لغز الكرم والنِسرَيْن
(1) اللغز (ع1 – 10):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، حَاجِ أُحْجِيَّةً وَمَثِّلْ مَثَلاً لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ،
3- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: نَسْرٌ عَظِيمٌ كَبِيرُ الْجَنَاحَيْنِ، طَوِيلُ الْقَوَادِمِ، وَاسِعُ الْمَنَاكِبِ، ذُو تَهَاوِيلَ، جَاءَ إِلَى لُبْنَانَ وَأَخَذَ فَرْعَ الأَرْزِ. 4- قَصَفَ رَأْسَ خَرَاعِيبِهِ، وَجَاءَ بِهِ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، وَجَعَلَهُ فِي مَدِينَةِ التُّجَّارِ. 5- وَأَخَذَ مِنْ زَرْعِ الأَرْضِ وَأَلْقَاهُ فِي حَقْلِ الزَّرْعِ، وَجَعَلَهُ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. أَقَامَهُ كَالصَّفْصَافِ،6- فَنَبَتَ وَصَارَ كَرْمَةً مُنْتَشِرَةً قَصِيرَةَ السَّاقِ. انْعَطَفَتْ عَلَيْهِ زَرَاجِينُهَا وَكَانَتْ أُصُولُهَا تَحْتَهُ، فَصَارَتْ كَرْمَةً وَأَنْبَتَتْ فُرُوعًا وَأَفْرَخَتْ أَغْصَانًا. 7- وَكَانَ نَسْرٌ آخَرُ عَظِيمٌ كَبِيرُ الْجَنَاحَيْنِ وَاسِعُ الْمَنْكَبِ، فَإِذَا بِهذِهِ الْكَرْمَةِ عَطَفَتْ عَلَيْهِ أُصُولَهَا وَأَنْبَتَتْ نَحْوَهُ زَرَاجِينَهَا لِيَسْقِيَهَا فِي خَمَائِلِ غَرْسِهَا. 8- فِي حَقْل جَيِّدٍ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ هِيَ مَغْرُوسَةٌ لِتُنْبِتَ أَغْصَانَهَا وَتَحْمِلَ ثَمَرًا، فَتَكُونَ كَرْمَةً وَاسِعَةً. 9- قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ تَنْجَحُ؟ أَفَلاَ يَقْلَعُ أُصُولَهَا وَيَقْطَعُ ثَمَرَهَا فَتَيْبَسَ؟ كُلٌّ مِنْ أَوْرَاقِ أَغْصَانِهَا تَيْبَسُ، وَلَيْسَ بِذِرَاعٍ عَظِيمَةٍ أَوْ بِشَعْبٍ كَثِيرٍ لِيَقْلَعُوهَا مِنْ أُصُولِهَا.
10- هَا هِيَ الْمَغْرُوسَةُ، فَهَلْ تَنْجَحُ؟ أَلاَ تَيْبَسُ يَبْسًا كَأَنَّ رِيحًا شَرْقِيَّةً أَصَابَتْهَا؟ فِي خَمَائِلِ نَبْتِهَا تَيْبَسُ».
ع1، 2: أحجية : لغز.
ينادى الله نبيه حزقيال معلناً له النبوة الآن بشكل لغز، أو مثل، أو تشبيه؛ ليقرب المعنى حتى يتأثر شعبه، ويفهم مقاصده الإلهية، ويرجع إليه بالتوبة.
ع3: القوادم : الريش الطويل الذى يوجد فى مقدم جناح النسر.
المناكب : الأكتاف ومفردها منكب وهو الكتف ويقصد به الجناح.
تهاويل : ألوان.
الأرز : شجر طويل خشبه متين وثمين ودائم الخضرة وينبت بكثرة على جبال لبنان وتتميز به.
تبدأ النبوة، أو اللغز بتقديم نسر ضخم شكله عظيم، له جناحان كبيران، وريشه طويل، خاصة الذى فى مقدمة جناحه، وبالتالى أجنحته طويلة، ولون ريشه مختلف، أى ذو ألوان كثيرة جميلة. وقد جاء هذا النسر العظيم إلى لبنان، وأخذ الفرع المميز فى شجرة الأرز، أو شجرة مميزة بين أشجار الأرز.
ع4: خراعيبه : فروعه الطرية الحديثة النبت.
هذا الفرع المميز، أو الشجرة المميزة كسر النسر الكبير فروعها، ثم أخذها إلى كنعان فى مدينة التجار وهى مدينة متسعة تكثر فيها التجارة ووضعها هناك.
