نبوة ضد الأدوميين
تكلم السفر من (ص25) حتى (ص32) على نبوات عن الأمم، أى الشر الخارجى، وضرورة الابتعاد عنه، ثم يبدأ من (ص33) حتى (ص39) الكلام عن الإعداد الداخلى لشعب الله. ولكنه يعود ثانية لهذا الأصحاح يتنبأ عن الأمم، فيتنبأ عن الأدوميين، الذين سبق التنبؤ عنهم في (ص25) ولكن هنا يتنبأ بالتفصيل، معدداً خطاياهم وذلك لأمرين :
- تنبيه شعب الله لأهمية اقتران طرد الشر الداخلى مع الابتعاد عن الشر الخارجى.
- ضرورة احتراس شعب الله من خطايا العالم الشرير المحيط بهم؛ حتى لا يسقطوا فيه.
(1) كراهية الأدوميين لشعب الله (ع1-9):
1- وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً:2- «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ جَبَلِ سَعِيرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ،
3- وَقُلْ لَهُ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا جَبَلَ سَعِيرَ، وَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكَ وَأَجْعَلُكَ خَرَابًا مُقْفِرًا.4- أَجْعَلُ مُدُنَكَ خَرِبَةً، وَتَكُونُ أَنْتَ مُقْفِرًا، وَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.5- لأَنَّهُ كَانَتْ لَكَ بُغْضَةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَدَفَعْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى يَدِ السَّيْفِ فِي وَقْتِ مُصِيبَتِهِمْ، وَقْتِ إِثْمِ النِّهَايَةِ.6- لِذلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي أُهَيِّئُكَ لِلدَّمِ، وَالدَّمُ يَتْبَعُكَ. إِذْ لَمْ تَكْرَهِ الدَّمَ فَالدَّمُ يَتْبَعُكَ.7- فَأَجْعَلُ جَبَلَ سَعِيرَ خَرَابًا وَمُقْفِرًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْهُ الذَّاهِبَ وَالآئِبَ.8- وَأَمْلأُ جِبَالَهُ مِنْ قَتْلاَهُ. تِلاَلُكَ وَأَوْدِيَتُكَ وَجَمِيعُ أَنْهَارِكَ يَسْقُطُونَ فِيهَا قَتْلَى بِالسَّيْفِ.9- وَأُصَيِّرُكَ خِرَبًا أَبَدِيَّةً، وَمُدُنُكَ لَنْ تَعُودَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع1-3: الأدوميون هم نسل أدوم، أى عيسو، فهم أولاد عمومة لشعب الله، ولكنهم وثنيون، وكانوا في عداوة مع شعب الله، ومع هذا عندما أتى بنو إسرائيل من برية سيناء؛ ليعبروا إلى أرض كنعان وأرادوا أن يمروا في بلاد أدوم، أوصاهم الله ألا يقاتلوا الأدوميين؛ لأنهم أقرباؤهم (تث23: 7). وعندما لم يسمح الأدوميون لهم بالمرور، داروا حول أرضهم؛ ليصلوا إلى كنعان، وحدثت حروب كثيرة بينهم وبين شعب الله ولعل أقواها، عندما قتل داود الكثيرين منهم، ولكن بقيتهم ظلت تحت الحكم البابلى، ثم مادى وفارس واليونانيين، الذين أثناء حكمهم أجبرهم يوحنا هيركانوس من دولة المكابيين أن يتهودوا. وفى العصر الرومانى عندما دمر الرومانيون أورشليم وقتلوا اليهود الذين فيها أبادوا أيضاً الأدوميين ولم يعد لهم ذكر في التاريخ بعد هذا.
وقد سكن الأدوميون في سلسلة جبال سعير التى تقع جنوب بلاد اليهود وشرق برية سيناء، فتمتد من جنوب البحر الميت إلى خليج العقبة. وعيسو كان مشعراً وقد سكن نسله في هذه الجبال، وسعير معناها شعر وأدوم معناها أحمر، فلذلك سمى عيسو بأدوم؛ لأن لونه كان يميل إلى الحمرة.
