عودة المجد
(1) عودة الله إلى هيكله (ع1-12):
1- ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى الْبَابِ، الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ.2- وَإِذَا بِمَجْدِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْقِ وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَالأَرْضُ أَضَاءَتْ مِنْ مَجْدِهِ.3- وَالْمَنْظَرُ كَالْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُهُ لَمَّا جِئْتُ لأُخْرِبَ الْمَدِينَةَ، وَالْمَنَاظِرُ كَالْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي.
4- فَجَاءَ مَجْدُ الرَّبِّ إِلَى الْبَيْتِ مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ.5- فَحَمَلَنِي رُوحٌ وَأَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ قَدْ مَلأَ الْبَيْتَ،6- وَسَمِعْتُهُ يُكَلِّمُنِي مِنَ الْبَيْتِ، وَكَانَ رَجُلٌ وَاقِفًا عِنْدِي.7- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هذَا مَكَانُ كُرْسِيِّي وَمَكَانُ بَاطِنِ قَدَمَيَّ حَيْثُ أَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يُنَجِّسُ بَعْدُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ اسْمِي الْقُدُّوسَ، لاَ هُمْ وَلاَ مُلُوكُهُمْ، لاَ بِزِنَاهُمْ وَلاَ بِجُثَثِ مُلُوكِهِمْ فِي مُرْتَفَعَاتِهِمْ.8- بِجَعْلِهِمْ عَتَبَتَهُمْ لَدَى عَتَبَتِي، وَقَوَائِمَهُمْ لَدَى قَوَائِمِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ حَائِطٌ، فَنَجَّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ بِرَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي فَعَلُوهَا، فَأَفْنَيْتُهُمْ بِغَضَبِي.9- فَلْيُبْعِدُوا عَنِّي الآنَ زِنَاهُمْ وَجُثَثَ مُلُوكِهِمْ فَأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ.10- «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَأَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْبَيْتِ لِيَخْزَوْا مِنْ آثَامِهِمْ، وَلْيَقِيسُوا الرَّسْمَ.11- فَإِنْ خَزُوا مِنْ كُلِّ مَا فَعَلُوهُ، فَعَرِّفْهُمْ صُورَةَ الْبَيْتِ وَرَسْمَهُ وَمَخَارِجَهُ وَمَدَاخِلَهُ وَكُلَّ أَشْكَالِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَكُلَّ شَرَائِعِهِ، وَاكْتُبْ ذلِكَ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ لِيَحْفَظُوا كُلَّ رُسُومِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَيَعْمَلُوا بِهَا.12- هذِهِ سُنَّةُ الْبَيْتِ: عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ كُلُّ تُخْمِهِ حَوَالَيْهِ قُدْسُ أَقْدَاسٍ. هذِهِ هِيَ سُنَّةُ الْبَيْتِ.
ع1: بعد أن حدثنا حزقيال عن الرؤيا العظيمة التى رأى فيها الهيكل (ص40-42)، وهو يرمز لهيكل الكنيسة والملكوت. يطمئنا هنا بعودة الله إلى هيكله، ويقول أن الله قد جاء به، أى الروح القدس حمله إلى الباب الشرقى؛ ليرى منظراً عظيماً كان يتمناه منذ مدة طويلة، هو منظر الله الظاهر في هيكله، كماسنرى في الآيات التالية.
ومجد الله يظهر عند الباب الشرقى؛ لأن المسيح نجمه ظهر في الشرق، وهيكل الكنيسة في العهد الجديد ناحية الشرق، وسيأتى المسيح في مجيئه الثانى من الشرق.
ونلاحظ أن هذه هى المرة الخامسة عشر في هذا السفر التى يذكر فيها كلمة “مجد الرب”؛ لذا فهذا السفر يمكن أن يسمى سفر “مجد الرب”.
ع2: أعلن حزقيال أنه رأى الله بظاهرتين واضحتين :
- سمع صوتاً قوياً كصوت مياه كثيرة هو صوت الله، أو كلمة الله المتجسد المسيح إلهنا. وتشبيه صوت الله القوى بالمياه الكثيرة جاء أيضاً في سفر الرؤيا (رؤ1: 15).
- ظهر الله بنور قوى جداً، أضاء ليس فقط الهيكل، بل الأرض كلها، فهو شمس البر الذى يضئ العالم كله.
