عزل الرعاة الأشرار ووعد بالكنيسة
يتابع الله في الأصحاحات من (33-39) إعداده لشعبه الجديد، فبعد أن نادى لكل شعبه حتى يتوبوا، يركز في هذا الأصحاح على خطايا الرعاة؛ لعظم مسئولياتهم، فيواجههم بخطاياهم وينذرهم بعزلهم، ثم يقوم هو بنفسه برعاية شعبه، وذلك من خلال تجسده وإقامة كنيسته، وهذا رجاء لكل المُهْمَلين والمرذولين والمظلومين.
(1) خطايا الرعاة (ع1-6):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً:2- «يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى رُعَاةِ إِسْرَائِيلَ، تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلرُّعَاةِ: وَيْلٌ لِرُعَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا يَرْعَوْنَ أَنْفُسَهُمْ. أَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ الْغَنَمَ؟
3- تَأْكُلُونَ الشَّحْمَ، وَتَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَتَذْبَحُونَ السَّمِينَ، وَلاَ تَرْعَوْنَ الْغَنَمَ. 4- الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ. 5- فَتَشَتَّتَتْ بِلاَ رَاعٍ وَصَارَتْ مَأْكَلاً لِجَمِيعِ وُحُوشِ الْحَقْلِ، وَتَشَتَّتَتْ.
6- ضَلَّتْ غَنَمِي فِي كُلِّ الْجِبَالِ، وَعَلَى كُلِّ تَلّ عَال، وَعَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ. تَشَتَّتَتْ غَنَمِي وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يَسْأَلُ أَوْ يُفَتِّشُ.
ع1، 2: يوبخ الله رعاة شعبه ويناديهم برعاة إسرائيل، أى يجمع رعاة مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل، وهذا ما حدث بعد السبى، أى اتحاد المملكتين. فهو يوبخ سلوكهم قبل السبى وبعده. وذلك؛ لأنهم أهملوا رعاية شعبه، واهتموا في أنانية باحتياجاتهم الشخصية وهى ملذات العالم، من طعام وشراب وأموال وملابس ومقتنيات ومراكز، أى أنهم تركوا هدفهم، الذى تكرسوا له وهو خدمة الله، وانشغلوا بالعالم وشهواته. ونلاحظ أن الرعاة وهم الكهنة كان لهم سلطان دينى ومدنى في نفس الوقت، مما سمح لهم أن يستغلوا الشعب لمصالحهم الشخصية.
ع3: يوضح هنا خطايا الكهنة الرعاة في استغلالهم لمركزهم فيما يلى :
- أكل شحم خرافهم، وهذا هو الجزء الدسم فيهم، أى أخذ أفضل ما عندهم من ماديات وهذا ظلم واضح.
- لبس الصوف، أى نزع غطائهم عنهم، فيسلبون ملابسهم الفاخرة وزينتهم وكل مظاهر العظمة التى عندهم؛ ليتمتع بها الكهنة. وهكذا يتركون الشعب فقراء وعراة من كل مجد. وتعنى أيضاً أن الكهنة يأخذون كل كرامة ويتركون شعبهم في ذل، بل قد يفضحونهم ويمسكون عليهم أخطاء، مستخدمين سلطانهم الكهنوتى.
- ذبح السمين، أى استغلال المتيسرين من شعبهم وأكل لحومهم، أى سلب حاجاتهم الضرورية، فهم يستغلون أغنياء شعبهم استغلالاً كاملاً.
- عدم رعاية الغنم والمقصود الاهتمام باحتياجات الشعب الروحية، أى دعوتهم للتوبة وتشجيعهم وحثهم على التقوى، وإهمالهم أيضاً للفقراء والمحتاجين من الشعب.
ع4: تعصبوه : المعنى ربط الجرح بعصائب، أى قطع طويلة من القماش لإيقاف نزف الدم.
تجبروه : المقصود وضع جبيرة، أى قطعة خشبية لمساندة الكسر الذى حدث في الرجل حتى يحدث التحام العظم مع نفسه ويعود صحيحاً.
