تمرد شعب الله عليه
(1) تمردهم في مصر (ع1-9):
1- وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ، أَنَّ أُنَاسًا مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ جَاءُوا لِيَسْأَلُوا الرَّبَّ، فَجَلَسُوا أَمَامِي. 2- فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 3- »يَا ابْنَ آدَمَ، كَلِّمْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ أَنْتُمْ آتُونَ لِتَسْأَلُونِي؟ حَيٌّ أَنَا، لاَ أُسْأَلُ مِنْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 4- هَلْ تَدِينُهُمْ؟ هَلْ تَدِينُ يَا ابْنَ آدَمَ؟ عَرِّفْهُمْ رَجَاسَاتِ آبَائِهِمْ، 5- وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي يَوْمِ اخْتَرْتُ إِسْرَائِيلَ وَرَفَعْتُ يَدِي لِنَسْلِ بَيْتِ يَعْقُوبَ، وَعَرَّفْتُهُمْ نَفْسِي فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَرَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي قَائِلاً: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، 6- فِي ذلِكَ الْيَوْمِ رَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسْتُهَا لَهُمْ، تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، هِيَ فَخْرُ كُلِّ الأَرَاضِي،
7- وَقُلْتُ لَهُمُ: اطْرَحُوا كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ أَرْجَاسَ عَيْنَيْهِ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِأَصْنَامِ مِصْرَ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ.
8- فَتَمَرَّدُوا عَلَيَّ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ يَطْرَحِ الإِنْسَانُ مِنْهُمْ أَرْجَاسَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا أَصْنَامَ مِصْرَ. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ لأُتِمَّ عَلَيْهِمْ سَخَطِي فِي وَسْطِ أَرْضِ مِصْرَ. 9- لكِنْ صَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ هُمْ فِي وَسْطِهِمِ، الَّذِينَ عَرَّفْتُهُمْ نَفْسِي أَمَامَ عُيُونِهِمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.
ع1: يذكر هنا أن مجموعة من شيوخ اليهود أتوا إلى حزقيال ليسألوه ويسمعوا صوت
الله منه لأنه نبيه، فيسأل الله ويجيبهم. وهؤلاء الشيوخ مسبيون مع حزقيال فى مملكة بابل.
ويحدد ميعاد حضور هؤلاء الشيوخ بالسنة السابعة، وهى السابعة من سبى يهوياكين، حيث
سباه الملك نبوخذ نصر، وأخذ معه عدد كبير من الشبان منهم حزقيال النبى، الذى كان يبلغ وقتذاك خمسة وعشرين عاماً. ويحدد أيضاً اليوم والشهر، فهو اليوم العاشر من الشهر
الخامس، وهو يقابل شهرى تموز وآب، أى يوليو وأغسطس، فالشهر الخامس يأخذ جزءاً من كلا الشهرين.
ويلاحظ أن بداية رؤيا حزقيال المذكورة فى الأصحاح الأول كانت فى السنة الخامسة لسبى يهوياكين، حين كان حزقيال عمره ثلاثين عاماً. وبعدها حدثت معه رؤيا أخرى فى الأصحاح الثامن، وكان ذلك بعد حوالى أربعة عشر شهراً من الرؤيا الأولى، وهذا اللقاء جاء بعد حوالى إحدى عشر شهراً من الرؤيا المذكورة فى الأصحاح الثامن.
لا ننسى أن مجموعة من الشيوخ أيضاً حضرت لسؤال حزقيال فى الأصحاح الرابع عشر، وكانوا مثل هؤلاء المذكورين هنا مازالوا متمسكين بعبادة الأوثان، فأظهر الله غضبه عليهم على فم حزقيال، كما سيظهر الله غضبه هنا على هؤلاء الشيوخ أيضاً.
ع2، 3: أظهر الله ضيقه من هؤلاء الشيوخ وسؤالهم لأنهم متمردين عليه ومتمسكين بعبادة الأوثان كما سيظهر فى (ع33)، ورفض أن يسمع سؤالهم أو يجيب عليهم. وهو نفس إجابة الله فى (ص14: 3).
ع4: يعقد الله مقارنة بين هؤلاء الشيوخ، الذين يمثلون الشعب المتمسك بعبادة الأوثان، وبين حزقيال وهو إنسان مثلهم، إذ يناديه يا ابن آدم، ولكن يعبد الله ويرفض الأصنام. ويعلن أن حياة حزقيال تدين سلوكهم، كما سيدين التلاميذ الإثنى عشر أسباط بنى إسرائيل فى يوم الدينونة؛ لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح كما آمن التلاميذ (مت19: 28).
