دارا الهيكل وحجرات الكهنة والحراسة
مقدمة للأصحاحات من 40 حتى 48
هذه الأصحاحات تتكلم بوضوح عن الهيكل الجديد، أى كنيسة العهد الجديد.
فيمكن تقسيم سفر حزقيال إلى ما يلى :
الجزء الأول (ص1-24) :
يتحدث عن ظهور الله في هيكله بمجده العظيم، ثم مفارقته للهيكل بسبب خطايا شعبه ورفضهم له. وهذا ما حدث مع البشرية، عندما تمتعت مع الله في جنة عدن، ثم طردت منه وعاشت في ألم وضيق طوال العهد القديم. وتحمل هذه الأصحاحات إنذارات ودعوة البشرية للتوبة حتى تستعيد طهارتها ومجدها.
الجزء الثانى (ص25-32) :
نبوات عن الأمم ترمز لقوة الله وقهره للشيطان، الذى تم بالصليب.
الجزء الثالث (ص33-39) :
نبوات عن شعب الله الجديد وانتصاره على الشيطان. وهو يرمز لحياة المؤمنين في العهد الجديد، التى تعتمد على التوبة ورعاية الله لهم وانتصارهم على حروب الشياطين. وضرورة تطهيرهم بالمعمودية (ص36: 25) وسكب الروح القدس عليهم (ص39: 29) وبهذا يتأهلون لدخول الهيكل المذكور في (ص40-48).
الجزء الرابع (ص40-48) :
نبوات عن الهيكل الجديد، أى الكنيسة والخدمة فيها.
ونجد تشابه بين الكلام عن الهيكل هنا (ص40-48) وبين ما كتب عن أورشليم السمائية في سفر الرؤيا (رؤ21، 22)، فكلاهما على جبل عالٍ، ويتكلم بطريقة رمزية، والمدينة من السماء، ويدخل إليها الآتين من الضيقة، ففى أيام حزقيال ضيقة السبى، وفى الأيام الأخيرة الضيقة العظيمة.
ونلاحظ أن الله يقدم الهيكل لحزقيال بطريقة رمزية، لذا فمقاساته لها معانٍ روحية، ولكن سنجد أن بعضها غير مناسب للتطبيق العملى لبناء واقعى؛ لأنه يركز على الرمز أهم من الواقع.
ويمكن تقسيم هذا الجزء الرابع كما يلى :
- الهيكل (ص40-43).
- العاملون في الهيكل والأعياد (ص44-46).
- الأرض المقدسة (ص47، 48).
مقدمة :
بعد أن فارق الله هيكله في أورشليم بسبب نجاسات شعبه، أى عبادتهم للأوثان وانغماسهم في الشهوات الشريرة، الآن يعود إلى هيكله، أى هيكل العهد الجديد؛ ليطهر ويمجد أولاده، ويمتعهم بعشرته إلى أعلى مستوى.
ورؤيا حزقيال الأخيرة (ص40-48) معزية جداً للمقيمين في السبى، المحرومين من العبادة في هيكل أورشليم، فيحدثهم عن هيكل أعظم، الذى يرمز إليه هيكل أورشليم، وهو كنيسة العهد الجديد (أف2: 20-22، 1بط 2: 4، 5).
(1) فكرة عن الهيكل والمدينة (ع1-4):
1- فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سَبْيِنَا، فِي رَأْسِ السَّنَةِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ عَشَرَةَ، بَعْدَ مَا ضُرِبَتِ الْمَدِينَةُ فِي نَفْسِ ذلِكَ الْيَوْمِ، كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ وَأَتَى بِي إِلَى هُنَاكَ.
2- فِي رُؤَى اللهِ أَتَى بِي إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَوَضَعَنِي عَلَى جَبَل عَال جِدًّا، عَلَيْهِ كَبِنَاءِ مَدِينَةٍ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ.3- وَلَمَّا أَتَى بِي إِلَى هُنَاكَ، إِذَا بِرَجُل مَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ، وَبِيَدِهِ خَيْطُ كَتَّانٍ وَقَصَبَةُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْبَابِ.4- فَقَالَ لِي الرَّجُلُ: «يَا ابْنَ آدَمَ، انْظُرْ بِعَيْنَيْكَ وَاسْمَعْ بِأُذُنَيْكَ وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى كُلِّ مَا أُرِيكَهُ، لأَنَّهُ لأَجْلِ إِرَاءَتِكَ أُتِيَ بِكَ إِلَى هُنَا. أَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا تَرَى».
ع 1 : يحدد حزقيال ميعاد هذه الرؤية وهو السنة الخامسة والعشرين لسبى حزقيال من أورشليم إلى بابل. وكان ذلك السبى هو السبى المسمى سبى يهوياكين، أو السبى العظيم. ولا ننسى أن هذا السبى هو أحد مراحل السبى البابلى، وهو بالتحديد السبى الثانى (سنة السبى).
والسنة الخامسة والعشرين لسبى حزقيال تقابل السنة الرابعة عشر لضرب أورشليم؛ لأنه بعد سبى يهوياكين ملك صدقيا آخر ملوك مملكة يهوذا لمدة إحدى عشر سنة، بعدها حاصر نبوخذنصر المدينة، وسقطت بين يديه، ثم قبض على الملك وأولاده والرؤساء وحطم أورشليم.
حدثت هذه الرؤيا في رأس السنة، أى في الشهر الأول منها، وفى اليوم العاشر من الشهر الأول، وهذا هو نفس اليوم الذى ضربت فيه أورشليم منذ أربعة عشر عاماً.
ولليهود تقويمان، التقويم الأول هو السنة المدنية، والعاشر من الشهر الأول فيها يوافق عيد الكفارة، والتقويم الثانى هو السنة الدينية، والعاشر من الشهر الأول يوافق عيد الفصح. وكلا العيدين يرمزان للمسيح الذبيح على الصليب، الذى به ننال خلاصنا، ففى هذا التوقيت رأى حزقيال رؤيا الهيكل، أى الكنيسة المؤسسة على فداء المسيح وصليبه.
في هذا الوقت كانت يد الرب على حزقيال، ليباركه ويحمله في نفس الوقت، من السبى حيث كان يسكن شمال بابل عند نهر خابور إلى أورشليم؛ ليرى هذه الرؤية في المدينة المقدسة. ولم يكن ممكناً لحزقيال أن يتمتع بهذه الرؤيا إلا ببركة ومساندة يد الله؛ لأن الرؤيا عظيمة جداً. ويد الرب تشير إلى المسيح المتجسد الذى يؤسس كنيسته ويظهرها لحزقيال هنا.
ونلاحظ أن حزقيال قد نقله الله قبل هذا إلى أورشليم (ص8)، ليرى إنغماس الشعب في عبادة الأوثان، وبسبب ذلك سمح الله بحرق الهيكل وأورشليم، أما الآن فيد الله تحمله إلى أورشليم ليرى رؤية معزية، وهو كاهن يعيش في السبى محروماً من تقديم العبادة في الهيكل، فيرى الهيكل الجديد، أى هيكل الكنيسة الذى ينتشر في العالم كله، فيتعزى قلبه بالله مخلصه ومقدسه، ويستطيع أن يعزى كل المسبيين معه، الذين مازالوا محرومين من رؤية الهيكل في أورشليم.
هذه النبوة آخر نبوة مؤرخة في سفر حزقيال، والنبوة السابقة لها المؤرخة كانت في (ص32) حيث تنبأ على فرعون مصر. وحزقيال من بداية نبواته يصلى ويتنهد على حال شعبه (ص21: 7) وكل الأمم وكل شعب الله، فأنعم عليه الله في نهاية حياته بهذه الرؤيا العظيمة رؤيا الهيكل (ص40-48).