ع3: عندما رأى حزقيال مجد الله فهم بسرعة أن هذه الظواهر تعلن حضور الله؛ لأنه رأى هذا المجد عند نهر خابور (ص1)، وعندما فارق الله هيكله (ص10)، وبعدها خرب الهيكل ومدينة أورشليم على يد بابل. وهذا هو المقصود بقوله “عندما جئت لأخرب المدينة”، أى ظهور الله في (ص10)، ومفارقته للهيكل كان إعلاناً بأن الهيكل والمدينة بدون حماية إلهية فخربت. فحزقيال جاء ليعلن في (ص10) أن أورشليم ستخرب، وتم هذا فعلاً. وبعد ذلك حدثنا الله في سفر حزقيال في (ص25-32) عن تحطيمه للأمم أعداء شعب الله، ثم بشرهم الله أن يكون راعياً لهم بدلاً من الرعاة المخطئين (ص34)، ودعاهم للتوبة في (ص36)، ثم هنا بعد أن حدثهم عن الهيكل الجديد يعلن عن عودة مجده إلى هيكله.
عندما رأى حزقيال مجد الله العظيم سجد في خشوع أمام الله.
ع4، 5: رأى حزقيال مجد الله ظهر عند الباب الشرقى، ثم دخل إلى الدار الداخلية، وتمتع حزقيال برؤيته؛ لأن روح الله حمله وأدخله من عند الباب الشرقى إلى الدار الداخلية. وهكذا نرى أن الله يظهر مجده في الداخل، كما يقول “مجد ابنه الملك في خدرها (من داخل)” (مز45: 13).
ويتكرر حمل روح الله وتوجيهه لحزقيال مرات كثيرة في هذا السفر؛ حتى يصبح من السهل علينا أن نسمى هذا السفر سفر حزقيال والروح القدس، أو نسمى حزقيال نبى الروح القدس، كما يرى الآباء أن أشعياء هو نبى الإبن وإرميا هو نبى الآب.
إن الله مستعد أن يدخلك إلى الأعماق بواسطة الروح القدس؛ لتراه وتتمتع به، إن كنت تتجاوب معه وتهتم بممارساتك الروحية، وتخضع لوصاياه، وهكذا تتمتع بالملكوت وأنت على الأرض. أزل العوائق، وهى خطاياك، بالتوبة واطلب وجه الله، فيعلن لك مجده.
ع6: سمع حزقيال صوت الله يكلمه ويقول “الرجل واقفاً عندى” ولعله يقصد الرجل الحامل قصبة القياس المذكور في (ص40: 3) وهو المسيح كما ذكرنا. وقد يكون هذا الرجل مختفياً، أى سمع صوت فقط، ولكن الخلاصة أن الله نادى على حزقيال، والصوت والرجل يرمزان لتجسد المسيح.
ع7: أعلن الله أعظم خبر كان يتمناه حزقيال، وهو رجوع الله إلى هيكله، الذى يعلن الله أنه:
- مكان كرسىَّ، أى أن الله يستريح ويستقر ويفرح أن يكون في هيكله وسط شعبه.
- مكان باطن قدمى؛ لأن عرش الله في السماء ولكن تستقر قدماه في هيكله على الأرض؛ حتى يرفع أولاده في كنيسته إلى السماء، ويحيوا معه في الملكوت إلى الأبد. وباطن قدمىَّ تعلن بوضوح تجسد المسيح.
ولا ننسى هنا أن الله نادى حزقيال كما عوده يابن آدم وذلك لما يلى :
- لأن حزقيال رأى رؤى كثيرة، فهو يذكره أنه إنسان؛ حتى لا يتكبر.
- لأنه مسئول أن يوصل هذه الرؤى لإخوته البشر، بنى آدم؛ حتى يؤمنوا ويتوبوا.
- لأن حزقيال يمثل الإنسان كما ينبغى، أى الإنسان الروحى، الذى ينعم عليه الله برؤيته حتى يدعوا كل البشر أن يتمثلوا بحزقيال، عندما يقرأون نبوته.
يعد الله حزقيال أنه يسكن وسط شعبه المؤمنين به إلى الأبد، وهذه نعمة مجانية يهبها لهم، ولكن حتى يتمتعوا بهذه النعمة ينبغى أن يلتزموا بما يلى :
- الابتعاد عن كل النجاسات.
