دينونة صور
(1) خطية صور (ع1-2):
1- وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ قَائِلاً:
2- «يَا ابْنَ آدَمَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ صُورَ قَالَتْ عَلَى أُورُشَلِيمَ: هَهْ! قَدِ انْكَسَرَتْ مَصَارِيعُ الشُّعُوبِ. قَدْ تَحَوَّلَتْ إِلَيَّ. أَمْتَلِئُ إِذْ خَرِبَتْ.
ع1، 2: صور : مدينة ساحلية فى فينيقية، أى لبنان الحالية وتقع على البحر الأبيض. ويوجد أيضاً جزيرة فى البحر تسمى صور البحرية. وصور البرية والبحرية كانتا مدينتان مشهورتان بالتجارة عن طريق البحر أكثر من كل مدن العالم القديم وخاصة مصر. وقد حاصر نبوخذنصر صور البرية مدة حوالى أربعة عشر سنة، ولم يستطع أن يدمرها، ولكنها تفاوضت معه وخضعت له، ولكن بعد ذلك جاء الإسكندر الأكبر فى القرن الرابع قبل الميلاد، ودمر صور البرية، وألقى حجارتها فى البحر فصارت جسراً عبر عليه إلى صور البحرية، ودمرها. ومازالت صور البحرية صخرة مهجرة وسط البحر حتى الآن، وأسست فيها كنيسة كانت تابعة لكرسى أنطاكية. وكانت صور القديمة تتميز بالغنى والكبرياء، اعتماداً على غناها وحصانتها، إذ يصعب اقتحامها خاصة صور البحرية. وقد بنيت مدينة جديدة صغيرة سميت باسم صور، وهى ليست لها علاقة بصور القديمة، ولا تقارن بعظمتها، وذكرت أيام المسيح (مت15: 21) [خريطة رقم (1)].
كانت أورشليم فى يد بابل فى هذا الوقت، وهو عام 586 ق.م. جاءت هذه النبوة لحزقيال عن صور العظيمة، التى تميزت عن باقى بلاد العالم فى التجارة. وخطية صور هى الطمع والشماتة فى سقوط أورشليم، فعندما سقطت أورشليم فرحت صور واستهزأت وشمتت بقولها “هه”.
وأطلقت على أورشليم “مصاريع الشعوب”، إذ أن أورشليم كانت مدينة كبيرة حصينة وتنافسها أيضاً فى التجارة، فكانت أورشليم تستولى على الطرق البرية فى التجارة الآتية من مصر والذاهبة إلى بابل والبلاد المختلفة، أما صور فسيطرت على التجارة البحرية. فعندما سقطت أورشليم فرحت صور بأن منافستها قد زالت، وبهذا يحدث ما يلى :
- تتحول التجارة كلها إلى صور.
- كانت أورشليم تفرض ضرائب على القوافل الآتية من صور، فبسقوط أورشليم تزول هذه الضرائب، مما يزيد تجارة صور.
- إذ خربت أورشليم، داستها واستغلتها الشعوب المحيطة، ومنها صور التى تستطيع أيضاً أن تدخل أورشليم، وتأخذ من خيراتها، وتسبى من سكانها عبيداً.
لا تتعلق بشهوات العالم ومادياته، حتى لا تنجرف في الطمع، فتدين غيرك وتسقط في الغيرة منه، وتطمع في ممتلكاته، فهذا فخ شيطانى يبعدك عن الله. ولا تنسى أن ماديات العالم زائلة ومتقلبة، ويمكن أن تخسر كل شئ فجأة نتيجة تقلبات العالم المستمرة.