ع2: يحدد حزقيال هنا أن مكان الرؤيا كان في أرض إسرائيل، وبالتحديد في أورشليم؛ لأنه في (ع1) يشير إلى أنها المدينة المقدسة التى ضربت في السبى.
ورفعته يد الله إلى جبل عالٍ جداً، وهو بهذا يبين أنه لابد أن يرتفع إلى السماء ليعاين هذه الرؤيا. وكل إنسان يحتاج أن يرتفع نحو السماء ليرى الله في حياته اليومية.
على هذا الجبل رأى “كبناء مدينة”، أى شبه مدينة. وهو بهذا يبين أن الرؤيا رمزية، وليست مدينة واقعية على الأرض، وهذا معناه أن كل التفاصيل القادمة في الآيات التالية كلها رمزية لا يمكن تطبيقها على أحداث معينة بعد الرجوع من السبى، ولكنها ترمز لكنيسة العهد الجديد.
ودعيت مدينة لأنها مسكن للناس، وفى نفس الوقت ستدعى أيضاً هيكل؛ لأنها مسكن الله. والمقصود أن الهيكل هو المدينة، أى مسكن الله مع شعبه، هذه هى الكنيسة. وفى السماء يتمتع المؤمنون بالمسيح في وسطهم، ونجد أن أورشليم السماوية كلها هيكل، لوجود الله بنفسه وسط شعبه، أى لا يوجد هيكل منفصل داخل المدينة السماوية، بل كلها صارت هيكلاً (رؤ21: 22).
يحدد أيضاً أن مكان هذه المدينة هو من جهة الجنوب؛ لأن حزقيال أتى من شمال بابل نحو الجنوب إلى أورشليم، فأورشليم تقع جنوب بابل. والجنوب تكون فيه الحرارة أعلى فيرمز للحرارة الروحية.
إن كنت تريد أن تعاين عمل الله في حياتك فارتفع عن شهواتك الأرضية، وتب عنها، واطلب الله في الصلاة، مسلماً حياتك له، حينئذ تستنير روحياً، وتشعر بالله مع كل خطوة من خطواتك.
ع3: ولما أحضر الله بيده حزقيال إلى المدينة، التى على الجبل العالى وجد عند بابها رجلاً منظره كمنظر النحاس، هذا الرجل هو المسيح، الذى يقف عند باب المدينة؛ لأنه هو باب الخراف (يو10: 7). ومنظره كالنحاس لأن النحاس يرمز للقوة والاحتمال، فسفر الرؤيا يعلن أن المسيح رجلاه كالنحاس (رؤ1: 15)، والنحاس عمل منه المذبح النحاسى في خيمة الاجتماع، حيث تقدم الذبائح، فهو إذن رمز للصليب، وهنا يرمز للمسيح المصلوب الفادى، الذى احتمل عنا كل الآلام، وداس الموت، ودك الشيطان، وقيده ليحررنا نحن المؤمنين به. والنحاس يرمز لتجسد المسيح، وسفر الرؤيا يذكر أن النحاس محمى بالنار، والنار ترمز لللاهوت، أى اللاهوت متحد بالناسوت، وهنا يحدثنا عن المسيح المتجسد الآتى لخلاص البشرية، حتى يدخلهم إلى كنيسته بدمه.
وفى يد الرجل خيط من الكتان، والخيط يستخدم في القياس، ويرمز هنا إلى أن المسيح يحصى شعبه ويقيسهم ليعطيهم مكاناً في ملكوته. والكتان يرمز للطهارة والتقديس، فمنه كانت تصنع ملابس الكهنة في العهد القديم، أى أن المسيح يقيس أولاده بحسب طهارتهم وقداستهم.
والقصبة التى في يده، هى خشبة طولها ستة أذرع وشبر، أى حوالى 3.25 متراً في القياس. وأيضاً هذه القصبة ترمز للصليب المصنوع من الخشب الذى يقيس الله به المؤمنين، فيقيسهم بحسب تجاوبهم مع نعمته الفائضة من الصليب، أى أسراره المقدسة، ووسائط النعمة الموجودة في كنيسته.
ع4: أريكه : أجعلك تراه، أى تشاهده وتنظره.
إرائتك : لتستطيع أن ترى.
طلب الرجل، أى المسيح من حزقيال أن يستخدم حواسه كلها وأهمها النظر والسمع؛ حتى يعاين تفاصيل الهيكل ويتمتع برؤية ما أعده الله لأولاده. ولا يكتفى فقط بإدراك ذلك بالحواس الخارجية، بل أيضاً يشعر بها في قلبه، أى يطلب الله منه أن ينتبه ويتيقظ بكل ما يستطيع، بهذا يبين عظمة المنظر الذى سيراه.
وواضح أن المسيح هو الذى يقوده؛ ليفهم ويعرف ما في الهيكل؛ ليتعزى وهو في السبى، وبعد ذلك يستطيع أن يعزى ويفرح المسبيين حوله. فحزقيال يمثل الخادم الذى ينبغى أن يرى الله ويشبع به حتى يستطيع أن يتكلم عنه للآخرين ويشبعهم بمحبة الله.
ونرى تدقيق الله مع حزقيال، أن يعلن له أموراً عجيبة بنعمته؛ ليفهم ما هو فوق الإدراك البشرى، أى أن حضور الله في هيكله وعمله في الإنسان المؤمن، هذا ما قصده عندما قال إرائتك.
(2) السور وحجرات الحراسة (ع5-16):
5- وَإِذَا بِسُورٍ خَارِجَ الْبَيْتِ مُحِيطٍ بِهِ، وَبِيَدِ الرَّجُلِ قَصَبَةُ الْقِيَاسِ سِتُّ أَذْرُعٍ طُولاً بِالذِّرَاعِ وَشِبْرٌ. فَقَاسَ عَرْضَ الْبِنَاءِ قَصَبَةً وَاحِدَةً، وَسُمْكَهُ قَصَبَةً وَاحِدَةً.6- ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي وَجْهُهُ نَحْوَ الشَّرْقِ وَصَعِدَ فِي دَرَجِهِ، وَقَاسَ عَتَبَةَ الْبَابِ قَصَبَةً وَاحِدَةً عَرْضًا، وَالْعَتَبَةَ الأُخْرَى قَصَبَةً وَاحِدَةً عَرْضًا.7- وَالْغُرْفَةَ قَصَبَةً وَاحِدَةً طُولاً وَقَصَبَةً وَاحِدَةً عَرْضًا، وَبَيْنَ الْغُرُفَاتِ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَعَتَبَةُ الْبَابِ بِجَانِبِ رِوَاقِ الْبَابِ مِنْ دَاخِل قَصَبَةٌ وَاحِدَةٌ.8- وَقَاسَ رِوَاقَ الْبَابِ مِنْ دَاخِل قَصَبَةً وَاحِدَةً.
9- وَقَاسَ رِوَاقَ الْبَابِ ثَمَانِيَ أَذْرُعٍ، وَعَضَائِدَهُ ذِرَاعَيْنِ، وَرِوَاقُ الْبَابِ مِنْ دَاخِل.10- وَغُرُفَاتُ الْبَابِ نَحْوَ الشَّرْقِ ثَلاَثٌ مِنْ هُنَا وَثَلاَثٌ مِنْ هُنَاكَ. لِلثَّلاَثِ قِيَاسٌ وَاحِدٌ، وَلِلْعَضَائِدِ قِيَاسٌ وَاحِدٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ.11- وَقَاسَ عَرْضَ مَدْخَلِ الْبَابِ عَشَرَ أَذْرُعٍ، وَطُولَ الْبَابِ ثَلاَثَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا.
