جوج وماجوج
يتكلم هذا الأصحاح والأصحاح التالى عن حرب يقودها ملك يدعى جوج، ومعه مجموعة من الشعوب ضد شعب الله، وكيف تدخل الله وأنقذ شعبه. وتذكر إشارة إلى هذه الحرب التى ستتم في نهاية الأيام في (رؤ20). وهذا يبين أن عمل الله في تجديد شعبه وإحيائهم من بعد الموت كماجاء في (ص37) ليس معناه أن يتكاسل شعبه؛ لأن أعداءه سيهاجمونه، فإن كان مستعداً ومتمسكاً بالله سينجيه الله منهم وسينصره عليهم.
(1) مؤامرة جوج وجـماعته على إسرائيل (ع1-13):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ عَلَى جُوجٍ، أَرْضِ مَاجُوجَ رَئِيسِ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ، وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ 3- وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جُوجُ رَئِيسُ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ. 4- وَأُرْجِعُكَ، وَأَضَعُ شَكَائِمَ فِي فَكَّيْكَ، وَأُخْرِجُكَ أَنْتَ وَكُلَّ جَيْشِكَ خَيْلاً وَفُرْسَانًا كُلَّهُمْ لاَبِسِينَ أَفْخَرَ لِبَاسٍ، جَمَاعَةً عَظِيمَةً مَعَ أَتْرَاسٍ وَمَجَانَّ، كُلَّهُمْ مُمْسِكِينَ السُّيُوفَ.
5- فَارِسَ وَكُوشَ وَفُوطَ مَعَهُمْ، كُلَّهُمْ بِمِجَنٍّ وَخُوذَةٍ، 6- وَجُومَرَ وَكُلَّ جُيُوشِهِ، وَبَيْتَ تُوجَرْمَةَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ مَعَ كُلِّ جَيْشِهِ، شُعُوبًا كَثِيرِينَ مَعَكَ. 7- اِسْتَعِدَّ وَهَيِّئْ لِنَفْسِكَ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَاتِكَ الْمُجْتَمِعَةِ إِلَيْكَ، فَصِرْتَ لَهُمْ مُوَقَّرًا. 8- بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ تُفْتَقَدُ. فِي السِّنِينَ الأَخِيرَةِ تَأْتِي إِلَى الأَرْضِ الْمُسْتَرَدَّةِ مِنَ السَّيْفِ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي كَانَتْ دَائِمَةً خَرِبَةً، لِلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ الشُّعُوبِ وَسَكَنُوا آمِنِينَ كُلُّهُمْ. 9- وَتَصْعَدُ وَتَأْتِي كَزَوْبَعَةٍ، وَتَكُونُ كَسَحَابَةٍ تُغَشِّي الأَرْضَ أَنْتَ وَكُلُّ جُيُوشِكَ وَشُعُوبٌ كَثِيرُونَ مَعَكَ.10- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أُمُورًا تَخْطُرُ بِبَالِكَ فَتُفَكِّرُ فِكْرًا رَدِيئًا،11- وَتَقُولُ: إِنِّي أَصْعَدُ عَلَى أَرْضٍ أَعْرَاءٍ. آتِي الْهَادِئِينَ السَّاكِنِينَ فِي أَمْنٍ، كُلُّهُمْ سَاكِنُونَ بِغَيْرِ سُورٍ وَلَيْسَ لَهُمْ عَارِضَةٌ وَلاَ مَصَارِيعُ،
12- لِسَلْبِ السَّلْبِ وَلِغُنْمِ الْغَنِيمَةِ، لِرَدِّ يَدِكَ عَلَى خِرَبٍ مَعْمُورَةٍ وَعَلَى شَعْبٍ مَجْمُوعٍ مِنَ الأُمَمِ، الْمُقْتَنِي مَاشِيَةً وَقُنْيَةً، السَّاكِنُ فِي أَعَالِي الأَرْضِ.13- شَبَا وَدَدَانُ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ أَشْبَالِهَا يَقُولُونَ لَكَ: هَلْ لِسَلْبِ سَلْبٍ أَنْتَ جَاءٍ؟ هَلْ لِغُنْمِ غَنِيمَةٍ جَمَعْتَ جَمَاعَتَكَ، لِحَمْلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، لأَخْذِ الْمَاشِيَةِ وَالْقُنْيَةِ، لِنَهْبِ نَهْبٍ عَظِيمٍ؟
ع1-3: جوج : ملك بربرى تميز بالعنف والوحشية، وكان ملكاً على ماجوج. ومعنى اسمه امتداد، وهو من نسل جوج ثانى ابن ليافث (تك10: 12).