(2) عقاب صور (ع3-6):
3- لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكِ يَا صُورُ فَأُصْعِدُ عَلَيْكِ أُمَمًا كَثِيرَةً كَمَا يُعَلِّي الْبَحْرُ أَمْوَاجَهُ. 4- فَيَخْرِبُونَ أَسْوَارَ صُورَ وَيَهْدِمُونَ أَبْرَاجَهَا. وَأَسْحِي تُرَابَهَا عَنْهَا وَأُصَيِّرُهَا ضِحَّ الصَّخْرِ، 5- فَتَصِيرُ مَبْسَطًا لِلشِّبَاكِ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ، لأَنِّي أَنَا تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَتَكُونُ غَنِيمَةً لِلأُمَمِ. 6- وَبَنَاتُهَا اللَّوَاتِي فِي الْحَقْلِ تُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع3: يعلن الله عقابه لصور بالأسلوب الذى تفهمه، فإن كانت صور شمتت بأورشليم، وانتظرت أن تتحول سفن التجارة إليها، فعلى العكس ستهجم عليها الأمواج، أى الهجوم البابلى، ثم الهجوم اليونانى، الذى يدمرها تماماً على يد الإسكندر الأكبر.
ع4: أسحى : أجرف وأكنس.
ضح الصخر : يصير الصخر عارياً.
يذكر الله تفاصيل هجوم الشعوب على صور، ويقصد الهجوم اليونانى الذى يخرب المدينة البرية ويهدم أسوارها وأبراجها، ويجرف حجارتها وترابها إلى البحر، فتصير معبراً لجنود اليونان، فيدمرون أيضاً صور البحرية. ونلاحظ أن الله يعلن أنه هو الذى يعاقب صور، فيسحى ترابها، ويجعلها صخوراً عارية، وذلك عن طريق الجيش اليونانى.
ع5: بعد هدم صور البحرية تصير صخرة فى البحر، يبسط عليها الصيادون شباكهم بعد انتهائهم من الصيد، وينهب خيراتها الشعوب، لأن القرار من الله ولابد أن يتم.
ع6: يعلن الله أيضاً أن بنات صور سيقتلن بالسيف ويقصد بهن :
- سكان صور الذين كانوا فى الحقول المحيطة بها.
- البلاد المجاورة التى أنشأتها صور، وكانت ترعاها وتقتات من تجارتها.
بإهلاك صور وكل من يتبعها، سيعلم العالم كله والباقون من صور أن كلام الله على فم حزقيال قد تحقق؛ لعل هذا يدعوهم إلى الإيمان.
إن الشر نتيجته الحتمية هى الهلاك؛ لذلك احترس من الشر مهما بدا جذاباً فالكبرياء تملأ الإنسان زهواً وفرحاً، ولكنها لابد أن تهلكه. فابتعد عن كل ما يقودك للكبرياء، مثل محبة المديح.
(3) كيف تسقط صور (ع7-14):
7- « لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَى صُورَ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ مِنَ الشِّمَالِ، مَلِكَ الْمُلُوكِ، بِخَيْل وَبِمَرْكَبَاتٍ وَبِفُرْسَانٍ وَجَمَاعَةٍ وَشَعْبٍ كَثِيرٍ، 8- فَيَقْتُلُ بَنَاتِكِ فِي الْحَقْلِ بِالسَّيْفِ، وَيَبْنِي عَلَيْكِ مَعَاقِلَ، وَيَبْنِي عَلَيْكِ بُرْجًا، وَيُقِيمُ عَلَيْكِ مِتْرَسَةً، وَيَرْفَعُ عَلَيْكِ تُرْسًا،