12- وَالْحَافَّةُ أَمَامَ الْغُرُفَاتِ ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ مِنْ هُنَا، وَالْحَافَّةُ ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ مِنْ هُنَاكَ. وَالْغُرْفَةُ سِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَا، وَسِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَاكَ.13- ثُمَّ قَاسَ الْبَابَ مِنْ سَقْفِ الْغُرْفَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى سَقْفِ الأُخْرَى عَرْضَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا. اَلْبَابُ مُقَابِلُ الْبَابِ.14- وَعَمِلَ عَضَائِدَ سِتِّينَ ذِرَاعًا إِلَى عَضَادَةِ الدَّارِ حَوْلَ الْبَابِ.15- وَقُدَّامَ بَابِ الْمَدْخَلِ إِلَى قُدَّامِ رِوَاقِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا.
16- وَلِلْغُرُفَاتِ كُوًى مُشَبَّكَةٌ، وَلِلْعَضَائِدِ مِنْ دَاخِلِ الْبَابِ حَوَالَيْهِ، وَهكَذَا فِي الْقُبَبِ أَيْضًا، كُوًى حَوَالَيْهَا مِنْ دَاخِل، وَعَلَى الْعَضَادَةِ نَخِيلٌ.
ع5: قصبة : عصا خشبية وهى وحدة لقياس الأطوال طولها ستة أذرع وشبر، والذراع حوالى خمسين سم والشبر حوالى عشرين سم، أى يكون طول القصبة حوالى 320سم. رأى حزقيال في رؤياه الهيكل له سور، هذا السور سمكه قصبة، وعرضه، أى ارتفاعه قصبة، عندما قاسه الرجل الذى بيده القصبة الذى هو المسيح كما ذكرنا في (ع3). وهذا السور يمثل أمرين بالنسبة للهيكل :
- الحماية، كما كانت تبنى المدن قديماً وحولها أسوار. وهذا السور هو الله الذى يحمى أولاده كما يقول زكريا النبى أن الله سور نار لأولاده (زك2: 5).
- التمييز، فالذين في الداخل، أى المؤمنين يختلفون عن الذين في الخارج، أى غير المؤمنين. فالمؤمنون يحيون في الهيكل، أى في الخير، أماغير المؤمنين فيحيون في العالم، أى في الشر.
والقصبة طولها ستة أذرع وشبر، رقم ستة يرمز إلى الإنسان، لأنه خلق في اليوم السادس، والشبر يرمز لعمل الله فيه في اليوم السابع من الخلقة، أى أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بدون عمل الله فيه. وهناك تأمل آخر بأن الستة أذرع ترمز لعمل الله الذى خلق الإنسان في اليوم السادس، والشبر يرمز لجهاد الإنسان، وخلاص الإنسان يتم بنعمة الله وجهاد الإنسان حتى لو كان صغيراً ولكنه ضرورياً؛ ليعمل فيه الله. والهيكل كله يظهر النفس الإنسانية المتحدة بالله وعمل الله فيها من أجل جهادها الروحى.
ع6: جاء الرجل الذى بيده القصبة إلى الباب الشرقى وهو الباب الرئيسى للهيكل، ويوجد في السور وله درج من الخارج، أى سلم. وقاس الرجل عتبة الباب أى سمكه من جهة، فوجده قصبة، وقاسه من الجهة الأخرى، فوجده قصبة أيضاً، أى أن الباب له سمك قدره قصبة هى سمك السور.
الباب الشرقى يعتبر الباب الرئيسى؛ لأنه يقود إلى القدس وقدس الأقداس، إذ هو في مواجهته في الداخل. ويلاحظ أن الهيكل له بابان آخران، أحدهما من الشمال، والآخر من الجنوب، فالهيكل له ثلاثة أبواب رمزاً للثالوث القدوس الذى يقدس الهيكل، ولا نجد باباً من جهة الغرب؛ لأن في الجهة الغربية للهيكل نجد قدس الأقداس.
نرى هنا ثلاثة أبواب للهيكل، في حين أن هيكل سليمان، أو خيمة الاجتماع لها باب واحد من جهة الشرق؛ لأن الباب الشرقى يرمز لدخول المؤمنين للهيكل، أما وجود بابين آخرين فيرمز لدخول الأمم أيضاً في كنيسة العهد الجديد.
والثلاثة أبواب لها مقاييس واحدة؛ لأن الثالوث القدوس أقانيمه متساوية، وكذلك الخلاص المقدم لليهود والأمم في الكنيسة هو واحد. والباب هو المسيح، كما قال (يو10: 7)؛ أى ليس بأحد غيره الخلاص، وفيه وحده ندخل إلى الخلاص الموجود في الكنيسة وأسرارها.
ع7: بعد المرور من الباب نجد أمامه رواق، أى دهليز، أو ممر، على جانبيه صفان من الحجرات يميناً ويساراً، الصف الواحد عبارة عن ثلاثة حجرات، بين الحجرة والتى تليها يوجد فراغ مغطى بقبة. والحجرة مقاسها قصبة طولاً وقصبة عرضاً، أما الفراغ بين الحجرتين فكان عرضه خمسة أذرع.
وسمك الباب الشرقى، أى عتبته من الداخل قصبة واحدة، أى أن الإنسان يسير لمسافة قصبة داخل الباب ثم قصبة بعرض الحجرة الأولى، ثم خمسة أذرع للفراغ بين الحجرتين، وبعد ذلك قصبة بعرض الحجرة الثانية، ثم خمسة أذرع للفراغ بين الحجرتين الثانية والثالثة، ثم قصبة للحجرة الثالثة، وفى النهاية فراغ بمسافة خمسة أذرع، فيكون المجموع من درج الباب حتى الفراغ بعد الغرفة الثالثة حوالى 40 ذراعاً لأن القصبة ستة أذرع وشبر.
الستة حجرات الموجودة بعد الباب الشرقى هى للحراسة. وهذا يؤكد أهمية السهر الروحى وحراسة الإنسان لنفسه في ثلاثة اتجاهات هى النفس والجسد والروح. وعدد ستة تأكيد للحراسة في الثلاثة اتجاهات. أما الفراغ بين الحجرات، الذى عرضه خمسة أذرع والذى يسمى عضد في (ع9) فهو يرمز للخمسة حواس التى يلزم حراستها.
ونلاحظ أن الباب قصبة واحدة والحجرات كلها قصبة واحدة؛ لأن الباب هو المسيح الذى به وحده نستطيع أن نحرس حياتنا، كما يقول المزمور “إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحارس (مز127: 1). وهكذا نجد المسيح هو الباب والسور والحارس لأنفس أولاده.
ع8: بعد أن انتهينا من الغرفات والعضائد وصلنا إلى الباب الداخلى مقابل الباب الشرقى، هذا الباب الداخلى سمكه مثل الباب الشرقى قصبة واحدة. فالأبواب كلها مقاس واحد هو قصبة؛ لأنها كلها ترمز للمسيح باب الخراف.
ع9: هذا الباب الداخلى المقابل للباب الشرقى سمكه ثمانى أذرع، وقبله عضادة، أى عمود سمكه ذراع، وبعده عضادة أخرى، أى عمود سمكه ذراع، فيكون سمك، أو امتداد هذا الباب عشرة أذرع، أما الباب الشرقى، أى الخارجى فكان قصبة واحدة، أى حوالى ستة أذرع.
ونلاحظ أن الباب الداخلى أكثر عمقاً من الباب الخارجى؛ لأنه كلما تقدم الإنسان في حياته الروحية يزداد عمقاً.
ع10: عضائد : جمع عضادة وهى مسافة بين كل حجرتين وفيها فتحات من السقف، كما سنرى في الآيات التالية وسقفها مقبب. وقد عملت بين الحجرات للإنارة والتهوية عن طريق نوافذ في الحجرات مطلة عليها. والعضائد هى إذن أعمدة خشبية مثبتة في الحجرات ولها سقف مقبب. وأحياناً عندما يذكر عضادة يذكر عمود خشبى فقط، كما في الباب الداخلى المقابل للباب الشرقى.