ماجوج : البلاد التى حكمها جوج ومعنى اسمها اتساع، وهى تشمل روش وماشك وتوبال. ودعيت كل هذه بالقبائل السيكيثية. وكذلك أطلق عليهم التتار.
روش : هى البلاد التى صارت فيما بعد باسم روسيا، وتقع شمال بحر قزوين والبحر الأسود.
ماشك : هى المنطقة التى سميت فيما بعد موسكو عاصمة روسيا الحالية.
توبال : وهى توبالت وهذه تقع شمال آسيا وتسمى سيبريا.
أمر الله حزقيال أن يتنبأ عن شعب قوى يقع شمال قارة أسيا، في منطقة تسمى ماجوج، تحت رئاسة ملك دموى يسمى جوج. وأعلن الله غضبه عليه، وأنه سيقف ضده لإيقاف وحشيته والانتقام منه.
والكلام في هذا الأصحاح عن اقتحام بلاد إسرائيل، بعد رجوعهم من السبى، بواسطة هذا الملك جوج وحلفائه الذى كانت جيوشه عظيمة جداً.
وهناك تفسير آخر بأن جوج يرمز لأعداء أولاد الله الذين سيظهرون في نهاية الأيام ويحاربون المؤمنين، ولكن الله سينتقم منهم، إذ هم يمثلون الشيطان (رؤ20).
ع4 : شكائم : جمع شكيمة وهى اللجام الحديدى الذى يوضع في فم الفرس.
أتراس : جمع ترس وهو قطعة خشبية مغطاة غالباً بالجلد، ولها عروة خلفية يضع فيها الجندى يده، فيحرك الترس أمام رأسه وجسمه، ليحمى نفسه به من سهام العدو.
مجان : جمع مجن وهو نوع من الأتراس يستخدمه الجندى في الدفاع عن نفسه.
يظهر الله في هذه النبوة قوة جيش ماجوج ويصفه بما يلى :
- خيول عليها فرسان مدربة.
- يلبسون أفخر الثياب الحربية.
- عدد الجيش عظيم جداً.
- معهم أسلحة دفاعية تحميهم في الحرب هى الأتراس والمجان.
- يحملون أسلحة هجومية هى السيوف.
ولكن يطمئن الله شعبه أنه رغم قوة جيش الأعداء، فإن الله لن يتركهم يهلكون شعبه، بل هو ضابط الكل الذى سيرجعهم في الوقت المناسب عن شعبه. ويعبرعن أنه هو المتحكم فيهم بما يلى :
- يرجعهم في الوقت المناسب.
- يضع شكيمة في فكيه، أى يتحكم في سرعة الحرب وقوة جيش الأعداء.
- هو الذى سمح لهم أن يجتمعوا على شعبه ويهاجموه إذ قال “أخرجك”.
وكون الله ضابط الكل يطمئن شعبه، ويظهر لهم أن قوة إلههم أقوى من جيش الأعداء مهما كان قوياً. كذلك الله يسمح بهذا الهجوم ليعلم شعبه أن يتمسكوا بالله، ويكونوا مستعدين فى كل حين، ويكونوا أقوياء دائماً.
كن مطمئناً دائماً مهما كانت حروب إبليس، أو مهما أحاط بك الأشرار وهددوك، فإن إلهك ضابط الكل يحميك ولا يدعك تجرب فوق ما تحتمل، وينقذك من الأعداء. فهو يسمح لك بالتجربة لتثبت فيه وتتقوى وتزداد ثقتك به، فتمو فى معرفته وتتقدم في طريق الملكوت.
ع5 : فارس : وهى بلاد إيران الحالية.
كوش : وهى بلاد أثيوبيا الحالية.
فوط : وهى دولة ليبيا الحالية.
خوذة : غطاء معدنى يلبس على الرأس لحمايته.
انضمت إلى جيوش ماجوج جيوش أخرى من حلفائه من بلاد فارس وكوش وفوط، وكلهم كانوا مسلحين بالخوذة والترس. وهؤلاء الحلفاء كانوا مشهورين في الحرب، فالفرس تميزوا بالعنف، أما الكوشيون فكانوا طوال القامة، وكانت الحرب قديماً تعتمد على القوة البدنية. والفوطيون أيضاً كانوا معروفين في الحروب القديمة، أى أن الجيوش كانت قوية جداً عند هجومها على شعب الله.