طلب الله أيضاً من حزقيال أن ينبه هؤلاء الشيوخ والشعب التابع له، أى كل شعب الله إلى رجاساتهم، أى عبادتهم للأوثان، وكل شهواتهم الشريرة التى عصوا بها الله.
ع5: رفعت يدى : أقسمت وتعهدت لهم.
يذكر الله حزقيال وشعبه بأنه اختارهم شعباً له، فقد دخلوا كعائلة صغيرة عددها سبعين فرداً هم بنو يعقوب فصاروا شعباً كبيراً فى مصر رغم العبودية القاسية، وأنه أقسم أن يكون لهم إلهاً ويكونون شعباً له، ويحفظهم، ويباركهم كل أيامهم إن أطاعوه، بعد أن عرفهم بنفسه على يد الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب، ثم على يد موسى.
ع6: ووعد الرب شعبه وأخرجهم من مصر، واستخدم الجواسيس إلى أرض كنعان أيام موسى، ثم أيام يشوع؛ ليشجعهم على دخول أرض كنعان المملوءة بالخيرات. ويعلن الله هنا أنه هو الذى كان حارساً للجواسيس والعامل فيهم، فيقول “تجسست”. فهى عناية الله التى دبرت خروج الشعب من العبودية ودخولهم أرض الميعاد؛ ليتمتعوا بالخيرات الوفيرة، فقد اختار لهم من فرط محبته أفخر الأراضى.
ع7: أرجاس عينيه : الأصنام النجسة التى عبدها المصريون أمام عيونهم.
أمرهم الله أن ينفصلوا عن عبادة الأصنام التى عاشوا فى وسطها بين المصريين. فإن كانت قلوبهم قد تأثرت بها وانبهرت بجمالها؛ فلينزعوا كل هذا من قلوبهم. وإن كان معهم أى تماثيل صغيرة قد أخذوها من مصر، فليطرحوها بعيداً عنهم ليعبدوا الله وحده.
ع8، 9: لكن للأسف ظلت قلوب شعب الله متعلق بالأوثان، ولم يطيعوا الله من كل قلوبهم. ولكن محبة الله خلصتهم من عبودية مصر؛ ليتمجد إسمه فيهم، وبطول أناته أعطاهم فرصة للتوبة وترك عبادة الأصنام. وهكذا أظهر الله نفسه أنه إله الآلهة، وأقوى من جميع آلهة مصر من خلال الضربات العشر، وإخراج شعبه بقوة عظيمة عندما شق البحر الأحمر وأغرق فرعون وكل جيشه.
من هذا يظهر أن تمرد شعب الله بدأ من أيام كانوا فى مصر رغم قوة الله العظيمة المساندة لهم، ولكن طول أناة الله كانت تطلب توبتهم.
ليتك تطيع وصايا الله ولا تخدع نفسك، أو تنساق في شهواتك حتى لو انساق كل من حولك في تيار الشر. وثق أن الله قادر أن يحفظك ويخلصك من كل شر، ويعطيك بركات لا يعبر عنها من أجل محبته لك وتمجيد اسمه القدوس.
(2) تمردهم في البرية (ع10-17):
10- فَأَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. 11- وَأَعْطَيْتُهُمْ فَرَائِضِي وَعَرَّفْتُهُمْ أَحْكَامِي الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا. 12- وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا سُبُوتِي لِتَكُونَ عَلاَمَةً بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لِيَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُهُمْ. 13- «فَتَمَرَّدَ عَلَيَّ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ. لَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَرَفَضُوا أَحْكَامِي الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي كَثِيرًا. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لإِفْنَائِهِمْ. 14- لكِنْ صَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. 15- وَرَفَعْتُ أَيْضًا يَدِي لَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ بِأَنِّي لاَ آتِي بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، هِيَ فَخْرُ كُلِّ الأَرَاضِي. 16- لأَنَّهُمْ رَفَضُوا أَحْكَامِي وَلَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي، بَلْ نَجَّسُوا سُبُوتِي، لأَنَّ قَلْبَهُمْ ذَهَبَ وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ. 17- لكِنَّ عَيْنِي أَشْفَقَتْ عَلَيْهِمْ عَنْ إِهْلاَكِهِمْ، فَلَمْ أُفْنِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ.