- الانفصال عن الزنا وكل الشهوات الردية.
- هدم وترك المرتفعات التى يقدمون عليها عبادة للأوثان، أى الابتعاد عن كل مكان يفصلهم عن الله في كل أجيالهم.
وعندما يقول ملوكهم يقصد الملوك الذين حكموهم. وعندما يقول “بزناهم” يقصد، ليس فقط الزنى الجسدى، بل أيضاً الزنى الروحى، وهو التصاقهم بعبادة الأوثان. وعند قوله “جثث ملوكهم” يقصد التماثيل التى وضعوها على المرتفعات، فهى أصنام ميتة تشبه الجثث، أما الله فحى إلى الأبد، والجثث أيضاً كانت نجسة عند اليهود في العهد القديم. والخلاصة أن اليهود وملوكهم الأرضيين ورؤساءهم لابد أن يبتعدوا عن النجاسة بكل أشكالها، وأهمها الآلهة الوثنية التى ملكت عليهم؛ ليعاينوا مجد الله.
ع8: يذكر الله شعبه بخطاياهم؛ حتى يتوبوا ويثبتوا في توبتهم؛ لأنهم في كبرياء وبجاحة أقاموا عبادات لأوثانهم بجوار بيت الرب، فكانت معابد الأوثان بعتباتها وقوائمها ملتصقة ببيت الرب، ولايفصلها عنه إلا حائط، ومن أجل هذه النجاسات التى فعلوها سمح الله لهم بالسبى والهلاك على يد بابل، ولكنه يعود فيحييهم، ما داموا قد تابوا إليه، فيبنون هيكله، ويأتى الله ويحل فيه، وهذا ما حدث بعد الرجوع من السبى على يد زربابل وعزرا.
ع9: يدعو الله شعبه دعوة واضحة للتوبة، وذلك بالبعد عن الزنى الروحى والزنى الجسدى. والمقصود بالزنى الروحى ترك الأصنام الميتة لملوكهم، أى آلهتهم الغريبة، فهذه الأصنام – كما قلنا – ميتة كالجثث. بهذه التوبة يرضى الله عنهم، فيسكن في وسطهم ويباركهم إلى الأبد. وهذه نبوة عن الكنيسة في العهد الجديد، التى تكمل في ملكوت السموات، حيث يسكن الله وسط المؤمنين به.
ع10: ليقيسوا الرسم : ليعرفوا عظمة بيت الله الذى أظهره لحزقيال في الرؤيا (ص40-42).
يأمر الله حزقيال أن يخبر شعبه ببيته، الذى بناه سليمان، وحل فيه الله، وبارك شعبه، وكذلك عن البيت الأعظم، الذى أظهره الله لحزقيال في الرؤيا (ص40-42)، وهذا يؤثر في الشعب بأمرين :
- يدعوه للتوبة؛ لأنه بسبب خطاياهم فقدوا الهيكل وهدمه البابليون.
- يفكرون في عظمة البيت الذى أعده الله لهم، فيتحرك الرجاء فيهم، ويشتاقون لسكن الله في وسطهم.
ع11: إن شعر الشعب بخطيته، واشتاق لرجوع الله ليسكن في وسطه في بيته، يأمر الله حزقيال أن يشرح لهم الرؤيا التى رأى فيها بيت الله، وعظمته، وتفاصيل مداخله ومخارجه. ويكتب ذلك أمامهم، حتى لا ينسوا، فلعله يكتبه على أوراق، أو حائط، ويعلمهم شرائعه وطقوسه، حتى يعملوا بها عند رجوعهم من السبى، فقد بنوا الهيكل واستكمل بناؤه على مراحل حتى تجسد المسيح. كل هذا يشير لعظمة كنيسة العهد الجديد، ثم بالأكثر إلى عظمة ملكوت السموات.
هذا التوضيح الذى طلبه الله من حزقيال، يظهر محبة الله لشعبه، إن تابوا ورجعوا إليه بكل قلوبهم، واشتياقه أن يسكن في وسطهم ويدخلهم إلى أعماقه؛ ليتمتعوا به في حياتهم على الأرض، عربوناً لملكوت السموات.
ع12: سنة : شريعة أو قانون.
تخمه : حدوده.