ع6: جومر : قبائل سكنت تركيا، واستقرت على ضفاف نهرى الراين والدانوب بعد أن هاجرت من روسيا، وقد تكون هى أصل ألمانيا الشرقية.
توجرمة : قبائل سكنت جنوب شرق أرمينيا.
يستكمل الله ذكر حلفاء جوج، فيذكر قبائل جومر، وقبائل توجرمة التى سكنت في شمال قارة آسيا. وقد كونوا جيوشاً كبيرة انضمت إلى جوج لتهاجم شعب الله، وهذا يوضح شراسة وعنف الشر وتهييج الشيطان للأشرار ضد أولاد الله.
ع7: يخاطب الله جوج ليستعد ويهئ الأسلحة والطعام اللازم ويجمع جيوشه وحلفاءه، فقد صار لهم موقراً، أى رئيساً يخضعون له ويقودهم لمهاجمة شعب الله.
ع8 : بعد أيام كثيرة، أى بعد رجوع شعب الله من السبى يفتقده الله بتجربة؛ لتثبيته في الإيمان. وهناك رأى آخر بأنه بعد أيام كثيرة مرت على جوج في رئاسته لبلاده وعظمته بين باقى الدول، يفتقده الله ليظهر له ضعفه أمام قوة الله المساند لشعب إسرائيل، حين يتقدم جوج بجيوش كثيرة ليهاجم شعب الله، ولا يستطيع؛ لأن الله يمنعه، فيعلم ضعفه أمام شعب صغير ولكن الله معه.
ثم يؤكد الله ثانية أن زمن هجوم الأعداء سيكون في السنين الأخيرة، أى بعد الرجوع من السبى بمدة، لذا ظن البعض أن المقصود بجوج هو أنطيوخس السلوقى، الذى كان في زمن الإمبراطورية اليونانية، وهاجم بلاد اليهود، فقامت الثورة المكابية ضده، كما يظهر في أسفار المكابيين وكان ذلك في القرن الثانى قبل الميلاد. وقد يعنى بالسنين الأخيرة مجئ ضد المسيح في نهاية الأيام.
فتأتى جيوش الأعداء على أرض إسرائيل المستردة من سيف بابل، وذلك عندما قامت مملكة مادى وفارس، وأرجعت شعب الله بعد سقوط بابل عام 536 ق.م.
وكانت عشائر شعب الله مجموعة من شعوب كثيرة كانت مشتتة بينها في المملكة البابلية، فعادت إلى جبال إسرائيل، أى إلى أورشليم واليهودية وما حولها.
كانت بلاد إسرائيل خربة بعد تدمير بابل لها ومن قبلها أشور. في هذه البلاد الخربة سكن شعب الله الراجع من السبى بعد أن بنى المدن وعمر الخرب. فسكنوا في أمان، وزرعوا الحقول، وعاشوا في سلام تحت رعاية الله، لذلك صارت بلاد شعب الله مطمعاً للأعداء إذ كانت بلاداً مملوءة بالخيرات، فهجم عليها الأعداء. ولكن نسى هؤلاء الأعداء أن الله يحمى شعبه وخيراته ويحفظهم في طمأنينة بين يديه، فهذا ما سنراه في هذا الأصحاح والأصحاح لتالى.
وترمز هذه الآية إلى الأمم الراجعة إلى الإيمان في العهد الجديد. هؤلاء كانوا مشتتين في العالم وتحت قبضة إبليس، فاستردوا حياتهم من سيف الشر، وأتوا إلى الكنيسة، التى هى جبال إسرائيل الجديدة، حيث الخيرات الكثيرة والبنيان الروحى، بعد أن كانوا في خراب؛ ليعيشوا في أمان داخل الكنيسة بين يدى الله.
ويلاحظ أنه عندما يجتمع شعب الله حوله ويثبتوا فيه يسمح الله للشيطان أن يحاربهم وذلك؛ لأنهم أصبحوا أقوياء بالله؛ فلا ينزعجوا من حروب إبليس، بل ينهزم تحت أقدامهم.
ع9: تغشى : تغطى.