ونتيجة كثرة شرور الأدوميين أمر الله حزقيال أن يتنبأ عليهم بالتفصيل في هذا الأصحاح، ويعلن أنه سيبيد الأدوميين ويجعل مساكنهم في جبال سعير خراباً، وتكون الجبال مهجورة.
ولكثرة شرور أدوم فهو يرمز للشيطان، الذى يحارب أولاد الله؛ لأن أدوم كان يبغض ويقاتل يعقوب من البداية، وطوال تاريخ هذين الشعبين، كما يبغض الشيطان أولاد الله. وأدوم معناه أحمر، كما أن الشيطان سافك للدماء وقتال منذ البدء (يو8: 44). وكما شمت أدوم في شعب الله عند بليتهم (ص25: 12)، هكذا يشمت الشيطان في أولاد الله عند سقوطهم في الخطيئة.
ع4: عندما تتم هذه النبوة بخراب أدوم يعلم الباقون وكل العالم أن كلام الله صادق لهم ويؤمنون به، إذ هو فوق كل الآلهة الغريبة.
ع5: إثم النهاية : أى عندما كملت آثام شعب الله في النهاية أدبهم بالسبى البابلى.
يذكر هنا الخطية الأولى، التى من أجلها أباد الله الأدوميين، وهى كراهيتهم لشعب الله؛ حتى أنهم استغلوا مصيبته، عندما هجم البابليون على أورشليم واليهودية، وقتلوا من فيها، وهرب الكثيرون، فقام الأدوميون بقتل الهاربين، بدلاً من استضافتهم، وذلك لكراهيتهم الشديدة لليهود.
ع6: يعاقب الله الأدوميين بنفس الطريقة التى عاملوا بها أولاده، فكما سفكوا دماء شعب الله، الله سيسفك دماءهم عن طريق الأمم، مثل بابل ومادى وفارس والرومان.
احترس أن تظلم الآخرين بأن تدينهم، أو تسئ إليهم بأية طريقة؛ لئلا يعاقبك الله بنفس الطريقة، كما قال لا تدينوا لكى لا تدانوا، ودينونة الله فوق احتمالك؛ لأنها تؤدى بك إلى الهلاك، فكن رحيماً مع الكل؛ لتنال مراحم الله.
ع7: الآئب : الراجع.
يؤكد الله أنه سيخرب جبال سعير، فتكون مهجورة ولا يمر بها أى إنسان أدومى؛ لأنهم سيفنون تماماً.
ع8: من كثرة هجمات الأمم على الأدوميين ستمتلئ جبال سعير من قتلاهم.
ع9: هذا الخراب والإبادة للأدوميين ستكون إلى الأبد، إذ لا يوجد إنسان اليوم يستطيع أن ينسب نفسه إليهم.
(2) طمع الأدوميين (ع10-12):
10- لأَنَّكَ قُلْتَ: إِنَّ هَاتَيْنِ الأُمَّتَيْنِ، وَهَاتَيْنِ الأَرْضَيْنِ تَكُونَانِ لِي فَنَمْتَلِكُهُمَا وَالرَّبُّ كَانَ هُنَاكَ،
11- فَلِذلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لأَفْعَلَنَّ كَغَضَبِكَ وَكَحَسَدِكَ اللَّذَيْنِ عَامَلْتَ بِهِمَا مِنْ بُغْضَتِكَ لَهُمْ، وَأُعَرِّفُ بِنَفْسِي بَيْنَهُمْ عِنْدَمَا أَحْكُمُ عَلَيْكَ،12- فَتَعْلَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، قَدْ سَمِعْتُ كُلَّ إِهَانَتِكَ الَّتِي تَكَلَّمْتَ بِهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: قَدْ خَرِبَتْ. قَدْ أُعْطِينَاهَا مَأْكَلاً.