ع10، 11: أخرج الرب شعبه ليس من عبودية المصريين لكن بالأحرى من بين أوثان مصر. وحفظهم فى البرية بعيداً عن الأصنام بوصاياه التى من خلالها يتمتعون بعشرته، وهذه قمة الحماية الإلهية، أكثر من عنايته بهم عن طريق الطعام الطازج يومياً، وهو المن والماء المتجدد كل يوم من الصخرة، والهداية بعمود السحاب وعمود النار، وحفظهم من أخطار الأعداء، بل تغلبهم عليهم، مثل هزيمتهم لعماليق. فأفضل عناية هى أن يحوطنا الله بوصاياه، فيبعدنا عن كل شر ونعرفه ونتمتع به من خلال تطبيقها.
ع12: أعطاهم أيضاً الله من عنايته طقس تقديس السبت، وهو ليس فقط تقديس يوم لعبادة الله، بل هو رمز لتقديس الحياة كلها له، كما قدس المسيح نفسه لأجلنا وفدانا على الصليب. ونحن نقدس حياتنا له فندخل فى اختبار أعمق لمحبته، فالعلامة التى تظهر بنوتنا لله وتبعيتنا له، هى تقديس يوم الرب وتقديس الحياة له.
ع13: رجزى : غضبى الشديد.
للأسف لم يحفظ الشعب وصايا الله فى البرية، ولم يقدسوا يوم السبت لعبادته، فاستحقوا بالعدل الإلهى العقاب، لتمردهم عليه ورفضهم طاعته، أى استحقوا أن يبيدهم الله ويفنيهم.
ع14: ولكن رحمة الله تؤجل تنفيذ العدل الإلهى، فلم يبد شعبه فى البرية، لأجل محبته لهم، وأعطاهم فرصة أن يتوبوا، ولكن منعهم من دخول أرض الميعاد، فماتوا فى البرية، وسمح لأبنائهم عندما يكبرون أن يدخلوا.
سبب آخر لعدم إفناء شعبه هو ألا تظن الأمم أن الله قاس، أو غير قادر على إعالة شعبه فقتلهم فى البرية، لذلك حفظهم وأدخل أبناءهم أرض الميعاد التى وعد بها، فظهرت قوة الله التى هى أقوى من كل الآلهة الوثنية.
ع15-17: فى غضب الله أقسم أنه لن يدخل شعبه إلى أرض الميعاد التى تفيض لبناً وعسلاً، وسمح فقط لأطفالهم – الذين كبروا فيما بعد – أن يدخلوا أرض الميعاد.
وسبب عدم دخولهم وغضب الله عليهم هو عدم حفظ وصاياه، وكسر سبوته، وتعلق قلوبهم بأصنام مصر. ولم يقتلهم الله فى الحال وأعطاهم فرصة للتوبة، ولكنهم جميعاً ماتوا فى البرية، سواء من تاب عن تمرده أو ظل متمرداً.
رحمة الله وطول أناته عجيبة، فهو يعطيك فرصة هذا العمر لتتوب عن كل خطاياك، فلا تستهن بطول أناته؛ لأن الحكم صادر عليك بالموت نتيجة خطاياك، ولكن بالتوبة تسترد حياتك، بل وتتمتع بعشرته ومحبته.
(3) تمرد أبنائهم في البرية (ع18-26):
18- وَقُلْتُ لأَبْنَائِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ: لاَ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِ آبَائِكُمْ، وَلاَ تَحْفَظُوا أَحْكَامَهُمْ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِأَصْنَامِهِمْ. 19- أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، فَاسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَاحْفَظُوا أَحْكَامِي وَاعْمَلُوا بِهَا، 20- وَقَدِّسُوا سُبُوتِي فَتَكُونَ عَلاَمَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. 21- فَتَمَرَّدَ الأَبْنَاءُ عَلَيَّ. لَمْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَلَمْ يَحْفَظُوا أَحْكَامِي لِيَعْمَلُوهَا، الَّتِي إِنْ عَمِلَهَا إِنْسَانٌ يَحْيَا بِهَا، َنَجَّسُوا سُبُوتِي. فَقُلْتُ: إِنِّي أَسْكُبُ رِجْزِي عَلَيْهِمْ لأُتِمَّ سَخَطِي عَلَيْهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. 22- ثُمَّ كَفَفْتُ يَدِي وَصَنَعْتُ لأَجْلِ اسْمِي لِكَيْلاَ يَتَنَجَّسَ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ. 23- وَرَفَعْتُ أَيْضًا يَدِي لَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ لأُفَرِّقَهُمْ فِي الأُمَمِ وَأُذَرِّيَهُمْ فِي الأَرَاضِي، 24- لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا أَحْكَامِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي، وَكَانَتْ عُيُونُهُمْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. 25- وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَأَحْكَامًا لاَ يَحْيَوْنَ بِهَا، 26- وَنَجَّسْتُهُمْ بِعَطَايَاهُمْ إِذْ أَجَازُوا فِي النَّارِ كُلَّ فَاتِحِ رَحْمٍ، لأُبِيدَهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع18: عندما فسد الآباء من شعب الله واستحقوا العقاب بالموت فى البرية، لم يمتهم الله فى الحال، بل أتاههم أربعين سنة فى البرية، حتى لا يشمت بهم أعداؤهم إذا قتلهم سريعاً. لم يفقد الله رجاءه فى شعبه، بل توجه إلى الأبناء، وحذرهم من السلوك فى الفرائض الوثنية وعادات الشعوب الأجنبية المحيطة بها التى سلك فيها الآباء، أى ذكرهم أنهم شعب الله؛ لينفصلوا عن عبادة الأصنام.