9- وَيَجْعَلُ مَجَانِقَ عَلَى أَسْوَارِكِ، وَيَهْدِمُ أَبْرَاجَكِ بِأَدَوَاتِ حَرْبِهِ. 10- وَلِكَثْرَةِ خَيْلِهِ يُغَطِّيكِ غُبَارُهَا. مِنْ صَوْتِ الْفُرْسَانِ وَالْعَجَلاَتِ وَالْمَرْكَبَاتِ تَتَزَلْزَلُ أَسْوَارُكِ عِنْدَ دُخُولِهِ أَبْوَابَكِ، كَمَا تُدْخَلُ مَدِينَةٌ مَثْغُورَةٌ. 11- بِحَوَافِرِ خَيْلِهِ يَدُوسُ كُلَّ شَوَارِعِكِ. يَقْتُلُ شَعْبَكِ بِالسَّيْفِ فَتَسْقُطُ إِلَى الأَرْضِ أَنْصَابُ عِزِّكِ. 12- وَيَنْهَبُونَ ثَرْوَتَكِ، وَيَغْنَمُونَ تِجَارَتَكِ، وَيَهُدُّونَ أَسْوَارَكِ، وَيَهْدِمُونَ بُيُوتَكِ الْبَهِيجَةَ، وَيَضَعُونَ حِجَارَتَكِ وَخَشَبَكِ وَتُرَابَكِ فِي وَسْطِ الْمِيَاهِ. 13- وَأُبَطِّلُ قَوْلَ أَغَانِيكِ، وَصَوْتُ أَعْوَادِكِ لَنْ يُسْمَعَ بَعْدُ. 14- وَأُصَيِّرُكِ كَضِحِّ الصَّخْرِ، فَتَكُونِينَ مَبْسَطًا لِلشِّبَاكِ. لاَ تُبْنَيْنَ بَعْدُ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
ع7: نبوخذراصر : أعظم ملوك زمانه، وهذا هو النطق البابلى لإسمه، ومعنى إسمه الإله نبو حامى الحدود. أما اليهود فدعوه نبوخذنصر.
يذكر تفاصيل سقوط صور، وذلك بهجوم نبوخذراصر ملك بابل أعظم الملوك وقتذاك. وقد هجم من الشمال الشرقى، أى من بابل، وأتى على أورشليم، ثم ربة بنى عمون، ثم صور. وكان جيشه عظيماً، يشمل مركبات وخيل وفرسان وعدد ضخم من الجنود، محملين بأسلحة كثيرة تستطيع التغلب على البلاد المختلفة.
ع8: معاقل : حصون.
ترس : قطعة خشبية مغطاة بالجلد، لها عروة من الخلف، يدخل فيها الجندى يده، ويحركها أمام رأسه وجسده لتحميه من سهام الأعداء.
فى هجوم نبوخذراصر على صور؛ ليستولى عليها عمل ما يلى :
- قتل بناتها بالسيف، وليس المقصود فقط قتل سكانها الموجودين فى الحقول، ولكن هدم المدن الصغيرة التابعة لصور والمجاورة لها، والتى تقتات من تجارتها.
- بنى حول صور معاقل ليتحصن جيشه فيها، ويضرب كل شخص يحاول الهروب منها.
- بنى أبراجاً حول المدينة، لمراقبة كل ما يحدث فى داخلها؛ ليسهل عليه اقتحامها فى الوقت المناسب.
- أقام حول أسوار صور مترسة، أى حوائط يحتمى جيشه وراءها، ويضرب كل من يحاول الخروج من المدينة.
- هجم بجيوشه، وكل جندى يحمل فى ذراعه ترساً يحميه، فيضرب الصوريين ويحمى نفسه من أية ضربة.
ع9: مجانق : آلات حربية قديمة، يلقى من خلالها أحجار، أو كرات مشتعلة بالنار، فتقذف من بعد على المدينة.
يستكمل الله مايعمله جيش نبوخذراصر عند استيلائه على صور فيقول :-
- وضع المجانق حول الأسوار؛ ليلقى من خلالها النار والحجارة داخل المدينة لإشعالها وإصابة سكانها.
- هدم الأبراج، التى بناها الصوريون على أسوار مدينتهم؛ ليراقبوا مايحدث خارجاً، وبهذا عجزوا عن رؤية ما يعمله البابليون. واستخدم جيش بابل كل أسلحته؛ حتى سقطت هذه الأبراج.