يواصل الله توبيخ الكهنة على خطاياهم، فيسرد بالتفصيل ما قاله في نهاية الآية السابقة، وهو عدم رعايتهم للغنم. وبمعنى آخر يبين عدم قيامهم بمسئولياتهم وهى :
- المريض لم تقووه : وهذا يعنى عدم تشجيعهم لصغيرى النفوس، ومن يعانون من خطايا، أو شكوك. فالواجب على الكاهن أن يهتم بكل شعبه، فيعالج مرض كل واحد؛ ليعود صحيحاً بقوة الله.
- المجروح لم تعصبوه : والمقصود الاهتمام بآلام الشعب ومواساتهم فيها ومساندتهم؛ حتى يجتازوا التجارب التى يعانون منها.
- المكسور لم تجبروه : والمقصود رفع معنويات من سقط في اليأس، أو تحطم من التجارب العنيفة، فيعطونه رجاءً في الحياة واستعادة قوته بالله.
- المطرود لم تستردوه : ومعنى هذا أن كل مرذول من الناس لم يهتم به الكهنة ليعطونه رعاية حتى لا يشعر بغربته بعد رفض الناس له نتيجة ضعفه، أى يشعره الكهنة في محبتهم بأهميته؛ ليعيش مع الله.
- الضال لم يطلبوه : والمقصود كل من ابتعد عن الله وسقط في شهوات وخطايا كثيرة لم يهتم به الكهنة لتنبيهه؛ حتى يعود بالتوبة إلى الله.
- بشدة وعنف تسلطتم عليهم : وهذا يعنى استغلال الكهنة لسلطانهم في التسلط والسيطرة على الشعب بقسوة لأجل مصالحهم، مما سحق الشعب وأذله، وبالتالى أعثروا في الله وكهنته، فابتعدوا عن الله وعن عبادته، وسقطوا في عبادة الأوثان.
ع5: نتيجة عدم الرعاية تشتت الغنم، أى صارت بلا حماية ولا مأكل، أو مشرب، وتعرضت للضياع والموت. وصارت من السهل أن تأكلها الوحوش التى هى :
- الشهوات الشريرة والكبرياء.
- الهراطقة والمبتدعون ومثيرو الشكوك.
- جميع المستغلين من ذوى الأغراض.
ع6: يظهر الله هنا محبته لشعبه، فينسبهم إليه فيقول غنمى. والمقصود بالجبال والتلال الكبرياء، سواء سقطت الغنم في الكبرياء، أو أصبحوا تابعين للهراطقة المتكبرين، ولم يجدوا من يهتم بهم. وهذا يتعب قلب الله جداً، أن أولاده بلا سند أو معونة.
إن الله يحب أولاده جداً، ويطلب منك أن تعتنى بكل من حولك لأنهم أولاده، فتحاول أن تظهر لهم المحبة، وتجذبهم إليه، وتثبتهم في كنيسته فلا يكونوا عرضة للضلال والضياع.
(2) حكم الله على الرعاة (ع7-10):
7- «فَلِذلِكَ أَيُّهَا الرُّعَاةُ اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ:8- حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ غَنَمِي صَارَتْ غَنِيمَةً وَ صَارَتْ غَنَمِي مَأْكَلاً لِكُلِّ وَحْشِ الْحَقْلِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ رَاعٍ وَلاَ سَأَلَ رُعَاتِي عَنْ غَنَمِي، وَرَعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ وَلَمْ يَرْعَوْا غَنَمِي،9- فَلِذلِكَ أَيُّهَا الرُّعَاةُ اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ:
10- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَى الرُّعَاةِ وَأَطْلُبُ غَنَمِي مِنْ يَدِهِمْ، وَأَكُفُّهُمْ عَنْ رَعْيِ الْغَنَمِ، وَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ بَعْدُ، فَأُخَلِّصُ غَنَمِي مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَلاَ تَكُونُ لَهُمْ مَأْكَلاً.