ليكن لك رجاءٌ دائماً في نفسك وفى الآخرين؛ فلا تنزعج من خطاياك، أو الأيام التى تنقضى في الخطية، بل إسرع للتوبة مستغلاً باقى عمرك. ولا تيأس من خلاص من حولك، بل اطلب إلى الله من أجلهم، وأرشدهم، واظهر محبتك لهم؛ ليعودوا إلى الله.
ع19: أوصاهم الله أن يتمسكوا بوصاياه، أى أحكامه، ويحفظوا أيضاً عبادته، فيتمتعوا بعشرته.
ع20: أوصاهم أيضاً أن يقدسوا يوم السبت ليتميزوا عن باقى الشعوب فى عبادتهم لله. والسبت كما قلنا يرمز لتكريس، ليس فقط يوم لله كل أسبوع، بل لتكريس القلب كله له. وكما أن السبت هو اليوم الذى استراح الله فيه بعد خلقة العالم، هكذا أيضاً يستريح الإنسان بتكريس حياته لله والسبت يرمز للمسيح الذى فيه تستريح قلوبنا من كل متاعب هذه الحياة، وتستريح فيه إلى الأبد فى ملكوت السموات.
ع21: رفض الأبناء طاعة الله فتركوا وصاياه وعبادته، وبالتالى استحقوا غضب الله وعقابه. وكما أعطى الله وصية للإنسان فى جنة عدن ليحفظه فى الجنة، متمتعاً بعشرة الله، ولكنه كسر الوصية، وفقد الحياة مع الله، وطرد من الجنة. هكذا أيضاً رفض شعب الله وصاياه فى البرية، فحرموا أنفسهم من الحياة مع الله، واستحقوا الموت.
ع22: كففت يدى : لم أمد يدى بالإساءة إليهم، وأوقفت غضبى.
ولكن الله فى محبته أوقف غضبه، ولم يمس الأبناء بأذى؛ لئلا يهين اسمه العظيم بين الأمم، فيقولوا أنه لم يستطع أن يحفظ شعبه فقتلهم فى البرية، أى أن شعبه نال رحمة من الله من أجل تمجيد اسمه القدوس، وليس من أجل صلاحهم.
ع23، 24: أقسم الرب فى غضبه – من أجل ابتعاد شعبه عن وصاياه واتباع عبادة الأصنام – أنه سيشتتهم بين الأمم إن أصروا على هذه الخطايا. وقد حدث هذا فعلاً بالسبى، فتفرقوا بين بلاد العالم الوثنية بيد المملكة الأشورية ثم المملكة البابلية.
ع25: عندما أصر الأبناء على الشر تركهم الله؛ ليذوقوا خطورة ما يفعلون؛ لعلهم عندما يتعبون من الخطية وآثارها يعودون إليه بالتوبة. فهذه الفرائض هى الفرائض الوثنية التى تميت صاحبها وتبعده عن الله، فتتعذب نفسه، فالله لم يعطهم فرائض غير صالحة، بل تركهم لفرائضهم الوثنية الشريرة.
ع26: أجازوا : عبروا أطفالهم فى النار، أى أحرقوهم بالنار.
فاتح رحم : بكر.
انحط شعب الله بالعبادة الوثنية إلى أحط مرتبة وهى عبادة الإله الوثنى مولك إله بنى عمون، الذى كانوا يقدمون له أطفالهم، ويحرقونهم بالنار إرضاءً له. وهكذا تنجسوا بالعبادات الوثنية أكبر نجاسة، وكان هذا هو سبب إبادتهم؛ حتى صاروا عدداً قليلاً متفرقين بين الأمم.
إن الخطية تفقدك حياتك مع الله، وتحرمك من البركة، كما قللت أعداد شعب الله. وعلى العكس فالبر يزيد بركات الله للإنسان ويملأه بالفضائل والبركات الروحية والمادية. فتمسك بالعبادة بالكنيسة، واحرص على التوبة؛ لتحفظ حياتك في الله.