ع10: عندما هجمت أشور على مملكة إسرائيل وخربتها، ثم تلتها بابل، فخربت مملكة يهوذا، ظن أدوم في طمعه أنه سيستولى على أراضى هاتين الأمتين، أى إسرائيل ويهوذا، ونسى أن الله إلههم قادر أن يعيدهم، وهذا ما حدث عند إرجاع الله لشعبه من السبى.
وعندما يقول أن الله كان هناك، يظهر مدى عناية الله بأولاده، فهو وإن كان يؤدبهم، ولكنه كأب مازال في وسطهم، ينتظر توبتهم؛ ليعيد إليهم ممتلكاتهم، ويدافع عنهم ضد كل عدو.. فهو يحبهم لأنهم أولاده؛ حتى وإن كانوا أشراراً، إلى أن يرجعوا إليه.
ليتك تخشى الله إذا حاربك الشيطان، ودفعك لتسئ إلى أحد؛ لأن إلهه ينظر ويدافع عنه وينتقم منك، فكل إنسان هو صورة لله، فبإساءتك إليه تسئ لله نفسه.
ع11: يقسم الله بنفسه أنه سيعاقب أدوم على غضبه وكراهيته وحقده على شعب الله، حتى يعلم أدوم وكل الأمم أن الله وسط شعبه، فيخافونه عندما يرون انتقامه من الأدوميين، أى يخافه شعبه، وكل من يؤمن من الأمم، وينضمون إلى شعبه.
ع12: عندما ينتقم الله من الأدوميين، ستعلم بقيتهم وكل الأمم صدق كلام الله على فم حزقيال، لعلهم يرجعون إلى الله ويؤمنون به.
ويظهر طمع الأدوميين في رغبتهم أن يأكلوا خيرات شعب الله؛ عندما يستولون على أراضيهم، بعد تخريب الأشوريين والبابليين لها. ولكن هذا الطمع انقلب عليهم؛ إذ خربت مدنهم وأبادهم الله.
(3) كبرياء الأدوميين (ع13-15):
13- قَدْ تَعَظَّمْتُمْ عَلَيَّ بِأَفْوَاهِكُمْ وَكَثَّرْتُمْ كَلاَمَكُمْ عَلَيَّ. أَنَا سَمِعْتُ.14- هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: عِنْدَ فَرَحِ كُلِّ الأَرْضِ أَجْعَلُكَ مُقْفِرًا.15- كَمَا فَرِحْتَ عَلَى مِيرَاثِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ خَرِبَ، كَذلِكَ أَفْعَلُ بِكَ. تَكُونُ خَرَابًا يَا جَبَلَ سَعِيرَ أَنْتَ وَكُلُّ أَدُومَ بِأَجْمَعِهَا، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
ع13: يعلن الله الخطية الثالثة للأدوميين وهى كبرياءهم على الله وعلى شعبه، معتمدين على آلهتهم الوثنية، وتكلمهم بكلمات غرور واستهزاء على شعب الله وإلههم. وأطال الله أناته ولكن كثر كبرياؤهم، حتى أن الله أمر بالانتقام منهم.
إن الله يسمع كل كلمة تقولها، فكن محترساً لأى كلمة شريرة تخرج من فمك، حتى لا تحاسب عليها. تذكر دائماً أن الله يراك فتخافه وتبتعد عن كل شر، بل تمجده وتحسن إلى البشر أولاده.
ع14، 15: ميراث بيت إسرائيل : أراضى وخيرات شعب الله عندما يعود شعب الله من السبى ويزدهرون – أيام الدولة المكابية – يضعف الأدوميون وتخرب بلادهم؛ حتى تصير قفراً مهجوراً.
فكما ظن أدوم في كبريائه أنه سيتعاظم عند مصيبة شعب الله في السبى تنقلب الأمور، فيثبت شعب الله الراجع إليه باتضاع ويفرحون، أما أدوم المتكبر، فيفنى بكبريائه. وحينئذ يعلم الباقون منه صدق كلام الله على فم حزقيال.