يتكلم الله هنا بصراحة عن البيت باعتباره كنيسة العهد الجديد، فيقول لحزقيال أن الرؤيا التى رأها عن بيت الله كانت على جبل (ص40: 2)، وأن قانون هذا البيت أن يكون كله قدس أقداس، فهو ليس كهيكل سليمان، أو خيمة الاجتماع فيه جزء يحل فيه الله ولا يدخل إليه إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، بل كل البيت هو قدس أقداس. وهذا يتم في كنيسة العهد الجديد، عندما يحضر المؤمنون فقط في الكنيسة، ويتناولون كلهم من جسد الرب ودمه، وهذا يستمر إلى الأبد، فإن أورشليم السمائية كلها مقدسة والمسيح في وسطها يمتع شعبه به إلى الأبد.
ولكيما يعاين الشعب مجد الله ينبغى أن يؤمن بالله، ويرفض عبادة الأوثان، ويتوب عن كل شهواته الشريرة. لذا يحدثهم في باقى هذا الأصحاح عن المذبح النحاسى وتقديسه؛ حتى يقدم الشعب عليه ذبائحه معلناً توبته ورجوعه إلى الله الواحد.
(2) شكل المذبح النحاسى (ع13-17):
13- «وَهذِهِ أَقْيِسَةُ الْمَذْبَحِ بِالأَذْرُعِ، وَالذِّرَاعُ هِيَ ذِرَاعٌ وَفِتْرٌ: الْحِضْنُ ذِرَاعٌ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ، وَحَاشِيَتُهُ إِلَى شَفَتِهِ حَوَالَيْهِ شِبْرٌ وَاحِدٌ. هذَا ظَهْرُ الْمَذْبَحِ. 14- وَمِنَ الْحِضْنِ عِنْدَ الأَرْضِ إِلَى الْخُصْمِ الأَسْفَلِ ذِرَاعَانِ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ. وَمِنَ الْخُصْمِ الأَصْغَرِ إِلَى الْخُصْمِ الأَكْبَرِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ. 15- وَالْمَوْقِدُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ. وَمِنَ الْمَوْقِدِ إِلَى فَوْقُ أَرْبَعَةُ قُرُونٍ. 16- وَالْمَوْقِدُ اثْنَتَا عَشَرَةَ طُولاً، بِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ عَرْضًا، مُرَبَّعًا عَلَى جَوَانِبِهِ الأَرْبَعَةِ. 17- وَالْخُصْمُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ طُولاً بِأَرْبَعَ عَشَْرَةَ عَرْضًا عَلَى جَوَانِبِهِ الأَرْبَعَةِ. وَالْحَاشِيَةُ حَوَالَيْهِ نِصْفُ ذِرَاعٍ، وَحِضْنُهُ ذِرَاعٌ حَوَالَيْهِ، وَدَرَجَاتُهُ تُجَاهَ الْمَشْرِقِ».
ع13: ذراع : حوالى 45سم، وهو المسافة بين المرفق، أو الكوع وطرف الأصابع.
الفتر : هو عرض أربع أصابع الكف، أى بدون الإبهام، وهى حوالى 8.5سم ، أى أقل من 10سم.
الحضن : القاعدة.
حاشيته : البرواز المحيط به، وهو غالباً نوع من الزينة.
شفته : حدود الحاشية، أى حرفها.
شبر : يساوى حوالى 20 سم، أو أكثر قليلاً، وهو المسافة بين طرف الإبهام وطرف الخنصر إذا تباعدت الأصابع عن بعضها قدر ما يستطيع الإنسان.
يشرح هنا مقاييس المذبح النحاسى، والوحدة التى يقيس بها ليست الذراع العادى، الذى يساوى 45سم ويسمى الذراع المدنى، لكن الذراع هنا هو ذراع وفتر، أى 45 سم + حوالى 10 سم، فيساوى 55سم تقريباً، وهو ما يسمى بالذراع الدينى. وهذا يبين أن مقاييس الله تعلو عن مقاييس البشر ، فمن يدخل في علاقة مع الله ينبغى أن تكون مقاييسه روحية.