(4) تمردهم في أرض كنعان (ع27-29):
27- «لأَجْلِ ذلِكَ كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي هذَا أَيْضًا جَدَّفَ عَلَيَّ آبَاؤُكُمْ، إِذْ خَانُونِي خِيَانَةً 28- لَمَّا أَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ لَهُمْ يَدِي لأُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، فَرَأَوْا كُلَّ تَلّ عَال وَكُلَّ شَجَرَةٍ غَبْيَاءَ، فَذَبَحُوا هُنَاكَ ذَبَائِحَهُمْ، وَقَرَّبُوا هُنَاكَ قَرَابِينَهُمُ الْمُغِيظَةَ، وَقَدَّمُوا هُنَاكَ رَوَائِحَ سُرُورِهِمْ، وَسَكَبُوا هُنَاكَ سَكَائِبَهُمْ. 29- فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هذِهِ الْمُرْتَفَعَةُ الَّتِي تَأْتُونَ إِلَيْهَا؟ فَدُعِيَ اسْمُهَا «مُرْتَفَعَةً» إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
ع27، 28: سكائبهم : كانوا يسكبون خمراً على الذبائح عند تقديمها.
يبين الله مرحلة أخرى من التمرد سقط فيها شعبه، فبعدما رحمهم وأعطاهم خيرات لا يتخيلونها بدخولهم أرض الميعاد، عادوا – رغم تعهدهم بعبادة الله – فسقطوا فى عبادة الأوثان التى تعبدها الأمم المحيطة بهم. لقد أبعدهم الله أربعين سنة عن أصنام مصر فى برية سيناء، ولكنهم عادوا فعبدوا الأصنام عندما دخلوا أرض الميعاد. إنه إصرار عجيب على إغاظة الله الرحيم كثير الخيرات، فبعد أن أوفى الله وعده وأدخلهم الأرض التى تفيض لبناً وعسلاً واستراحوا، استغلوا الأشجار الكثيفة، فعبدوا الآلهة الوثنية تحتها، وكذلك قدموا ذبائحهم للأصنام على التلال؛ لترتفع كرائحة ذكية يسرون بها الأوثان. وسكبوا الخمر على هذه الذبائح إرضاءً للآلهة بدلاً من تقديم الذبائح لله فى بيت الرب.
ع29: وبخهم الله على عبادة الأوثان على المرتفعات، لكنهم أهملوا كلامه، واستمروا فى عبادتهم الشريرة.
ليتك تشكر الله على عطاياه وتستخدمها لتمجيد إسمه القدوس، وتعطى المحتاجين، وتقدم من وقتك الكثير لخدمته. لا تعتمد على الماديات فهى زائلة في حد ذاتها، ولكنها عطية الله لتتذكره وتعبده وتشكره وتخدمه.
(5) تمردهم أيام حزقيال (ع30-32):
30- « لِذلِكَ قُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ تَنَجَّسْتُمْ بِطَرِيقِ آبَائِكُمْ، وَزَنَيْتُمْ وَرَاءَ أَرْجَاسِهِمْ؟ 31- وَبِتَقْدِيمِ عَطَايَاكُمْ وَإِجَازَةِ أَبْنَائِكُمْ فِي النَّارِ، تَتَنَجَّسُونَ بِكُلِّ أَصْنَامِكُمْ إِلَى الْيَوْمِ. فَهَلْ أُسْأَلُ مِنْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لاَ أُسْأَلُ مِنْكُمْ. 32- وَالَّذِي يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ لَنْ يَكُونَ، إِذْ تَقُولُونَ: نَكُونُ كَالأُمَمِ، كَقَبَائِلِ الأَرَاضِي فَنَعْبُدُ الْخَشَبَ وَالْحَجَرَ.
ع30، 31: يتعجب الله من شعبه المصر على عبادة الأوثان، وترك وصاياه، وإتباع أحط عادات الأمم الوثنية وهى حرق الأطفال بالنار إرضاءً للإله مولك، ثم بعد هذا يدعون أنهم يعبدون الله، ويأتون ليسألوه، فالله يعلن أنه لن يجيب عليهم، بل ما داموا مصرين على إغاظته، فلا يستحقون إلا الغضب الإلهى، وحرمانهم من كل بركة. فتمسكهم بعبادة الأصنام، مثل آبائهم، يعتبر زنى روحى؛ لأنهم كعروس تركوا عريسهم السماوى وهو الله، فمن حق العريس أن يغضب لخيانة عروسه له.