ع7، 8: يوضح الله أسباب الحكم على الرعاة وهى :
- تعرض غنمه أن تكون فريسة للوحوش.
- انشغال الرعاة بشهواتهم وإهمالهم رعاية الغنم.
ع9، 10: أكفهم عن رعاية : أوقفهم.
صدر الحكم الإلهى على الرعاة بما يلى :
- يعلن الله أنه ضد الرعاة، وهذا أمر في غاية الخطورة.
- يطالبهم بنفوس أولاده، أى الغنم وكل ما حدث من إتلاف لها.
- يوقفهم عن رعاية الغنم، أى لا يعودوا رعاة. وهذه نبوة لإيقاف الكهنوت الهارونى وبدء الكهنوت المسيحى.
- يمنع الرعاة من التمادى في استغلال الغنم، إرضاءً لشهواتهم الخاصة.
- يخلص غنمه من افتراس الرعاة لهم ويعيدهم إلى أحضانه، فيرعاهم ويحيوا أمامه.
إن الله الحنون عادل أيضاً، فهو يطالبك بكل الإمكانيات التى وهبها لك، فإن لم تكن تستغلها جيداً ينزعها ويحرمك منها. فانتبه لتحتفظ بإمكانيات الله الموهوبة لك، فترضيه ويرفع غضبه عنك.
(3) رعاية الله لشعبه (ع11-31):
11- لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَسْأَلُ عَنْ غَنَمِي وَأَفْتَقِدُهَا.12- كَمَا يَفْتَقِدُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ يَوْمَ يَكُونُ فِي وَسْطِ غَنَمِهِ الْمُشَتَّتَةِ، هكَذَا أَفْتَقِدُ غَنَمِي وَأُخَلِّصُهَا مِنْ جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تَشَتَّتَتْ إِلَيْهَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَالضَّبَابِ.13- وَأُخْرِجُهَا مِنَ الشُّعُوبِ وَأَجْمَعُهَا مِنَ الأَرَاضِي، وَآتِي بِهَا إِلَى أَرْضِهَا وَأَرْعَاهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَفِي الأَوْدِيَةِ وَفِي جَمِيعِ مَسَاكِنِ الأَرْضِ.14- أَرْعَاهَا فِي مَرْعًى جَيِّدٍ، وَيَكُونُ مَرَاحُهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِيَةِ. هُنَالِكَ تَرْبُضُ فِي مَرَاحٍ حَسَنٍ، وَفِي مَرْعًى دَسِمٍ يَرْعَوْنَ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ.15- أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.16- وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل.
17- وَأَنْتُمْ يَا غَنَمِي، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ، بَيْنَ كِبَاشٍ وَتُيُوسٍ.
18- أَهُوَ صَغِيرٌ عِنْدَكُمْ أَنْ تَرْعَوْا الْمَرْعَى الْجَيِّدَ، وَبَقِيَّةُ مَرَاعِيكُمْ تَدُوسُونَهَا بِأَرْجُلِكُمْ، وَأَنْ تَشْرَبُوا مِنَ الْمِيَاهِ الْعَمِيقَةِ، وَالْبَقِيَّةُ تُكَدِّرُونَهَا بِأَقْدَامِكُمْ؟19- وَغَنَمِي تَرْعَى مِنْ دَوْسِ أَقْدَامِكُمْ، وَتَشْرَبُ مِنْ كَدَرِ أَرْجُلِكُمْ!20- « لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لَهُمْ: هأَنَذَا أَحْكُمُ بَيْنَ الشَّاةِ السَّمِينَةِ وَالشَّاةِ الْمَهْزُولَةِ.21- لأَنَّكُمْ بَهَزْتُمْ بِالْجَنْبِ وَالْكَتِفِ، وَنَطَحْتُمُ الْمَرِيضَةَ بِقُرُونِكُمْ حَتَّى شَتَّتْتُمُوهَا إِلَى خَارِجٍ.