يؤكد هنا ما سبق ذكره أن في رواق الباب الذى بين الباب الشرقى والباب الداخلى، أى الممر الذى بينهما يوجد على جانبيه ثلاث حجرات، وثلاث عضائد على اليمين، ومقابلهما ثلاث حجرات وثلاثة عضائد على اليسار، وللحجرات قياس واحد وللعضائد قياس واحد. ومعنى هذا أن طول الحجرات الثلاثية وعضائدها الثلاث يكون (6 × 3) + (5 × 3) =33 وهذا الرقم هو مدة حياة المسيح على الأرض، فالحجرات مخصصة للحراسة، أى أن الإنسان الذى يسهر على حياته ويحرسها يتمثل المسيح في حياته على الأرض ويسير في طريق الملكوت.
ع11: قاس عرض مدخل الباب فكان عشرة أذرع، أى أن رواق الباب عرضه عشرة أذرع، أما الباب فكان طوله، أى ارتفاعه ثلاثة عشر ذراعاً.
ع12: الحافة : عبارة عن رصيف أمام الحجرات.
على جانبى رواق الباب رصيف يميناً بعرض ذراع عليه صف الحجرات، ورصيف يساراً بعرض ذراع عليه صف الحجرات. وكان قياس الحجرات ستة أذرع كما ذكرنا سابقاً (ع7).
ع13: قاس الباب : أى حجرات الحراسة التى للباب.
وقياس المسافة بين طرف الحجرة الخارجى إلى الطرف الخارجى للحجرة المقابلة لها حوالى خمسة وعشرين ذراعاً هى ستة أذرع للحجرة، ثم حافة ذراع، وعرض الرواق عشرة أذرع، ثم حافة ذراع، وبعدها حجرة ستة أذرع. ونلاحظ أنه يذكر أن قياس الحجرة في ع(12) ستة أذرع وفى ع(7) قصبة واحدة أى ستة أذرع وشبر فتكون المسافة في الحالة الأولى 24 ذراعاً، وفى الحالة الثانية (القياس بالقصبة) تكون حوالى 25 ذراعاً.
ع14: قاس العضائد، أى الأعمدة الخشبية المثبتة في الحجرات والأبواب فوجدها ستون ذراعاً. ورقم ستون يذكرنا بكلام سفر نشيد الأنشاد بأنه حول تخت سليمان ستون جباراً يحرسون حراسات الليل (نش3: 7). ورقم ستون هو حاصل ضرب 5 × 12 فالخمس هم الحواس الخمس و12 ترمز للكنيسة كلها ممثلة في الإثنى عشر رسولاً، أى أن الكنيسة بكل أعضائها حواسهم يقظة، يحرسون أنفسهم من كل شر، معتمدين على نعمة الله الذى هو الباب.
ع15: من ناحية أخرى يقيس المسافة طولاً من بداية الباب الشرقى من الخارج حتى نهاية الباب الداخلى من الداخل فيجدها حوالى خمسون ذراعاً وهى كما يلى :
ستة أذرع وشبر، أى حوالى ستة أذرع ونصف سمك الباب الشرقى، ثم 34.5 ذراع للحجرات والعضائد (حوالى 6.5 للحجرة × 3 + 5 للعضادة × 3).
وبعد ذلك عشرة أذرع للباب الداخلى، فيكون الإجمالى حوالى خمسين ذراعاً، فهى بالضبط أكثر قليلاً من خمسين ذراعاً.
ورقم خمسين يرمز لسنة اليوبيل التى يتم فيها تحرير العبيد، والذين سقطوا في القتل الخطأ وعاشوا في مدن الملجأ. فهنا يعلن أن من يمر من الباب الشرقى ويدخل إلى الساحة الخارجية التى بعد الباب الداخلى، يتحرر من كل خطاياه. فمن يمر من المسيح الباب بالإيمان والتوبة، ويسهر ويحرس حواسه، يحرره الله من قيود الشر التى تربطه.
ع16: كوى : نوافذ صغيرة.
مشبكة : عليها شبكة من الخشب، أو المعدن.
يصف هنا العضادات وعلاقتها بالحجرات، فهذه العضادة سقفها المقبب فيه نوافذ لتنير هذه المساحة وتعطيها تهوية، وفى نفس الوقت كل حجرة فيها نوافذ تطل على العضادة وعلى باقى جهات الحجرة للتهوية والإنارة. وعلى كل كوة شبكة لمنع دخول الطيور. هذه الكوى تستخدم في أمرين :
- رؤية ما حول الحجرة للقيام بعمل الحراسة.
- للتهوية والإنارة.
هذه القبب موجودة في العضائد، وقد تكون موجودة أيضاً في الحجرات. والقبب ترمز للسماء، أى أن الإنسان الروحى ينبغى أن يكون :
- له فكر سماوى.
- يستنير دائماً بشمس البر ربنا يسوع المسيح. فالكوى في القبب، أى الاستنارة سماوية من الله للساكنين في السماء.
- يحرس حياته بيقظة روحية.
- يكون حريصاً ألا تدخل إلى داخله أفكار العالم، التى ترمز إليها الطيور؛ لذا كانت الكوى مشبكة.
- يتميز بالثمار الروحية؛ لذا رسم النخيل على العضائد؛ لأن الصديق كالنخلة يزهو (مز92: 12). والمؤمنون سينيرون السماء بحياتهم الروحية، ويتمتعون برؤية المسيح الذى آمنوا به وعاشوا معه على الأرض. وقد زين هيكل سليمان بالنخيل (1مل6: 29) وسعف النخيل يرمز للنصرة (رؤ7: 9).
والكوى تنظر إلى السماء الواسعة، فهى فتحات في الحجرات والعضائد لرؤية السماء. وهذا يرمز إلى أن الإنسان في الجسد يعاين بعض السماويات، أما عندما يترك العالم فيعاين مجد السماويات.
اهتم أن تحرس حياتك الروحية بتدقيق، فهذا يظهر محبتك لله وللسماء. وثق أن الله سيسندك ويبعد عنك حروباً كثيرة، بل يعضدك لتنتصر في كل حرب تقوم عليك من الشيطان.
(3) الدار الخارجية (ع17-27):
17- ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَإِذَا بِمَخَادِعَ وَمُجَزَّعٍ مَصْنُوعٍ لِلدَّارِ حَوَالَيْهَا. عَلَى الْمُجَزَّعِ ثَلاَثُونَ مِخْدَعًا.18- وَالْمُجَزَّعُ بِجَانِبِ الأَبْوَابِ مُقَابِلَ طُولِ الأَبْوَابِ، الْمُجَزَّعُ الأَسْفَلُ.
19- وَقَاسَ الْعَرْضَ مِنْ قُدَّامِ الْبَابِ الأَسْفَلِ إِلَى قُدَّامِ الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ خَارِجٍ، مِئَةَ ذِرَاعٍ إِلَى الشَّرْقِ وَإِلَى الشِّمَالِ.20- وَالْبَابُ الْمُتَّجِهُ نَحْوَ الشِّمَالِ الَّذِي لِلدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ قَاسَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ.
21- وَغُرُفَاتُهُ ثَلاَثٌ مِنْ هُنَا وَثَلاَثٌ مِنْ هُنَاكَ، وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ كَانَتْ عَلَى قِيَاسِ الْبَابِ الأَوَّلِ، طُولُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.22- وَكُوَاهَا وَمُقَبَّبُهَا وَنَخِيلُهَا عَلَى قِيَاسِ الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَكَانُوا يَصْعَدُونَ إِلَيْهِ فِي سَبْعِ دَرَجَاتٍ، وَمُقَبَّبُهُ أَمَامَهُ.23- وَلِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ بَابٌ مُقَابِلُ بَابٍ لِلشِّمَالِ وَلِلشَّرْقِ. وَقَاسَ مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ مِئَةَ ذِرَاعٍ.24- ثُمَّ ذَهَبَ بِي نَحْوَ الْجَنُوبِ، وَإِذَا بِبَابٍ نَحْوَ الْجَنُوبِ، فَقَاسَ عَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبَهُ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ.25- وَفِيهِ كُوًى وَفِي مُقَبَّبِهِ مِنْ حَوَالَيْهِ كَتِلْكَ الْكُوَى. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.