ع10: مثغورة : مدينة عملت فى أسوارها فتحات ليدخل منها الجنود.
بعد فتح المدينة يهجم جيش بابل بخيوله وفرسانه ومركباته، فيدوس شوارع صور، وإذ يجرون بسرعة يثيرون غباراً كثيراً يغطى المدينة وذلك لكثرة خيول بابل. ويكون صوتهم قوياً، حتى أنه يهز أسوار المدينة، وهكذا تظهر صور أنها مدينة فتحها واستولى عليها نبوخذراصر ويظهر ضعفها، فلم تعد مدينة حصينة، بل كمدينة بها ثغرات وليس لديها حماية.
ع11: أنصاب عزك : حوائط وأعمدة عظيمة تقام لتمجيد آلهة المدينة.
وفيما تجرى الخيول والمركبات داخل المدينة، تدوس كل من يقابلها من السكان وتقتله.
وعندما يدخلون المدينة يهدمون كل ما فيها، خاصة أنصاب الآلهة؛ ليشعر السكان بتحطيم قوتهم وسندهم، فيستسلمون.
ع12: بعد دخول المدينة وقتل الكثيرين فيها، يستولون على خيراتها وبضائعها الموجودة داخلها والتى كانت كثيرة ونفيسة.
ويستكملون هدم أسوار المدينة؛ لتفقد أية حماية لها.
ويهدمون القصور المقامة فيها والبيوت العظيمة.
بعد هدم الكثير من بيوت المدينة وأسوارها، يلقون حجارتها وأخشابها وترابها فى البحر، أى يغرقون المدينة فى البحر وهذه الأحجار هى التى استطاع – فيما بعد، الإسكندر الأكبر – استخدامها فى العبور إلى صور البحرية، التى فى وسط البحر وتدميرها.
ع13: بهذا تبطل بابل كل الأفراح داخل صور. وهذه الأفراح كان جزءاً كبيراً منها شماتة فى سقوط أورشليم، فيحولها جيش بابل إلى أحزان.
ع14: بهذا تجعل بابل صور صخوراً عالية يلقى عليها الصيادون شباكهم، بعد انتهاء صيدهم، أى أنها أصبحت مدينة مهجورة، عبارة عن أطلال.
يقرر الله أن صور لن تبنى بعد ذلك، وهذا ما حدث فعلاً ولكن على بعد منها بنيت مدينة حقيرة وصغيرة دعت نفسها بإسم صور.
بهذا يتم كلام الله على فم حزقيال، وعندما يتم، تعرف الشعوب أن الله هو الإله الذى يتنبأ عن كل مدن العالم، مهما كانت عظيمة، فيؤمنون ويرجعون إليه.
ونرى بسقوط صور كيف تحولت أطماعها فى الغنى والشهرة واللذة إلى العكس تماماً، فتحطمت وفقدت غناها وقوتها وتجارتها وكل أفراحها.
إن الشيطان يريد أن يحطم كل شئ فيك، ويظهر جبروته عليك، ولكنك تستطيع أن تقف أمامه وتهزمه، فقط بالاعتماد على الله، وليس على قوتك وإمكانياتك الشخصية، فأنت أقوى منه بالله مهما كان ضعفك. آمن بهذا وتمسك بوصايا الله فيخاف منك إبليس.