يستكمل الله حديثه مع جوج، فيقول له أنك ستصعد إلى جبال إسرائيل وتهاجمها بعنف كالزوبعة، التى تعصف فجأة بالساكنين في أمان. ولكثرة عدد جيوشه هو وحلفائه يشبهه بسحابة تغطى المكان، أى يبدومرتفعاً متسلطاً على شعب الله. هذا هو المظهر فقط، ولكن الحقيقة أن الله سيوقف كبرياءه، ويبين ضعفه في عجزه عن اقتحام شعب الله.
وهذا ما يحدث في كل جيل عندما يثور الأشرار على أولاد الله، سواء على شعب الله الراجع من السبى، أو في هياج الوثنيين واليهود على الكنيسة، ثم في هياج ضد المسيح في الضيقة العظيمة على أولاد الله في نهاية الأيام.
ع10: يخاطب الله جوج، أو ضد المسيح، أو الشيطان، بكل صورة في شكل الأشرار على مدى الأجيال، أنه في يوم تفكيرهم على أولاد الله بالشر، أن الله عالم بكل أفكارهم، ولن يسمح لهم أن يؤذوا أولاده، فهذا يطمئن جداً المؤمنين أن إلههم لا يخفى عليه شئ، وهو قادر على كل شئ، فيستطيع أن يبطل مؤامرات الأعداء.
ع11 : إعراء : أراضى بلا أسوار، أو حواجز مفتوحة ليدخل إليها أى إنسان.
عارضة : قطع خشبية هى القائمة العليا للباب، أو إحدى قائمتى الباب الجانبيتين، والمقصود أنه لا توجد أبواب للمدن.
مصاريع : هى الأبواب.
يكشف الله أفكار جوج، فيقول له أنك تفكر أن جيوشك عظيمة، وستهجم على بلاد إسرائيل، التى لا تحاط بأسوار، وليس لها أبواب تحميها، وسكانها يسكنون في هدوء داخلها، فيسهل الانقضاض عليها وإهلاكهم. ولكنك نسيت أيها الشرير أن الله ساكن وسط شعبه، وهو سور لهم ويحميهم (زك2: 5).
وهدوء أولاد الله والتصاقهم بإلههم يثير عدو الخير عليهم، فهم هادئون لا يهاجمون أحداً، فيغتاظ منهم إبليس ويهاجمهم، فينهزم أمام الله الذى يحميهم.
ع12: يكشف الله أيضاً أطماع الأشرار الذين يريدون أن يسرقوا خيرات أولاده ويأخذونها كغنيمة لهم، بعد انتصارهم عليهم، إذ رأوا أن بلاد إسرائيل التى خربت بواسطة بابل عمرها الراجعون من السبى، الذين كانوا مشتتين، وجمعهم الله، وأرجعهم إلى بلادهم، فأصبح لهم مقتنيات كثيرة من الماشية، وزرعوا أراضيهم، فأعطت خيرات، وهم يسكنون جبال إسرائيل.
ويرمز اليهود إلى أولاد الله في كل جيل، الذين لهم بركات روحية كثيرة، ولهم سمو عن الأرضيات، فيحاول إبليس مهاجمتهم وسلب بركاتهم ولكنه يفشل لتمسكهم بالله.
وظاهر من هذه الآية أن أولاد الله بدونه حياتهم خربة وما فيها من خير معرض للسلب، أما بالله فيمتلئون خيرات روحية ومادية، ولا يستطيع إبليس أن يأخذها منهم؛ لأن الله يحميهم.
ع13: شبا : قبائل عربية تسكن جنوب شبه الجزيرة، أى في اليمن الحالية.
ددان : قبائل عربية تسكن شبه الجزيرة العربية وعلى صلة وثيقة بشبا ويعملون بالتجارة مثل شبا.
ترشيش : مدينة مشهورة بالتجارة تقع جنوب أسبانيا.
أشبالها : أبناؤها.
يثور تجار العالم المشهورون، ومنهم شبا وددان وترشيش عندما يرون أطماع جوج للإستيلاء على خيرات شعب إسرائيل؛ لأنه بهذا يضعف تجارتهم، فيقفون ضده لأن لهم أطماع في أرض إسرائيل. هكذا كل الأشرار يطمعون في سلب أولاد الله، ولكن الله، دائماً يحمى أولاده.
