشعوب الوثنية التى تخطئ خطايا كثيرة، كما هو مذكور فى (ع49). والمقصود بالسامرة الذين يؤمنون بالله ولهم بعض عقائد خاطئة؛ كل هؤلاء يرحمهم الله ويقبلهم ويؤمنون بالمسيح ويغفر خطاياهم السابقة.
ع56، 57: آرام : تقع شمال شرق بلاد اليهود وعاصمتها دمشق، أى سورية الحالية.
الفلسطينيين : يسكنون جنوب بلاد اليهود وجنوب شرقها حتى البحر الأبيض.
يوبخ الله عروسه مملكة يهوذا أنه فى أيام ابتعادها عن الله وكبريائها كانت تعتبر سدوم مثالاً للشر وتعتبر نفسها مبررة. فبكبرياء كانت لا تتحدث عن سدوم فهى مدينة ليست ذات قيمة فى نظرها لأنها شريرة، والحقيقة أن مملكة يهوذا كانت أشر من سدوم وقتذاك ولكن الكبرياء أعمى عينيها. وذلك كان فى فترة ما قبل سبى بابل، أى قبل أن تفضح خطاياها، وتعاقب بتدميرها وحرقها، فى هذا الوقت كانت الشعوب الأرامية وكذلك الفلسطينيون يحتقرون ويعيرون مملكة يهوذا لتزايدها فى الشر.
ع58: ويوجه الله كلامه لعروسه مملكة يهوذا بأنها مسئولة عن خطاياها ولا تنسب أخطاءها للبلاد المحيطة بها، أو تلتمس العذر لنفسها.
ع59: نكث العهد : الرجوع عن الالتزام بالعهد.
يعلن الله عقابه لشعبه بأنه سيجازيه بحسب أفعاله، ولأن أفعاله شريرة جداً سيعاقب عقاباً شديداً، لأنه رجع عن عهده مع الله أن يحيا له ولا يتكل على الأمم المحيطة، أو يرتبط بأوثانها بل كان المفروض ألا يخالطها. ولأن شعبه رجع عن عهده، فالله بالتالى مضطر أن يرجع عن عهده فى المحافظة على شعبه، فيعاقبه مستخدماً بابل لتأديبه.
ع60: اضطرار الله أن يرجع عن عهده ويعاقب شعبه ليس معناه رجوع الله عن العهد إلى الأبد، بل الله فى حنانه عندما يرى شعبه يتوب ويرجع إليه يسامحه ويذكر عهده مع شعبه عندما بدأ معه فى أيام صباه، أى عندما أدخله فى أرض الميعاد، وسحق الشعوب الوثنية أمامه. وقد تمم هذا الوعد بإرجاع شعبه من السبى، ثم تممه بالكمال فى المسيح الفادى الذى أعطى المؤمنين به حياة أبدية، أى يمتعهم بملكوته الأبدى.
ع61، 62: عندما يرى شعب الله غفرانه ومراحمه برجوعه من السبى، ثم إيمانه بالمسيح، يخجل من خطاياه السابقة وكل طرق الشر التى سار فيها ثم تاب عنها. فى هذا الوقت، أى بعد الإيمان بالمسيح تصبح أورشليم مركزاً لكنيسة العهد الجديد تنطلق منها نحو الأمم، فتقبل أخواتها السامرة، وسدوم ولكن فى الإيمان، ليس بعهد الشر الذى سارت فيه مع هذه الشعوب، بل بعهد جديد يهبه الله لها، هو عهد النعمة فى المسيح يسوع، الذى ستتمتع به مع جميع المؤمنين فى كل العالم.
والمقصود أيضاً بعهدها هو العهد القديم، عهد الناموس، الذى كسرته وسارت فى الخطية وعهد الله هو العهد الجديد فى المسيح يسوع.
ع63: فى العهد الجديد عندما تذكر عروسه، أى شعبه، الخطايا القديمة يخزى فى توبة واتضاع، ويرفض هذه الشرور، ويقبل إلى الله لينمو فى معرفته، ويظل فى حياة الاتضاع لا يفتح فاه بكبرياء متذكراً خطاياه السابقة دائماً فيحيا حياة التوبة ويعرف الله عندم يتم كل ما سبق الذى أنبأه به الله.
نلاحظ فى هذا الأصحاح سبعة مراحل مرت بها عروس الله، أى شعبه هى :
- سقوطها فى الخطية وارتباطها بالأوثان.
- مرور الله بها والستر عليها وغسلها وتطهيرها؛ لتصير عروساً له. وهذا ما حدث عند اختيار الله لنفسه شعباً خاصاً أيام إبراهيم واسحق ويعقوب.
- انحرافها وزناها روحياً بعبادتها الأوثان واتكالها على نفسها.
- تأديب الله لها بحرمانها من البركات الروحية والمادية بمضايقة الشعوب المحيطة بها.
- إذ لم تتجاوب العروس وتزايدت فى زناها، سمح الله لها بالتأديب الشديد فى السبى البابلى عند تدمير أورشليم وحرقها.
- غفران الله لعروسه ورجوعها من السبى وذلك على يد مادى وفارس.
- رحمة الله الكاملة لعروسه عند فدائها بدم المسيح؛ لتحيا له، بل تنضم الشعوب إليها عندما تؤمن.
- إن رحمة الله تفوق كل تصور، فمهما كانت خطاياك، ومهما كانت التأديبات التى مررت بها، فهو مستعد أن يغفر لك إن تبت، ويرفع عنك كل الضيقات ويرفعك ويباركك كأن لم يحدث شئ. فقم الآن، إرجع إليه بالتوبة، واقطع الخطية الشريرة التى تستعبدك من أجل محبته، مقدماً توبة واعترافاً، ثم تتناول من الأسرار الإلهية، فتمتلئ قوة وتتمتع بعشرته.