26- وَسَبْعُ دَرَجَاتٍ مَصْعَدُهُ وَمُقَبَّبُهُ قُدَّامَهُ، وَلَهُ نَخِيلٌ وَاحِدَةٌ مِنْ هُنَا وَوَاحِدَةٌ مِنْ هُنَاكَ عَلَى عَضَائِدِهِ.
27- وَلِلدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ بَابٌ نَحْوَ الْجَنُوبِ. وَقَاسَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الْبَابِ نَحْوَ الْجَنُوبِ مِئَةَ ذِرَاعٍ.
ع17: مجزع : رصيف مصنوع من الرخام الذى يختلط فيه اللون الأبيض والأسود.
مخادع : غرفات.
أدخل الله حزقيال بعد اجتياز حجرات الحراسة والباب الداخلى إلى الدار الذى تسمى الدار الخارجية. في هذه الدار رأى حزقيال حجرات على جوانبها، قد بنيت على رصيف مجزع، وكان عدد هذه الغرفات كلها ثلاثين.
هذه الحجرات خصصت لراحة الشعب الآتى لعبادة الله في هيكله. والراحة تكون في بيت الله وليس خارجه، هناك تستقر النفس، فإن كان الإنسان يعمل في حياته أعمالاً كثيرة، ولكن راحته في بيت الله حيث يصلى ويتأمل ويشعر بالله.
ورقم 30 هو سن النضج عند اليهود، فيعتبر إنساناً كاملاً، كما بدأ المسيح خدمته في سن الثلاثين، أى أن الإنسان الناضج روحياً هو الذى يدخل إلى بيت الله ويستقر فيه ويتمسك بحياته الروحية.
وللدخول لهذه الحجرات ينبغى الارتفاع درجة الذى هو المجزع، فمن يريد أن يتمتع بالراحة في بيت الله يلزم أن يرتفع عن الأمور العالمية.
والمجزع يختلط فيه اللون الأسود والأبيض، فهو يرمز لليهود والأمم، فالإثنان يتحدان بالإيمان بالمسيح، ويجدان راحتهما فى كنيسته. والرخام شئ ثمين في العالم، فيرمز إلى أن الإنسان يلزمه أن يدوس على مباهج العالم، فيدخل إلى الراحة الروحية، فبالتنازل عن الجسديات تجد الروح راحتها.
ع18: بنيت الحجرات فوق المجزع على جانبى الأبواب. وكان في الدار الخارجية ثلاثة أبواب؛ واحد من الشرق، والثانى من الشمال، والثالث من الجنوب. ويقصد بكلمة “المجزع الأسفل” أى أن المجزع أسفل الحجرات.
ع19: قاس الرجل الذى بيده القصبة المسافة بين كل باب في الدار الخارجية حتى مقابلها في الدار الداخلية، فوجدها 100 ذراع.
ورقم 100 هو مضروب (10 × 10) فيرمز إلى حفظ الإنسان وصايا الله (أى الوصايا العشر) من جهة نفسه، ومن جهة علاقته بالآخرين. وعموماً رقم 100 يمثل كمال المسئولية؛ فالإنسان مسئول عن حياته وكل من حوله وكل من يخدمهم، وهذا يظهر بالأكثر في حياة الكاهن والخادم، خاصة وأننا في الدار الخارجية وسندخل إلى الدار الداخلية، حيث العمل الكهنوتى وتقديم العبادة لله.
ع20-22: يوضح هنا أن الباب الذى من جهة الشمال شكله وحجرات الحراسة المتصلة به وعضائده وقبابه وكواه ونخيله، لها نفس مقاسات الباب الشرقى، التى ذكرناها في (ع5-16).
يوضح هنا أن الباب الذى يدخلنا إلى الدار الخارجية، سواء الشمالى، أو الشرقى، أو الجنوبى له 7 درجات في نهاية رواق الباب، ومعنى هذا أن الدار الخارجية أعلى من رواق الباب بسبع درجات، ويرمز هنا إلى أهمية الارتفاع عن العالم وشهواته حتى ندخل إلى الحياة مع الله. ورقم 7 يرمز إلى كمال عمل الله في الإنسان، الذى يجاهد ويترك عنه شهوات العالم، فيدخله الله بنعمته إلى الاتحاد به، والتمتع برؤيته. والسلم يرمز لأهمية التدرج في الجهاد الروحى.
ويلاحظ أيضاً وجود مقبب أمام الباب الذى في الدار الخارجية، فبعد صعود السلم والدخول في الباب نجد أمامه هذا المقبب الذى يرمز إلى السماء، أى أن الذى يصعد السلم، أى يرتفع عن الأرضيات، يدخل إلى الباب والمقبب، أى إلى السماء.
ع23: يؤكد هنا أن المسافة بين الباب الذى في الدار الخارجية مقابله في الدار الداخلية سواء الباب الشمالى، أو الشرقى هو 100 ذراع كما ذكرنا فى (ع19).
ع24-27: يوضح هنا أن الباب الذى نحو الجنوب له غرفات حراسة، وعضائد، وقباب وكوى، ونخيل على العضائد، وسلم، ومقبب أمامه، تماماً مثل الباب الشمالى والشرقى السابق ذكرهما. والمسافة كما ذكرنا بين الباب الجنوبى ومقابله في الدار الداخلية هو 100 ذراع.
يفهم من هذا أن الدخول إلى الله من جميع الجوانب هو بنفس الطريقة، فالجهاد الروحى واحد، كما تعلمنا الكنيسة، والمسافة بين الأبواب في الدار الخارجية والداخلية واحدة، أى 100 ذراع؛ ليؤكد نفس المعنى في ترك العالم والدخول في علاقة قوية مع الله.
الله يدعوك أن ترتفع عن شهواتك الأرضية، وتصعد بالجهاد الروحى؛ لتتمتع بعشرته في كنيسته. وتذكر أنه أحبك ومات لأجلك، فمن الطبيعى أن تتجاوب معه، وتتعب ولو قليلاً في هذه الحياة، لترتفع إلى السماء.
(4) الدار الداخلية (ع28-37):
28- وَأَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ بَابِ الْجَنُوبِ، وَقَاسَ بَابَ الْجَنُوبِ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ.
29- وَغُرُفَاتُهُ وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ. وَفِيهِ وَفِي مُقَبَّبِهِ كُوًى حَوَالَيْهِ. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.30- وَحَوَالَيْهِ مُقَبَّبٌ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا طُولاً وَخَمْسُ أَذْرُعٍ عَرْضًا.31- وَمُقَبَّبُهُ نَحْوَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى عَضَائِدِهِ نَخِيلٌ، وَمَصْعَدُهُ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ.32- وَأَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَقَاسَ الْبَابَ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ.33- وَغُرُفَاتُهُ وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ. وَفِيهِ وَفِي مُقَبَّبِهِ كُوًى حَوَالَيْهِ. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.
34- وَمُقَبَّبُهُ نَحْوَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى عَضَائِدِهِ نَخِيلٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، وَمَصْعَدُهُ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ.
35- وَأَتَى بِي إِلَى بَابِ الشِّمَالِ وَقَاسَ كَهذِهِ الأَقْيِسَةِ.36- غُرُفَاتُهُ وَعَضَائِدُهُ وَمُقَبَّبُهُ وَالْكُوَى الَّتِي لَهُ حَوَالَيْهِ. اَلطُّولُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْعَرْضُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا.37- وَعَضَائِدُهُ نَحْوَ الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ، وَعَلَى عَضَائِدِهِ نَخِيلٌ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، وَمَصْعَدُهُ ثَمَانِي دَرَجَاتٍ.