والعجيب فى تصرف هؤلاء الشيوخ أنهم يعبدون الأوثان علانية، ثم يأتون فى خفية ليسألوا الله عن طريق حزقيال، هذا يغيظ الله جداً ويبين إعوجاج قلوبهم.
ع32: يظهر الله غضبه، فى تجاسر هؤلاء الشيوخ ليسألوا حزقيال أن يسمح الله لهم بعبادة الأصنام إلى جانب عبادته. إلى هذه الدرجة يغيظون الله مبتعدين عن التوبة، إذ لا يشعرون بجرم ما يفعلون. والله يجيب بأنه لن يجيبهم على سؤالهم، ولن يقبل أن يشركوه مع الأوثان فى قلوبهم، فإما أن يعبدوه، أو يعبدوا الأوثان؛ لأن عبادة الأوثان هى عبادة الشياطين ورفض لله، فكيف يعبدون الله ويرفضونه فى نفس الوقت ؟!
لا تبرر الخطية فهذا أصعب شئ لأنك بهذا تبتعد عن التوبة، وتبتعد عن الله والملكوت وتستحق العذاب الأبدى. لا تخدع نفسك فتهلكها، بل اعترف بخطاياك، واعتذر للآخرين حتى لا تتعود تبرير نفسك فيتقسى قلبك.
(6) تأديبهم بالسبى (ع33-39):
33- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ أَمْلِكُ عَلَيْكُمْ. 34- وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ وَبِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَبِسَخَطٍ مَسْكُوبٍ. 35- وَآتِي بِكُمْ إِلَى بَرِّيَّةِ الشُّعُوبِ، وَأُحَاكِمُكُمْ هُنَاكَ وَجْهًا لِوَجْهٍ.
36- كَمَا حَاكَمْتُ آبَاءَكُمْ فِي بَرِّيَّةِ أَرْضِ مِصْرَ، كَذلِكَ أُحَاكِمُكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
37- وَأُمِرُّكُمْ تَحْتَ الْعَصَا، وَأُدْخِلُكُمْ فِي رِبَاطِ الْعَهْدِ. 38- وَأَعْزِلُ مِنْكُمُ الْمُتَمَرِّدِينَ وَالْعُصَاةَ عَلَيَّ. أُخْرِجُهُمْ مِنْ أَرْضِ غُرْبَتِهِمْ وَلاَ يَدْخُلُونَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 39- «أَمَّا أَنْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: اذْهَبُوا اعْبُدُوا كُلُّ إِنْسَانٍ أَصْنَامَهُ. وَبَعْدُ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي فَلاَ تُنَجِّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ بَعْدُ بِعَطَايَاكُمْ وَبِأَصْنَامِكُمْ.
ع33: تظهر محبة الله نحو شعبه الخائن المتمرد، أنه لم يمل منهم وييأس من خلاصهم، بل يعلن محبته فى قلبه المفتوح لهم، ورغبته أن يملك عليهم، مستخدماً التأديب، ليرجعوا إليه.
ع34: يمد الله يده فيجمع شعبه للعناية بهم، ليس بعطايا مادية، بل تأديب وغضب؛ لينتبهوا ويتركوا خطاياهم، ويرجعوا إليه، فيتمتعوا بأبوته وحنانه. فيجمعهم هنا تعنى إحصاء الله لهم، واهتمامه بكل فرد منهم، وطلبه لخلاص الكل عن طريق التأديب فى السبى، إذ لاقى شعب الله ذل وعبودية وجوع واضطهاد حتى الموت، كل هذا تأديب إلهى؛ ليرجع من يريد منهم إلى الله، فيقبله ويفرح به.
ع35: برية الشعوب : المقصود بها مملكة بابل التى تشتتوا فيها أثناء السبى.
والله يحاكمهم هناك، أى يعاقبهم على خطاياهم فى عبادة الأوثان والشهوات الشريرة بكل الاضطهادات والآلام التى لاقوها فى السبى، فالمحاكمة الإلهية يستد فيها كل فم، وينال عقاب الله؛ لأن الخطية واضحة وليس لها تبرير. ويقول “وجهاً لوجه” بمعنى أنه بالسبى وذله يتذكرون خطاياهم، أى يواجههم الله بخطاياهم، ويعلمون أن السبى هو تأديب بسبب خطاياهم ليتوبوا.
ع36: يذكرهم بمحاكمته وتأديبه لآبائهم قديماً فى برية سيناء، حينما تذمروا عليه ورفضوا دخول أرض الميعاد، فآتاههم فى البرية أربعين سنة حتى ماتوا جميعهم فيها. هكذا سيؤدب الله شعبه فى السبى.