ع5: يستكمل اللغز فيقول أن النسر الكبير أخذ من نباتات الأرض التى أخذ منها شجرة الأرز، وغرس هذا النبات فى نفس الأرض التى كان بها، وغرسه على مجرى مياه حيث تكثر المياه، وجعله مثل شجرة الصفصاف الكثيرة الظل.
ع6: زراجينها : فروع الكرمة التى تسمى القضبان.
أصولها : جذورها.
هذا النبات المزروع على المياه الذى يشبه الصفصاف ازداد نموه، فصار كشجرة العنب، أى قصير الطول وممتد الأغصان. وامتدت قضبان هذه الكرمة نحو النسر الكبير، وجذورها كانت تحته. واستمر هذا النبات، الذى مثل الكرمة، فى النمو، فأعطى أغصاناً وفروعاً كثيرة.
ع7: الخمائل : الشجر الكثيف المتشابك.
يضيف الله هنا ظهور نسر آخر عظيم فى شكله وقوته، له جناحان كبيران طويلان. ولكن يفهم أنه أقل من النسر الأول، إذ ليس له قوادم ولا تهاويل. هذا النسر امتدت إليه جذور الكرمة المزروعة على المياه الكثيرة وكذلك فروعها؛ ليساعدها هذا النسر الثانى بسقيها بالماء فى مكانها لتكثر فروعها المتشابكة.
ع8: بهذا تصير الكرمة مغروسة فى حقل جيد، وبجوار مياه كثيرة ترويها كما تحتاج؛ لتنمو بقوة، ويكون لها أغصان كثيرة، وثمار جيدة، فتصبح كرمة ممتدة الأغصان.
ع9، 10: ثم يتساءل الله داخل اللغز ويقول لحزقيال هل تنجح هذه الكرمة باتصالها بالنسرين فتصير كرمة عظيمة، أم يقلعها النسر الأكبر بجذورها وفروعها ويقضى على ثمارها بسهولة، أى لا يحتاج إلى عدد كبير معه لقلعها ؟ وفى النهاية هل تيبس هذه الكرمة كأن ريحاً شرقية حارة قد لفحتها رغم فروعها الكثيفة فتجف وتنتهى؟
إن الله مضطر أن يحدثنا بالأمثال من خلال الأحداث التى تمر بنا، لأننا نهمل قراءة كلامه وطاعة وصاياه. فليتنا نتعلم من الأحداث المحيطة بنا، فهى رسالة شخصية من الله موجهة لنا.
(2) تفسير اللغز ( ع11-21) :
11- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً:12- «قُلْ لِلْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ: أَمَا عَلِمْتُمْ مَا هذِهِ؟ قُلْ: هُوَذَا مَلِكُ بَابِلَ قَدْ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَخَذَ مَلِكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا وَجَاءَ بِهِمْ إِلَيْهِ إِلَى بَابِلَ. 13- وَأَخَذَ مِنَ الزَّرْعِ الْمَلِكِيِّ وَقَطَعَ مَعَهُ عَهْدًا وَأَدْخَلَهُ فِي قَسَمٍ، وَأَخَذَ أَقْوِيَاءَ الأَرْضِ، 14- لِتَكُونَ الْمَمْلَكَةُ حَقِيرَةً وَلاَ تَرْتَفِعَ، لِتَحْفَظَ الْعَهْدَ فَتَثْبُتَ.15- فَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ بِإِرْسَالِهِ رُسُلَهُ إِلَى مِصْرَ لِيُعْطُوهُ خَيْلاً وَشَعْبًا كَثِيرِينَ. فَهَلْ يَنْجَحُ؟ هَلْ يُفْلِتُ فَاعِلُ هذَا؟ أَوْ يَنْقُضُ عَهْدًا وَيُفْلِتُ؟ 16- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنَّ فِي مَوْضِعِ الْمَلِكِ الَّذِي مَلَّكَهُ، الَّذِي ازْدَرَى قَسَمَهُ وَنَقَضَ عَهْدَهُ، فَعِنْدَهُ فِي وَسْطِ بَابِلَ يَمُوتُ. 17- وَلاَ بِجَيْشٍ عَظِيمٍ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ يُعِينُهُ فِرْعَوْنُ فِي الْحَرْبِ، بِإِقَامَةِ مِتْرَسَةٍ وَبِبِنَاءِ بُرْجٍ لِقَطْعِ نُفُوسٍ كَثِيرَةٍ. 18- إِذِ ازْدَرَى الْقَسَمَ لِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَهُوَذَا قَدْ أَعْطَى يَدَهُ وَفَعَلَ هذَا كُلَّهُ فَلاَ يُفْلِتُ.