ع28، 29: أخذ حزقيال الرجل الذى بيده القصبة، وأتى إلى الباب الذى من جهة الجنوب والذى يدخل إلى الدار الداخلية. فرأى أمام الباب في الدار الداخلية غرف، ثلاث على اليمين وثلاث على اليسار، وبين هذه الغرف عضائد، وفى الغرفات والعضائد كوى مقاييسها مثل التى ذكرت في (ع5-16) وبنفس الشكل.
نلاحظ التماثل الكامل بين حجرات رواق الباب وحجرات الدار الداخلية، وهذا يرمز إلى أن الله يحرس أولاده ويرعاهم بنفس المقدار، ولكن البعض يتجاوبون جزئياً، فيكونون في الكنيسة ولكن عند الباب، أما البعض الآخر فيتجاوب بشكل كبير، فيدخل إلى الأعماق، أى الدار الداخلية.
ع30، 31: وهذا التماثل يؤكد أن الإيمان واحد، ووسائط النعمة واحدة في الكنيسة، ويستخدمها جميع المؤمنين، ولكن الفرق في مدى الاستفادة منها.
لهذا الباب الذى يدخل إلى الدار الداخلية مقبب طوله خمسة وعشرين ذراعاً وعرضه خمسة أذرع، وهو يطل على الدار الخارجية؛ لأن هذا الباب يفصل بين الدار الخارجية والداخلية. ووجد هناك ثمان درجات تصعد إلى هذا الباب من الدار الخارجية، أى أن الدار الداخلية أعلى من الدار الخارجية، كما أن الدار الخارجية أعلى من رواق الباب المذكور في (ع5-16).
نرى في هذه الآيات أن المقياس المستخدم هنا هو الذراع وليس القصبة المذكورة في الأبواب التى عند السور، والقصبة ستة أذرع وشبر، والذراع يرمز لعمل الله، والشبر يرمز لجهاد الإنسان. فجهاد الإنسان في بداية ممارساته الروحية أمر ضرورى، ولكن إن دخل إلى الأعماق مثل أعماق التأمل وصلاة القلب وكل ما اختبره القديسون، فهذا هو عمل الله فقط الذى يرمز إليه الذراع، كما قال القديس يوحنا الدرجى عن الصلاة “سكت لسانك ليتكلم قلبك، ثم سكت قلبك ليتكلم الله”.
نجد أيضاً زيادة المقبب في الباب الذى يؤدى إلى الدار الداخلية، وهذا المقبب كما قلنا يرمز إلى السماء، فينبغى لمن يدخل إلى الأعماق أن يركز نظره نحو السماء ويحيا بقلبه فيها.
والدرج الذى يرفعنا إلى الباب الخارجى الذى في السور له درجات غير مكتوب عددها فهى درجات قليلة. أما الدرجات المؤدية للباب الذى في الدار الخارجية فعددها سبعة، وهى ترمز لكمال عمل الله في الكنيسة من خلال الأسرار السبعة. وللدخول إلى الدار الداخلية، أى الأعماق نرى الدرج له ثمانى درجات، ورقم ثمانية يرمز للأبدية. فمن يترك العالم ويدخل إلى الكنيسة يلزمه أن يرتفع ولو قليلاً عن العالم، ثم في داخل الكنيسة يرتفع سبع درجات، أى يمارس أسرار الكنيسة، وبعد ذلك يتأهل للصعود إلى الأبدية بثمانى درجات، أى يدخل إلى الدار الداخلية.
وهناك تأمل آخر في الدرج، فالدار الخارجية نصعد إليها بسبع درجات، فهى ترمز لكمال الناموس في العهد القديم، أما الدار الداخلية فترمز للكنيسة التى نجد فيها عربون الحياة الأبدية؛ لذا نصعد إليها بثمانى درجات، ومجموع سبع درجات وثمانى درجات يساوى 15، ورقم 15 هو عدد مزامير المصاعد التى كان يرددها شعب الله وهم صاعدون إلى الهيكل في أورشليم.
إن الدرجات الثمانية تذكرنا بسلم يعقوب الصاعد إلى السماء (تك28: 12).
إن الدرجات تصعدنا إلى هيكل الله، سواء التى عند الباب الخارجى، أو السبعة المؤدية إلى باب الدار الخارجية، أو الثمانية المؤدية إلى باب الدار الداخلية. وأنت يا ترى تقف على أية درجة من هذه الدرجات. إن الله يقبلك في أية درجة، ولكن يشتاق أن تسعى للصعود إليه، وسيشجعك ويسندك ليعطيك من كنوزه الكثير ويفرح قلبك. فضع أمامك هدفك طوال حياتك، أن تصعد إليه لتتمتع بحبه من خلال ممارساتك الروحية.
ع32-34: بعد هذا ذهب حزقيال إلى الباب الشرقى للدار الداخلية، فوجده بنفس مقاييس وشكل الباب السابق الذى في ناحية الجنوب.
ع35-37: ثم ذهب حزقيال إلى الباب الذى من ناحية الشمال فوجده وكل ما يتصل به من غرفات وعضائد ومقبب بنفس شكل ومقاييس الباب الذى نحو الجنوب. ونرى أن الثلاثة أبواب للدار الداخلية متساوية في شكلها ومقاييسها، فهى ترمز إلى الثلاثة أقانيم المتساوية التى في جوهر الله، ومن خلالها ندخل إلى عشرة الله.
نلاحظ تكرار أمرين في وصف الأبواب الثلاثة هما :
- رقمى 25، 50 الذين وهما مضاعفات الرقم 5، الذى يرمز إلى تحمل المسئولية، إذ للإنسان خمس حواس وأصابع خمسة، فكل من يريد أن يدخل إلى العمق ينبغى أن يتحمل المسئولية في جهاده الروحى؛ ليتمتع بعشرة الله.
- النخيل الذى على العضائد يرمز لحياة البر، إذ أن البار يعطى ثماراً حتى لو أساء إليه الآخرون وألقوا عليه حجراً، فيعطيهم ثمراً. فمن يدخلون إلى العمق مع الله لابد أن يكونوا أبراراً. وفى نفس الوقت سعف النخيل يرمز إلى النصرة والأمجاد التى يتمتع بها أولاد الله في الملكوت.
(5) حجرات لإعداد الذبائح (ع38-43):
38- وَعِنْدَ عَضَائِدِ الأَبْوَابِ مِخْدَعٌ وَمَدْخَلُهُ. هُنَاكَ يَغْسِلُونَ الْمُحْرَقَةَ.39- وَفِي رِوَاقِ الْبَابِ مَائِدَتَانِ مِنْ هُنَا، وَمَائِدَتَانِ مِنْ هُنَاكَ، لِتُذْبَحَ عَلَيْهَا الْمُحْرَقَةُ وَذَبِيحَةُ الْخَطِيئَةِ وَذَبِيحَةُ الإِثْمِ.40- وَعَلَى الْجَانِبِ مِنْ خَارِجٍ حَيْثُ يُصْعَدُ إِلَى مَدْخَلِ بَابِ الشِّمَالِ مَائِدَتَانِ، وَعَلَى الْجَانِبِ الآخَرِ الَّذِي لِرِوَاقِ الْبَابِ مَائِدَتَانِ.41- أَرْبَعُ مَوَائِدَ مِنْ هُنَا، وَأَرْبَعُ مَوَائِدَ مِنْ هُنَاكَ عَلَى جَانِبِ الْبَابِ. ثَمَانِي مَوَائِدَ كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا.42- وَالْمَوَائِدُ الأَرْبَعُ لِلْمُحْرَقَةِ مِنْ حَجَرٍ نَحِيتٍ، الطُّولُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَالسَّمْكُ ذِرَاعٌ وَاحِدَةٌ. كَانُوا يَضَعُونَ عَلَيْهَا الأَدَوَاتِ الَّتِي يَذْبَحُونَ بِهَا الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبِيحَةَ.43- وَالْمَآزِيبُ شِبْرٌ وَاحِدٌ مُمَكَّنَةً فِي الْبَيْتِ مِنْ حَوْلِهِ. وَعَلَى الْمَوَائِدِ لَحْمُ الْقُرْبَانِ.