ع37: يخبرنا سفر اللاويين بأن الله أمر شعبه أن يجعلوا الخراف تمر تحت العصا والعاشر يفرزوه لله (لا27: 32)، وشعب الله هو هذا الخروف المفرز والمخصص لعبادة الله من بين جميع الشعوب، ولكنهم من أجل زيغانهم فى عبادة الأوثان احتاجوا للتأديب بالعصا، أى التأديب فى السبى بالآلام كثيرة؛ حتى يتوبوا ويعودوا لله مفرزين لعبادته، فيجددوا عهدهم معه كشعب خاص له.
ع38: أما الذين يصرون على التمرد وعبادة الأصنام فالله سيخرجهم من عنايته؛ لأنهم أخرجوه من تفكيرهم وعبدوا الأوثان مع أنهم شعب الله، فيموتون فى السبى، ولا يعودون منه إلى أورشليم واليهودية وكل أرض إسرائيل.
ع39: فى النهاية يستنكر الله إصرارهم على عبادة الأوثان، ويقول لهم إن استمراركم فى خيانتى بعبادة الأوثان تفقدكم بنوتكم لى، وتحكمون على أنفسكم بالهلاك، يقول هذا بكل حزن وأسى على شعبه المصر على التمرد.
ولكن يستدرك فيقول إن كنتم مصرين على عبادة الأوثان، فلا تعودوا تقدموا ذبائح، أو تقدمات لى؛ لأنى أرفضها، إذ لا اقبل عطايا ممن يخونوننى ويغيظوننى ويصرون على الشر، أى كفاكم خداعاً. هذا أفضل لهم إذ يعطيهم فرصة لمراجعة النفس والتوبة.
لا تصر على خطية، مثل عدم التسامح، أو التهاون في أية خطية؛ لأن صلواتك وصدقاتك تكون مرفوضة من الله، والأجدر بك أن تتوب، فتنال رضى الله، وحينئذ يفرح بعبادتك المقدمة له.
(7) إعادتهم من السبى (ع40-44):
40- لأَنَّهُ فِي جَبَلِ قُدْسِي، فِي جَبَلِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، هُنَاكَ يَعْبُدُنِي كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، كُلُّهُمْ فِي الأَرْضِ. هُنَاكَ أَرْضَى عَنْهُمْ، وَهُنَاكَ أَطْلُبُ تَقْدِمَاتِكُمْ وَبَاكُورَاتِ جِزَاكُمْ مَعَ جَمِيعِ مُقَدَّسَاتِكُمْ. 41- بِرَائِحَةِ سُرُورِكُمْ أَرْضَى عَنْكُمْ، حِينَ أُخْرِجُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَجْمَعُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا، وَأَتَقَدَّسُ فِيكُمْ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، 42- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، حِينَ آتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لأُعْطِي آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. 43- وَهُنَاكَ تَذْكُرُونَ طُرُقَكُمْ وَكُلَّ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَنَجَّسْتُمْ بِهَا، وَتَمْقُتُونَ أَنْفُسَكُمْ لِجَمِيعِ الشُّرُورِ الَّتِي فَعَلْتُمْ.
44- فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِذَا فَعَلْتُ بِكُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. لاَ كَطُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ، وَلاَ كَأَعْمَالِكُمُ الْفَاسِدَةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع40: جزاكم : مكافأتكم لله، أى تقدماتكم.
يبشر الله شعبه أنهم إذا قبلوا تأديبه، فسيعيدهم من السبى إلى أورشليم المبنية على الجبال، هناك هيكل قدس الله، الذى هو أسمى مكان فى العالم، وهناك يعبده شعب الله، ويقبل ذبائحهم وتقدماتهم وبكورهم وكل ما يقدسونه ويخصصونه ويهبونه لله؛ فيفرح بكل عطاياهم.
وهذا رمز لرجوع الإنسان من الخطية، والإيمان بالمسيح فى ملء الزمان، فيعبد المؤمنون الله فى كنيسته، التى هى أسمى مكان فى العالم، وهى بدورها ترمز أيضاً إلى أورشليم السمائية، أى ملكوت السموات.
ع41: هنا يجمع الله شعبه، لا للتأديب والمحاكمة، كما حدث فى السبى، بل للتكريم والبركة، فيعبدونه فى هيكله المقدس فى أورشليم، ويفرح الله بمحرقاتهم، التى ترتفع كرائحة زكية أمامه وتسر قلبه. ويظهر شعب الله أنه مقدس ومخصص لعبادته وينال بركاته أمام جميع الأمم، فيكون مثالاً حسناً وقدوة للأمم؛ حتى يؤمنوا بالله وهذا هو الغرض من اختيارهم كشعب خاص له.