يصف المذبح من قاعدته، أى حضنه، وهى كما سنفهم 18 ذراعاً طولاً و18 ذراعاً عرضاً، فهى مربعة وارتفاعها ذراعان، كما سيأتى في (ع14). فوقها قاعدة أخرى هى الخصم السفلى (ع14) وهو أضيق منها بذراعين، أى تكون 16 × 16 ذراعاً، وبهذا يكون عرض الحضن، أى الدرجة التى يمكن أن يقف عليها الإنسان مسافة ذراع، ثم يجد القاعدة المثبتة فوقها وهى 16 × 16 ذراعاً، فيكون هناك ذراعاً من كل ناحية، أى درجة بعرض ذراع من جميع جهات المذبح. معنى هذا أن هناك قاعدة سفلية هى الحضن، 18 × 18 ذراعاً، وفوقها قاعدة أضيق منها هى الخصم السفلى 16 × 16 ذراعاً، وبهذا تتكون درجة هى سطح الحضن بعرض ذراع من كل ناحية يستطيع أن يقف عليها الإنسان.
للحضن برواز للزينة بعرض شبر حول القاعدة السفلية، أى ظهر المذبح التى تسمى الحضن.
ع14: الخصم الأكبر : هى زاوية، أو قاعدة أصغر من القاعدة تثبت فوقها وهى 16 × 16 ذراعاً.
الخصـم الأصغر : هى زاوية، أو قاعدة أصغـر من الخصم الأكبر وتثبت فوقه وهى 14 × 14 ذراعاً.
يوضح هنا أن ارتفاع الحضن، أى القاعدة الكبيرة هو ذراعان، ثم نجد مسطح، هو درجة بعرض ذراع من كل ناحية ليقف عليها الإنسان، وبعد ذلك نجد قاعدة أخرى للمذبح تسمى الخصم الأكبر ارتفاعها 4 أذرع ومساحتها 16 × 16، ثم نجد فوقها مسطح بعرض ذراع هو درجة للوقوف عليها، وبعد ذلك نجد قاعدة ثالثة هى الخصم الأصغر ومساحتها 14×14 ذراعاً، أى أصغر من الخصم الأكبر.
ع15: الموقد : سطح المذبح الذى تحرق عليه الذبيحة، وهو تجويف في سطح المذبح، أى سطح الخصم الأصغر.
يؤكد هنا أن ارتفاع الخصم الأصغر هو 4 أذرع، ثم نجد سطح المذبح، أى الموقد حيث تحرق الذبائح. وسطح المذبح مجوف؛ لتوضع فيه الذبائح ولا تنتثر أجزاؤها. والموقد يرمز لذبيحة المسيح على الصليب ولكل تابعيه، الذين يحملون الصليب في حياتهم، فهو يتكلم بطريقة رمزية عن مذبح الكنيسة، إذ ليس فيه ذبائح دموية، بل ذبيحة المسيح الكفارية، أى جسده ودمه.
وعلى زوايا المذبح من فوق يوجد أربعة قرون، ترمز لقوة ذبيحة المسيح التى تفدى المؤمنين به من العالم كله.
ع16: يعلن الله لنا هنا أن مساحة الموقد هى 12 × 12 ذراعاً، أى أن تجويف الموقد أضيق من سطح الخصم الأصغر بذراع من كل ناحية، حتى لا تتساقط أية أجزاء من الذبيحة. ورقم 12 × 12 ترمز لأسباط إسرائيل الاثنى عشر، ورسل المسيح الإثنى عشر، أى أن ذبيحة المسيح تفدى كل المؤمنين به من العهدين القديم والجديد.
والموقد وجميع قواعده مربعة، ترمز إلى أن ذبيحة المسيح تفدى المؤمنين في العالم كله من أركانه الأربعة.
ع17: يؤكد في النهاية أن القاعدة العليا وهى الخصم الأصغر، الذى سطحه هو الموقد مساحته 14 × 14 ذراعاً وله حاشية، أى برواز حول سطحه العلوى بعرض شبر (أى حوالى نصف ذراع). والخصم الأصغر، كما ذكرنا، أصغر من الخصم الأكبر، الذى مساحته 16 × 16 ذراعاً، أى هناك درجة على سطح الخصم الأكبر بعرض ذراع من كل ناحية. يفهم من هذا أن المذبح مدرج الدرجة الأولى فوق الحضن (أى القاعدة الأرضية). ثم الدرجة الثانية فوق الخصم الأكبر المثبت على الحضن، ومثبت فوق الخصم الأكبر قاعدة ثالثة هى الخصم الأصغر الذى في سطحه يوجد الموقد.