[2] هجوم جوج (ع14-16)
14- «لِذلِكَ تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِجُوجٍ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ سُكْنَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ آمِنِينَ، أَفَلاَ تَعْلَمُ؟ 15- وَتَأْتِي مِنْ مَوْضِعِكَ مِنْ أَقَاصِي الشِّمَالِ أَنْتَ وَشُعُوبٌ كَثِيرُونَ مَعَكَ، كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ خَيْلاً، جَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ وَجَيْشٌ كَثِيرٌ. 16- وَتَصْعَدُ عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ كَسَحَابَةٍ تُغَشِّي الأَرْضَ. فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ يَكُونُ. وَآتِي بِكَ عَلَى أَرْضِي لِكَيْ تَعْرِفَنِي الأُمَمُ، حِينَ أَتَقَدَّسُ فِيكَ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ يَا جُوجُ.
ع14: يخاطب الله جوج في هذه النبوة لينذره، إذ هو مزمع أن يهاجم شعب الله؛ لأنهم يسكنون في هدوء وأمان. ويظهر ضعفهم في عدم وجود أسوار حولهم. وتكراره لهذه الآية (ع11)؛ ليؤكد المعنى أنهم ضعفاء. ولكن ينبه جوج ويقول له “ألا تعلم” أى ألا تعلم أنى في وسطهم وأحميهم ! فقوتهم منى، رغم ضعفهم الظاهر، فمن يستطيع أن يقف أمامى !
لا تندفع وتسئ إلى إنسان مهما كان خطأه لأن إلهه ينظر. ولا تستغل ضعف إنسان لأن الله يحمى الضعفاء الملتجئين إليه. إتضع وإخشى الله، فتنضبط في كل تصرفاتك وأفكارك؛ وبمعونة الله تستطيع ان تسامح المخطئين؛ كما يسامحك الله.
ع15، 16: يعيد أيضاً هنا ما ذكره في (ع9)؛ ليؤكد أن لا يعتمد جوج على قوته الحربية وحلفائه؛ لأن الله سيتقدس فيه أمام شعوب العالم عندما يهلكه، فيظهر ضعفه أمام قوة الله؛ لأنه تجاسر وهاجم شعبه.
ويقول في الأيام الأخيرة يكون، ويقصد إما أنه قبل ميلاد المسيح وذلك في عصر الإمبراطورية اليونانية، أو في الأيام الأخيرة قبل مجئ المسيح الثانى، عندما يقوم ضد المسيح ويهاجم أولاد الله، ولكن الله يهلكه ويحفظ أولاده.
[3] إنتقام الله من جوج (ع17-23):
17- « هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَلْ أَنْتَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمْتُ عَنْهُ فِي الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ عَنْ يَدِ عَبِيدِي أَنْبِيَاءِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ سِنِينًا أَنْ آتِيَ بِكَ عَلَيْهِمْ؟ 18- وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَوْمَ مَجِيءِ جُوجٍ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أَنَّ غَضَبِي يَصْعَدُ فِي أَنْفِي.
19- وَفِي غَيْرَتِي، فِي نَارِ سَخَطِي تَكَلَّمْتُ، أَنَّهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ رَعْشٌ عَظِيمٌ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.
20- فَتَرْعَشُ أَمَامِي سَمَكُ الْبَحْرِ وَطُيُورُ السَّمَاءِ وَوُحُوشُ الْحَقْلِ وَالدَّابَّاتُ الَّتِي تَدُبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلُّ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَتَنْدَكُّ الْجِبَالُ وَتَسْقُطُ الْمَعَاقِلُ وَتَسْقُطُ كُلُّ الأَسْوَارِ إِلَى الأَرْضِ.21- وَأَسْتَدْعِي السَّيْفَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ جِبَالِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَيَكُونُ سَيْفُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى أَخِيهِ.22- وَأُعَاقِبُهُ بِالْوَبَإِ وَبِالدَّمِ، وَأُمْطِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَيْشِهِ وَعَلَى الشُّعُوبِ الْكَثِيرَةِ الَّذِينَ مَعَهُ مَطَرًا جَارِفًا وَحِجَارَةَ بَرَدٍ عَظِيمَةً وَنَارًا وَكِبْرِيتًا.23- فَأَتَعَظَّمُ وَأَتَقَدَّسُ وَأُعْرَفُ فِي عُيُونِ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع17: يوجه الله سؤال استنكارى إلى جوج، فيعنى بقوله هل أنت ؟ أى أنى أعرفك وتنبأت عليك على يد أنبيائى منذ سنين كثيرة، عندما تنبأوا على أعداء شعبه، مثل نبوات موسى وداود وأشعياء (تث32: 43، مز9: 15، أش27: 1).