22- فَأُخَلِّصُ غَنَمِي فَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ غَنِيمَةً، وَأَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ.23- وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِيًا وَاحِدًا فَيَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ، هُوَ يَرْعَاهَا وَهُوَ يَكُونُ لَهَا رَاعِيًا.24- وَأَنَا الرَّبُّ أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسًا فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ.25- وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ، وَأَنْزِعُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ، فَيَسْكُنُونَ فِي الْبَرِّيَّةِ مُطْمَئِنِّينَ وَيَنَامُونَ فِي الْوُعُورِ.26- وَأَجْعَلُهُمْ وَمَا حَوْلَ أَكَمَتِي بَرَكَةً، وَأُنْزِلُ عَلَيْهِمِ الْمَطَرَ فِي وَقْتِهِ فَتَكُونُ أَمْطَارَ بَرَكَةٍ.27- وَتُعْطِي شَجَرَةُ الْحَقْلِ ثَمَرَتَهَا، وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَيَكُونُونَ آمِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ، وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ تَكْسِيرِي رُبُطَ نِيرِهِمْ، وَإِذَا أَنْقَذْتُهُمْ مِنْ يَدِ الَّذِينَ اسْتَعْبَدُوهُمْ.28- فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ غَنِيمَةً لِلأُمَمِ، وَلاَ يَأْكُلُهُمْ وَحْشُ الأَرْضِ، بَلْ يَسْكُنُونَ آمِنِينَ وَلاَ مُخِيفٌ.29- وَأُقِيمُ لَهُمْ غَرْسًا لِصِيتٍ فَلاَ يَكُونُونَ بَعْدُ مَفْنِيِّي الْجُوعِ فِي الأَرْضِ، وَلاَ يَحْمِلُونَ بَعْدُ تَعْيِيرَ الأُمَمِ.30- فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ مَعَهُمْ، وَهُمْ شَعْبِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.31- وَأَنْتُمْ يَا غَنَمِي، غَنَمُ مَرْعَايَ، أُنَاسٌ أَنْتُمْ. أَنَا إِلهُكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
ع11-13: يبدأ الله في إعلان تفاصيل رعايته لغنمه، فيجمعها من الأماكن التى تشتتت فيها، أى ضلت؛ بسبب تعاليم غريبة، أو شهوات شريرة، في الوقت الذى غابت فيه الرعاية. ويلقبه الله بيوم الغيم والضباب، الذى لا يستطيع أحد فيه أن يميز الرؤيا فيتعرض للضلال، أى لا توجد فيه تعاليم صحيحة ورعاية، فيسهل الضلال. والآن الله برعايته يعيدها إلى بيته، وهذه الرعاية تشمل الغنم والرعاة أيضاً، الذين فقدوا مكانهم القيادى، فصاروا محتاجين لرعاية الله بواسطة كهنة جدد، هم كهنة العهد الجديد، الذين يقدمون تعاليم المسيح كلها، بما فيهم اليهود الرافضين للمسيح.
ونلاحظ أن الله يبدى إعلانات وسط خرافه المشتتة، فرغم أن شعب الله مشتت ومذلول بين بلاد الإمبراطورية البابلية؛ لكن الله في وسطهم يرعاهم، حتى يعيدهم إلى بلادهم. كمايظهر في رعايته لطوبيا ولأستير وكل شعب اليهود، فهذا يطمئن أولاد الله أنه معهم في ضيقاتهم حتى يرفعها عنهم.
إن كانت خطايا بنى شعبه قد أدت إلى سبيهم وتشتتهم في بلاد العالم المختلفة، فإن الله يعيدهم عندما يتوبون إلى أورشليم؛ ليعبدوه. وأورشليم ترمز لكنيسة العهد الجديد، التى يرعى فيها الله كل شعبه من اليهود والأمم. ورعاية الله لشعبه تكون على الجبال، أى السمو الروحى والنظر إلى السماويات، وأيضاً في الأودية، أى يعلمهم الاتضاع، أى يعيشون معه في كل أماكن الأرض؛ لأن كنيسة العهد الجديد ستملأ العالم كله ولا تكون في أورشليم فقط، أى لا تقدم ذبيحة لله في مكان واحد، بل في كل مكان.