19- لأَجْلِ ذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: حَيٌّ أَنَا، إِنَّ قَسَمِي الَّذِي ازْدَرَاهُ، وَعَهْدِي الَّذِي نَقَضَهُ، أَرُدُّهُمَا عَلَى رَأْسِهِ. 20- وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ فِي شَرَكِي، وَآتِي بِهِ إِلَى بَابِلَ وَأُحَاكِمُهُ هُنَاكَ عَلَى خِيَانَتِهِ الَّتِي خَانَنِي بِهَا. 21- وَكُلُّ هَارِبِيهِ وَكُلُّ جُيُوشِهِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَالْبَاقُونَ يُذَرُّونَ فِي كُلِّ رِيحٍ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ.
ع11، 12: قد يتساءل البعض لماذا يفسر الله اللغز بعده مباشرة ؟ قد يكون هناك فترة زمنية بين إلقاء حزقيال اللغز، ثم تفسيره، هل مدة أسبوع أو شهر ؟ لا تعرف. ولكن وجود فترة تجعل شعب الله ينتبه ويشتاق لمعرفة تفسير اللغز، والمقصود فى النهاية التوبة.
يبدأ الله بنفسه فى تفسير اللغز الذى أعطاه لشعبه فقال، إن النسر الأعظم المذكور أولاً هو ملك بابل الذى جاء إلى يهوذا، فأخذ ملكها الذى هو فرع الأرز؛ لأن الأرز يقصد به ليس أرز لبنان المعروف باسمها الآن، ولكن الأشجار الكبيرة التى تنمو بجوار قرى مملكة يهوذا. وترمز هذه الأشجار الكبيرة، أى الأرز، إلى ملك يهوذا وهو يهوياكين، الذى لم يملك إلا ثلاثة أشهر، ثم قبض عليه نبوخذنصر هو والرؤساء الذين معه، وأتى بهم إلى بابل. وكنعان المذكورة فى (ع4) ترمز إلى بابل، إذ أن كنعان تعنى اللعنة، فنوح لعن ابنه كنعان. وبابل تمثل الشر. كما أن لبنان – كما قلنا – ترمز إلى قرى يهوذا حيث تكثر الأشجار على جبالها مثل الأرز على جبال لبنان.
يقدم الله هذا التفسير على لسان حزقيال لشعبه الذى يصفهم الله بالتمرد، أى يدعوهم الله للرجوع عن تمردهم عليه والتوبة.
ع13، 14: ثم اختار نبوخذنصر ملك بابل من العائلة الملكية شخصاً آخر غير الملك يهوياكين وهو متنيا عمه، أى أخى الملكين يهوياقيم ويهوآحاز، الذين هم جميعاً أولاد الملك يوشيا الصالح. ثم غير اسم متنيا إلى صدقيا وجعله ملكاً على البلاد بدلاً من يهوياكين، وكان عمره وقتذاك 21 عاماً، ويتميز بشخصية ضعيفة؛ لذا اختاره نبوخذنصر ليكون خاضعاً له بسهولة. والمقصود بالحقل فى (ع5) هو مملكة يهوذا، والمياه الكثيرة هى خيرات هذه المملكة. ويؤكد فى هذه الآية ماقاله فى الآية السابقة أنه أخذ أقوياء الأرض، أى كل المتميزين فى الحرف والعلم ليدعم بها مملكته، ووضعهم فى العاصمة بابل، وهم الذين يرمز إليهم بالخراعيب فى (ع4). وبهذا بعد أخذ الأقوياء والملك القوى تصبح مملكة يهوذا ضعيفة، وتخضع بسهولة فى عهودها مع مملكة بابل.
ع15: نقض صدقيا ملك يهوذا الجديد الذى أقامه نبوخذنصر عهده معه، وقطع عهداً مع مصر التى كانت الإمبراطورية الأولى فى العالم قبل آشور وبابل ومازالت تحتفظ وقتذاك بقوة ليست بقليلة. وغرض هذا العهد أن يساند خفرع ملك مصر صدقيا ملك يهوذا بالخيل والرجال الكثيرين ليكون له قوة حربية أكبر. وخفرع ملك مصر هو النسر العظيم المذكور فى اللغز، أى النسرالثانى، الذى امتدت إليه جذور وفروع الكرمة، أى أرسل صدقيا رسله إلى مصر ليعاهده ويعتمد عليه. وتناسى صدقيا هنا أمرين :
- أنه تحت سيطرة ملك بابل وقد عقد معه معاهدة، كما يذكر فى اللغز أن جذور ملك يهوذا كانت تحت النسر الأعظم، أى تحت سيطرة بابل، وأن فروعه امتدت نحو ملك بابل أى عاهده. ومن الخطأ الكبير أن يكسر عهده فيكون صورة سيئة لأولاد الله الذين لا يحترمون العهود، رغم أن ملك بابل شرير، ولكن لا يصح أن يكسر صدقيا عهده معه.