لا تنسى أنك نور للعالم وملح للأرض، فتدقق في كل كلماتك وتصرفاتك لترضى الله، وتكون قدوة لمن حولك، فيمجدوا الله الذى فيك.
ع42: حينئذ يتأكد وعد الله، الذى تعهد أن يعطى أرض كنعان لنسل إبراهيم. فإن كانوا قد طردوا منها بسبب شرورهم، فالله يعيدهم إليها بسبب توبتهم، ويتحقق كلام الله الذى أعلنه فى شريعته لموسى، أنه كما طردت أرض كنعان شعوبها من أجل شرورهم، ستطرد أيضاً شعب الله من أجل شروره، ولكن إن تاب يعيده الله إليها.
ع43: حينما يتمتع شعب الله الراجع من السبى بعبادته فى هيكله وببركاته التى ستفيض عليه، يحاسبون أنفسهم، ويتذكرون خطاياهم، فتظهر أنها خاطئة جداً، فيكرهونها لأنها أبعدتهم عن الله، وحرمتهم من عشرته. فحياة البر تظهر شناعة الخطية، فتعمق توبة الإنسان.
ع44: هكذا تظهر رحمة الله العجيبة، الذى يغفر الخطايا، فهو يؤدب إلى حين، ولكن إن تاب أولاده يسامحهم، عن كل طرقهم الشريرة، ويعاملهم بحنانه، ويوفى لهم وعوده الرحيمة؛ حتى يثبت إيمانهم به ويحيون معه إلى الأبد.
(8) التأديب البابلى (ع45-49):
45- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 46- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ التَّيْمَنِ، وَتَكَلَّمْ نَحْوَ الْجَنُوبِ، وَتَنَبَّأْ عَلَى وَعْرِ الْحَقْلِ فِي الْجَنُوبِ، 47- وَقُلْ لِوَعْرِ الْجَنُوبِ: اسْمَعْ كَلاَمَ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُضْرِمُ فِيكَ نَارًا فَتَأْكُلُ كُلَّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ فِيكَ وَكُلَّ شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ. لاَ يُطْفَأُ لَهِيبُهَا الْمُلْتَهِبُ، وَتُحْرَقُ بِهَا كُلُّ الْوُجُوهِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى الشِّمَالِ. 48- فَيَرَى كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ أَضْرَمْتُهَا. لاَ تُطْفَأُ». 49- فَقُلْتُ: «آهِ يَا سَيِّدُ الرَّبُّ! هُمْ يَقُولُونَ: أَمَا يُمَثِّلُ هُوَ أَمْثَالاً؟».
ع45، 46: التيمن : المقصود ناحية الجنوب.
وعر الحقل : المناطق الصخرية بجوار الحقول.
بعدما بشرهم الله بالرجوع من السبى، يعود فيؤكد ضرورة التأديب البابلى حتى يتوبوا؛ لئلا فى نشوة فرحهم بالرجوع ينسون ضرورة قبول التأديب. فيعلن الله لهم أن التأديب سيكون فى منطقة الجنوب، والمقصود بها منطقة اليهودية وأورشليم، وهى تقع فى الجنوب الغربى من بابل، حيث يقيم حزقيال.
ع47: يؤكد أن بابل ستحرق وتبيد أورشليم وسكانها، وتقضى على الحياة التى تمثلها الأشجار الخضراء، أى أن التأديب سيكون قاسياً لأجل صعوبة خطاياهم فى عبادتهم للأوثان وانغماسهم فى الشهوات.
ع48: أضرمتها : أشعلتها.
سيفهم حينئذ الناس، من شعبه ومن الأمم أيضاً أن الله وراء هذا التأديب؛ لأن الله أعلنه فى نبوات أنبيائه، قبل أن يحدث، لعل شعبه والأمم أيضاً يؤمنون به ويرجعون إليه بالتوبة.
ع49: باستخفاف رفض شعب الله قبول تحذيراته، وقالوا عن كلام الله على فم حزقيال أنه مجرد أمثال لن تتحقق، أى تشككوا ورفضوا كلام الله ليبقوا فى الخطية. لا ترفض كلام الله في الكتاب المقدس، وفى الكنيسة، وعلى فم كل من حولك، إنه يدعوك للتوبة، فراجع نفسك لأنه يحبك ويريد أن يغفر خطاياك. إن الكلام موجه لك أنت وليس للآخرين فقط، فاقبله واحيا به، فيكون لك مكان في السماء.