(4) خوف الجزائر من سقوط صور (ع15-19):
15- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِصُورَ: أَمَا تَتَزَلْزَلُ الْجَزَائِرُ عِنْدَ صَوْتِ سُقُوطِكِ، عِنْدَ صُرَاخِ الْجَرْحَى، عِنْدَ وُقُوعِ الْقَتْلِ فِي وَسْطِكِ؟ 16- فَتَنْزِلُ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْبَحْرِ عَنْ كَرَاسِيِّهِمْ، وَيَخْلَعُونَ جُبَبَهُمْ، وَيَنْزِعُونَ ثِيَابَهُمُ الْمُطَرَّزَةَ. يَلْبِسُونَ رَعْدَاتٍ، وَيَجْلِسُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَيَرْتَعِدُونَ كُلَّ لَحْظَةٍ، وَيَتَحَيَّرُونَ مِنْكِ. 17- وَيَرْفَعُونَ عَلَيْكِ مَرْثَاةً وَيَقُولُونَ لَكِ: كَيْفَ بِدْتِ يَا مَعْمُورَةُ مِنَ الْبِحَارِ، الْمَدِينَةُ الشَّهِيرَةُ الَّتِي كَانَتْ قَوِيَّةً فِي الْبَحْرِ هِيَ وَسُكَّانُهَا الَّذِينَ أَوْقَعُوا رُعْبَهُمْ عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِهَا؟ 18- اَلآنَ تَرْتَعِدُ الْجَزَائِرُ يَوْمَ سُقُوطِكِ وَتَضْطَرِبُ الْجَزَائِرُ الَّتِي فِي الْبَحْرِ لِزَوَالِكِ. 19- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: حِينَ أُصَيِّرُكِ مَدِينَةً خَرِبَةً كَالْمُدُنِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ، حِينَ أُصْعِدُ عَلَيْكِ الْغَمْرَ فَتَغْشَاكِ الْمِيَاهُ الْكَثِيرَةُ،
ع15: الجزائر : الجزر الموجودة فى البحر والمدن الساحلية.
كانت صور أقوى المدن الساحلية التجارية فى العالم، فعندما تسقط على يد بابل، ثم اليونان فإن الجزر والمدن الساحلية، التى تشتغل بالتجارة فى كل العالم تخاف جداً، عندما تسمع بقتل وجرح الكثيرين فى صور وكل التخريب الذى يحدث فيها.
ع16: كان رؤساء البحر، أى كبار التجار المنتشرين فى العالم لهم مركزاً وغنى كبيراً، يعبر عنه بالكراسى العظيمة والثياب المطرزة، كل هؤلاء يخافون عند سماعهم بسقوط صور، ويخافون على أنفسهم، فيخعلون كل واحد جبته، أى ثيابه المطرزة العظيمة ويلبسون بدلاً منها الخوف والرعب، بل يتذللون، فيجلسون على الأرض، وينوحون ويصيرون فى رعب وحيرة، كيف سقطت أعظم المدن، التى كانوا يتاجرون معها ! وهكذا يظهر الله أن كل الأمور العالمية والقوة والسلطان المادى زائل، حتى لا يعتمد أحد عليه، بل على الله.
اشكر الله على إمكانياتك التى وهبها لك ولكن لا تتكبر، أو تنسبها لنفسك، لئلا تفقدها وتنفضح وتذل.
ع17: فى حزن التجار والعالم كله على صور يقولون تعبيرات عن حزنهم، عبارات الرثاء، إذ يتعجبون لدمار أعظم المدن التجارية، التى كانت غنية بالتجارة الآتية إليها من بحار العالم والمشهورة بقوتها وغناها، بل وكانت فى عظمتها تخشاها كل البلاد المجاورة.
وهكذا نرى رثاء لصور العظيمة فى قوتها المادية. أما أورشليم مدينة الله المقدسة، فلم يرثها أحد من الشعوب عند سقوطها، فأهل العالم ينشغلون بالغنى والعظمة، ولا يلتفتون إلى المقدسات وسكنى الله فى وسطهم. ولكن الله يهتم بمن ليس له أحد .. يهتم بشعبه عندما يتوب إليه، وهذا ما حدث لأورشليم، فعندما تاب شعبها أعادهم من السبى إليها، وبناها من جديد وعظمها.
ع18: يعم الخوف البلاد الساحلية العاملة فى التجارة، وكذا الجزر التى فى وسط البحر، فكلها تعتمد على قوة صور التجارية. ويشبه حزن التجار والمدن المتعاملة مع صور ما يذكره سفر الرؤيا عن حزن التجار المتعاملين مع بابل (رؤ18).