- كان ينبغى على صدقيا أن يلتجئ إلى الله ولا يعتمد على مصر، أو على أية قوة للتخلص من ملك بابل.
كن صادقاً فى كلامك مع الجميع وأميناً فى عهودك، حتى مع من يسيئون إليك؛ لتكون صورة للمسيح وتمجد اسمه، فيرون محبتك وأمانتك، ويحبون المسيح الذى فيك.
ع16: عندما رأى نبوخذ نصر صدقيا يكسر عهده معه ويعاهد ملك مصر تدخل بجيوشه وحاصر أورشليم، وقبض على صدقيا وقتل أولاده، وأخذ رؤساءه وفقأ عينيه، وأتى به وسجنه فى بابل وعاش هناك حتى مات.
ع17: مترسة : حائط يحتمى وراءه المهاجمون المحاصرون للمدينة؛ حتى لا يهرب أحد من أهلها.
عندما هاجم نبوخذنصر أورشليم خاف ملك مصر ولم يأتِ لنجده صدقيا بجيش عظيم، ولم يقم مترسة ولا برجاً لمقاومة نبوخذنصر، بل على العكس أقام نبوخذنصر متاريس وأبراج على أورشليم عندما حاصرها، ثم هاجمها وقبض على ملكها ورؤسائها ودمرها.
ع18: ازدرى : احتقر.
كل هذا العقاب وقع على صدقيا ملك يهوذا، لأنه نقض عهده مع بابل، فقبض عليه وسجنوه فى بابل.
ع19: إن كان صدقيا قد نقض عهده مع نبوخذنصر فهاجمه وقبض عليه ودمر أورشليم، كل هذا حدث لأن صدقيا قبل ذلك نقض عهده مع الله، وأقام الأوثان فى أورشليم، وترك شعبه يكسرون وصايا الله، ويسقطون فى شهوات كثيرة. فنبوخذنصر أداة يستخدمها الله لتأديب صدقيا وشعبه، وليس مجرد انتقام بابل من أحد الممالك التى هى يهوذا.
ع20: شرك : فخ.
يعلن الله أنه هو المسئول عن تأديب صدقيا والشعب الساكن فى أورشليم وما حولها. ويعلن أن بابل هى الشبكة والفخ الذى وضعه لتأديب شعبه وملكهم صدقيا. وأن الله هو الذى قبض على صدقيا وسجنه فى بابل عقاباً على خطاياه.
ع21: يستكمل الله كلامه عن أبناء شعبه الذين سيهربون من أورشليم، سيقتلهم جيش بابل. والباقون يقبض عليهم، ويشتتهم فى بلاد المملكة البابلية، وبهذا تنتهى قوة مملكة يهوذا بعد قتل وتشتيت جيشها ورجالها. وعندما يحدث كل هذا يتأكد شعب الله من صدق كلامه؛ لعلهم حينئذ يتوبون.
(3) المملكة الجديدة (ع22-24):
22- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَآخُذُ أَنَا مِنْ فَرْعِ الأَرْزِ الْعَالِي وَأَغْرِسُهُ، وَأَقْطِفُ مِنْ رَأْسِ خَرَاعِيبِهِ غُصْنًا وَأَغْرِسُهُ عَلَى جَبَل عَال وَشَامِخٍ. 23- فِي جَبَلِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِي أَغْرِسُهُ، فَيُنْبِتُ أَغْصَانًا وَيَحْمِلُ ثَمَرًا وَيَكُونُ أَرْزًا وَاسِعًا، فَيَسْكُنُ تَحْتَهُ كُلَّ طَائِرٍ، كُلُّ ذِي جَنَاحٍ يَسْكُنُ فِي ظِلِّ أَغْصَانِهِ.
24- فَتَعْلَمُ جَمِيعُ أَشْجَارِ الْحَقْلِ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، وَضَعْتُ الشَّجَرَةَ الرَّفِيعَةَ، وَرَفَعْتُ الشَّجَرَةَ الْوَضِيعَةَ، وَيَبَّسْتُ الشَّجَرَةَ الْخَضْرَاءَ، وَأَفْرَخْتُ الشَّجَرَةَ الْيَابِسَةَ. أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ وَفَعَلْتُ».