ع14: مراحها : أماكن الرعى التى تشبع فيها وتشرب وتلعب وتستريح.,
تربض : تجلس على الأرض وتستريح.
يوضح الله أن رعايته لشعبه تكون على أعلى مستوى، إذ يعطيهم أماكن الغذاء الكامل والراحة الحقيقية. وأيضاً على الجبال، حيث السمو الروحى. كل هذا يكون ليس فقط في العودة من السبى والعبادة في هيكل أورشليم، ولكن بالأكثر في كنيسة العهد الجديد، والتى ترمز إلى ملكوت السموات.
ع15: يتعهد الله برعاية غنمه، فتأكل وتشرب وتشبع وتمرح، ثم تربض وتستريح، فهو يقدم عناية متكاملة لنفوس أولاده.
ع16: يعد الله بإصلاح الأخطاء الناتجة من عدم رعاية الكهنة، أى الرعاة الأشرار السابقين، فيرد النفوس الضالة والمطرودة من الناس والمكسورة بسبب حروب إبليس، أى يجمع كل النفوس البعيدة، التى كانت في نظر الناس مفقودة ولا أمل فيها.
ومن ناحية أخرى يبيد ويحكم على النفوس المتكبرة، الرافضة لله، والمعتمدة على قوتها أى السمين والقوى، وبهذا يقود شعبه بعدل، فينقذ المظلوم، ويعاقب المتكبر والظالم.
ع17: يؤكد الله أنه سيدين كل النفوس في يوم الدينونة العظيم، فيحكم بين شاة وشاة وبين كباش وتيوس، أى سيدين الكل أقوياء وضعفاء رجال ونساء. هذا الكلام يعطى رجاء للضعفاء المحتملين الآلام، فيجدوا مكافأة في الأبدية، ويخيف في نفس الوقت الأشرار المستبيحين والمتهاونين أن لهم عقاب في الأبدية، لعلهم يرجعون ويتوبون.
ويفهم من الآية أن الأشرار يستهينون بخطاياهم ويعتبرونها صغيرة أو لا شئ، إذ يقول لهم الله “أصغير عندكم”. فإن أهملوا خطاياهم يدينهم الله، أما إن تابوا فيرفعها عنهم.
إن باب التوبة مفتوح لك، فحاسب نفسك كل يوم عن كل كلمة، أو فكر ردئ، حتى تنال الغفران. ولا تحاول ان تبرر خطاياك؛ لئلا تفقد إحساسك بالتوبة، ثم يدينك الله. اليوم يوم مقبول، فقدم توبتك لتنال مراحم الله.
ع18: سيحاسب الله الشاة التى تأكل من الحشائش الجيدة، ثم تدوس الباقى بأقدامها؛ لتتلفه، حتى لا يأكل منه أحد. وأيضاً الشاة التى تشرب من المياه العميقة، ثم لا تترك غيرها يشرب، بل وتعكرها بأن تلهو بأقدامها المتسخة في هذه المياه، وتثير الطين الذى في القاع؛ لتمنع غيرها من الشرب منها.
وهذا معناه أن الله سيحاسب النفوس الأنانية، التى تبحث عن راحتها على حساب الآخرين، فيهتمون بتحصيل المال، وسد احتياجاتهم، وكذلك المعرفة الروحية، ثم يستغلون غيرهم ويضعون أمامهم عقبات كثيرة تعطلهم عن الوصول إلى الله، إما بكثرة التوبيخ وإظهار صعوبة تنفيذ الوصية، أو تخفيف تنفيذ الوصية، فلا يتحمسوا للجهاد الروحى ويسقطون في خطايا كثيرة.
وتنطبق هذه الآية أيضاً على الهراطقة ومثيرى الشكوك، والكهنة والخدام الذين يسلكون بطريقة معثرة لمن حولهم، مثل كهنة اليهود والكتبة والفريسيين أيام المسيح، الذين وبخهم المسيح لأجل شرورهم (مت23).