كل هذا المذبح يوضع ناحية الشرق، أى يقابله الإنسان عند دخوله من الباب الشرقى، وبعده يجد القدس وقدس الأقداس.
نفهم من مقاييس المذبح أنه رمزى، لأن أبعاده ضخمة جداً فقاعدته 18 × 18 ذراعاً أى 9 × 9 متراً وارتفاعه هائل؛ لأنه 2 + 4 + 4 = 10 أذرع، أى 5 أمتار، فهو يرمز لكنيسة العهد الجديد وملكوت السموات.
المذبح له درجات؛ ليعلمنا أهمية التدرج في الحياة الروحية للوصول إلى قبول الإنسان ذبح حياته من أجل المسيح، الذى ذبح لأجلنا.
المسيح في محبته قدم حياته لأجلك، وينتظر أن تتجاوب معه بالتضحية بما هو غالى عندك، مما يعطلك عن علاقتك به، سواء الخطايا، أو تعلقاتك المادية. فقدم محبتك له لتصعد درجات الحب، وتختبر عمله فيك؛ حتى تصل إلى استعدادك للموت من أجله، حينئذ تكون مؤهلاً للتمتع بملكوت السموات.
(3) تقديس المذبح (ع18-27):
18- وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هذِهِ فَرَائِضُ الْمَذْبَحِ يَوْمَ صُنْعِهِ لإِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ عَلَيْهِ وَلِرَشِّ الدَّمِ عَلَيْهِ: 19- فَتُعْطِي الْكَهَنَةَ اللاَّوِيِّينَ الَّذِينَ مِنْ نَسْلِ صَادُوقَ الْمُقْتَرِبِينَ إِلَيَّ لِيَخْدِمُونِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ. 20- وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَضَعُهُ عَلَى قُرُونِهِ الأَرْبَعَةِ، وَعَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الْخُصْمِ وَعَلَى الْحَاشِيَةِ حَوَالَيْهَا، فَتُطَهِّرُهُ وَتُكَفِّرُ عَنْهُ. 21- وَتَأْخُذُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ فَيُحْرَقُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْبَيْتِ خَارِجَ الْمَقْدِسِ. 22- وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي تُقَرِّبُ تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ صَحِيحًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُطَهِّرُونَ الْمَذْبَحَ كَمَا طَهَّرُوهُ بِالثَّوْرِ. 23- وَإِذَا أَكْمَلْتَ التَّطْهِيرَ، تُقَرِّبُ ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ صَحِيحًا، وَكَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ صَحِيحًا. 24- وَتُقَرِّبُهُمَا قُدَّامَ الرَّبِّ، وَيُلْقِي عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ مِلْحًا وَيُصْعِدُونَهُمَا مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ. 25- سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَيْسَ الْخَطِيَّةِ. وَيَعْمَلُونَ ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ صَحِيحَيْنِ. 26- سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُكَفِّرُونَ عَنِ الْمَذْبَحِ وَيُطَهِّرُونَهُ وَيَمْلأُونَ يَدَهُ.
27 فَإِذَا تَمَّتْ هذِهِ الأَيَّامُ يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَاعِدًا أَنَّ الْكَهَنَةَ يَعْمَلُونَ عَلَى الْمَذْبَحِ مُحْرَقَاتِكُمْ وَذَبَائِحَكُمْ السَّلاَمِيَّةَ، فَأَرْضَى عَنْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع18: أعلن الرب لحزقيال طقوس تقديس المذبح بعد إقامته، فلابد أن يبارك من الله؛ حتى يصير مخصصاً له، وليس مجرد مذبح مصنوع باليد، فكل شئ يقدس بالله يصير له قيمة كبيرة، كما نقدس اليوم مذابح الكنائس بالميرون، أما في العهد القديم فكانت تقدس بدم الذبائح، الذى يرمز إلى دم المسيح الفادى على الصليب.
ع19: الثور : ذكر البقر.
يقوم بتقديس المذبح الكهنة الذين من نسل صادوق، وليس أى إنسان عادى، ولا حتى النبى، أو الملك. فطلب الله من حزقيال أن يعطى الكهنة ثوراً؛ ليصعدوه عن خطايا الشعب كذبيحة خطية، وهى أحد رموز ذبيحة المسيح، الذى حمل كل خطايانا وذبح لأجلنا. وعندما يقول نسل صادوق يعنى أبناء الصدق والبر، فمن يتقدم لعبادة الله ينبغى أن يتحلى بالبر.