ع38: عند الباب الشمالى بعد صعود الثمانى درجات، نجد غرفة عند عضادة الباب اليمنى، وغرفة أخرى عند العضادة اليسرى، أى يوجد مخدعان أى غرفتان في نهاية الدار الخارجية، قبل الدخول من الباب إلى الدار الداخلية. هاتان الغرفتان يغسلون فيها الذبائح المقدمة كمحرقة لله.
غسل الذبائح يرمز إلى غسل القلب من كل خطية بالتوبة، وهذه التوبة أمر ضرورى لكل من يسمح له بالدخول إلى الدار الداخلية للملكوت، كما قال رب المجد في عظته على الجبل طوبى للحزانى الآن لأنهم يتعزون، أى من يتوبون لهم العزاء والفرح في ملكوت السموات (مت5: 4).
ع39: داخل رواق الباب الشمالى للدار الداخلية توجد مائدتان على كل جانب من جوانب الرواق، تقدم عليها الذبائح المعدة لتقديمها كمحرقات، أو ذبائح إثم، أو ذبائح خطية. وهذه الأنواع الثلاثة من الذبائح كانت تقدم بحسب شريعة موسى، وهى ترمز إلى ذبيحة المسيح على الصليب والتى ننالها على المذبح كل يوم في الكنيسة. فبالمسيح وحده ننال الخلاص الذى يدخلنا إلى الملكوت؛ الذى ترمز إليه الدار الداخلية.
ع40، 41: نجد أيضاً على جانبى رواق الباب من الخارج مائتين على كل جانب، وذلك بعد أن نصعد الثمانى درجات، وقبل الدخول إلى الدار الداخلية، أى أنه يوجد ثمانى موائد لذبح الذبائح قبل الباب الشمالى للدار الداخلية، أربعة منها داخل الغرفة، وأربعة خارج الغرفة على جانبيها من الخارج.
عدد ثمانية يرمز للأبدية، أى أنه بالتناول من ذبيحة المسيح والاتحاد به نستطيع أن ندخل إلى الأبدية. وعدد ثمانية يرمز للحياة الجديدة، فذبيحة المسيح ذبيحة جديدة كانت ترمز إليها ذبائح العهد القديم.
نلاحظ أيضاً أن الذبائح تقدم عند الباب الشمالى، وذلك لأن الشمال يرمز إلى قضاء الله وعقابه، فقد هجمت كل الممالك على شعب الله من الشمال، سواء أشور، أو بابل، أو مادى وفارس، ثم بعدهما اليونان والرومان. وإن كان قضاء الله ودينونته تأتيا من الشمال، فلا يخلصنا من هذه الدينونة إلا المسيح الفادى؛ لذا وضعت موائد الذبائح عند الباب الشمالى.
هذه الموائد الثمانية توضع خارج الدار الداخلية، كما ندخل الآن في الكنيسة بالحمل من خارج الهيكل، حيث يختاره الكاهن من بين القربان؛ ليدخله إلى المذبح في الداخل، وكما يأتون بالحمل في الأعياد من خارج الكنيسة؛ ليختاره الكاهن على باب الهيكل، ثم يدخله إلى الداخل.
ع42: هذه الموائد كانت تصنع من حجر نحيت، أى حجر واحد منحوت من الجبل، وليست مجموعة أحجار مركبة فوق بعضها. وهذا الحجر يرمز للمسيح حجر الزاوية (أف2: 20). وهذا الحجر قطعة واحدة، أى أنه ثابت ومستقر، ويرمز لأهمية الثبات في المسيح (يو6: 56). وكان قبر المسيح منحوت في الصخر، فهذه المائدة ترمز لقبر المسيح الفادى الذبيح الحقيقى عنا.
ونرى في مقاسات هذا الحجر أنه مربع طوله مثل عرضه، وله بالتالى أربعة أركان، فالمسيح يقدم ذبيحة وفائه عن العالم كله بأركانه الأربعة. أما سمك هذه المائدة، أى ارتفاعها فكان ذراعاً واحداً؛ لأن المسيح واحد وليس بأحد غيره الخلاص، فبذبيحته وحده ننال الخلاص وندخل للملكوت (أع4: 12).
أما أدوات الذبح التى يذبحون بها الذبائح فترمز إلى الممارسات الروحية التى تؤهل الإنسان المؤمن للاتحاد بالمسيح، وتعده للدخول إلى الملكوت. وأدوات الذبح ترمز لما يسمح بوضعه الآن في الكنيسة على المذبح، أى الصليب والبشارة والبخور، وكلها ضرورية لتقديم ذبيحة المسيح، وعلى الصليب قدم المسيح ذاته بخوراً، فاشتمه أبوه الصالح، وقدم بشارة للعالم كله بالخلاص.
المسيح يقدم لك محبته في ذبيحته المقدمة عنك كل يوم على المذبح، فلا تنشغل عنها؛ لأنها أهم شئ في العالم، واستعد لها بالصلاة والصوم والتوبة؛ حتى تتمتع بعملها فيك، فتؤهلك للدخول إلى الملكوت.
ع43: مآزيب : خطاطيف.
ممكنة : مثبتة.
كان مثبتاً في جدران هذه الغرفة خطاطيف لتعليق الذبائح بها، حتى يتم غسلها وكان الخطاف طوله شبر. والخطاف يرمز لجهاد الإنسان الذى يتمسك بذبيحة المسيح، فينال الخلاص. وإن كان طول الخطاف صغير، وهو شبر، لكنه ضرورى لنوال الخلاص، فإن لم يتمسك الإنسان بالمسيح المقدم نفسه عنا كهبة مجانية؛ فلن ينال الخلاص.
والمآزيب ممكنة في البيت، أى أنه ينبغى أن يثبت المؤمن في الكنيسة ليستطيع أن يتمتع بذبيحة المسيح، فيظل مداوماً على الصلاة وكل الممارسات الروحية وأسرار الكنيسة.
ويوضع على المذبح لحم القربان، أى لحم الذبائح المقدم قرباناً لله، وهو يرمز لجسدالمسيح المقدم على مذبح الكنيسة في شكل قربان يتحول إلى جسد المسيح.
هذه الغرفة التى داخلها الموائد ترمز إلى مخدع الصلاة، حيث ينسكب الإنسان المؤمن بالمسيح الذبيح ويرفض كل شر مهما كان عزيزاً لديه في توبة ودموع؛ ليرتفع إلى السماء.
وهكذا رأى حزقيال قصة الخلاص كلها، إذ رأى ذبائح العهد القديم؛ المحرقة والخطية والإثم، الى ترمز للمسيح الفادى الذى يقدم ذبيحته على مذبح الكنيسة، وإذ نتناوله نتأهل للدخول إلى ملكوت السموات، التى هى الدار الداخلية.