ويقصد أيضاً بالمرعى الجيد، النفوس التى يرجو الرعاة منها مكسباً مادياً، أما بقية مراعيكم فتدوسونها بأقدامكم، فالمقصود هنا إهمال وظلم النفوس الفقيرة والضعيفة التى لا يرجو منها الرعاة أى مكسب.
ع19: يعلن الله حزنه على النفوس المعثرة والتى تعانى من ظلم الأشرار والأنانيين المذكورين في الآية السابقة، فيضطر هؤلاء الضعفاء أن يشربوا من المياه المكدرة ويأكلوا من الأعشاب المداسة من الأرجل.
ع20: يؤكد الله أنه سيحاكم الظالم والمظلوم، أى الشاة السمينة على حساب الشاة الهزيلة، فالشاة التى تأكل طعام غيرها سيعاقبها الله، أما الضعيفة المظلومة فسينصفها ويعوضها.
ع21: بهزتم : الدفع بالجنب والكتف بشدة.
يدين الله الشاه الظالمة التى استخدمت قوة جسمها لتدفع الشاة الضعيفة وتطردها خارج المرعى وتنطحها بقرونها لتجرها. إنها كلها مظاهر لظلم القوى للضعيف، فالله هنا يعلن أنه سيحاكم كل النفوس، ليس فقط الرعاة المهملين رعايتهم، بل أيضاً كل من يظلم غيره.
ع22: برعاية الله، يخلص غنمه الضعيفة، ويعطيها فرصة للحياة، أى أنه يحكم على كل شاة فيعاقب الظالم وينصف المظلوم. ويفهم من هذا أن ليس كل إنسان يعلن تبعيته لله هو إنسان مقبول من الله، فالله لا يحكم حسب الظاهر، بل حسب القلب والسلوك السليم.
ع23: يعلن الله بوضوح أن الرعاية الكاملة ستكون من شخص واحد، هو المسيح الفادى الوحيد للبشرية، ابن داود، المسيا المنتظر، الذى ليس بغيره الخلاص. والمقصود طبعاً المسيح وليس داود لأن داود كان قد مات قبل أيام حزقيال بزمن بعيد.
ع24: يوضح الله أن المؤمنين به سيكونون شعبه وهو إلههم، وسيتجسد المسيح بينهم، ويقودهم ويعظهم ويشفى أمراضهم، ويكون رئيساً بينهم يقودهم إلى الملكوت.
ع25: الوعور : جمع وعر وهو المكان المقفر المهجور، الذى لا يعيش فيه إنسان لأنه صحراء جرداء.
يشرح الله صفات مملكته الجديدة، وهى كنيسة العهد الجديد التى يهب المؤمنين فيها السلام الداخلى، ويعيشون بالحب والسلام بعضهم مع بعض، ويقيد الشياطين التى هى الوحوش. فلا يكون لها سلطان على البشر، بل تحاول إغراءهم فقط، ولكن لا تجبرهم على الخطية. وتتميز الكنيسة أيضاً بقوة الله العاملة فيها، وتستطيع أن تعيش في البرارى والصحارى. وهذا ما فعله الآباء الرهبان، فلم يعد للشياطين مكان في الأماكن المقفرة، بل ملأها الرهبان بالصلوات وقدسوها.
ع26: أكمتى : الأكمة هى تل، أو جبل صغير.
يتكلم هنا عن أورشليم المبنية على الآكام الخمسة التى فيها بيت الله. وهى ترمز لكنيسة العهد الجديد، فيجتمع فيها المؤمنون، وتكون الكنيسة بركة لكل ما حولها.
ويفيض الله عليها بالأمطار والبركات، التى هى العطايا السماوية التى يهبها الروح القدس لأولاده في الكنيسة. وتكون هذه العطايا لسد احتياجات أولاده وكنيسته في الوقت الذى يحتاجون فيه لعطايا الله، أى لا يتأخر الله عنهم، بل يشبعهم دائماً بخيراته الروحية، بالإضافة لاحتياجاتهم المادية.