ع19: تغشاك : تغطيك.
كل ما سبق من خوف وحزن العالم والتجار على صور، يحدث عندما يرون صور قد خربت، وبدلاً من أن أمواج البحر كانت تحميها، فلا يستطيع أحد مهاجمتها لضعف الأساطيل البحرية وقتذاك، الآن بعد خرابها، تهجم عليها الأمواج، فلا تجد أسواراً، بل حطام مدينة، فتغطيها بمياهها، وهكذا تتحول الأمواج التى تحمى إلى قوة، تعلن خراب المدينة.
لا تعتمد على علاقاتك بالآخرين أنها تحميك وتعطيك نجاحاً في الحياة؛ لأن كل البشر زائلون، والله وحده هو الثابت إلى الأبد، فاتكل عليه تحيا مستقراً ومطمئناً.
(5) فناء صور (ع20، 21):
20- أُهْبِطُكِ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ، إِلَى شَعْبِ الْقِدَمِ، وَأُجْلِسُكِ فِي أَسَافِلِ الأَرْضِ فِي الْخِرَبِ الأَبَدِيَّةِ مَعَ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ، لِتَكُونِي غَيْرَ مَسْكُونَةٍ، وَأَجْعَلُ فَخْرًا فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ.
21- أُصَيِّرُكِ أَهْوَالاً، وَلاَ تَكُونِينَ، وَتُطْلَبِينَ فَلاَ تُوجَدِينَ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع20: الجب : حفرة عميقة.
أرض الأحياء : أورشليم، حيث هناك الحياة المقدسة، فسكانها أحياء، أما الأثمة فهم موتى لبعدهم عن الله.
يلخص الله فى النهاية مصير صور وسكانها، أنهم سيهبطون إلى الهاوية، مع من سبقهم من الأشرار القدماء، الذين ماتوا. ويعبر عن الجحيم بالخرب الأبدية والجب وأسافل الأرض، فبعد أن صارت صور أطلالاً ومات من فيها، يكون سكانها فى الجحيم؛ لأنهم طماعون، وتعلقوا بالمال وكل الشهوات المصاحبة له ونسوا الله وعبدوا الأوثان، فمصيرهم العذاب الأبدى. أما أورشليم التى أدبها الله لكنها تابت، فيعيدها من السبى ويعظمها، فتصير مدينة تفتخر بالله الساكن فيها، ويحيا شعبها فى فرح معه، كما حدث برجوع الكثيرين من السبى، وكما عظمت أيام المكابيين فى القرن الثانى قبل الميلاد. وأيضاً يكمل الفخر فى أورشليم السمائية، حيث الحياة الأبدية، فهى الأرض الجديدة التى يحيا فيها أولاد الله إلى الأبد.
ع21: أهوالاً : رعب وخوف شديد.
بهذا تصير صور رعباً لمن يتذكرها، وتمحى صور من على وجه الأرض، بل وإلى الأبد أيضاً، أى لا يكون لسكانها الأشرار مكاناً فى الملكوت، بل يتعذبون إلى الأبد. فنرى كيف أن سكان المدينة الأشرار يأتى شرهم على أنفسهم وعلى مدينتهم، فيعذبون إلى الأبد، وتمحى عظمتهم التى على الأرض. وبهذا نرى أن الله ينتقم من الأشرار نقمة أبدية، أما أولاده فيؤدبهم فقط؛ ليتوبوا ويعودوا ويقبلهم ويعوضهم عن كل ما أصابهم. إن فرصة التوبة مفتوحة لك كل يوم؛ لتمحى زلاتك وتستعيد بهاءك، وتجد حياتك في المسيح يسوع الذى يحبك. أسرع إلى التوبة كل يوم؛ لتجد راحتك.