وهذا يبين أن الله يراقب جوج ويعرف ما سيعمله، فهو ضابط الكل، ويستطيع أن يمنعه من الإساءة إلى أولاده، بل يهلكه أمامهم، وبالتالى كل هذا يطمئن أولاد الله.
كن دائماً مطمئناً لأن الله إلهك ضابط الكل يعرف كل شئ، ويستطيع إيقاف هجمات الشيطان، وإن سمح له أن يحاربك، فيستطيع أن يهزمه عند قدميك مهما كان ضعفك؛ لأن الله هو العامل فيك.
ع18: يعبر الله عن شدة غضبه على جوج، الذى يهاجم أولاده، بأن غضب الله يصعد إلى أنفه، أى أن غضبه سيكون شديداً وانتقاماً قوياً؛ لأن جوج تجاسر واعتمد على قوته؛ متغافلاً قوة الله، بل متحدياً له.
ع19، 20: رعش : زلزال.
تندك : تنهدم وتتحطم.
المعاقل : الحصون والمخابئ التى على الجبال بين الصخور.
يغار الله على شعبه كعريس يغار على عروسه، فيتحرك لينقذها ممن يضايقونها. ويتقدم الله بقوة في غضب شديد؛ كأنه نار تحرق أعداء شعب الله، ويعبر عن هذا السخط بزلزال يخيف أعداء الله وينقذ شعبه.
وهذا الزلزال في نهاية الأيام الذى تشير إليه هذه الآية، يؤكده زكريا النبى في (زك14: 1-5) وأيضاً يوحنا في سفر الرؤيا (رؤ16: 18) وأن هذا الزلزال سيساعد على نجاة أولاد الله.
وفى قيامة رب المجد يسوع المسيح حدثت زلزلة، فخاف الحراس، وهو يشير إلى ما يحدث في قيامة كل إنسان من خطيته بالتوبة، فينزعج الشيطان، وينجو التائب المؤمن بالله ويفرح.
هذا الزلزال الذى سيكون قوياً لدرجة أن ترتعش منه كل الكائنات سواء الحيوانات، أو الجبال التى تبدو قوية بكل ما فيها من معاقل وتسقط أيضاً الأسوار التى يقيمها الأعداء، وهكذا يخيف الله الأشرار، ويبطل قوتهم ويحفظ أولاده.
وفى نهاية الأيام يحطم الله ضد المسيح وأعوانه، فتسقط قوته، سواء أفكاره، فيظهر بطلانها، أو إمكانياته فيظهر ضعفها، ويتمجد الله في أولاده الثابتين في الإيمان به.
ع21: الضربة الثانية التى يضرب بها الله أعداء شعبه هى السيف، أى تقوم حروب أهلية، فيضرب الأشرار بعضهم بعضاً، فينجو أولاد الله من أيديهم.
ع22: برد : أجزاء ثلجية مثل الحجارة تسقط من السماء، وتكون حادة، وتقتل من يصادفها.
الضربة الثالثة بعد الزلزال والسيف، يعاقب الله أعداءه بالوبأ، فتنتشر الأمراض بينهم، وتهلك الكثيرين، بالإضافة إلى الذين هلكوا وسالت دماؤهم من السيف.
والضربة الرابعة هى سقوط برد من الماء مع نار، فتهلك أعداداً ضخمة من الأشرار.
هذه الضربات سمعنا عنها في ضربات الله للمصريين حتى ينقذ أولاده من عبودية مصر، ويخرجهم بقوته. وتكرار هذه الضربات يذكر أولاد الله أن إلههم الذى أخرجهم من أرض مصر ينجيهم من الأعداء في كل جيل، سواء قبل ميلاد المسيح، أو قبل مجيئه الثانى في نهاية الأيام (رؤ9: 17، 18).
ونرى عظمة الله في إهلاك أعدائه، بإرساله أمور متناقضة وهى البرد مع النار، أى يستخدم وسائل غير متوقعة لإهلاك الأشرار وإنقاذ أولاده.ع23: من خلال كل هذه الضربات تعرف الأمم قوة الله التى تفوق كل الآلهة الوثنية، فيروا عظمة الله لعلهم بهذا ينجذبون إلى الإيمان به، ويتركون عبادة الأوثان، أو كل أفكارهم الشريرة.