ع22: يعلن الله أنه سيأخذ فرع أرز عالى، أى شجرة قوية مرتفعة نحو السماء، ويقصد بها داود النبى ونسله، فداود إنسان روحانى قلبه مثل قلب الله، ويخرج من نسله ملوك صالحين، ثم يأتى المسيح مخلص العالم كله.
بعد أن يغرس شجرة الأرز العالية، أى التى تحيا حياة سماوية، وهى داود ونسله، يأخذ منها فرعاً طرياً، هو المسيح الذى عاش متضعاً فى العالم بين البشر وحمل خطايا العالم كله على الصليب وفدانا.
هذا الغصن يغرسه الله على جبل عال. والجبل يرمز للثبات والقوة والارتفاع نحوالسماء، أى الحياة السماوية وكل هذا ينطبق على المسيح وكنيسته، أى جسده وهم المؤمنين به.
ع23: يستكمل الله كلامه عن المملكة الجديدة، أى كنيسة العهد الجديد، التى يؤسسها المسيح بدمه المسفوك على الصليب، فيقول عنها، أنها تكون فى جبل إسرائيل، أى أن المسيح يولد ويعيش ويصلب فى أورشليم وهى جبل، ليس فقط لأن أورشليم مبنية على مجموعة جبال، ولكن لأن فيها الآباء والأنبياء والوصايا والوعود الإلهية، فهم شعب الله الذى هو مثل جبل بين الأمم البعيدين عن الله.
هذا الغصن، أى المسيح ينبت أغصاناً ويحمل ثمراً، هم المؤمنين به، الذين يتحلون بالفضائل، وهى ثمار الروح القدس.
شجرة الأرز هذه، أى المسيح، يصفها بأنها تكون متسعة، كما وصف المسيح الكنيسة عندما قال مثل حبة الخردل الصغيرة التى تصير شجرة كبيرة جداً (مت13: 31-34).
ويضيف أيضاً أن فى هذه الشجرة تتآوى طيور السماء، ويقصد المؤمنين بالمسيح الذين يحيون حياة سماوية، ويأتون من كل العالم، سواء من أصل يهودى، أو أممى. فالمسيح يعطى الخلاص للعالم كله.
ع24: يعلن الله حقيقة هامة أن كل أشجار الحقل، أى كل البشر سيعلمون أمراً هاماً، وهو أن الله يضع المتكبرين ويرفع المتضعين، كما قالت العذراء فى تسبحتها (لو1: 52).
والشجرة الرفيعة يقصد بها إمبراطوريات العالم، وهى مصر وأشور وبابل ومادى وفارس واليونان والرومان، أى كل متعظم ظهر على الأرض. ويقصد بالشجرة الوضيعة مملكة يهوذا، التى كانت مذلولة، أو شعبه الذى تذلل تحت يد الأمم يرفعه بالإيمان إلى الحياة السماوية.
ويقول الله أيضاً أن الشجرة الخضراء المملوءة قوة وحيوية، ويقصد بها الأمم المتعظمة، والإمبراطوريات القوية، وكل إنسان متكبر، يجعل الله كل هؤلاء يابسين وفى جفاف، أى يفقدون قوتهم وعظمتهم. وفى نفس الوقت يجعل الشجرة اليابسة، أى شعبه المذلول يفرخ ويعطى أغصاناً كثيرة قوية، ويقصد بها كنيسته المضطهدة فى أورشليم تنتشر فى العالم كله وتضم الأمم.
ويقصد بالشجرة اليابسة أيضاً شعوب الأمم الذين كانوا مرفوضين بسبب عدم الإيمان، فيصيروا مملوءين قوة وحيوية عندما يؤمنون.
والشجرة الخضراء يمكن أن ترمز لليهود المتعظمين فى نظر أنفسهم، فيفقدوا علمهم وقوتهم بسبب عدم إيمانهم بالمسيح. عجيب أنت يا رب في محبتك للضعفاء والمتضعين المتكلين عليك، فترفعهم وتمجدهم، ليس فقط في السماء، ولكن أيضاً على الأرض، عندما تخزى بهم كبرياء المتعظمين وحكمة الحكماء في أعين أنفسهم. لذلك يا أخى ليتنا نتضع أمام الله من أجل كثرة خطايانا؛ حتى نتعلم أن نتضع أمام كل أحد، فيرحمنا الله ويرفعنا إليه، فنشعر بوجوده في حياتنا، ثم ننال أمجاد الملكوت.