(6) حجرات المغنيين والكهنة (ع44-49):
44- وَمِنْ خَارِجِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ مَخَادِعُ الْمُغَنِّينَ فِي الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ الَّتِي بِجَانِبِ بَابِ الشِّمَالِ، وَوُجُوهُهَا نَحْوَ الْجَنُوبِ. وَاحِدٌ بِجَانِبِ بَابِ الشَّرْقِ مُتَّجِهٌ نَحْوَ الشِّمَالِ.45- وَقَالَ لِي: «هذَا الْمِخْدَعُ الَّذِي وَجْهُهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ هُوَ لِلْكَهَنَةِ حَارِسِي حِرَاسَةِ الْبَيْتِ.46- وَالْمِخْدَعُ الَّذِي وَجْهُهُ نَحْوَ الشِّمَالِ لِلْكَهَنَةِ حَارِسِي حِرَاسَةِ الْمَذْبَحِ. هُمْ بَنُو صَادُوقَ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ بَنِي لاَوِي إِلَى الرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ». 47- فَقَاسَ الدَّارَ مِئَةَ ذِرَاعٍ طُولاً، وَمِئَةَ ذِرَاعٍ عَرْضًا، مُرَبَّعَةً، وَالْمَذْبَحَ أَمَامَ الْبَيْتِ.
48- وَأَتَى بِي إِلَى رِوَاقِ الْبَيْتِ وَقَاسَ عَضَادَةَ الرِّوَاقِ، خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَا وَخَمْسَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَاكَ، وَعَرْضَ الْبَابِ ثَلاَثَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَا وَثَلاَثَ أَذْرُعٍ مِنْ هُنَاكَ.49- طُولُ الرِّوَاقِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَالْعَرْضُ إِحْدَى عَشَرَةَ ذِرَاعًا عِنْدَ الدَّرَجِ الَّذِي بِهِ كَانُوا يَصْعَدُونَ إِلَيْهِ. وَعِنْدَ الْعَضَائِدِ أَعْمِدَةٌ، وَاحِدٌ مِنْ هُنَا وَوَاحِدٌ مِنْ هُنَاكَ.
ع44: يحدثنا هنا عن حجرات للمغنين وهم من اللاويين والكهنة. هذه الحجرات داخل الدار الداخلية، ليست في الأبواب، ولكن بجوار الأبواب، وليست بجوار باب القدس، ولكن في محيط الدار الداخلية.
ويحدد أماكن هذه الغرفات أنها بجوار باب الشمال وتطل على الباب الجنوبى. وهناك غرفة، أو غرفات بجوار الباب الشرقى للدار الداخلية من ناحية الشمال وليس من ناحية الجنوب.
نرى هنا اهتمام الله بالتسابيح والغناء الروحى، فيخصص حجرات للمغنين في الدار الداخلية؛ ليكون التسبيح مستمراً في هيكل الله. هذا ما بدأ به داود ونظمه، وهذا هو الموجود في كنيسة العهد الجديد، وسيكون هو العمل الوحيد في ملكوت السموات.
ونجد هنا ارتباطاً بين الذبائح المذكورة في (ع38-43) وبين الغناء والتسبيح المذكور في هذه الآية، وهذا يبين فرح الله بذبائح التسبيح التى هى صلواتنا وتسابيحنا المرفوعة أمامه في الكنيسة وفى مخادعنا.
ليكن للتسبيح مكاناً واضحاً في صلواتك، إذ هو الصلاة التى بلا غرض إلا محبة الله، فهى تجاوب مع محبته المجانية. فسبح الله ليس فقط في الكنيسة ولكن في صلاتك الخاصة.
ع45، 46: خصص الله المخدع الذى بجوار باب الشمال ووجهه نحو الجنوب لإقامة الكهنة المسئولين عن حراسة البيت، أى القدس. وهذا المخدع إما غرفة، أو أكثر. وخصص المخدع الذى بجوار الباب الشرقى الذى يتجه وجهه نحو الشمال، أى المقام عن يمين الباب الشرقى لإقامة الكهنة المسئولين عن المذبح وحراسته والقيام بأعماله، ويسميهم بنى صادوق. وصادوق هذا هو رئيس الكهنة المعروف أيام داود وسليمان، وكان رجلاً صالحاً. وتحديد الله لإسمه يبين اختيار الله للصالحين، وهو يرمز للمسيح المختار من بين بنى البشر ليفدى البشرية كلها، خاصة أن اسم صادوق معناه بر، فهو يرمز للمسيح الذى بفدائه يبرر أولاده. ونلاحظ تنظيم الله لكل شئ، وتحديده للمسئوليات، فيضع مسئولية حراسة البيت على بعض الكهنة، وحراسة المذبح على كهنة آخرين، كما حدد البعض للتسبيح في (ع44).
ع47: نلاحظ أن الدار الداخلية مربعة طولها وعرضها 100 ذراع أمام القدس وقدس الأقداس، أى البيت، وفى وسط هذه الدار يوجد المذبح الذى يوجد أمام البيت.
ورقم 100 يرمز للقطيع الصغير المائة خروف، أى المؤمنين الذين يرعاهم المسيح ويعد لهم الملكوت.
والدار الداخلية مربعة لترمز إلى أنها تجمع المؤمنين من أركان المسكونة الأربعة؛ ليعبدوا الله في كنيسته ويتمتعوا به في الملكوت.
ع48: عندما وصل إلى نهاية الدرج وجد رواقاً عليه باب، هذا الباب عرضه ستة أذرع، منقسم إلى ثلاثة أذرع يميناً وثلاثة أذرع شمالاً، هى ضلف الباب. وكانت ضلف الباب مثبتة على عضائد، خمسة أذرع يميناً وخمسة أذرع يساراً.
نلاحظ أن الباب عرضه ثلاثة من هنا وثلاثة من هناك، يرمز للثالوث القدوس، ويؤكد ذلك مرتين، فينبغى أن يحيا الكاهن في علاقة مع الله في ثالوثه القدوس.
والعضائد المثبت بها الباب عرض كل منها خمسة أذرع ترمز لحواس الإنسان، فيلزم أن يهتم الكاهن بتقديس حواسه، ويؤكد ذلك مرتين في العضائد اليمنى واليسرى.
ع49: كان الرواق الذى نصل إليه بعد صعود الدرج عشرون ذراعاً طولاً وإحدى عشر ذراعاً عرضاً، وكان فيه بعد صعود الدرج عمودان يميناً ويساراً نحو العضائد.
نجد هنا أنه ينبغى لدخول الكهنة للبيت ان يصعدوا درجاً، أى يرتفعوا نحو السماويات ويتركوا عنهم كل فكر أرضى. هذا الصعود يتميز به الكهنة بخلاف الدرجات التى يصعدها المؤمنون السابق ذكرها، أى أن الكاهن لابد أن تتميز حياته مع الله وعمقه عن باقى الشعب.
بعد صعود الدرج نجد رواقاً يسير فيه الكهنة حتى يصلوا إلى باب القدس، أى البيت. في هذا الرواق يخلى الكاهن كل أفكاره الأرضية، ويستعد لخدمة الله بكل قلبه، أى يستعد للدخول إلى حضرة الله بخشوع وحب.
نجد أيضاً عمودين بعد الدرج يرمزان إلى أن الكاهن لابد أن يكون ثابتاً في بيت الله، مثل العمود، ومرتفعاً إلى السماء مثله، ويذكرنا هذا بالعمودين اللذين كانا في هيكل سليمان (1مل7: 21).
طول الرواق عشرون ذراعاً (10 × 2)، أى ينبغى أن يتميز الكاهن بحفظ الوصايا أكثر من باقى الشعب. وعرض الرواق 11 الذى يرمز إلى عدد التلاميذ ينقصهم يهوذا؛ ليكون الكاهن حذراً من الكبرياء ومحبة المال التى سقط فيها يهوذا، أى بالجملة يحيا الكاهن مدققاً في حياته خاضعاً لله. تذكر ضرورة أن تثبت في الله مثل العمود، وذلك بالمواظبة على صلواتك وأصوامك وقراءاتك، متغذياً بجسد الرب ودمه، فتنمو كل يوم في معرفة الله.