ع27، 28: ربط نيرهم : النير هو الخشبة التى توضع على رقبتى الحيوانين وتثبت في النير الآلات الزراعية، التى تجرها الحيوانات مثل المحراث. وتربط هذه الخشبة برقبتى الحيوانين بواسطة حبل، فالله يكسر هذه الخشبة ويقطع الربط، أى يحررهما من العبودية.
تكون الحياة الجديدة في الكنيسة مملوءة بالشبع، فالأشجار وكل النباتات تعطى ثمارها وغلاتها، أى أن المؤمنين يمتلئون بالفضائل والثمار الروحية، التى تؤكد تبعيتهم لله. ويحيون في سلام وطمأنينة داخل الكنيسة؛ لأن الله يهبهم السلام الداخلى، ويكسر نير عبوديتهم للخطية؛ لأنهم يعيشون في التوبة، فلا تستطيع الشياطين أن تغتصبهم، أو تخيفهم؛ لأن الله يحميهم فيعيشون في أمان، متمتعين بعشرة الله.
ع29: يجعل الله المؤمنين به في كنيسة العهد الجديد غروساً قوية ذات سمعة جيدة وصيت عظيم بسبب ثمارها الجيدة، أى فضائل المؤمنين، التى تظهر بوضوح بين كل البشر، فيعرفهم الناس من ثمارهم أنهم أولاد الله.
ولا يتعرض أولاد الله للسبى، كما تعرضوا في العهد القديم، ويحيون مع الله؛ لأن الكنيسة تنتشر في كل مكان. وحتى لو تعرضوا للنفى كاضطهاد لهم، يجدون الله معهم، فيتمتعون به، فلا يكون للنفى أى تأثير عليهم.
لا تكون للمؤمنين خطايا ظاهرة يعيرهم بها أهل العالم، بل يكونوا أنقياء وسلوكهم المسيحى يصير نوراً للعالم.
الصيت الحسن الذى يناله أولاد الله القديسون هو جزء قليل من صيت المسيح غصن البر (إر23: 5)، الذى له اسم فوق كل اسم (فى2: 9)، فهم نور للعالم، كما أنه نور العالم.
ع30: عندما يتمتع المؤمنون بكل البركات السابقة؛ يثقون أن الرب معهم وهم شعبه إسرائيل الجديد، أى المسيحيون.
ع31: يؤكد الله هنا أن كلامه عن الغنم يقصد به أولاده البشر، الذين يتمتعون برعايته لهم.
وخلاصة هذا الأصحاح نجده يبين خطايا كهنة العهد القديم، ثم الرعاية الجديدة في كنيسة العهد الجديد، كما يلى :-
أ – خطايا الرعاة :
- الأنانية : انشغل الرعاة برعاية أنفسهم وتركوا رعاية القطيع (ع1، 2).
- الطمع : استغل الرعاة رعيتهم فأكلوا السمين .. وتركوا الرعية في فقر وذل (ع3).
- إهمال خدمتهم ورعايتهم : فتركوا رعيتهم بأوجاعهم المختلفة يضلون ويهلكون (ع4).
- العنف والقسوة : إذ استخدموا سلطانهم بالتسلط والسيطرة (ع10).
ب – رعاية الله لكنيسته في العهد الجديد :
- رعاية الله بنفسه لشعبه (ع24).
- يعيشون في سلام (ع25).
- يبيد الوحوش، أى يقيد الشياطين (ع25).
- لا يخافوا أن يسكنوا في البرارى، بل يعمروها بالصلوات (ع25، 28).
- ينالون بركات سماوية كثيرة، هى عطايا ومواهب الروح القدس (ع26).
- يعطى المؤمنين ثماراً، أى يتميزون بفضائل كثيرة (ع27).
- يكون لهم صيت حسن لفضائلهم ولايعيرهم أحد (ع29).