ع20: الكهنة يقومون بذبح الثور، ويأخذون من دمه، ويمسحون قرون المذبح الأربعة وزوايا الخصم الأصغر، أى العلوى، الأربعة، وزوايا حاشيته الأربعة؛ لأن دم المسيح يطهر كل المؤمنين في زوايا الأرض الأربعة.
ونلاحظ أن القرون تتقدس بالدم؛ لأن دم المسيح قوى قادر على إيفاء كل ديون البشر، ويعطيهم قوة ليغلبوا كل حيل الشياطين.
بسقوط الإنسان والحكم عليه بالموت لعنت الأرض كلها (تك3: 17) ولكن بدم المسيح الفادى يتطهر المؤمنون به وكذلك الخليقة، أى المادة التى منها هذا المذبح؛ لذا يقول “فتطهره وتكفر عنه”.
ع21: يأمر الله الكهنة على يد حزقيال بحرق ثور الخطية خارج المكان المقدس، كما صلب المسيح عن خطايانا خارج المحلة، أى خارج أورشليم.
ع22: تيس : ذكر الماعز.
في اليوم التالى لتقديم ثور الخطية يذبح الكهنة تيسا أيضاً، كذبيحة خطية، ويأخذون من دمه ويمسحون قرون المذبح وزوايا الخصم العلوى وزوايا حاشيته، مثلما فعلوا بدم ثور الخطية (ع20)، ثم يحرقون التيس خارج المحلة، مثل ثور الخطية (ع21). وذبح التيس بعد الثور تأكيد للحاجة إلى دم المسيح الفادى، وأنه يكفر عن الكبار والصغار (الثور والتيس).
ع23، 24: كبش : ذكر الضأن.
بعد تقديم تيس الخطية، يقدم الكهنة ثوراً من البقر وكبشاً من الضأن في نفس اليوم على المذبح كمحرقة لله. والمحرقة أحد رموز ذبيحة المسيح، الذى مات عنا لإرضاء الله؛ لأنه وفى الدين الذى علينا، فالمحرقة تحرق فيها الذبيحة كلها على المذبح، ولا يؤكل منها شئٌ، ويوضع على الثور والكبش ملحٌ، الذى يرمز إلى عمل النعمة.
ع25، 26: يأمر الله بتكرار تقديم تيس الخطية مع ثور وكبش المحرقة لمدة ستة أيام أخرى، أى يكون الإجمالى سبعة أيام، بهذا يتم تقديس المذبح، أى يقدم أول يوم ثور للخطية، وفى السبعة الأيام التالية يقدم كل يوم تيس وثور وكبش.
ويقول “يملأون يده”، أى يد المذبح بوضع هذه الذبائح عليه وتقديسه بالدم، فيصير مقدساً وصالحاً لاستخدامه كمذبح لله تقدم عليه الذبائح. ويقال نفس التعبير عن الكهنة تملأ يدهم، أى يحملون الذبائح لأول مرة، فيتقدسون ككهنة لله، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة.
التصق بالمذبح، لأن فيه خلاصك، فالتناول من الأسرار المقدسة يملأ حياتك بالقوة وعمل النعمة، فتساندك في كل خطواتك، وتساعدك على قهر خطاياك وشهواتك.
ع27: بعد سبعة أيام التقديس، التى في كل منها يقدم تيس وثور وكبش، أى في اليوم الثامن، يصبح من حق الكهنة تقديم ذبائح سلامة مع جميع أنواع الذبائح على المذبح. وذبائح السلامة هى الذبائح المسموح للشعب أن يأكل منها، وهى ترمز للتناول من الأسرار المقدسة. واليوم الثامن يرمز ليوم القيامة، لأنه بقيامة رب المجد أعلن الله قوة الفداء، الذى به ننال جسده ودمه الأقدسين.
وتقديس المذبح في العهد القديم تم بتقديم ذبائح دموية وهذا كان رمزاً للذبيحة الحقيقية الكاملة، أى تقديم اليهود المسيح على الصليب؛ ليكون مخلصاً وفادياً ومقدساً لكل من يؤمن به.